بعد أشهر من المد والجزر، فصلت الغرفة الجزائية الخامسة لدى مجلس قضاء الجزائر، في ملف المتهمين بالاحتيال والنصب على عشرات الطلبة الجزائريين، إذ أصدر المجلس أحكامه، في حق 13 متهماً، أبرزهم ثلاثة من نجوم السوشال ميديا في الجزائر، وتم إيداعهم السجن بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2022.
نالت نوميديا لزول، حكم البراءة من جميع التهم المنسوبة إليها، بينما تمّ توقيع عقوبة مدتها عام حبساً، منها ستة أشهر موقوفة النفاذ، و50 ألف دينار جزائري كغرامة مالية، في حق فاروق بوجملين المعروف بـ"ريفكا"، وكذا محمد أبركان المعروف بـ"ستانلي"، ما يعني خروجهم مباشرةً من السجن، بعد قضائهم العقوبة كاملةً.
كما تمت إدانة المتهم الرئيسي المدعو أسامة رزاقي، مسيّر الشركتين تحت اسم VYKLYK/ DZ futur، بعقوبة مدتها 6 سنوات حبساً نافذاً، وتبرئته من جنحة تبييض الأموال، وإدانة والدته (برلمانية سابقة)، بعقوبة مدتها عام منها 6 أشهر حبساً و100 ألف د.ج. غرامةً ماليةً.
اتهامات وأحكام
في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021، انكشفت خيوط قصة خداع كبيرة في الجزائر، راح ضحيتها أكثر من 75 طالباً جزائرياً، كانوا قد طلبوا خدمات من شركة تقدّم عروضاً مُغريةً للطلبة، للالتحاق بمقاعد الدراسة في جامعات تركيا وأوكرانيا، وعرض بعض الضحايا فيديوهات يحكون فيها قصة تعرضهم لخداع كبير، مشتكين من نهب أموالهم، وضياع جوازات سفرهم، وأيضاً شهادات البكالوريا الأصلية الخاصة بهم، وقال بعض من الضحايا إنهم فوجئوا بعدم قدرتهم على السفر، بالرغم من صرف أموال كبيرة تصل إلى آلاف اليوروهات، والبعض الآخر وجد نفسه بلا مأوى بعدما دفع تكاليف الإقامة لهذه الشركة، في حين أكد آخرون أنهم تمكنوا من السفر والالتحاق بإقامتهم الجديدة، غير أن المفاجأة لم تكن سارةً، فالغرف كانت في حالة مزرية لا ترضي المتشردين، حيث ينام ثلاثة طلبة داخل غرفة تبلغ مساحتها مترين، وتضم حمامات متسخة، ليقرروا التوجه إلى مقر الشركة عند عودتهم إلى الجزائر، لكن صدمتهم كانت أكبر بتغيير الشركة مقرّها واسمها، ما دفعهم إلى إيداع شكاوى عند الجهات الأمنية المختصة في الجزائر.
ومع إعلان مجلس القضاء قراره، تباينت الآراء حول الأحكام التي رأى البعض أنها كانت عادلةً في حق الثلاثة، واستحقوا الإفراج بعد أشهر من المعاناة في السجن، ومن بينهم الإعلامية رفيدة ركيزة التي قالت في تصريحات لرصيف22: "كمتابعة تلقيت خبر الإفراج عن المؤثرين بسعادة، لأنني انتظرت حكم الإفراج عنهم منذ بدأت المحاكمة لموقف واحد وهو إنساني".
"السبب الحقيقي لما وقع فيه هؤلاء المشاهير، هو محاولة خطأ لاستغلال قاعدتهم الجماهيرية، في جني المال، لكن هذا لا يبرر سخط الجماهير تجاههم"
وترى رفيدة أن هنالك دوافع أخرى تقف وراء الحملة التي شُنّت ضد نوميديا وريفكا وستانلي على وجه الخصوص موضحةً: "السبب الحقيقي لما وقع فيه هؤلاء المشاهير، هو محاولة خطأ لاستغلال قاعدتهم الجماهيرية، في جني المال، لكن هذا لا يبرر سخط الجماهير تجاههم، فحسب رأيي يرجع ذلك إلى ما هو أبعد، وهو طبيعة الفرد الجزائري، المتميزة بشعور النقص الذي يلازمه من جهة، ومن جهة أخرى الاعتقاد السائد بأن كل من يُظهر حياته للعامة، يستحق الشتم والسخط، فقط لكونه شخصيةً مشهورةً".
على النقيض من ذلك، هناك من يعتقد أن المتهمين استحقوا عقوبات أقسى لتكون رادعاً لهم في المستقبل، حمايةً لحقوق الطلبة الذين تم نهب أموالهم والتلاعب بمستقبلهم.
في هذا الشأن، يتحدث المحامي الحقوقي زكرياء العابد، في تصريحات لرصيف22، موضحاً: "المؤثرون قاموا بحملة إعلانية، لوكالة متخصصة في النهب والنصب، والشيء المؤسف أن دورهم لم يتوقف على الدعاية فقط، بل استلموا مبالغ ماليةً من الطلبة الضحايا".
أما بخصوص مسألة الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس قضاء الجزائر، وما إذا كانت مؤسسةً قانوناً أم لا، رد المحامي على السؤال: "هنا يمكننا القول إن قاضي الدرجة الأولى، قدّر الأمور تقديراً صحيحاً، تماشياً مع الدلائل والقرائن القوية التي يتضمنها الملف، لكن يبدو أن قاضي الدرجة الثانية -وبكل وضوح- جانب الصواب وتعرّض لضغوط كبيرة، حتى لا نتهمه بأمور أخرى، لأنه من غير المعقول أن تستفيد نوميديا لزول، من حكم البراءة، بينما ارتكبت أفعال "ريفكا" و"ستانلي" نفسها، والأخيرين حُكم عليهما بعقوبة سنة منها ستة أشهر نافذة".
"المؤثرون أخطأوا حين لم يستفسروا عن حقيقة الشركة وما يدور حولها، خصوصاً أن صاحبها له سوابق في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه يمكن عدّ المؤثرين ضحايا، لغياب سند قانوني للإشهار يحميهم إذا وقعت المتابعة القضائية"
المؤثرون... ضحايا أم نصّابون؟
فتحت حادثة خروج المؤثرين من السجن باب التساؤل على مصراعيه، في ما يخص مدى صحة الأحكام الصادرة بحقهم، إذ أوضح نجيب بيطام، محامي المتهم محمد أبركان المعروف باسم "ستانلي"، لرصيف22، التالي: "المؤثرون الثلاثة لم يقوموا بخروقات قانونية، وإنما هو عمل إشهاري ودعائي فقط، من دون نية الإيقاع بالطلبة، لأنهم لم يعلموا من الأساس أن الأمر يتعلق بوكالة وهمية ستنصب على الجمهور".
ولفت المحامي بيطام، إلى أن موكله سيطعن بالنقض في العقوبة المسلطة عليه في المحكمة العليا، للمطالبة بالبراءة التي يؤمن بها، مثلما حصلت عليها نوميديا.
تعويضات مالية كبيرة للمؤثرين
في حديثنا مع نجيب بيطام، أشار إلى نقطة مهمة قد تقلب مسار القضية برمتها، وتحول المؤثرين من متهمين بالنصب إلى ضحايا أحكام تعسفية، ويتم تعويضهم بمبالغ مالية عالية إذ يقول المحامي: "ما يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي بعيد عن الحقيقة، فمثلاً إذا لم يطعن النائب العام في حكم براءة نوميديا، من حقها رفع دعوى قضائية أمام المحكمة العليا، للمطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي والمادي، والسجن التعسفي لمدة ستة أشهر، ويمكن لها أن تحصل على المبلغ نفسه الذي كانت ستحصّله خلال هذه المدة، إذا أثبتت مداخيلها السابقة بالوثائق، ويتم تعويض الأتعاب والخسائر من الخزينة العمومية حسب ما ينص عليه القانون في حال براءة أي متهم محبوس، وهو الشيء نفسه الذي نسعى إلى تحقيقه لموكلي المعروف بستانلي، فهو بريء وكان أكثر شخص لقي تضامناً شعبياً، مقارنةً مع جميع المؤثرين الذين تفاوتت أدوارهم في عملية إشهار للشركة".
وللتعرف أكثر على طريقة عمل هؤلاء المؤثرين، والمبالغ الكبيرة التي يحصلون عليها، تواصلنا مع كريم بن عيسى، وهو صاحب شركة تسيّر أعمال عدد من المشاهير وصُنّاع المحتوى في الجزائر، وقد كشف لرصيف22، أن الإشهار يكون غالباً بأسعار ضخمة تصل إلى آلاف الدولارات، حسب عدد المتابعين ونوعهم ومجال اهتمامهم، ويتم ذلك في غياب تام للرقابة القانونية.
من حيث تكلفة الإعلان، تأتي نوميديا لزول أولاً، ثم يليها ريفكا، وهؤلاء يروّجون لشركات كبيرة، بينما أغلب صنّاع المحتوى يتعاملون مع متاجر وصالونات تجميل وحلاقة ومصممي أزياء، أغلبهم لا يملك حتى سجلاً تجارياً".
وكشف محدّثنا عن محاولته سابقاً للتواصل مع نوميديا لزول، للقيام بإشهار لحدث في مدينة قسنطينة شرق الجزائر، قائلاً: "للحضور جسدياً فقط مع أداء أغنية واحدة وعرض الحدث عبر خاصة الستوري على الإنستغرام، طلبت الوكالة التي تدير أعمال نوميديا لزول، 150 مليون سنتيم + 20 مليوناً للرسوم + التكفل بالإيواء والإطعام والنقل بالطائرة من العاصمة إلى قسنطينة (المبلغ يقارب 13 ألف دولار أمريكي في أقل من 24 ساعةً).
وفي مناسبة أخرى، طلبت نوميديا 25 مليون سنتيم (قرابة 1،800 دولار أمريكي)، لمجرد حضور حفل افتتاح تظاهرة تجارية، لمدة لا تتعدى دقائق معدودة، وكان هذا منذ ثلاث سنوات، وأظن أن الرقم تضاعف الآن مع تزايد عدد متابعيها".
وختم كريم بن عيسى، حديثه عن محاولته وضع عمل هؤلاء المشاهير في قالب قانوني، بتواصله مع وزارة الثقافة، لطرح مشروع يهدف إلى الاستفادة من العدد الهائل للجمهور المتابع للمؤثرين وصناع المحتوى، للترويج للتراث المادي واللا مادي الجزائري، غير أن محاولاته باءت بالفشل ولم تحظَ خطوته باهتمام وزارة الثقافة، بسبب البيروقراطية وعدم مواكبة التطور التكنولوجي، وشخصنة مؤسسات الدولة، بعيداً عن المصلحة العامة للبلاد.
أين الرقابة؟
"المؤثرون أخطأوا حين لم يستفسروا عن حقيقة الشركة وما يدور حولها، خصوصاً أن صاحبها له سوابق في هذا المجال، لكن في الوقت نفسه يمكن عدّ المؤثرين ضحايا، لغياب سند قانوني للإشهار يحميهم إذا وقعت المتابعة القضائية"؛ بهذا الكلام استهل مولود صياد، الصحافي الجزائري المختص بتقصّي الأخبار الزائفة، تصريحه لرصيف22، حول غياب آليات الرقابة لفرض العدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين، ويقول مستغرباً: "أموال كبيرة تُصرف بعيداً عن أعين الدولة وخارج التحصيل الضريبي، في مجال الإعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي، الذي بدأ ينتشر بطريقة أكبر في السنوات القليلة الماضية من دون رادع أو رقابة، في حين أن جميع المواطنين الذين ينالون أجوراً من متوسطة إلى ضعيفة، يدفعون ضرائب على دخل شهري لا يتعدى الـ300 دولار. على الدولة الجزائرية أن تبني منظومةً جبائيةً صحيحةً وقويةً، تركّز أيضاً على رجال الأعمال وأصحاب المداخيل الكبيرة، وبما أن العمل في مواقع التواصل الاجتماعي يُعدّ تجارةً أيضاً، يتوجب على المؤثرين دفع الضرائب مثلهم مثل بقية المواطنين البسطاء".
فراغ قانوني أضاع حق الجميع
بالرغم من مرور أشهر عدّة على الحادثة، كشفت قضية المؤثرين هذه عن قصور كبير في التشريع الذي ينظّم قطاع الإعلانات وهو تخصص جديد وُلد من رحم تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة، وبزوغ وسائل التواصل الاجتماعي كلاعب أساسي في الترويج للسلع والخدمات.
وإن تم تقنين التجارة الإلكترونية من باب القانون 18-05، لضبط المعاملات التجارية، لكنه لم يغُص في الموضوع بكامل تفاصيله، فبحسب خبراء يتحدث القانون عن المورد والمستهلك الإلكترونيين، لا عن المؤثر الإلكتروني، ولهذا تعالت الأصوات لتدخّل المشرّع الجزائري ووضع حد للفوضى العارمة، ولتنظيم عمل المؤثرين وتقييد أسمائهم في السجل التجاري كعلامات تجارية ومواقع تحت نطاق (.DZ)، لحماية أنفسهم وجمهورهم وتحصيل الضرائب من المداخيل الكبيرة التي يجنونها بعيداً عن أعين السلطات، وحتى لا يدخل الجميع في حال وقوع نزاع أو خرق للقانون في المستقبل، في معادلة الجميع فيها خاسرون، بدءاً من المؤثرين وصولاً إلى المعلنين والشركات والجمهور والدولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...