شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
يدفع الفاتورة السياسية وحيداً... ما الذي يعنيه رحيل طارق عامر للاقتصاد المصري؟

يدفع الفاتورة السياسية وحيداً... ما الذي يعنيه رحيل طارق عامر للاقتصاد المصري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 18 أغسطس 202204:31 م

بعد أيام قلائل من نفي رسمي لصحة الأخبار المتداولة عن تركه منصبه، تقدم طارق عامر محافظ البنك المركزي – بحسب الأخبار الرسمية- باستقالته إلى رئيس الجمهورية، الذي أصدر قراراً بقبولها على الفور معلناً القرار صباح أمس الأربعاء، 17 أغسطس/ آب الجاري.

وصدر القرار الجمهوري بتعيين طارق عامر، محافظ البنك المركزي "سابقاً"، في منصب مستشار رئيس الجمهورية، وقدم الرئيس له الشكر على ما بذله من جهود خلال فترة توليه مسؤولية البنك المركزي، وقبل اعتذاره عن استمراره في منصبه.

بدروه، صرح طارق عامر، أنه طلب الاعتذار عن منصبه "لإتاحة الفرصة للآخرين لاستكمال المسيرة التنموية الناجحة، تحت قيادة رئيس الجمهورية"، بحسب ما نقلته عنه قناة "إكسترا نيوز" المملوكة لصندوق استثماري تابع لجهة أمنية سيادية. وتولى جمال نجم، أقدم نواب محافظ البنك المركزي، مسؤولية إدارة البنك إلى حين تعيين محافظ جديد.

وعقب الإعلان عن رحيل طارق عامر عن البنك المركزي، اختتم المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية، تعاملات يوم الأربعاء، بارتفاع نسبته 2.18% ووفقاً لرويترز، فيما عانت السندات الحكومية المصرية من عمليات بيع ثانوي في أسواق الدين الدولية بعد أنباء الاستقالة غير المتوقعة، مع انخفاض ما بين 0.6 و1.7 سنت على الدولار، في ظل قلق يحيط بالسندات الجديدة – وخاصة طويلة الاجل- التي تصدرها مصر لتغطية احتياجها للدولار. كما تأتي "الاستقالة" في وقت حرج تسعى فيها مصر إلى كسب ثقة المستثمرين من اجل تمويل مشروعات إنتاجية وخدمية، ووسط نباء عن تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ووسط حركة بيع غير مسبوقة لأصول حكومية رابحة.

منصات صحافية محلية نقلت عن مصادر حكومية رفضت ذكر اسمها، أن إنهاء عمل طارق عامر يأتي في إطار تعثر بالغ في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وضغوط من المستثمرين في الداخل بسبب ملف الاستيراد

إقالة أم استقالة؟

ووفقاً للمادة 216 من الدستور المصري، يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات والأجهزة المستقلة والرقابية، مثل: البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون.

وتولى طارق عامر مهمته كمحافظ للبنك المركزي المصري، بقرار من رئيس الجمهورية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، قبل أن يصدر الرئيس قراراً بالتجديد له لفترة ثانية من نوفمبر 2019 إلى نوفمبر 2023.

وقبل أيام، انتشرت أنباء حول استقالة طارق عامر من منصبه ، لكن جمال نجم، النائب لأول لمحافظ البنك المركزي، حرص على نفيها بشدة، في تصريحات قالها لوكالة أنباء الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن مدة المحافظ تنتهي في تشرين الثاني من العام المقبل 2023، وأنه وفقاً للدستور، يكون تكليف المحافظ أو استمراره بقرار من رئيس الجمهورية فقط.

وأضاف نجم، أن هذه "الشائعات الملفقة"، تؤثر سلباً على البنك المركزي والقطاع المصرفي في مصر، "وهي مدفعوعة بأغراض ومصالح من يقف وراء ترويجها، خاصة في ظل الدور الكبير الذي يقوم به البنك المركزي في حماية نحو 9 تريليونات جنيه، تمثل ودائع المواطنين التي يتم الحفاظ عليها وفق قواعد رقابية صارمة".

قيود الاستيراد نجحت في خفض العجز في الميزان التجاري للبلاد بنسبة وصلت 35.8%، وفقاً لإعلان البنك المركزي قبل ساعات من إنهاء عمل رئيسه، إلا أن هذا النجاح المالي، ناجم عن تعثر اقتصادي يتمثل في توقف الإنتاج، في ظل توقف استيراد مستلزماته وارتفاع تكلفتها

توقيت الاستقالة

ويأتي اعتذار طارق عامر عن منصبه، في توقيت شائك، فبعد ساعات من إنهاء عمله، تنعقد اليوم الخميس 18 أغسطس/ آب، لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، في إطار اجتماعها الدوري لتحديد أسعار الفائدة في القطاع المصرفي وسعر العملة المحلية، وسط ضغوط دولية لخفض قيمة الجنيه المصري بعد تخارج الأموال الساخنة من البلاد، يقابلها نفي السلطات النقدية إمكانية حدوث موجة "كبيرة" من الانخفاض في قيمة العملة، بحسب بلومبرج.

وقبل أيام وبالتحديد في 7 أغسطس الجاري، رحل رئيس البورصة المصرية، الدكتور محمد فريد صالح، بعدما قرر الرئيس المصري تعيينه قائماً بأعمال رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية لمدة عام.

ويعاني الاقتصاد المصري من أزمة مالية وهيكلية، ارتفعت إلى السطح مع أزمة كوفيد-19، التي اجتاحت العالم نهاية عام 2019، وازدادت مع الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/ شباط الماضي، ما ترك البلاد في مواجهة مع احتياجاتها الكبيرة من القمح وغيره من المنتجات الغذائية والبترولية والدوائية، إضافة إلى خسائر في عائدات السياحة من الزائرين الروس والأوكران، وتضخم عالمي انتقل إليها كونها دولة مستوردة أساساً.

ومما زاد الأمر سوءاً، تخارج 55 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال السنوات الأربعة الأخيرة، بينها 20 ملياراً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية خلال العام الجاري، وقال وزير المالية محمد معيط إن الـ20 ملياراً الأخيرة تمثل أكثر من 90% من استثمارات الأجانب في مصر.

كما فقدت الدولة جزءاً كبيراً من احتياطي العملة الصعبة بسبب الضغوط الاقتصادية، وفي نهاية يوليو/ تموز المنتهي في العام الحالي، انخفض الاحتياطي إلى 33.14 مليار دولار، مقابل 33.375 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران 2022، وعلى أساس سنوي فقد الاحتياطي الأجنبي في مصر نحو 7.3 مليار دولار، إذ تلجأ الدولة للسحب منه للوفاء بالتزامات الديون واستيراد المواد الغذائية الأساسية.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع إجمالي متحصلات مصر من النقد الأجنبي إلى 126.7 مليار دولار خلال عام 2020/2021، مقابل 128.9 مليار دولار عام 2019/2020، بنسبة انخفاض قدرها 1.7%.

وفي آذار/ مارس الماضي، خفضت الدولة قيمة الجنيه بنسبة 15%، وتجاوزت الآن حاجز الـ18%، إذ بلغت قيمته اليوم الخميس 18 أغسطس الجاري، 19.09 جنيه للدولار للشراء، و19.2 جنيه للدولار للبيع، بحسب بيانات البنك المركزي المصري، وهو أعلى سعر للدولار، وبالتالي أدنى قيمة للجنيه منذ 70 شهراً.

وبحسب بيانات نشرها البنك المركزي المصري، بتاريخ 20 يوليو/ تموز الماضي، ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 157.801 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من العام المالي 2021/ (أي في نهاية مارس/ آذار 2022(، مقابل 145.529 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من نفس العام.

وسجل معدل التضخم السنوي الإجمالي 14.6% لشهر يوليو 2022 مقابل 6.1% لنفس الشهر من العام السابق.

طارق في مواجهة الصندوق؟

تعلماً من درس هروب الأموال الساخنة، بحثت الدولة عن الاستثمار الأجنبي المباشر، في محاولة لتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية، وبدأت خطة لبيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً ولمدة 4 سنوات، وإبان ذلك زاد نشاط الاستحواذات في مصر خلال الأشهر الأخيرة، خاصة من قبل الصناديق السيادية الخليجية لاقتناص حصص من شركات رابحة مدرجة بالبورصة المصرية، وسط موجة انخفاض طويلة تعانيها البورصة المصرية ويعكسها المؤشر الرئيسي 30EGX.

وبحسب مؤسسة إيرنست آند يونج، سجلت مصر 65 صفقة اندماج واستحواذ بقيمة 3.2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2022، ما جعلها ثاني أكبر وجهة للاندماج والاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث القيمة وعدد الصفقات.

وجذبت الدولة استثمارات بقيمة 3.2 مليار دولار، أغلبها أموال خليجية، حصيلة بيع أسهم في شركات مملوكة للحكومة، وخلال الأسبوع الماضي فقط، اقتنص الصندوق السعودي حصصاً تراوحت بين 20 و25% من 4 شركات مصرية بقيمة 1.3 مليار دولار.

وقبل أشهر استحوذ صندوق سيادي إماراتي على حصص من 5 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.8 مليار دولار، وتستعد مصر لاستقبال استثمارات قطرية بقيمة 5 مليارات دولار، كما تعاهدت الكويت بضخ نحو 5.1 مليار دولار خلال العام الجاري.

ومع ذلك، لا تزال مصر بحاجة إلى استعادة ثقة المستثمرين مرة أخرى، حيث تضغط صدمات الطاقة والغذاء على مواردها المالية، في ظل إغلاق أسواق رأس المال الخارجية، ما دفع الحكومة كذلك للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، منذ آذار/ مارس الماضي، للاتفاق على برنامج للإصلاح الاقتصادي يصاحبه تمويل، وتشير بعض التقارير إلى أن المفاوضات لا تسير في شكلها الأمثل، نتيجة مطالبة صندوق النقد الدولة اتخاذ مجموعة من التدابير الاقتصادية والتي من بينها إنهاء تدخل الدولة في التحكم في سعر الصرف، وهي الشروط التي يراها اقتصاديون معارضون لتدخلات الصندوق ومؤيدون للدولة، شروطاً "متشددة" وكان من المرجح ألا توافق عليها الحكومة المصرية، خاصة مع القلق من الثمن السياسي لموجة ارتفاع أكبر في الأسعار.

حسن عبدالله الذي اختير قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي في بيان رئاسي صدر بعد يوم واحد من استقالة عامر، يعد من المقربين من اللواء عباس كامل، الذراع اليمنى للرئيس عبدالفتاح السيسي ومدير جهاز المخابرات العامة في مصر

واختلفت آراء خبراء تحدثوا لـ"بلومبرج" حول خفض قيمة العملة المصرية، ما بين 10 إلى 23%، لمساعدة الاقتصاد على التكيف وتقليص فجوة التمويل في مصر. ورغم أن إضعاف الجنيه من شأنه المساعدة في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات، لكنه سيؤدي أيضاً إلى ارتفاع التضخم، وارتفاع تكلفة الديون.

ورجح الخبراء أن تختار مصر خفضاً تدريجياً في قيمة العملة، خاصة إذا اشتملت صفقة صندوق النقد الدولي على الالتزام بـ"مزيد من المرونة" في سعر الصرف.

ويرى الباحث الاقتصادي، سيد خضر، في تصريحات قالها لرصيف22، أن استقالة طارق عامر، ربما ترجع لرفضه متطلبات صندوق النقد الدولي بالاتجاه نحو تعويم جديد للجنيه مقابل الحصول على قرض الصندوق.

في المقابل ترى سلمى حسين مديرة الأبحاث في مؤسسة "فريدريش إيبرت" الإقليمية، بحسب منشور لها على صفحتها الشخصية ي فيسبوك، أن تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، بخفض كبير في سعر العملة بحيث يصل الدولار إلى 25 جينهاً، يحتاج إلى وجه جديد بديلاً لطارق عامر- الذي كان يقبل سياسات الصندوق ويطبقها- حتى يكون التحرك مقبولاً من الناحية السياسية.

وبشكل عام، ذكرت آنا فريدمان وكريستيان ويتوسكا من دويتشه بنك ريسيرش، في تقرير "البنك المركزي المصري في موقف صعب ويواجه مقايضة صعبة".

لكن تقارير صحافية محلية، نقلت عن مصادر حكومية في الملف الاقتصادي رفضت ذكر اسمها، أن رحيل عامر لم يأت فقط لتعثر المفاوضات مع الصندوق في ظل وجوده، وإنما لضغوط من مستثمرين لم تحددهم التصريحات، بسبب استمرار سياسات المركزي التي تضع قيوداً مشددة على الاستيراد، وهي القيود اتي نجحت في خفض العجز في الميزان التجاري للبلاد بنسبة وصلت 35.8%، وفقاً لإعلان البنك المركزي المصري قبل ساعات من إنهاء عمل رئيسه.

إلا أن هذا النجاح المالي في خفض عجز ميزان المدفوعات ناجم عن تعثر اقتصادي يتمثل في توقف الإنتاج في عدد غير محدد من المصانع والمشروعات الإنتاجية الصفيرة والمتوسطة والكبيرة في مصر في ظل توقف استيراد مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكلفتها، والإسهام في تعظيم التضخم الذي بات يمثل قلقاً سياسياً وسط تذمر شعبي واضح من الغلاء.

عامر يدفع الفاتورة وحيداً

يقول الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن طارق عامر فشل في أداء مهمته وتسبب في خراب الاقتصاد المصري، في حين أن دوره إحداث التنمية في المجتمع.

وأشار عبده في تصريح لرصيف22، إلى قرار البنك المركزي، المتعلق باللجوء إلى الاعتمادات المستندية بدلاً من مستندات التحصيل في دفع قيمة السلع المستوردة، والذي تسبب في تعطيل الاستيراد وشح مستلزمات الإنتاج وتوقف الكثير من المصانع.

ونشأت خلافات بين طارق عامر وقطاع الأعمال الخاص، بعدما أصدر قراراً بوقف العمل بمستندات التحصيل على أغلب السلع المستوردة، في فبراير/ شباط الماضي، في إطار توجيهات حوكمة عملية الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات "الاعتمادات المستندية"، باستثناء 15 سلعة استراتيجية؛ لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي.

وبينما اعترضت قوى الصناعة ممثلة في اتحاد الصناعات وجمعية رجال الأعمال المصريين والاتحاد العام للغرف التجارية، بسبب تعطيل بعض الأعمال وتعثر الصناعة، تمسك البنك المركزي بموقفه.

وتهدئةً للوضع، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجيهاً باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد، والعودة للنظام الجديد من خلال مستندات التحصيل، اعتباراً من آذار مايو الماضي.

وفي أبريل/ نيسان، أقرت البنوك أن تعليمات صدرت "شفهياً" تمنع قبول موارد النقد الأجنبي غير معلومة المصدر أو التي تم التحصل عليها من شركات الصرافة، في العمليات الاستيرادية، ما أجج الوضع بين البنك المركزي وقوى الصناعة.

لكن سلمى حسين رأت أن صندوق النقد طالب بالرجوع عن قرارات تحجيم الاستيراد، في حين أنها كانت ضرورية في لحظة أزمة، ودفع ثمنها "لوبيهات" الاستيراد، موضحة أن هؤلاء من سيسعدون بتنفيذ مطالب صندوق النقد بتسهيل الاستيراد من دون أولويات، ما يضعف الجنيه أكثر ويضيف لاحتياج مصر للاقتراض من الخارج.

نائبة برلمانية تشكر الرئيس على قبول استقالة طارق عامر، وتتهم الأخير بالمسؤولية الكاملة عن اتخاذ قرار "التعويم" في 2016، وتراجع قيمة العملة المحلية

وفي بيان صحفي، أعربت سمية الجزار، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، عن ارتياحها لقبول الرئيس عبد الفتاح السيسي استقالة طارق عامر، محافظ البنك المركزي، مشيرة إلى أنه رغم توليه مهام منصبه منذ عام 2015، إلا أنه أخفق في تحسين أداء العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي.

واتهمت الجزار،محافظ البنك المركزي السابق بالمسؤولية وحده عن قرار "تعويم الجنيه المصري عام 2016"، الأمر الذي أدى لصدمة قوية لأسواق الصرف ضمن سلسلة من الارتفاعات في قيمة صرف العملات الأجنبية، مؤكدة أن هذا القرار أثر سلبياً بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية وموجات الغلاء والتضخم.

لكن رشاد عبده رأى أن تعويم الجنيه وإجراءات الإصلاح الاقتصادي ليست قرارات طارق عامر، وإنما توجه للدولة لا يجب محاسبته عليه بعد مرور 6 سنوات، مشيراً إلى أن هذا الإصلاح كان ضرورياً وإن كانت بعض المدارس ترى أهمية تطبيقه تدريجياً وبعضها يفضل طريقة الصدمة، لكن كان المهم تلافي الآثار السلبية له.

وقال إن عامر كان لا بد أن يستقيل منذ فترة طويلة إن كان يحب هذا البلد: "القانون بيمنع عزله لأن البنك المركزي هيئة مستقلة، لكن بعد اللي عمله في الاقتصاد كان لازم من نفسه يستقيل، لكن في النهاية سواء استقال بإرادته أو بالضغط، فده شيء مبشر، وأكبر دليل ارتفاع مؤشر البورصة اليوم".

ويرى الخبير الاقتصادي أنه من المفترض أن يرحل مع عامر وزراء المجموعة الاقتصادية الذين فشلوا كذلك في تأدية دورهم.

من يخلف طارق عامر؟

أعلنت رئاسة الجمهورية اليوم الخميس 18 أغسطس/ آب، عن اختيار حسن عبدالله قائماً بأعمال  محافظ البنك المركزي، خلفاً لطارق عامر.

وشغل علدالله منصب الرئيس التنفيذي لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي الذراع الإعلامي لجهاز المخابرات العامة في مصر وباتت تستحود على غالبية الصحف والمواقع الصحفية والقنوات التلفزيونية والإذاعية العاملة في مصر،  ويعد عبدالله من المقربين من اللواء عباس كامل، الذراع اليمنى للرئيس عبدالفتاح السيسي ومدير جهاز المخابرات العامة في مصر. 

كما شغل عبدالله في السابق منصب مساعد أول لمحافظ البنك المركزي وذلك بعد إطاحته من منصب الرئيس التنفيذي - في وقتها- للبنك العربي الأفريقي. لكنه عاد وأطيح من موقعه في البنك المركزي وسط اتهامات بتجاوزات مالية جسيمة.

ونشرت الصحف المحلية في العام 2019، أم عامر اطاح عبدالله من موقعه "بتهمة الفساد المالي والاستيلاء على المال العام ومنح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليار جنيه (580 مليون دولار)، واستخدام جزء منها في سداد تسهيلات وقروض ممنوحة لهم من البنك نفسه بقيمة 2.8 مليار جنيه، وبنوك أخرى بقيمة 191 مليون جنيه".

وتسربت إلى الصحف وثائق رسمية تنتمي إلى قطاع التفتيش والرقابة في البنك المركزي، ذكرت أن حسن عبدالله منح الشركات تسهيلات "بما يخالف قرارات تأسيسها وطبيعة نشاطها، بل لم يقم بالمتابعة لاستخدام القروض والتسهيلات لبعض العملاء، واتضح عدم سلامة الدراسات الائتمانية لبعض الشركات، وأنه حصل مع مسؤولين كبار بالبنك (العربي الأفريقي)، على أموال من دون وجه حق، وصلت إلى 5.2 ملايين دولار في 2018 فقط، وأجرى تعديلات على لائحة صندوق العاملين لصرف مستحقاته بالدولار بدلاً من الجنيه من دون عرض التعديلات على مجلس الإدارة، وبمقتضاها صرف لنفسه 19.3 مليون دولار بزيادة 11 مليوناً، ليصل إجمالي ما حصل عليه من أموال من دون وجه حق إلى 24.5 مليون دولار، أي بما يعادل أكثر من 411 مليون جنيه".  إلا أن القضية توقف المضي فيها لأسباب غير معلومة.

مهمة صعبة

ترى سلمى حسين، كما كتبت على حسابها الشخصي- أن مصر تعاني من مشكلة تضخم ومشكلة بطالة، وهما هدفان متعارضان في الأجل القصير، والذي ينجح هو الذي يجد توليفة سياسات للتوفيق بينهما، مشيرة إلى أن البديل السليم لطارق عامر هو اختيار رجل اقتصاد مهمته وضع التشغيل كهدف للسياسة النقدية وتقليص نفوذ المصرفيين والموازنة بين مصالحهم والأدوار الأخرى للبنك المركزي مثل الرقابة على البنوك وإدارة السياسة النقدية لصالح الاقتصاد الكلي وأغلبية البشر، منوهة إلى أن حسن عبدالله المرشح بقوة خلفاً لطارق عامر، خرج من نفس مدرسته الاقتصادية، والاثنين مصرفيين، ما يعني أن معرفتهم بالاقتصاد الكلي ليست قوية وتمثيلهم لمصالح البنوك أكبر، وأن اختيار عبدالله يعني أنه لا تغيير في السياسة النقدية.

وعن اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر له اليوم الخميس، قال عبده "من المفترض أن اجتماع المجلس الفيدرالي الأمريكي تم قبل 20 يوماً، وبالتالي فإن قرار اللجنة من المفترض أن يكون قد تم اتخاذه بالفعل". وواصل عبده: "أتصور إن القائم بأعمال محافظ البنك المركزي سيجتمع بمجلس الإدارة لإعلان القرار المتعلق بسعر الفائدة، لان التأخر يعني مزيد من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وزيادة ارتباك السوق".

ويتوقع سيد خضر، أن يعلن الاجتماع رفع أسعار الفائدة من 1 إلى 2%، لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم المصدر للعالم من قبل الفيدرالي الأمريكي، لكن هذا الارتفاع سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه ليتخطى حاجز الـ20 جنيهاً، ما يتسبب في تداعيات خطيرة على ارتفاع معدلات الأسعار خلال الفترة المقبلة وزيادة حدة التضخم والأعباء الإضافية على المواطن والدولة.

وقال خضر، إنه من المفترض أن تتجه سياسة الدولة النقدية مستقبلاً إلى تثبيت سعر الفائدة، لأن الأموال الساخنة خرجت بالفعل، وحتى لا تزيد حدة التضخم والأسعار خلال الفترة المقبلة، ودعا إلى ترشيد الإنفاق العام على مستوى الدولة والأفراد من أجل تقليص الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، وتوسيع آفاق توطين الصناعة والاعتماد على المنتجات المحلية وخفض الطلب على الدولار، للتخلص من التبعية الاقتصادية لأمريكا، والنحول للاستقلال الاقتصادي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image