شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الإنفلونسرز الإسلاميون... نمط جديد من التديّن

الإنفلونسرز الإسلاميون... نمط جديد من التديّن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 26 مايو 202212:30 م
Read in English:

The rise and rise of Muslim influencers

خلال العقود الماضية، شهدت مسيرة التّديُّن تحولات نوعيةً لا تزال مستمرةً حتى اليوم. ولعلّ أبرز مظاهرها حالياً بروز ظاهرة "الإنفلونسرز الإسلاميين"، والتي تمثل نمطاً جديداً من أنماط التدين: مندمج في العولمة، ويعتمد على رؤية علمانية مدبجة بديباجة إسلامية، ومتزاوج مع قيم الحداثة الغربية، وخاضع لقيم السوق الرأسمالية... وتالياً لم يحوّلوا الإسلام إلى منتَج موجه إلى الجمهور فحسب، وإنما أعادوا موضعة الديني في فضاء تحكمه تقلبات السوق.

التديّن الجديد

تختلف ظاهرة "الإنفلونسرز الإسلاميين"، في مواضع عديدة عن نموذج "إسلام السوق" الذي نظّر له باتريك هايني. فالإنفلونسر الإسلامي لا يحاول تعويض الفشل السياسي بالنجاح الاقتصادي، وإنما يركز في المقام الأول على تقديم تديّن جديد محمَّل بمضامين السوق ومتكيّف مع تغيّراته.

لا بأس مثلاً في أن يدعوك إلى الصلاة وحبّ الذكر والدعاء والمواعظ الإيمانية، وفي الوقت نفسه يرتدي ماركةً تسويقيةً، وقد يدعوك إلى شرائها أيضاً، الأمر الذي حفّز كثيرين على دخول هذا المجال، لا لتقديم محتوى إسلامي ورسالة إسلامية حقيقية، وإنما لنيل الشهرة، وتحقيق النجاح الدنيوي، ولو على حساب تسطيح الدين وتقديم إسلام مختزل.

في ظل ظاهرة الإنفلونسرز الإسلاميين، فُرِّغ الإسلام من محتواه ومضمونه مع محاولة التمسك ببريقه للتكيف مع السوق ومع ما يريده المتابعون، بالإضافة إلى أن جمهور مواقع التواصل الاجتماعي يميل إلى تديّن غير باهظ التكاليف، لذلك يحب مَن يقدّم له تديّناً متساهلاً في كل شيء، ولذيذاً خاضعاً للمزاج. ومما لا شك فيه أن نموذج التديّن الذي يقدمه الإنفلونسر الإسلامي لن يزيل الابتعاد عن الدين، أو الاغتراب عنه بالضرورة، ولكنّه سيعطي الجمهور إحساساً، ولو وهمياً، بالتدين وراحة الضمير.

ومن الملاحظ في نموذج المتدين الجديد المتمثل في ظاهرة الإنفلونسرز الإسلاميين، عدم التمسك بالهوية وغياب البعد الأيديولوجي، وإخضاع التديّن لآليات العرض والطلب.

موضوعات الإنفلونسرز الإسلاميين

نجد تشابهاً ملحوظاً في محتوى النقاشات التي يثيرها معظم الإنفلونسرز الإسلاميين، إلى درجة تصل إلى حدّ التقليد. وبشكلٍ عام، فإن النقاشات كلها تدور حول الروحانية الشكلية، والسلوك الفردي، وتقديم تديّن مَرِح سعيد، بعيد عن الزجر والتخويف، يغلّب محبة الله على الخوف منه، بالإضافة إلى بعض القصص التي تتسم بالتشويق وتسعى إلى جذب الجمهور، والتركيز على التكيف مع متطلبات الحياة الحديثة، بدلاً من التخفف من الدنيا.

ويبتعد خطاب الإنفلونسرز الإسلاميين عن أي جانب سياسي أو فقهي، وعن التطرق إلى هموم الشعوب الإسلامية وقضايا إصلاح الواقع، ولا يولي مسائل الدولة والقضايا الحقوقية والإصلاحية أي اهتمام. وبدلاً من ذلك، يركز على العزلة، وتقديم تديّن متصالح مع الوضع القائم ومهادن له.

ولذلك، فإن من السمات الأساسية في خطاب الإنفلونسرز الإسلاميين، التركيز على الفرد لا الجماعة. لا ينظرون إلى الإسلام على أنه دين يرفض الظلم ويواجه الاستبداد، وبدلاً من ذلك، يطرحون قيماً أخلاقيةً رأسماليةً مندمجةً مع العالم وليست في مواجهة معه، وتالياً يُقدَّم الإسلام إلى الجمهور على أنه أحد المكونات الأخلاقية السوقية.

فمثلاً، يغيب الحديث عن الترغيب والترهيب في الدين، مقابل التركيز على التديّن الوجداني، والإيمان الفردي، والمتعة الدينية في ظل نظام السوق. "أنت لا تحتاج إلى أن تتغير. ولا تعاتب نفسك، فأنت جيّد، وما ينقصك هو السعادة"؛ هكذا يحاول الإنفلونسر الإسلامي تقديم خطاب ناعم يركز على المحبّة، وعلى سعي الإنسان إلى تحقيق السعادة وفق المرجعية السوقية، لا المرجعية الدينية.

تديّن يبحث عن إغراء

يبدو أن ظاهرة الإنفلونسرز الإسلاميين أصبحت تعبّر بشكل واضح عن تطلعات جيل جديد، إذ اختلفت النظرة إلى الدين والتديّن عن السابق. الإنفلونسر الإسلامي لا علاقة له بالحركات الإسلامية، كما أنه ليس داعيةً على أيٍّ من الأنماط القديمة. وإنْ كان يلتقي في بعض السمات مع ظاهرة الدعاة الجدد، إلا أنه يختلف عنهم في العديد من الخصائص. غالبية الأنفلونسرز الإسلاميين لم يتلقوا تعليماً دينياً منتظماً، وإنما تلقوا تعليماً مدنياً، لكنهم اعتمدوا في الدرجة الأولى على التثقيف الذاتي العشوائي.

لا يلتزم الإنفلونسر الإسلامي بالزي التقليدي ولا باللغة التقليدية، بل يرتدي الملابس على النمط "الكاجوال" الغربي. بلحية عصرية أنيقة وملامح وجه مريحة، وتتسم طريقة إلقائه بنوع من الدراما العاطفية، ويستخدم لغةً عاميةً دارجةً في الأوساط الشعبية، وفي بعض الأحيان يحشو خطابه بمصطلحات إنكليزية، لكن خطابه بسيط وهشّ في الطرح، ومليء بالسعادة والحب بعيداً عن واقعية الحياة والمشكلات الاجتماعية الحقيقية، ومتصالح تماماً مع العالم الرأسمالي، كما أنه يجيد التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدم الإثارة وعناصر التشويق، ولذلك يتسم بالتجديد والتكيف مع المستجدات.

ومن اللافت صغر سن الإنفلونسر الإسلامي. ومع صغر سنّه، نراه يقتحم مجال الفتوى بكل أريحية، بالرغم من أنه جاهل تماماً في الجوانب الفقهية المعقدة. ولذلك، حين يقترب أحدهم من بعض الأمور الدينية التخصصية، تظهر السطحية في الطرح والتنظير المتهافت بحكم غياب التكوين الشرعي.

"فتاوى" وترندات

من أبرز وجُوه الإنفلونسرز الإسلاميين، "د. أمير منير". يركز في المقام الأول على الإسلام الذي يبحث عنه الشباب، مثل قواعد الحب السبعة، والعادة السرية، وسر استجابة الدعاء، و6 طرق تزود بيهم رزقك، بجانب الفتاوى السهلة والسريعة. وفي كثير من الأحيان، يتماشى مع الثقافة الترندية، مثل التعليق على فساتين الجونة، وأغنية بنت الجيران، وغيرهما الكثير.

يمثل الإنفلونسرز الإسلاميون نمطاً جديداً من أنماط التدين: مندمج في العولمة، ويعتمد على رؤية علمانية مدبّجة بديباجة إسلامية، ومتزاوج مع قيم الحداثة الغربية، وخاضع لقيم السوق الرأسمالية

يتسم خطاب منير بالحس الفكاهي، وسهولة اللغة المستخدمة إلى حد يصل إلى استخدام الألفاظ والكلمات الدارجة بين الشباب. كما أن محاولته الاستناد إلى مقاربة أخلاقية تعطيه امتيازاً على نظرائه من الإنفلونسرز الآخرين. مثلاً يحاول في بعض فيديوهاته ربط استمتاع الإنسان في الحياة بالتدين، فيقول: "اللي ربنا راضي عنه قلبه متعلق بالله بيحيا حياة سعيدة... رضا ربنا يساوي حياة سعيدة في الدنيا بغض النظر عن اللي فيها".

ويشارك منير في نشاطات تسويقية ودعائية مختلفة، مثل الإدارة والتسويق للبرمجة، ومعارض السيارات، وغيرها، كما يقدّم "كورسات" وبرامج تنمويةً ودينيةً، مثل برنامج اسمه "الإجابة"، وهو باشتراك مالي، ويحاول فيه كما يقول تغيير علاقة الشباب بالدين، وأيضاً هناك برنامج آخر اسمه "مدينة الأقوياء"، يتحدث عن التنمر، وهو أيضاً باشتراك مالي، بالإضافة إلى محاضرات تتحدث عن فن اختيار شريك الحياة، والثقة بالنفس، وغيرها. كما أصدر كتاباً بعنوان "إلى الله"، اللافت فيه وضعه لشخصه كماركة تسويقية على صورة الغلاف.

لدى منير أكثر من خمسة ملايين متابع على صفحته الرسمية على فيسبوك، وتُعدّ الأغلبية الساحقة من جمهوره من المراهقين والشباب. وبالرغم من عزوفه عن التحدث في الشؤون السياسية أو الاقتصادية، إلا أنه في بعض الأحيان يحاول إسباغ الواقع بديباجات ومقولات دينية، كما فعل في أزمة الدولار الأخيرة، فبدلاً من أن ينتقد السياسات التي تسببت بهذا الوضع، فضّل التنظير للتكيّف مع الأمر وعدّه بلا أثر سلبي على حياة الناس.

تديّن التنمية البشرية

كريم إسماعيل، هو نموذج آخر. يغلب عليه التأثر برواد التنمية البشرية الأمريكية، لكنه يغلّف المحتوى الذي يقدّمه بإطار إسلامي، مجسداً الرغبة في الجمع بين الدعوة إلى أخلاق إسلامية وتطوير الذات، لكن بالاعتماد على أدبيات وأطروحات السوق والتنمية البشرية الأمريكية.

يطرح إسماعيل مواضيع عديدةً، مثل تجديد طاقة الإيمان بالله، والصداقة بين الشاب والفتاة، وغيرهما من الأمور التي تحظى بانتباه المراهقين، لكنه يركز أكثر على مفاهيم النجاح الفردي الدنيوي، والطموح، والشغف، وخطوات السعادة، ويربط هذه المفاهيم بالتدين، كما يقدّم "كورسات" باهظة الثمن عن التوازن الحياتي والصحة النفسية، يحضرها المئات.

في حلقة بثها على يوتيوب، يقول: "هدفنا أننا نخلّي الناس تحسّن من صحتها النفسية... وأكثر أسباب الحزن والكآبة وعدم الراحة النفسية جاية من الأمور الدينية... الدين لما نفهمه صح، ونعيشه صح، هنحسن من صحتنا النفسية".

لدى إسماعيل ما يقارب المليونيْ متابع على فيسبوك، و750 ألف مشترك في قناته على يوتيوب. وقام بإصدار كتاب اسمه "استراحة نفسية"، يركز فيه على مفاهيم مثل السعادة والمال، لكن الفكرة الأساسية فيه هي الجمع بين التنمية البشرية والتدين. ما قد يميّزه عن غيره هو جمهوره الذي يتكون معظمه من الشباب الذين ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية الأعلى، ويحتاجون إلى تديّن بلا خسائر، فيرغّبهم في الحياة، ويزرع فيهم نزعة الإيمان الفردي.

يبتعد خطاب الإنفلونسرز الإسلاميين عن أي جانب سياسي أو فقهي، وعن التطرق إلى هموم الشعوب الإسلامية وقضايا إصلاح الواقع، ولا يولي مسائل الدولة والقضايا الحقوقية والإصلاحية أي اهتمام، ويركز على العزلة، وتقديم تديّن متصالح مع الوضع القائم ومهادن له

دمج تحفيز الذات بالتديّن

في دول الخليج العربي، ظهر عمر آل عوضه، وهو شاب صغير صار لديه نحو 5.5 ملايين متابع على إنستغرام وخمسة ملايين على فيسبوك وأكثر من نصف مليون مشترك في قناته على يوتيوب.

في البداية، قدّم مجموعةً من الخواطر الرومانسية بصبغة دينية، وحين وجد أنها انتشرت ولاقت قبولاً بين الشباب الصغار، ركّز على تقديم صورة شديدة المثالية عن التدين، مع أداء تمثيلي ضعيف، بدءاً من نبرة صوته واستخدامه الآهات التي تعتمد على التأثير العاطفي، ثم تقديمه مواعظ تهم المراهقين، مثل: طريق السعادة، ولا تيأس، وتجاهل بعدد شعرات رأسك، وإرشادات عن الحب والحياة، ورسالة لكل بنت، وكُن عزيز النفس، والغيرة، وغيرها، كما يركز كثيراً على فيديوهات الأدعية، وأيضاً على النصائح التي يوجهها إلى أخواته البنات، لكن اللافت قيامه بتقديم نصيحة دعوية على طريقة تذكّر برقصة كيكي!

ويلخص الشاب نوعية المحتوى الذي يقدّمه بأنه يهدف إلى دمج تحفيز الذات بالتدين. كما أصدر عدداً من المؤلفات حققت مبيعات عاليةً، مثل كتاب "فاطمئن" وكتاب "مدينة الأقوياء"، وتتحدث مؤلفاته عن المثابرة والتغلب على الفشل وتحقيق الأحلام، وربط الالتزام الديني بالسعادة والنجاح الدنيوي.

آل عوضه من مواليد عام 1998، واللافت للنظر اقتحامه لمجال الفتوى على تطبيق التيك توك، وكثرة الفتاوى التي يصدرها يومياً، ويُعدّ جمهوره الأكبر من شريحة المراهقين والشباب الصغار.

التأسلم السوقي

ليست الإشكالية في الأفكار التي يطرحها الإنفلونسر الإسلاميون، مثل تحفيز الذات، والنجاح الدنيوي، وغير ذلك، إنما المشكلة في تسليع الوعي والخطاب الديني. أصبحت كلمة إسلامي تُستخدَم في كل شيء: "الريجيم" الإسلامي، والأزياء الإسلامية، والديسكو الإسلامي، والمايوه الإسلامي، واليوغا الإسلامية...

سُخّر مصطلح الإسلام لخدمة السوق، وصار مسايراً للصناعات والملبوسات... قد يكون الوعي العام هو الذي جعل الإنفلونسرز الإسلاميين يتحركون وفق ما يطلبه السوق والجمهور، لكن الإشكالية تبقى في المتاجرة بالدين وافتراض أن الله أنزله لتحقيق المكاسب الدنيوية للإنسان، ولو بشكل مختلف عمّا تقوم به بقية الإسلاميين.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image