شهدت إيران تظاهرات في مناطق مختلفة، في احتجاج هو الأول من نوعه في ظل حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، يعكس رد فعل شعبي على خطة "الجراحة الاقتصادية"، التي أقرّتها الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.
وبموجب الخطة المقترحة، خفّضت الحكومة دعم السلع الأساسية، مثل زيت الطهي ومنتجات الألبان والقمح والطحين والدجاج والبيض، واصفةً قرارها بأنه "إعادة توزيع عادل للدعم على أصحاب الدخل المنخفض".
على إثرها، نزل الإيرانيون إلى الشوارع بعد أن تسبب خفض الدعم الغذائي في ارتفاع الأسعار بنسبة وصلت إلى 300% في بعض المواد الغذائية، مما يزيد أعباء المعيشة على المواطن الإيراني الذي يعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة على خلفية العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد.
وساهمت الحرب الروسية الأوكرانية، وما نثرته من غلاء في أسعار المواد الغذائية وتضخم في الاقتصادات المحلية، مع سوء الإدارة الحكومية على مر العقود الماضية، في تفاقم الأزمة الاقتصادية الممتدة في إيران، والتي تعود جذورها إلى العام 1980، والتي استمرت في منحى تصاعدي إجمالاً، ووصلت إلى ذروتها إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
شهدت إيران تظاهرات في مناطق مختلفة، في احتجاج هو الأول من نوعها في ظل حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، يعكس رد فعل شعبي على خطة "الجراحة الاقتصادية"
ورأت دراسة لمجلس العمل الإيراني، صدرت في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، أن الدخل اللازم لأُسرة مكوَّنة من ثلاثة أفراد تُقدّر بقرابة 11 مليون تومان، حتى تعيش حياةً كريمةً، في حين أنَّ متوسط دخل الأسرة العاملة يبلغ 4.2 مليون تومان. ويستمرّ التومان الإيراني في التراجع مقابل الدولار، إذ يوازي الدولار الواحد اليوم، نحو 42 ألف تومان.
وتشير مقاطع متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى خروج تظاهرات في مدينة شهركرد ومنطقة هفشتجان في محافظة جهار محل وبختياري، بالإضافة إلى مدن دزفول وأيذة و أنديمشك في خوزستان ولورستان وأردبيل وخرسان جنوب غرب إيران، وامتدت الاحتجاجات إلى بلدة كوتشان بالقرب من الحدود مع تركمانستان ومدينة رشت الشمالية ومدينة همدان في غرب البلاد.
وكان أهالي كلبايكان في محافظة أصفهان، قد بدأوا احتجاجاتهم المناهضة للنظام تحت شعار "عار عليك رئيسي... ارحل من البلاد"، وخرجوا إلى الشارع في مراسم دفن المتظاهر بيش علي حاجي وند، ورفعوا شعارات مثل: "الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، و"على رجال الدين أن يخرجوا من البلاد"، و"المدفع، والدبابة، والصاروخ لن تنفع بعد اليوم".
وأقرّت وكالة الأنباء الرسمية "إيرنا"، بخروج الاحتجاجات، واصفةً إيّاها بالتّجمعات الصغيرة، وأنّه قد تمّ حرفها عن مسارها الاحتجاجي، ورفعت شعارات "منتهكة للحرمات"، كما أقرّت الوكالة باعتقال "عشرات المشاغبين والمحرّضين".
النظام والمجتمع
ويخشى حكام إيران تكرار احتجاجات عام 2019، وهي الأكثر دمويةً في تاريخ البلاد، والتي انطلقت شرارتها بسبب ارتفاع أسعار الوقود واتخذت بعد ذلك منحى سياسياً بالدعوة لإسقاط النظام، وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية سقوط أكثر من 300 قتيل خلالها، فيما تحدثت وكالة رويترز عن سقوط نحو 1،500 قتيل.
يعدد المعارض الإيراني، مسعود محمدي، تناقضات جزء كبير من المجتمع الإيراني مع نظام الملالي في حالاته الرئيسية: "قمع الحریات، وصراع بين طبقتين؛ طبقة عاملة وفلاحية وأخرى رأسمالية حاكمة، والسكان المهمشون الذين تتزايد أعدادهم كل يوم، وصراع القوميات، وصراع المرأة في المجتمع مع حكومة مناهضة للنسوية، والصراع الداخلي بين عصابات النظام نفسه والذي امتد الآن إلى معسكر المرشد الأعلى، بالإضافة إلى صراع النظام مع دول المنطقة، وصراعه مع الغرب حول القضايا النووية والصاروخية والإقليمية في ظل استمرار العقوبات".
انتفاضة 2009، كانت حالةً من حالات الصراع بين أجنحة النظام ذاته، بالرغم من الإكراهات التي فرضها الشارع الإيراني على زعيمَي الحركة الخضراء
ويتحدث محمدي، عن الانتفاضات الشعبية في وجه نظام الملالي منذ قيامه حتى الآن، ويتوقف عند انتفاضة 2019، ويتناول بدقة التنسيق فيها بين المنتفضين في أساليب الاحتجاج وتكتيكاته، بالرغم من امتدادها إلى أكثر من 200 مدينة في إيران.
وبرأيه، فإن "انتفاضة 2009، كانت حالةً من حالات الصراع بين أجنحة النظام ذاته، بالرغم من الإكراهات التي فرضها الشارع الإيراني على زعيمَي الحركة الخضراء، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، للمناداة بتغيير النظام، وحينها اعتزل موسوي الحركة وتركها لقمع النظام".
غليان الشارع
في إشارة إلى الاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً، قال المخرج الإيراني وأحد محكِّمي مهرجان كان السينمائي لهذا العام، أصغر فرهادي، الثلاثاء 17 أيار/ مايو الحالي: "يسعدني أن أكون عضواً في تحكيم مهرجان كان السينمائي، لكن هذه السعادة ليست عميقةً، فكثيرٌ من الإيرانيين لا يمكنهم أن يكونوا سعداء على الإطلاق، بالنظر إلى ما يحدث في بلادي هذه الأيام"، معلناً أنَّ صبرَ الشعب الإيراني قد نفد.
بدوره، يذكر الأمين العام الأسبق للجبهة العربية لتحرير الأحواز، محمود بشاري الكعبي، أن دولة الأحواز كانت حتى عام 1979، تحتوي على 12 مليون نخلة، كما أنها السلة الغذائية للمنطقة بما تحتويه من أنهار وأهوار، بالإضافة إلى ما تحتويه من نفط.
ويضيف أن "الشعوب الإيرانية ضرورية فقط من أجل ديمومة الحياة في العرش العالي لولاية الفقيه، والذي سخّر جميع موارد الدولة الإيرانية، الغنية جداً، لنشر العقيدة الظلامية وتأسيس جيوش ومحالفين لهم في تنفيذ مخططاتهم الإرهابية، مما جعل الأحوازي اليوم يبيع ما يملك لأجل إطعام عائلته، ويضطر أبناء محافظات أخرى إلى بيع أعضائهم البشرية لتأمين مصاريفهم الحياتية".
تُشكل طبقة الفقراء والمهمّشين الآن الجزء الأكبر من المجتمع، ومع إمكانية الوصول إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، والوعي بحقوقهم ومقارنتها مع البلدان الأخرى، تحولت هذه الديناميكية إلى احتجاجات وانتفاضات لن تكون لها نهاية في إيران
وتعليقاً على الاحتجاجات، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، عن دعم واشنطن للمحتجين، واصفاً إياهم بأنهم "شجعان يدافعون عن حقوقهم"، وأضاف في تغريدة على موقع تويتر، إن "للشعب الإيراني الحق في محاسبة حكومته. نحن ندعم حقوقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير عبر الإنترنت وخارجه، من دون خوف من العنف والانتقام".
وبالتزامن مع الاحتجاجات، واصل سائقو شركة حافلات طهران إضرابهم عن العمل. وفي إشارة إلى إضرابهم في جميع أنحاء إيران قبل أربع سنوات، كتب الاتحاد في بيانه، الخميس في 19 أيار/ مايو: "لقد أوصلت تلك الملحمة الكبيرة والإضراب الفعال أصوات الآلاف من سائقي البلاد الكادحين إلى العالم".
ويطالب سائقو الشاحنات في إيران بتطبيق طريقة حساب الطن-كيلومتر، والاهتمام بالأمن الوظيفي، وخفض أسعار الوقود وقطع الغيار ورسوم الطرق، مع الاهتمام بالمرافق الاجتماعية والصحية في المحطات، وتحديد مصير لجنة شركات النقل، ومنع نهب السائقين من قبل مافيا النقل.
وبحسب محمدي، المنتفضون هم فقراء الحضر (عاطلون عن العمل، وعمال، ومهمشون... إلخ)، والطبقات الدنيا، الذين فقدوا ممتلكاتهم في سوق الأوراق المالية أو المؤسسات الأخرى نتيجة المضاربة الحكومية وخدعها. وتتوسع هذه الطبقات بسرعة في إيران، وتُشكل الآن الجزء الأكبر من المجتمع، ومع إمكانية الوصول إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، والوعي بحقوقهم ومقارنتها مع البلدان الأخرى، تحولت هذه الديناميكية إلى احتجاجات وانتفاضات لا نهاية لها في إيران.
ويشير إلى دور منظمة مجاهدي خلق في هذه الانتفاضات، ما أدى إلى انتقالها من المطالب النقابية والمعيشية إلى المطالب السياسة، لا سيما بعد انتفاضة 2009، والتي كانت فيها المنظمة محاصرةً في مخيم أشرف في العراق من قبل الميليشيات العراقية الدائرة في الفلك الإيراني.
كتبت زوجة شاه إيران الراحل، فرح بهلوي: "عشاق إيران أدركوا أنهم لا يستحقون الفقر والحرمان من الحياة، تحت أي مبرر. نريد من الجميع أن يفكروا في رسالة الوحدة التي تحققت"
وتزامناً مع الاحتجاجات، كتبت زوجة شاه إيران الراحل، فرح بهلوي: "عشاق إيران أدركوا أنهم لا يستحقون الفقر والحرمان من الحياة، تحت أي مبرر. كلّما ازداد ظلم هذا النظام وقمعه واستبداده، كلما كانت أصوات الشعب متشابهةً وتعمّقت وحدته. نريد من الجميع أن يفكروا في رسالة الوحدة التي تحققت".
تخدير وترهيب
بحسب الكعبي، فإن نظام الولي الفقيه لا يمتلك ما يقدمه للشعب الإيراني سوى الحديث عن أن الإمام علي، رضي الله عنه، عاش فقيراً ولم يتملك شيئاً"، فيما يورد الكعبي المقولة الشهيرة للإمام علي: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، مضيفاً أنه "بالإضافة إلى تخدير الشعوب الإيرانية لجأ النظام مؤخراً إلى ترهيبها بالميليشيات الولائية العاملة بأمره في لبنان والعراق وسوريا واليمن، إذ إن نظام الولي الفقيه، الفاقد للتأييد الشعبي والخائف من حركة الشارع، أطلق تهديده بأن لدينا من يدافع عن وجودنا، وقد أعطى السفير الإيراني الجديد في بغداد، خلال لقائه قادة الميليشيات الولائية، إيعازاً بالجهوزية لما قد تستدعيه الساحة الإيرانية".
ونسب نائب قائد الشرطة، قاسم رضائي، في حديث له مع وكالة أنباء "إيلنا"، يوم الخميس في 19 أيار/ مايو الحالي، الاحتجاجات الأخيرة إلى "المعاندين والأعداء وأصحاب النوايا السيئة"، وقال: "حقيقة أن بعض الناس يتجمعون بشكل غير قانوني ويقومون بأعمال تخريبية ويضرّون بالممتلكات الشخصية والحكومية هو أمر لا يطاق، وسنتعامل بالتأكيد مع هؤلاء الناس".
في المقابل، انتقدت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية صمت المجتمع الدولي تجاه قمع الاحتجاجات في إيران، وأوضحت أن "صمت المجتمع الدولي يمهّد الطريق لمزيد من القمع"، وطالبته بإدانة الجرائم ضد المحتجين، والحيلولة دون ارتكاب مزيد من قمع المواطنين، من خلال الضغط على المسؤولين الإيرانيين.
يعيش النظام الإيراني حالاتٍ من التناقض القاتلة، بحسب محمدي، فمن تناقض بين متطلبات الحفاظ على أمن النظام والاحتياجات الأساسية للبلد، إلى التناقض بين نظام المراباة والحاجات الحياتية للناس.
يضيف: "كذلك التناقض بين حاجة النظام الملحة إلى رفع العقوبات وبين احتياجات حيازة الأسلحة النووية واستمرار سياساته الصاروخية وتدخله في المنطقة، بالإضافة إلى التناقض بين الارتفاع المستمر في أسعار السلع وضرورة المحافظة على سكون الشارع. ونتيجةً لهذه التناقضات، أصبحت مطالب المجتمع الإيراني التي لم يتم الرد عليها عاليةً جداً ومتناميةً، لا سيما بعد أن بات الاقتصاد الإيراني، وفقاً لخبراء النظام، خارجاً عن السيطرة".
ارحل رئيسي
بحسب الكعبي، فإن احتجاجات الأعوام الأخيرة والحالية، تختلف عن سابقاتها كونها احتجاجات شاملةً، فالشعوب الإيرانية تتفاعل مع بعضها البعض بعد أن أضحى نحو 75% من الشعب متضرراً من نظام الولي الفقيه، وجميعها مسلوبة الحقوق ومضطهدة باستثناء القلة القليلة من المرتبطين عضوياً ونفعياً مع النظام".
ستستمر الاحتجاجات في الظهور بغض النظر عن مقدار قمعها، والنظام ينتج الانتفاضة بنفسه نظراً إلى تخلفه التاريخي، فهو غير قادر على حل مشكلات 84 مليون شخص في إيران، وأصبحت مصاريف حفظ هذا النظام أكثر بكثير من مصاريف الحفاظ على أي نظام آخر في العالم
يضيف: "في إيران، لا وجود للمؤسسات، وإن وُجدت فهي لمهمة نشر العقيدة الخمينية، والمؤسسة الوحيدة في إيران هي المؤسسة الأمنية، والتي أضحت تحكم السياستين الداخلية والخارجية للبلاد، من خلال تعيين ضباطها كسفراء في البلدان الأخرى، من أمير موسوي، وإيرج مسجدي، وحسن إيرلو".
وانتقدت نقابة المعلمين الإيرانيين في بيان لها، تقريراً للتلفزيون الحكومي الإيراني، عن اعتقال مواطنَين فرنسيَين "بتهمة التواصل مع ناشطي النقابة"، ووصفت التقرير بأنه من "السيناريوهات الرثَّة التي يتم تجهيزها بهدف خداع الرأي العام وقمع حركة دعاوى المعلمين". مضيفةً أن احتجاجات المعلمين لها جذور وسياقات حقيقية وهي مستمرة منذ عقود، والتشهير الذي قام به معدّو هذا التقرير هو فقط من أجل محو أصل القضية.
وكان التلفزيون الحكومي قد اتَّهم في 16 أيار/ مايو الجاري، من خلال تقرير منسوب إلى وزارة الاستخبارات، معتقلَين فرنسيَين في إيران بـ"التواصل مع الناشطين العماليين والمعلمين، والسعي إلى خلق فوضى وزعزعة استقرار المجتمع". المواطنان الفرنسيان هما سيسيل كوهلر وجاك باريس، وهما يعملان في منظمة التعليم الدولية EI))، وسافرا إلى إيران لقضاء عطلة.
يرى محمدي أن الانتفاضات ستعود إلى الظهور بغض النظر عن مقدار قمعها، عادّاً أن هذا النظام ينتج الانتفاضة بنفسه نظراً إلى تخلفه التاريخي، فهو غير قادر على حل مشكلات 84 مليون شخص في إيران، وأصبحت مصاريف حفظ هذا النظام أكثر بكثير من مصاريف الحفاظ على أي نظام آخر في العالم، مما يعني أن عليه أن ينفق بشكل رهيب لإدارة قواته الدفاعية. أضف إلى ذلك، أن تناقضاته تمنعه من كسب المال الكافي بحيث يستطيع أن يتعامل مع المشكلات المزامنة للمجتمع الإيراني وأجهزة حمايته، لذا فإن أمام النظام انتفاضات متتالية، واحدة تلو أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع