شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الأزمة تتصاعد باعتراف حكومي... سندات الديون المصرية الآن بنصف قيمتها

الأزمة تتصاعد باعتراف حكومي... سندات الديون المصرية الآن بنصف قيمتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الخميس 7 يوليو 202203:29 م

لم ينتظر المستثمرون الذين اشتروا السندات الدولارية المصرية في سبتمبر/ أيلول 2021، تاريخ استحقاق الفائدة السنوية الأولى لعام 2022، وبادروا إلى طرحها للبيع بما يقرب من نصف الثمن المدفوع فيها.

وتشهد السندات الدولارية المصرية عملية بيع ثانوية في الأسواق الخارجية، بأسعار تقل كثيراً عن قيمتها الأساسية. فبحسب بيانات منصة رصد تداول السندات Tradeweb، فإن السندات المصرية ذات الآجال الأطول، تراجعت بمقدار 1.3 سنت إضافية في الدولار مسجلة مستوى قياسياً جديداً في الانخفاض، أما السندات التي يحل أجلها في عام 2040، فانخفضت 57.581 سنت في الدولار، والإصدارات الأخرى التي طرحت للبيع في نهاية سبتمبر/ أيلول 2021 وتاريخ استحقاقها يحل في العام 2061، يتم تداولها بانخفاض يراوح بين 60 و65 سنتاً في الدولار الواحد.

وفي نهاية سبتمبر 2021، طرحت مصر سندات دولارية متعددة الشرائح، لمدد تراوح بين 6 و30 عاماً، لجمع ثلاثة مليارات دولار، ووصل عائد السندات لأجل ست سنوات إلى 6.125%، وأجل 12 عاماً 7.625%، وعائد أجل الـ30 عاماً إلى 8.875%.

وتأتي حركة بيع السندات في السوق الثانوية تأثراً بقرارت الفيدرالي الأمريكي، الذي رفع سعر الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من عام 2022، ما اجتذب مستثمري السندات إلى الاستثمار في الدولار المضمون، عوضاً عن عملات الدول ذات الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر، إضافة إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت أسعار الغذاء العالمية للارتفاع، وهما أمران من شأنهما تعريض السندات التي تصدرها مصر، والتي تعتمد بشدة على تدفقات رأس المال عن طريق الاقتراض، لضغوط كبيرة.

والسندات السيادية هي نوع من الاستثمارات القائمة على الدين، تطرحها الحكومة في الأسواق العالمية لزيادة مواردها من العملة الصعبة، مقابل فائدة متفق عليها تُدفع على فترات منتظمة، على أن يحصل مشتري السندات على تلك الفوائد، ثم يتقاضى أصل المبلغ كاملاً في نهاية المدة.

تأتي حركة بيع السندات في السوق الثانوية تأثراً بقرارت الفيدرالي الأمريكي، الذي رفع سعر الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من عام 2022، ما اجتذب مستثمري الأموال الساخنة إلى الدولار المضمون، عوضاً عن عملات الدول ذات الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر

وتطرح الدول تلك السندات بهدف زيادة الاحتياطي وتوفير تدفق للنقد الأجنبي، لتمويل أنشطة ومشروعات للموازنة العامة للدولة، وتقليل العجز في ميزان المدفوعات، وكبح تذبذب أسعار العملات الأجنبية أمام العملة المحلية، وهي استثمارات قابلة للتداول.

ماذا يعني بيع السندات المصرية بنصف ثمنها؟

يقول الاقتصادي والأكاديمي المصري الأمريكي، الدكتور محمود وهبة، إن تداول السندات المصرية في الأسواق الثانوية بنصف الثمن تقريباً، يمثل ضربة قاتلة تغلق على مصر باب الاقتراض من السندات والصكوك. ويعني التداول في السوق الثانوية بأسعار أقل، أن أصحاب السندات لا يثقون في قدرة تلك الدولة على سداد أصل الدين على المديين المتوسط والبعيد، ما يصعب على تلك الدولة أن تجد مشترين لسنداتها مستقبلاً.

وأوضح في منشور عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: "إذا أردت الاستثمار في سندات مصرية، فهل تشتري سندات جديدة بقيمة إسمية دولار كامل بفائدة 6%، أم تشتري سندات من السوق الثانوية بقيمة 60 سنتاً وبفائدة 9.6%؟ الإجابة واضحة، هذه المعادلة تقتل سوق السندات أو الصكوك الجديدة المصرية"، معقباً بأن انخفاض أسعار السندات المصرية المتداولة بالسوق العالمية بحوالي 60%، يرفع عائدها 40%، ولا يسمح بإصدار سندات جديدة.

 التداول في السوق الثانوية بأسعار أقل، يعطي صورة مضللة أحياناً بأن أصحاب السندات لا يثقون في قدرة تلك الدولة على سداد أصل الدين على المديين المتوسط والبعيد، ما يصعب على تلك الدولة أن تجد مشترين لسنداتها مستقبلاً

ضغوط اقتصادية

ويشهد الاقتصاد المصري ضغوطاً متوالية، ظهرت على السطح مع أزمة فيروس كورونا المستجد التي اجتاحت العالم في أواخر عام 2019، وتفاقمت مع الحرب الروسية الأوكرانية، التي تركت البلاد في مواجهة مع تكاليف أعلى لاحتياجاتها الكبيرة من استيراد القمح وغيره من المنتجات الغذائية والدوائية والبترولية، فضلاً عن خسارة في عائدات السياحة من الزائرين الروس والأوكران، في ظل تضخم كبير تشهده دول العالم وارتفاعات في أسعار الغذاء، في وقت تعتمد الدولة منذ سنوات على الاقتراض لتمويل جانب كبير من حاجتها للعملة الصعبة.

ومنذ بداية العام 2022، فقد الجنيه المصري أكثر من 16% من قيمته، إذ تراجع سعره أمس الأربعاء، 6 يوليو/ تموز، إلى 18.82 جنيه للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى وصل إليه منذ خمس سنوات.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل معدل التضخم في مصر خلال شهر آيار/ مايو 2022، إلى 15.3%، مقابل 8% في كانون الثاني/ يناير الماضي، و 4.9% في آيار/ مايو 2021.

وذكر المركزي أن أهم اسباب ارتفاع التضخم في أيار/مايو، هو ارتفاع أسعار بعض الأغذية مثل: الحبوب والزيوت والمأكولات البحرية والفواكه والألبان، والخدمات مثل المياه والكهرباء وأجر المسكن، والسلع المستخدمة في صيانة المنازل والوجبات الجاهزة، وذلك رغم انخفاض أسعار مجموعة الخضار.

حقائق صادمة

رغم رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس (0.75%) في 15 حزيران/ يونيو الماضي، ثبّت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة في آخر اجتماع له في 23 حزيران/ يونيو من دون تغيير.

وفي ظل هذه البيانات، فإن سعر الفائدة الحقيقية في مصر أصبح يُحتسب بالسالب، فالفائدة الحقيقية = سعر الفائدة المعلن عنه رسمياً من البنك المركزي مخصوماً منه معدل التضخم، أي أن المستثمر يتلقى سعر فائدة يقل عما يحتاجه فعلياً للحفاظ على قيمة أمواله وقدرتها الشرائية، ما يعني أن سعر الفائدة الحقيقية في مصر حالياً يساوي (-4%)، وهذا يفسر هروب الأموال الساخنة.

 ووفقاً للبنك المركزي المصري، انخفض رصيد احتياطي النقد الأجنبي في مصر بنهاية آيار/ مايو 2022، بقيمة 1.63 مليار دولار، مسجلاً 35.495 مليار دولار أمريكي، مقابل 37.123 مليار دولار في نهاية نيسان/ أبريل، و 40.468 مليار دولار في نهاية آيار/ مايو 2021.

 وبحسب رويترز، تحمل أسعار الفائدة العالمية المرتفعة والعملة الضعيفة، تحذيراً للأسواق الناشئة، وتشير إلى أن مصر ستكافح لتمويل عجز متوقع في الميزانية يبلغ نحو 30 مليار دولار، مرشحة للزيادة، خلال السنة المالية التي بدأت أول تموز/ يوليو الجاري.

اعتراف بالخطأ واتجاه لتغيير السياسات

وفي تصريحات لغرفة التجارة الأمريكية، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن 55 مليار دولار من الأموال الساخنة خرجت من مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، بدأت بخروج 15 ملياراً أثناء أزمة الأسواق الناشة في 2018، ثم 20 مليار دولار بسبب جائحة كوفيد-19 في 2020، ثم 20 ملياراً أخرى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في العام الجاري، مشيراً إلى أن النسبة الأخيرة تمثل أكثر من 90% من استثمارات الأجانب في مصر.

وأضاف أن الحكومة تعلمت من هذه الصدمات المتوالية درساً مفاده أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على هذا النوع من الاستثمارات، الذي يأتي فقط للحصول على عوائد عالية، وبمجرد حدوث صدمة يسرع إلى مغادرة البلاد، متابعاً أنه على الدولة الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحسين بيئة الاستثمار وزيادة مشاركة القطاع الخاص.

وحدد معيط بعض السيناريوهات التي ينتظر أن تلجأ إليها الدولة في ظل الأزمة الراهنة، بينها: إجراء محادثات مع مستثمرين من الخليج وغيرهم، والاقتراض بشروط ميسرة من البنوك الدولية والأوروبية والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، إضافة إلى النظر في التمويل غير التقليدي مثل سندات السامواري التي بدأت مصر بيعها في اليابان في آذار/ مارس الماضي، وسندات أخرى مع الصين. اللافت أن تلك السندات المطروحة بمسمى الساموراي ومثيلتها، هي أيضاً أموال ساخنة، ما يتناقض مع تعهدات الوزير بتجنب الاستمار في هذا الطريق، إلا أنها مطروحة في أسواق جديدة مقابل عملات موازية للدولار، لكنها مقومة به.

وفي 20 حزيران/ يونيو الماضي، حل الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، ضيفاً على مصر، وعلى هامش زيارته عُقد اجتماع منتدى الأعمال المصري السعودي، الذي شهد توقيع اتفاقيات استثمارية بين الجانبين بقيمة 7.7 مليار دولار.

بدوره قال الخبير الاقتصادي، سيد خضر لرصيف22 إن السندات الدولارية تكلفتها أعلى من القروض والمنح التي تحصل عليها الدولة من المؤسسات الدولية المعروفة، سواء صندوق النقد أو البنك الدولي وغيرهما، بالتالي لا تلجأ إليها الدول بشكل متكرر.

ومع انخفاض قيمة السندات المصرية المتداولة في الأسواق الثانوية، باتت الدولة مضطرة لرفع أسعار الفائدة بشكل كبير حال إقدامها على طرح سندات جديدة، حتى تغري مستثمرين جدد بشراء سنداتها. وأكد خضر، أن الدولة ليس أمامها سوى تنويع مصادر دخلها، والتوقف عن الاعتماد الواسع على السندات الدولارية، للخروج من هذه الأزمة.

وأضاف الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن مصر تعاني أزمة حادة في كمية الدولارات التي لديها، بسبب تراجع عائدات التصدير وتحويلات المصريين في الخارج، وهروب الأموال الساخنة، وفقدان عوائد السياحة، وتقريباً لا تحصل على الدولارات سوى من دخل قناة السويس، الأمر الذي من شأنه خفض الاحتياطي النقدي، وارتفاع معدل التضخم، وبالتالي هروب المستثمرين.

وتابع لرصيف22 أن الظروف العالمية الراهنة غير مواتية لطرح سندات دولارية بفائدة تناسب مصر ويقبلها المستثمرين، وفي حال رغبة الدولة في الاستمرار في طرح تلك السندات؛ لا بد لها من رفع أسعار الفائدة بشكل يقبله المستثمرون: "علشان ندخل دولارات تحرك الدنيا، مجبر أخاك لا بطل".

مطلوب دولار

ووفق أحدث بيانات البنك المركزي المصري، بلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، 145.5 مليار دولار. ووفقاً لرويترز، تضاعف الدين الخارجي المصري المتوسط والطويل الأجل أكثر من ثلاثة أضعاف، ليصل إلى 121.5 مليار دولار على مدى سبع سنوات حتى الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

الدين الخارجي


وبناء على تقرير نشرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في سبتمبر/ أيلول 2021، زاد الدين الخارجي لمصر في شكل قفزات عام 2013 حتى عام 2016، وأخيراً عام 2020. وإجمالاً تضاعفت مستويات الاستدانة بين عامي 2010 و2020. فعام 2020 بلغت نسبة الدين الخارجي نحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 15% عام 2010، وتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل تلك النسبة إلى 38% عام 2023.

تاريخ الاستدانة المعاصر

تم  الدين الخارجي على مرحلتين، كانت المرحلة الأولى في عهد الملكية، حيث كانت البداية في عهد سعيد باشا عام 1876 بقيمة 23.4 مليون دولار، والذي ارتفع بنسبة 4.5.6% في عهد الخديوي إسماعيل ليصل إلى نحو 118.3 مليون دولار عام 1878، وكان هذا الرقم يمثل 100% من الناتج المحلي.

وساهمت إدارة المالية المصرية من قبل مراقبين أجانب في عهد الاحتلال البريطاني في زيادة هذا الدين بنسبة 8.1%، فوصل إلى 296 مليون دولار، وحتى عام 1900 بلغ الدين 348 مليون دولار، لكن مع صدور قانون تمصير الدين المصري عام 1943، تم سداد الديون الخارجية بعد تحويل الدين الخارجي إلى دين محلي.

ومن ثم بدأت المرحلة الثانية من التداين للخارج بعد تحول مصر للجمهورية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي اتجه للاقتراض الخارجي لبناء جيش حديث عام 1956، حينها وصلت الديون الخارجية إلى 1.7 مليار دولار، ومع تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي خاض حرب السادس من أكتوبر، تضاعفت ديون مصر أكثر من ثمانية أضعاف، ووصلت إلى 22 مليار دولار، وذلك بسبب الحرب وتوابعها.

وشهدت فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، مرحلتين بالنسبة للدين الخارجي، الأولى قبل حرب الخليج عام 1991، حين وصل الدين إلى 47.6 مليار دولار، والثانية بعد الحرب ونتيجة إعفاء مصر من نصف ديونها، فأصبح الدين الخارجي العام 24 مليار دولار فقط، وهو أدنى انخفاض له في عهد مبارك، الذي أطاحت حكمه ثورة 25 يناير 2011، بينما وصل الدين الخارجي إلى نحو 35 مليار دولار.

وفي عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، ارتفع الدين الخارجي بنسبة 25.6% بنهاية حزيران/ يونيو 2013، ليصل إلى 43 مليار دولار، نتيجة اعتماده على المساعدات المالية لدعم احتياطات الدولة من العملة الصعبة، واعتباراً من عام 2016، تطور الدين الخارجي وصولاً إلى 55.8 مليار دولار، وتوالت الارتفاعات حتى وصلت بنهاية العام الماضي إلى 145 مليار دولار.

وأوصت دراسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان "الدين الخارجي 2020: كورونا ترفع الاستدانة"، بوضع سقف قانوني للاقتراض الخارجي بحيث لا يتجاوز نسبة محددة مسبقاً من الناتج المحلي الإجمالي، كما كان الوضع في فترة حكم مبارك من دون التزام تشريعي، وسقف آخر للاقتراض الخارجي لا يتخطى نسبة محددة مسبقاً من الاحتياطي الأجنبي الموجود في حوزة البنك المركزي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image