منذ حوالى قرن ونصف، حاول المسلمون التتر في روسيا خلق نوع من الوئام والتآلف مع المسيحية الغالبة في البلاد، وتمكنوا من إنشاء جسر روسي للتعايش مع المكونات الإسلامية في البلاد، معززين في ذلك الوقت مفهوم الهوية المدنية المشتركة، الذي كان بمثابة بنية تحتية لجسر التعايش ذاك، لديها من المرونة ما يكفي لمقاومة أية هزات إسلامية متطرفة. ومع مرور الوقت أنبتت بذور التعايش الروسي شجرة معمرة كبيرة اسمها "الإسلام الروسي" انضوت تحته أقاليم روسيا المسلمة الستة.
مصطلح الإسلام الروسي ذلك، حاول البعض سحبه في الآونة الأخيرة إلى القارة العجوز، مروّجين لمصطلح جديد هو "الإسلام الأوروبي" محاولين من خلاله تبريد صفيح القارة المحموم بلهيب الاسلاموفوبيا.
يعبّر أنصار "الإسلام الأوروبي" من خلال المصطلح عن الإسلام المعتدل الذي يقبل المدنية والعلمانية، ويشهرونه في وجه من يطلق مخاوف وتحذيرات بشأن تحويل أوروبا إلى قارة مسلمة في المستقبل نتيجة قوة المسلمين الديمغرافية التي تتميز بمعدلات إنجاب عالية.
وبوتيرة موازية، أصبح بعض المسلمين الأقل اندماجاً يبدأون بخلق تكتلات عربية إسلامية تحافظ على "هوية" الإسلام ولا تخفي توجسها أيضاً مما تسميه محاولات لإذابة المسلمين في العلمانية الأوروبية.
يعبّر أنصار "الإسلام الأوروبي" من خلال المصطلح عن الإسلام المعتدل الذي يقبل المدنية والعلمانية، ويشهرونه في وجه من يطلق مخاوف وتحذيرات بشأن تحويل أوروبا إلى قارة مسلمة في المستقبل
ولكن في خضم نضال هذه الشريحة، تتالت صفعات عنصرية وطائفية وسلوك متعصب بحق الآخر الذي حمل وزراً لا ذنب له في حمله، وزر أنه من مكون ذلك الآخر.
سلوكيات فردية، ليس للإسلام دور بتعزيزها، وهي تصرفات تشبه العنصرية التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا.
يعانون من العنصرية ويمارسونها على من لا يشبههم
يقول أمجد ليلى (27 عاماً) وهو سوري مقيم في بودابست عاصمة المجر: "كانت لي تجربة مريرة مع بعض المسلمين المتعصبين الذين يشتكون معظم الأوقات من عدم التقبل والعنصرية في أوروبا، وهم أبعد الناس عن تقبل الآخر، واحترام الأديان الأخرى، هم ينظرون إلى المسيحي على أنه إنسان غير ملتزم دينياً وأخلاقياً، فقط لأنه غير مسلم".
يضرب أمجد مثالاً على ذلك: "الأمثلة كثيرة ولا تحصى، في الجامعة وفي سوق العمل، لكن معاناتي الكبيرة كانت مع رب العمل الذي كنت أعمل عنده وهو يمتلك محلاً تجارياً، تعرضت لأشد أنواع الاضطهاد والعنصرية خلال عملي معه".
هناك بعض السلوكيات الفردية، ليس للإسلام دور بتعزيزها، وهي تصرفات تشبه العنصرية التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا.
وأضاف ليلى وهو حائز على الماجيستير في العمل الاجتماعي في هنغاريا: "تعرفت إلى العمل عبر إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي، وقصدت المحل التجاري وعملت عنده كبائع، منذ الساعات الأولى لاحظت أن صاحب المحل متشدد دينياً إلى حد لا يكف فيه عن نعت الأوروبيين بصفات الانحلال والانحراف الأخلاقي والديني، الأمر الذي دفعني لإخفاء هويتي الدينية".
وتابع أمجد: "بعد 10 أيام اكتشف أنني مسيحي ولست مسلماً، وتغيرت معاملته معي، رغم شهادته بأمانتي وأخلاقي الحسنة قبل معرفته ديني، ومنذ ذلك الوقت بدأ بنقاشات دينية ومحاولة إقناعي بضرورة اعتناق الإسلام، وكان لا يكف عن إهانة الأديان الأخرى مع أصدقائه الذين يترددون إلى محله".
في يوم من الأيام أتى أمجد إلى عمله واضعاً قلادة فيها صليب على عنقه، وعندما رآه صاحب العمل كانت ردة فعله هي الاستهجان، ويضيف أمجد: "عندما أدخل إلى المحل، يجب علي أن ألقي التحية على طريقته بقولي - السلام عليكم- وإذا قلت مرحباً أو صباح الخير، فلن يجيب".
كان أمجد يعلم أنه قادر على زج الرجل في السجن نتيجة هذه الممارسات، لكنه أبى تقديم أية شكوى، تفادياً للمشكلات، وحفاظاً على مصدر رزقه الوحيد الذي يكفل له البقاء في هنغاريا من خلال إقامة العمل.
إلى أن أتى يوم طلب فيه صاحب المحل طرد شاب يجلس بقرب المحل لأنه يشرب زجاجة بيرة، فرفض أمجد ذلك، لعدم أحقيته بطرده، فما كان من صاحب المحل إلا تهديده بالطرد وبقطع رزقه، ظناً منه أنه متعاطف مع شارب الخمر.
"عندما أدخل إلى المحل، يجب أن ألقي التحية على طريقة صاحب المحل بقولي - السلام عليكم- وإذا قلت مرحباً أو صباح الخير، فلن يجيبني". أمجد ليلى، هنغاريا.
كتبت هذه الحادثة نهاية مسيرة أمجد المهنية، وترك عمله عند الرجل الذي ودعه بعبارات جارحة تعكس ما يضمره بداخله.
أدار أمجد ظهره لهذه العبارات ولقائلها البعيد كل البعد عن الصلاح الديني والتقوى التي يدعيهما، بحسب رواية أمجد الذي أضاف: "كان يصلي جميع الفروض ويصوم ويواصل سماع القرآن والأحاديث الدينية، لكنه يمارس النصب والاحتيال بشكل يومي على مصلحة الضرائب وعلى الزبائن".
هل يتحول التنوع الديني إلى عنصرية؟
يزداد نشاط هذه الشريحة في التكتلات العربية التي تخلق بيئات تحاكي إلى حد غير متوقع البيئات العربية، فتحتضن أحاديث تجد في مسألة الشرخ بين المجتمعين مساحة غنية لحياكة القصص والروايات، التي تفسح بدورها المجال لاستعراض "النخوة" العربية، والنزعة القبلية التي تتفجر غيرةً على الإسلام والعرب.
يضطر شادي الياس (32 عاماً) لإخفاء ديانته وتغطية وشم الصليب على كتفه في مخيم للاجئين بألمانيا، بسبب ما تعرض له من مواقف ومشكلات في أيام إقامته الأولى في الكامب.
وروى خريج الكيمياء السوري ما جرى معه في اليوم الأول: "حصلة مشادة كلامية بيني وبين شبان في الكامب، بعد ركل أمتعتي بأقدامهم، وبعد أن تشاجرنا ظهر الصليب المرسوم على كتفي".
"وصليبي كمان..!"
عبارة رشقها أحدهم في وجه شادي بعد قيام موظفي الحماية بتفرقتهم، مع إطلاق التهديدات والوعيد نحوه من قبل الشبان.
أدرك شادي ماهية البيئة التي سيمكث بداخلها إلى حين حصوله على حق اللجوء، فأصبح الحذر من إعلان مسيحيته رفيقه في كل المواقف، وبعد أن اكتفى القائمون على الكامب بنقله لمكان آخر عقب تقديمه شكوى بحق المعتدين عليه.
مواقف أخرى تعرض لها الشاب خلال إقامته في الكامب، خصوصاً بعد رؤيته وهو يشرب الماء في رمضان، بالإضافة للحوارات الطويلة التي يخوضها مع المقيمين في الكامب والذين يواصلون ذم "الكفر الأوروبي" أمامه لظنهم بأنه مسلم مثلهم.
للمسلمين صورة نمطية في أذهان معظم الأوروبيين
كما هي العنصرية التي يتلقاها الكثير من المسلمين في أوروبا، يمارس بعض المسلمين سلوكيات بحق الغير يعتبرونها صوناً لإسلامهم وغيرة على ديانتهم، والنتيجة إما صدام مع الغريب وشقاق لا يحمد عقباه، وإما سطوة قوي على ضعيف يبتلع الإهانة ويسكن ألمها بحاجته وعوزه.
صرحت "هيلينا دالي"، المفوضة الأوروبية المكلفة بملف المساواة، بأن الجالية المسلمة في أوروبا تواجه تمييزاً متزايداً في العديد من مجالات الحيا، فيما تظهر استطلاعات الرأي الأوروبية أن نسبة كبيرة من سكان أوروبا يحتفظون بمشاعر سلبية ضد المسلمين.
فيما يدير البعض الآخر لهذه السلوكيات ظهره، مبرراً إياها بأنها ردة فعل على ما يتعرض له المسلمون من عنصرية وتهميش، وفي هذا المضمار روايات كثيرة وتصريحات رسمية وإحصائيات.
في العام الماضي صرحت "هيلينا دالي"، المفوضة الأوروبية المكلفة بملف المساواة، بأن الجالية المسلمة في أوروبا تواجه تمييزاً متزايداً في العديد من مجالات الحياة، بسبب دينهم، فيما تظهر استطلاعات الرأي الأوروبية دوماً أن نسبة كبيرة من سكان أوروبا يحتفظون بمشاعر سلبية ضد المسلمين.
مهما كان دافع هذه الممارسات وهدفها، فإنها لا تعبر عن أخلاقيات الإسلام الحقيقية، بل تمثل طقساً بلدياً يرضي نزعة في داخل مقترفيها ممن تربوا على الطائفية والمناطقية في بلدانهم الأصلية، ولذلك تتكاثر هذه السلوكيات في التكتلات العربية والإسلامية لأنها تجد التربة الخصبة لنموها، وتجد في الآخر مهما كان لونه وعرقه، تهديداً لوجودها وبقائها فيجهون له تصرفات تعبر عن غيرة مزيفة على الإسلام، لا تعبر عن معظم المسلمين في العالم، وتعزز الصورة النمطية التي يرسمها العالم الغربي تجاه معظم المسلمين اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع