"كل الشباب يملكون هواتف ذكية اليوم، نريد أن تكونوا سفراء لبرنامجنا من أجل إنجاحه"، هذه الجملة تعود لوزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، خلال الحفل الرسمي لإطلاق برنامج "فرصة"، الموجّه إلى الشباب حاملي مشاريع مقاولات، كما جاء في بلاغ للحكومة.
العبارة التي وجهتها الوزيرة إلى "مشاهير" العالم الرقمي، أو ما يسمّون إعلاميا بـ"المؤثرين" الذين حضروا اللقاء إلى جانب وزراء آخرين، فتحت السجال مجدّدا حول إشراك هؤلاء في التسويق للبرامج الحكومية، وحُضورهم في فضاءات الحوار والاقتراح وإبداء الرأي بشأن قضايا مجتمعيّة، دون الانفتاح اللازم على الصحافيين والمختصين والباحثين.
برنامج "فرصة" الذي أطلقته الحكومة رسميا، قبل أيام، يروم مساعدة 10 آلاف شاب يحملون مشاريع مقاولات، خصص له مبلغ مالي يصل إلى 1,25 مليار درهم (نحو 126 مليون دولار) لسنة 2022.
ويأتي الانفتاح على "مؤثرين"، كما جاء في تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، لأنه ينسجمُ مع فئة الشباب المستهدف من البرنامج الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة، وبالنسبة إليه فـ"معروف أن الشباب كلهم من سكان الفضاء الأزرق وبالتالي كان هذا الانفتاح".
عصا سحرية تخفي "فشل" المسؤولين
بالنسبة إلى الاستشاري في قضايا التنمية الاقتصادية، عادل خالص، فإن الاستعانة بالنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق منتوج أو مبادرة ما "أمرٌ ليس بهذه البساطة كما قد يخيل لهؤلاء النشطاء، خصوصا عندما يتم ذلك بمقابل مالي"، مؤكدا أنه ليس ضد ذلك، ولكن "هناك ضوابط ومسؤولية أخلاقية ينبغي التقيد بها، فمثلا كيف يستقيم الانخراط في حملة انتخابية أو تسويقية لشيء ما يلجأ بخصوصه من يهمهم الأمر، إلى طرق غير أخلاقية لاستجداء نوع من القبول أو المشروعية، كاستعمال الذباب الالكتروني، وأساليب غير مشروعة للترويج له أو للتصدي لمنتقديه على منصات التواصل الاجتماعي؟".
دعوة "مشاهير" العالم الرقمي، أو ما يسمّون إعلاميا بـ"المؤثرين" وحضورهم افتتاح برنامج فرصة الحكومي إلى جانب وزراء، فتحت السجال حول إشراك هؤلاء في الحياة العامة المغربية
وأوضح خالص، في حديث مع رصيف22، أنه "من الخطأ الاعتقاد أن نسبة المتابعة هي ما يُشكلُ مؤشراً على مدى قدرة الناشط الرقمي على الترويج والتسويق لأمر ما، لأن هذه النسبة تبقى ضعيفة جداً عند أغلب هؤلاء مقارنة مع بعض الشخصيات أو نجوم الفن أو الرياضة، فالأهم هو السمعة التي يبنيها هؤلاء لدى متابعيهم، فلكل جمهوره وسمعته "الجيدة"".
وبالنسبة إلى المتحدث، الذي يتحفظ على تسمية "المؤثر"، فإن "السمعة في هذا المجال تختلف حسب كل ناشط"، مُبرزا أن "هناك من استمدها من خلال أنشطة ومحتوى تافه وهناك من بناها من خلال أعمال جادة ملموسة على أرض الواقع، وهذا الصنف الأخير هو المعني بهذه المسؤولية الأخلاقية لأنه غالبا ما يكون الهدف من الاستعانة بخدماته كـ"مؤثر" هو تلميع صورة ما أو التغطية عن عجز ما، كما هو الحال بالنسبة لوزارة السياحة وعلاقتها ببرنامج فرصة".
"مؤثرون" بدل الإعلاميين والباحثين؟
من جهته، يرى عثمان مودن، رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، أن "اعتماد وزراء الحكومة الحالية على ما يسمى بالمؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمشاريع وبرامج حكومية رهان فاشل وله سلبيات على عدة مستويات".
يوضح مودن، في حديث مع رصيف22، أن المستوى الأول من السلبيات هو أنه "حتى إن كان لهؤلاء المؤثرين العديد من المتابعين فإن العبرة بنجاح هذه المشاريع الحكومية لا تكون أبدا بالكمّ وعدد المتابعات، خصوصا إن كان هذا الكم لا يعكس المستهدفين من هذه البرامج، وهذا حال أغلب متابعي المؤثرين عبر صفحات التواصل الاجتماعي الذين يعالجون مواضيع سطحية إن لم نقل تافهة".
والمستوى الثاني، يُكمل المتحدث، "الاعتمادات المالية التي يتم رصدها لهؤلاء المؤثرين ولحملاتهم الإعلامية المحكوم بفشلها، كان يمكن استثمارها بطرق أفضل، من خلال وصلات إعلانية تقدمها القطاعات الوزارية عبر القنوات التلفزيونية والإذاعات والجرائد الورقية والإلكترونية مثلا خلال شهر رمضان خصوصا وأنّ هذا الشهر تعرف فيه القنوات والإذاعات والجرائد الوطنية متابعة كبيرة من لدن كل الفئات المجتمعية".
إساءة لصورة المؤسسات
يُضيف الدكتور في المالية العامة، أنه "كما كان من الأجدر على هذه القطاعات التواصل والانفتاح على الجامعات ومؤسسات ومعاهد التكوين باعتبارها تضم النواة الرئيسية للمستهدفين من برنامج فرصة، والمستوى السلبي الثالث للاعتماد المبالغ فيه من لدن القطاعات الحكومية على المؤثرين هو أن فيه إساءة حقيقية لصورة المؤسسات الرسمية ومسّ بهيبتها ورمزيّتها وإظهارها وكأنها مؤسسات تبحث عن تلميع صورتها عبر 'جلب الإعجاب' بدل تحقيق الأهداف والنتائج".
"حتى إن كان لهؤلاء المؤثرين العديد من المتابعين فإن العبرة بنجاح هذه المشاريع الحكومية لا تكون أبدا بالكمّ وعدد المتابعات"
بالنسبة إلى المتحدث، فإن "هذا فيه تمييع للمبادئ التي جاء بها الدستور المغربي من قبيل إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام، وهو الإشراك الذي ينبغي ان يتم بشكل مؤسساتي وعبر القنوات المتعارف عليها وبشكل مضبوط، وعبر أشخاص لهم مستوى معرفي وثقافي محترم يعكس الاهتمام الذي توليه الدولة ووزارتها للكفاءات وليس تسويق فكرة مفادها أن أبواب المؤسسات مفتوحة لكل من هب ودب ولكل من له أكبر عدد من المتابعين عبر وسائل التواصل حتى إن كان ما يعرضه ليس أكثر من طريقة لباس أو أحاجي تاريخية".
ويعتبرُ المتحدث برنامج "فرصة" بمثابة "أبرز لمسة إضافية قامت بها الحكومة الجديدة على مستوى قانون المالية لسنة 2022، وهو برنامج طموح لكن للأسف تمت انطلاقته بمترافعين ومدافعين فاشلين".
انفتاحٌ على نخبة "مُزيّفة"
مستوى التحليل هذا تتفق معه باحثة الدكتوراه، مريم بليل، بالقول إنه من اللازم "تقييم مدى انفتاح المؤسسات السياسية والدستورية على المجتمع المدني وعلى الباحثين والجامعات حتى نقول إن من حقها أن تتعامل مع مشاهير العالم الرقمي".
وشدّدت الباحثة في العلوم السياسية على أن خطوة إشراك المؤسسات السياسية لهؤلاء "المؤثرين" من دون تحقيق "إنجازات في التواصل مع المجتمع المدني الذي يعمل على قضايا مهمة، ولا مع الباحثين والجامعات، سيكون انفتاحا مُزيّفا وبدون أي معنى".
نخبة "مُزيَّفة" أتى بها العالم الرقمي؟ مغاربة يستنكرون حضور "مؤثري" السوشيال ميديا في مشاريع حكومية
وفي هذا السياق، أضافت المتحدثة أن "الدعوة إلى فعل المشاركة المُواطِنة ابتعدت عن طريق المشاركة والانخراط في الفعل المدني والنقابي، وصارت حصراً على من لديه متابعون أكثر، ليكون محطّ اهتمام"، مُستنكرة "النخبة المُزيّفة" التي "أتت بها الرقمنة والاستخدام المتصاعد لوسائل التواصل الذي أظهر أن النخبة الناجحة هي التي تسافر وتجلس مع مسؤولين، بعد تحقيق الشهرة"، ومعتبرة أن هذا "تزييفا" تساهم فيه جهات برسم معالم نموذج الشباب الناجح وهذا ما يقدم إلى الشباب وإلى صغار السن، وإظهار أنه الشباب الذي نأخذ برأيه ونسمع إليه ثم يُسوّق عملنا، في حين أن فاعلية البحث العلمي والجامعة والأحزاب السياسية غير مهمة".
تتساءل المتحدثة هي الأخرى "لماذا لا يُروّجُ الإعلام الرسمي لهذه البرامج الحكومية التي تفيد المواطنين، لماذا تجاوزنا الإعلام الرسمي وذهبنا إلى فضاء يستهدف فئة ليست بالضرورة هي الفاعلة التي تتكلم في كل المواضيع دون اختصاصها؟".
برنامجٌ سيعرفُ عراقيل كثيرة؟
ما أفق نجاح هذا المشروع الحكومي؟ يجيب الاقتصادي عادل خالص "نحن أهل الاختصاص نعلم مدى نجاعة هذه البرامج، وشروط نجاحها. للأسف، من المحتمل أن يعرف هذا البرنامج مشاكل عديدة على مستوى التنفيذ على المدى المتوسط والبعيد ستحول دون نجاحه وتحقيق الأهداف المسطرة".
وفي تعليقه على الميزانية المرصودة للتسويق، يقول خالص "لا حاجة لكل هذه الميزانية المرصودة وهذا الجهد في التسويق علما أن الطلب على هكذا برامج يفوق حجم العرض في سياق اقتصاد يعرف فيه سوق الشغل زيادة في عدد العاطلين (حوالي 1.5 مليون شخص) والوافدين الجدد عليه كل سنة (300 ألف شخص) حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، في الوقت الذي يجب التركيز فيه على المضمون وتخصيص هذه الميزانية لأمور أكثر أهمية من أجل ضمان نجاحه".
يُكمل الاقتصادي حديثه " ترتكبُ الجهة المشرفة على البرنامج خطأ كبيرا باعتماد خطاب فيه إفراط في الإيجابية كما شاهدنا في حفل الافتتاح".
فبالنسبة إليه "الإيجابية شيء جميل ومطلوب في كل شيء إلا في المقاولة التي تحفها الكثير من المخاطر، فهذا الخطاب الايجابي المُفعم بالثقة هو خطاب يتقنه الموظفون ممن لهم راتب قار ولم يسبق لهم أن عاشوا تجربة حقيقية كمقاولين لفهم واقع المقاولة والإكراهات التي تعيق نجاحها".
واقعُ المقاولة، بالنسبة للمتحدث "لا يتعلق أبدا بتحدّ على مواقع التواصل الاجتماعي أو المشاركة في لعبة نخسر ونتقبل الأمر بكل روح رياضية"، مُشدّدا على أن "إحداث مشروع أو مقاولة أمر جدي ومعقد بالنسبة لمن لا يتوفر على حد أدنى من المؤهلات لذلك، ويزداد الأمر تعقيدا عندما يلجأ المقاول إلى الاقتراض لتمويل مشروعه".
"حتى وإن تعلق الأمر بقرض شرف، فالدين يبقى دينا ينبغي تسديده في أجله"، يضيفُ خالص الذي ينبّهُ إلى أنه في استحالة ذلك سيكون "مصير نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب نفس مصير من سبقوهم في إطار برامج أخرى وجدوا أنفسهم أمام القضاء منهم من سجن ومنهم من وضع حدا لحياته".
وفي هذا السياق، يُنبّه المتخصص في ريادة الأعمال إلى أنه "يجبُ تفادي أي خطاب "مؤثر" وغير واقعي قد يورط الكثير من الشباب في العديد من المشاكل بدلا من توجيههم وتأطيرهم بواقعية من طرف مختصين في المجال".
مُقابل ذلك، يستنكرُ خالص مسألة إشراك هؤلاء "المشاهير" في فضاءات للحوار والنقاش حول قضايا تستوجبُ إشراك المتخصصين بالدرجة الأولى، لأن هذا الأمر فتح للعديد منهم الفرصة في فضاءات الجامعة للمحاضرة وإلقاء عروض، حسب رأيه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...