شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
من أجل

من أجل "حورس"... الإخلاءات تتسارع في "الورّاق" والحكومة تنفي من المصيف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 19 أغسطس 202203:23 م


"يُحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم". المادة 63 من الدستور المصري 2016، المعدل في العام 2019.

 

تتوالى الصور ومقاطع الفيديو على شبكات التواصل، لتكشف ما ظنت السلطات المصرية أن إسكات الإعلام المحلي كاف لإخفائه. مدرعات وعربات مصفحة وجنود مدججون بالبنادق وقنابل الدخان وضباط يرتدون الأقنعة التي تخفي وجوههم لكنها تبرز الشراسة في أعينهم، وقيادات شُرطية تتبختر في ملابسها البيضاء بين أنقاض البيوت المهدمة على أرض جزيرة الوراق، فيما تشيعهم صيحات أصحاب الأرض الجاري إجلاؤهم عن بيوتهم في إطار خطة الدولة لإنهاء وجود المواطنين من غير أصحاب المليارات بالقرب من النيل.


صور ولقطات لولا اللهجة المصرية التي تبدو جلية فيها لظننتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة حسبما علق كثيرون من المشاركين على هاشتاغي #الوراق_تحت_القصف و#الوراق_تقاوم، اللذين ظهرا مع بدء الصدامات بين قوات الأمن المصرية وسكان جزيرة الوراق، أكبر الجزر النيلية في مصر، في إطار تسارع خطة الحكومة لإخلائها من أجل إقامة مشروع "حورس" الترفيهي السكني الذي يحظى باهتمام خاص من رجال أعمال ومستثمرين خليجيين.

توالي الصور ومقاطع اليديو الكاشفة أجبر الحكومة أخيراً على الرد بعدما بدأت وسائل الإعلام الأجنبية في تناول الاشتباكات التي تشهدها الجزيرة. فبعد أسبوع من الاشتباكات، عقد عاصم الجزار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، من مقر الحكومة الصيفي في مدينة العلمين الجديدة، مؤتمراً صحافياً مساء الخميس 18 أغسطس/ آب الجاري، لينفي فيه اتهامات الإخلاء القسري للسكان ونزع مليكتهم لبيوتهم وأراضيهم، متهماً "قوى الشر" بترويج أكاذيب حول ما يحدث في الجزيرة مؤكداً أن السكان راغبين في مغادرة الجزيرة بإرادتهم للانتقال إلى تجمعات سكانية جديدة خارج العاصمة.  

وبينما تنفي الحكومة، تتوالى مقاطع فيديو من الجزيرة تظهر مدرعات وعربات مصفحة وجنود مدججون بالبنادق وقنابل الدخان، وضباط يرتدون الأقنعة التي تخفي وجوههم، لكنها تبرز الشراسة في أعينهم، وقيادات شُرطية تتبختر بين أنقاض بيوت الوراق المهدمة

العجلة تدور

ويبدو أن قرار الانتهاء من ملف جزيرة الوراق على عجل قد صدر بالفعل، مع إعلان الهيئة العامة للاستعلامات عن الرسومات الهندسية لمدينة "حورس الوراق" لتكون -وفقاً للهيئة- "بديلاً عن العشوائية على أكبر جزيرة على النيل"، وخلال الأسبوع الأخير، تشهد الوراق يومياً تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن ومواطني الجزيرة الباقين البالغ عددهم 130 ألفاً، تنفي السلطات وجود معظمهم.

يقف الأهالي أمام وداخل منازلهم بينما تحاصرهم قوات الأمن وتلقي عليهم قنابل الغاز وتعتقل أبناءهم، بينما يردون هم بالحجارة. نساء ورجال وأطفال أعلنوا الاعتصام المدني السلمي أمام منازلهم وفقاً لمصادر داخل الجزيرة، وصفحات خاصة دشنوها للاستغاثة.

في المقابل، أغلقت قوات الأمن المعديات الرئيسية التي تربط بين الجزيرة والمدينة، وأصبح الدخول والخروج من الجزيرة أمراً صعباً للغاية، إذ أغلقت قوات الأمن معدية السني ومعدية شبرا الخيمة  بعد أيام من إغلاق معدية الجزار، وألقت القبض على عدد لم يتم حصره إلى الآن، أفرج عن بعضهم.

لم يكن قرار التصعيد وتكثيف الانتشار الأمني داخل الجزيرة لاخلائها من أصحابها مفاجئاً، إذ سبق أن أغلقت المعديات الرئيسية وهدمت المستشفي ومكتب البريد، بحسب شهادات سكان الجزيرة لرصيف22.  

توالي الصور ومقاطع اليديو الكاشفة أجبر الحكومة أخيراً على الرد بعدما بدأت وسائل الإعلام الأجنبية في تناول الاشتباكات التي تشهدها الجزيرة

محاولات الدخول

حاولت مراسلة رصيف22 دخول جزيرة الوراق ثلاث مرات، إلا أن مصادر من سكان الجزيرة تلقوا تهديدات بالاعتقال حال التعاون مع الصحافيين، بعد أن علمت قوات الأمن بمحاولات التواصل مع السكان.

ربما كانت تلك التهديدات وراء تردد منى محمود*، في الحديث إلى رصيف22.

تخرج منى في التاسعة من صباح كل يوم حاملة صغيرها على كتفها، وفوق رأسها طلبات الزبائن التي تتعامل معهم منذ أن كانت صغيرة في بيت أبيها، وخلفها طفلان لا يتعدى عمر أكبرهما السبع سنوات. ثم تسير القافلة الصغيرة مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات من بيتهم في الجهة القبلية من جزيرة الوراق إلى معدية شبرا الخيمة أو وراق الحضر، بعدما أغلقت قوات الأمن بأوامر هيئة المجتمعات العمرانية معدية الجزارين إحدى أكبر المعديات بجزيرة الوراق.

في خوف شديد، وبعد محاولات عديدة لإقناعها بضرورة الكلام قالت الأم الشابة: "نحن نعيش تحت حصار لا يمكن لبشر أن يتحمله. أنا من أهالي الجزيرة الأصليين، جاء والدي إلى هنا منذ ما يزيد عن 70 عاماً وكان وقتها طفلاً، بنى جدي منزلاً وأكمله أبي وأعمامي وإخوتي وأبناؤهم فيما بعد، وسكن الجميع فيه، ثم اشترى أبي فدان أرض زراعية في الجزيرة وعمل به هو وإخوتي وأبناؤهم، بينما عملنا نحن الفتيات في توزيع الخضار والفاكهة التي تنتجها أرضنا لسكان المناطق الراقية القريبة".

تستغرق منى ليلها في إعداد وتجهير الخضروات والفواكه، وتقضي صباحاتها في التوزيع ثم تعود لرعاية شؤون المنزل، هكذا مضت حياتها حتى بعد زواجها من واحد من سكان الجزيرة أيضاًً يعمل صياداً للأٍسماك النيلية. هذا الاستقرار النسبي كان يضطرب كل بضعة أسابيع كلما تلقى سكان الجزيرة تهديداً جديداً بإجلائهم عن بيوتهم وأراضيهم، إلا أن الأعوام الأخيرة لم يعد سقف القلق فيها مجرد تلقي التهديدات، إذ بدأت السلطات في ممارسة أشكال مختلفة من الترهيب والتضييق لإجلاء السكان عن الجزيرة.

تقول منى: "الحكومة عاوزة تضحي بينا عشان مشروع سياحي. قفلوا المعديات القريبة من البيوت، وبقينا لازم نستخد التكاتك عشان نوصل أو نمشى تلاتة كيلو على رجلينا لو مش قادرين ندفع تمن التوكتوك".

 مثل كل سكان الجزيرة يعتقد يونس أن ما تقوم به الدولة في أكبر الجزر النيلية "من أجل سكان آخرين من علية القوم لديهم مال يكفي أن يعيشوا حياة آدمية، لا يموتون مثل أولادنا، ليس لشيء سوى أنهم من علية القوم"

تضيف الأم الشابة أن قوات الأمن "أجبرت" أباها على بيع الأرض "اللي فنى عمره فيها ومات فيها اتنين من اخواتي" وإلا فسيكون العاقب تنفيذ أحكام بالسجن في قضايا تعدٍ على السلطات اتهم فيها الأب وأبناءه وأبناء أشقائه خلال أحد الاشتباكات الدورية التي تقع بين قوات الأمن والسكان خلال محاولات الإجلاء التي يتهم السكان الدولة خلالها بهدم المنازل وتجريف الحقول.

اضطر والد منى للتنازل عن الأرض، ليموت قهراً بعدها بأشهر قليلة، "وتنازل إخوتي عن البيت الذي يؤويهم بمقابل زهيد لا يساوي حتى ربع ثمنه الأصلي، وتركوا الجزيرة، بينما دهست الجرافات الزرع وتحولت أرضنا إلى أرض بور.

 بالقرب من معدية شبرا شردت منى قليلاً وتابعت حديثها: "الحصار وصل لمنع الصيادين من الصيد في النيل، وفرض غرامات عليهم فتحولت حياتنا لجحيم. هدموا المستشفى، وأغلقوا المعديات، وهدموا البريد، وفي طريقهم لهدم المدارس الثلاث التي تخدم أبناء جزيرة الوراق، دون أن يعتبروا أننا بني آدمون ولنا حقوق".

النيل للخاصة

في عام 1998 صدر قرار حكومي بإعلان 188 جزيرة نيلية محميات طبيعية، من بينها "الوراق".

وبموجب القرار، خضعت الجزيرة لإدارة بيئية من قبل الجهات الحكومية المعنية. في عام 2010 تشكلت لجنة من وزراء الإسكان والبيئة والري‏‏ لدراسة الأوضاع البيئية للجزيرة، بهدف "وضع خطة للتصحيح البيئي فيها"‏. قرار اعتبار تلك الجزر محميات طبيعية، كان هو السند القانوني الذي استند إليه سكان جزيرتي القرصاية والدهب (جزيرتان أخريان في نيل القاهرة الكبرى) في حماية الجزيرتين من الاستيلاء عليهما وطرد السكان لصالح مشروعات استثمارية.

وربما كان هذا سبب صدور قرار من رئيس الوزراء في عام 2017، باستبعاد 17 جزيرة من قرار المحميات الطبيعية، جميعها جزر معمورة في نيل القاهرة الكبرى، وتحديداً في القاهرة والجيزة، منها جزر: القرصاية والوراق والدهب، وتحويل الوراق إلى منطقة استثمارية. وفي عام 2018 صدر قرار بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق، وشهدت الجزيرة اشتباكات دامية مع قوات الأمن، قتلت السلطات خلالها شاباً من الجزيرة يدعى سيد الطفشان، وأصيب العشرات من الطرفين.

التنكيل للجميع

على شاطئ الجزيرة، يقف الحاج حسين شارداً في انتظار أن تأتي معدية وراق الحضر لتقله للجانب الآخر من النيل، كي يتمكن من صرف معاشه من بريد وراق الحضر أو إمبابة، أو أي من المناطق المحيطة التي يلجأ إليها أهالي الوراق بعد أن هدمت السطات مكتب البريد الوحيد، فتشتت كبار السن بين المناطق المجاورة كي يحصلوا على معاشهم.

"موظفي البريد يلقون بمراسلاتنا في مياه النيل امام أعيننا وكأن هناك قراراً واتفاقاً على إهانتنا في نهاية العمر"

يقول الحاج حسين: "جاء البلدوزر وهدم مكتب البريد دون أن يلتفت أحد إلى أن بالجزيرة كبار سن يعانون المرض ومن الصعب عليهم التنقل، والبحث كل مرة يتقاضون فيها معاشاتهم بين وراق الحضر وإمبابة، وفي أغلب الأحيان لا يمكنهم الصرف من أول مرة، بل نضطر للذهاب أربعة أو خمسة أيام متتالية لنقف في طوابير طويلة، إلى جانب التعرض للسباب والإهانة من الموظفين والمواطنين في مكاتب البريد التي نذهب إليها، ويبدو أن الموظفين تلقوا أوامر بذلك، حتى أن موظفي البريد يلقون بمراسلاتنا في مياه النيل امام أعيننا وكأن هناك قراراً واتفاقاً على إهانتنا في نهاية العمر".

يستعد العجوز لدورة جديدة من الإهانة كونه من بين 130 ألف شخص لا يزالون يرفضون مغادرة الجزيرة، فيما أكد مجلس الوزراء، في بيان رسمي صدر الإثنين، 8 أغسطس/ آب الجاري، أن الأراضي التي تم الاستحواذ عليها من جزيرة الوراق، أصبحت في ملكية هيئة المجتمعات العمرانية، وهي الجهة الرسمية التي ستتولى خطة تطوير جزيرة الوراق.

وأوضح وزير الإسكان عاصم الجزار أن خطة التطوير تتضمن في المرحلة العاجلة بناء 94 برجاً سكنياً، إلى جانب تنفيذ عدد من الخدمات مثل المدارس والوحدات الطبية ومراكز الشباب، فضلاً عن مراكز تجارية وخدمية وترفيهية.

ومنذ عام 2017 تحاول السلطات المصرية نزع ملكية أراضي الوراق من ساكنيها بدعوى أنها أملاك للدولة، وهو ما قابله السكان بالاحتجاج المتكرر ورفع دعاوى قضائية تختصم رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان.

وقبل أسبوعين، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي، صوراً لمخطط تطوير جزيرة الوراق التي اختير لها اسم جديد هو "مدينة حورس".

وذكرت هيئة الاستعلامات أن الجزيرة ستتحول إلى مركز تجاري عالمي يضاهي أبرز مراكز التجارة في العالم بتكلفة إجمالية للمشروع تبلغ 17.5 مليار جنيه (نحو 911 مليون دولار)، في حين تبلغ الإيرادات السنوية 20.422 مليار جنيه (1.1 مليار دولار) لمدة 25  سنة.

ولم يفت وزارة الإسكان أن تعلق لافتة في المنطقة الشمالية من جزيرة الوراق كتبت عليها بالقرب من النيل "مشروع تنفيذ الأبراج السكنية للمرحلة العاجلة. سكن بديل لأهالي جزيرة الوراق". وهو الأمر الذي وصفه يونس محمود* بأنه "حبر على ورق".

يونس محمود عضو في "مجلس عائلات الوراق" وهو كيان شكله سكان الجزيرة في العام 2017، لتمثيلهم في التفاوض مع الحكومة في قضايا التعويض والإسكان لمن يقبل منهم مغادرة الجزيرة مقابل أسعار عادلة للأراضي والبيوت، وفشل المجلس الذي يتولى التفاوض مع الحكومة في الحصول للأهالي على تلك الأسعار العادلة، كما فشل في إيقاف الضغوط الحكومية لضمان التراضي في تخلي السكان عن أراضيهم وبيوتهم، أو حماية البيوت من الهدم على رؤوس ساكنيها أو تجريف الأراضي بالقوة الجبرية.

يقول يونس إن "الحكومة بكافة مؤسساتها تسعي لفرض حصار على أهالي جزيرة الوراق لكي يتركوا الجزيرة اليوم قبل الغد، وأن يتم استغلال الأبراج السكنية لفئات أخرى من السكان الذين لديهم القدرة على دفع الملايين ثمناً للشقق السكنية الفاخرة التي ستقيمها الحكومة".

ويلفت محمود الى أن حالات الوفاة تتزايد يومياً في الجزيرة بسبب الحصار المفروض علي أهلها من قبل قوات الأمن وحرمان أهالي الجزيرة من الخدمة الطبية من خلال هدم المستشفى، مشيراً الى أن طفلاً لقي حتفه لغياب فرصة إسعافه بعد تعرضه للصعق الكهربائي "حاولنا إسعافه بالمرور من معدية شبرا لكي نذهب إلى أحد المستشفيات التابعة لشبرا الخيمة، لكن قوات الأمن قفلت كل المعديات، ولم يكن أمام الأهالي إلا استخدام المراكب الصغيرة لإنقاذ الطفل الذي مات بين أيدينا ونحن نحاول تخطي الحصار المفروض علينا". 

مثل كل سكان الجزيرة يعتقد يونس أن ما تقوم به الدولة في أكبر الجزر النيلية "من أجل سكان آخرين من علية القوم لديهم مال يكفي أن يعيشوا حياة آدمية، لا يموتون مثل أولادنا، ليس لشيء سوى أنهم من علية القوم".

وأكد محمود أن "النية واضحة جداً من الحكومة في فرض مزيد من الحصار على الجزيرة"، من خلال هدم مناطق الخدمات الأساسية، مثل المستشفى والجمعية الزراعية ومكتب البريد، وقطع الخدمات الأخرى بصورة مستمرة مثل الانقطاع الدائم للكهرباء والمياه، واغلاق المعديات وتفتيش السكان في الدخول والخروج، و"تلفيق قضايا للشباب والضغط على الأهالي كي يتركوا بيوتهم وأراضيهم وإلا فسيكون السجن مصير أي شخص يفكر في أن يتحدث عن الانتهاكات التي يتعرض لها أهالي الوراق".

وعن التعويضات التي عرضتها الدولة على أهالى الجزيرة الذين تمسكوا بالبقاء فيها يقول محمود إن التعويضات "هزيلة، ولا يمكن أن يطلق عليها كلمة تعويض من الأساس، فكيف يمكن لأسرة تعيش جميعها في منزل واحد وهو نمط السكن في الجزيرة، أب وابناؤه كل منهم يقطن في شقة في نفس المنزل أن يحاسب على ثمن متر الأرض بـ1250، والشقة 250 الفاً، أي أن إجمالي ثمن منزل واحد به أربع الى خمس شقق لا يتعدى المليون جنيه وهو الآن أقل من قيمة شقة واحدة قط في الجهة الأخرى من الجزيرة في شبرا الخيمة أو شبرا البلد"، متسائلاً "أين يذهب باقي سكان المنزل؟ أين يعملون وأغلبهم كان يعمل داخل الجزيرة في الزراعة والصيد؟".

وعن شقق الاسكان الاجتماعي أو السكن في المدن الجديدة قال محمود بانفعال شديد "نذهب لشقق لا تتعدى 60 متراً ونحن كنا نعيش في منازل أقلها 150 متراً؟ ولو فرضنا أننا ارتضينا هذه المساحات واستكملنا الأسعار التي فرضت علينا من الدولة، أين نعمل؟ وهل ستوفر لنا الحكومة عملاً بديلاً عن عملنا في الجزيرة".

وعن تصريحات وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية بأن أكثر من 70% من أهالي الجزيرة رحلوا، وأن الدولة أستلمت منهم الأراضي والمنازل، نفى محمود ذلك وقال "إحنا في حرب باردة مع الحكومات المتتالية منذ أكثر من خمس سنوات حين وقع أول شهيد من أهالي الجزيرة"، مؤكداً أن أغلب السكان الأصليين للوراق "موجودون" ولم يتركوها، وأن أغلب من ترك المنازل هم المستأجرون وليسوا الملاك.

 ويتوقع محمود يونس أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً حكومياً، مع الإعلان الرسمي من الحكومة عن اقتراب تنفيذ مشروع مدينة حورس.

 وتداولت الجرائد والمواقع الصحافية الفترة الماضية رسم هندسي لقرية حورس "الوراق" التي تنقسم إلى 70 فداناً لمشاريع الإسكان، و130 فداناَ لإعادة توطين السكان الذين سيفضلون البقاء في الجزيرة، وبرج حورس الأيقوني الذي يشتمل على قاعة للمؤتمرات وفنادق 7 نجوم، وقطاع أعمال تجارية، ومهبط لطائرات الهليكوبتر. إلا أن السكان واثقون أن ما يتردد عن إعادة تسكينهم في الجزيرة لن يخرج عن وعود ستنتهي إلى منح شقق قليلة لعدد محدود منهم من أجل "الشو الإعلامي" على أن يتحولوا إلى مستأجرين في مساكن يتهددهم الطرد منها إذا ما لم يتمكنوا من دفع الرسوم التي ستفرضها عليهم الدولة كما يحدث مع السكان الذين أجبروا على الانتقال إلى الأسمرات وغيرها، بحسب تقارير أكاديمية وحقوقية.

----------------------------------

(*) طلب سكان الجزيرة ممن تحدثوا إلى رصيف22 تغيير أسمائهم عند النشر، خشية الملاحقة الأمنية



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image