شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
النفسية تعبانة كتير

النفسية تعبانة كتير"... المسنّون/ ات في لبنان يحتاجون إلى مساحات للتعبير والدعم النفسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

السبت 6 أغسطس 202202:30 م

يقيم الستيني خالد عبيدان، في مخيم الجراحية في منطقة المرج في البقاع اللبناني، منذ سنوات، وهو المنحدر من مدينة حمص السورية. يعاني الرجل من مشكلات صحية كضغط الدم والسكري، ويعمل بائعاً على إحدى البسطات.

يقول في لقاء مع رصيف22: "عيشتي في المخيم سيئة، أنا زلمي كبير عمري 62 وهالخيمة حرقتنا، جوع، عطش، الشمس دبحتنا، وبالشتوية البرد قتلنا".

بدورها، تشير أم إياد، وهي أيضاً مسنّة سورية تعيش في مخيم الجراحية، إلى معاناتها من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم، وتحيل أسباب ذلك، بجانب الظروف الصعبة، إلى اعتقال ابنها تعسفياً في لبنان، وتحكي لرصيف22: "عندما رأيت ما حصل لابني تفاقمت حالتي المرضية من ارتفاع ضغط الدم والسكري وآلام الظهر. ولدي متزوج والآن تعيش زوجته وابنه معي، وصرت أخاف عليهم من الخروج حتى لشراء ربطة خبز"، وتضيف بمرارة: "صار معي عقدة نفسية، ساعة بتلاقيني قاعدة، ساعة بتلاقيني مو قادرة أقعد".

لا أحد يلتفت بشكل حقيقي إلى الحالة النفسية لكبار السن.

أما أبو جدوع الحاج، وله من العمر ثمانية وستون عاماً، ويقيم في المخيم عينه، فيقول واصفاً وضعه النفسي لرصيف22: "النفسية تعبانة كتير، ما حدا عم يساعدنا، عظامي عم توجعني ومعي التهاب أعصاب".

مثل خالد وأم إياد وأبو جدوع، يعاني كبار السن في لبنان عموماً، سواء أكانوا لبنانيين أو من مجتمعات اللاجئين، من صعوبات على جميع المستويات المعيشية، فهم أشبه بفئة غير مرئية، تعاني من مشكلاتها الخاصة، من دون أن تتلقى الدعم الكافي، سواء على المستوى النفسي، أو المادي، أو الصحي.

ويشكّل المسنون في لبنان ما نسبته 11% من سكان البلاد، وتبلغ هذه النسبة في مجتمع اللجوء السوري قرابة 2.5 في المئة.

من أحد مخيمات بلدة الروضة في البقاع اللبناني - تصوير: سليمان التيناوي

الفقد والاغتراب

يبدو أن مسألة الاستقرار تشغل مساحة مهمة من تفكير اللاجئين، كون لبنان ليس بلدهم ولا يعدّونه مستقراً دائماً، أو صالحاً للعيش الكريم اليوم، فذلك يتطلب وضعاً اقتصادياً وسياسياً مستقراً، وهو ما لا يتوفر للنسبة العظمى منهم.

كما يعاني أغلب اللاجئين، إن لم يكن جميعهم، من الفقد، سواء كنا نتحدث عن الأشخاص، أو المنزل أو الأرض أو العمل. يقول سالم شمّاع (65 عاماً)، المقيم في منطقة سليم سلام في بيروت، إن الفقد الأكبر بالنسبة إليه هو افتقاد أرضه التي هُجّر منها، والعمل فيها.

والفقدان الأصعب هو للأشخاص، فكثير من اللاجئين خسروا أفراداً من عائلاتهم أو أصدقائهم، وما يفرضه نمط العيش الحالي عليهم يذكّرهم يومياً بذلك، فالأولاد بالنسبة لكبار السن هم الضمانة الوحيدة في أيامهم الأخيرة، إذ لا نظام يكفل لهم الاهتمام بصحتهم، ولا تستطيع دولة مضيفة كلبنان أن تقدّم ما يكفي لكبار السن اللبنانيين، فما بالك باللاجئين.

وضمن هذا السياق تقول سمر (65 عاماً)، وهي من مواليد مدينة حمص وتعيش مع ابنها في مخيم شاتيلا منذ عام 2015، إن فقدان ابنها الأكبر المعتقل منذ عام 2013 في سوريا يضاعف من حزنها وشعورها بعدم الأمان.

يشير حسان (72 عاماً) إلى أنه يواجه مشكلات عديدةً بقبول فكرة العيش في لبنان على الرغم من التشابه الكبير مع سوريا، بسبب شعوره العميق بالاغتراب، فهو يحلم بشكل مستمر بالعودة إلى بلده، لكن مخاوفه الأمنية تحول دون ذلك

العنصرية أيضاً هي إحدى المشكلات التي يعاني منها اللاجئون بشكل كبير، وتساهم في تعميق مشاعر الخوف والغربة والخسارة لديهم. لم ينجُ المسنّون من هذه العنصرية، بل أصبحت مشكلةً نفسيةً تحرمهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. تحكي أم فادي (69 عاماً)، والتي تقيم في منطقة عين الرمانة في بيروت، كيف تعرضت للعديد من المواقف العنصرية منذ مجيئها إلى لبنان، وهذا الأمر من المشكلات النفسية التي يصعب عليها التعامل معها.

أما الاغتراب عن البلد الأصلي، فقد يكون من أكثر الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة، فالشباب يمتلكون قدرةً أكبر على الانسجام في مجتمعات جديدة، بينما يرزح كبار السن تحت ضغط الاغتراب بحدة كبيرة.

يشير حسان (72 عاماً)، وهو من مدينة دوما في ريف دمشق ويقيم في بيروت ويعمل بائع دخان، إلى أنه يواجه مشكلات عديدةً بقبول فكرة العيش في لبنان على الرغم من التشابه الكبير مع سوريا، بسبب شعوره العميق بالاغتراب، فهو يحلم بشكل مستمر بالعودة إلى بلده، لكن مخاوفه الأمنية تحول دون ذلك.

من أحد مخيمات بلدة الروضة في البقاع اللبناني - تصوير: سليمان التيناوي

هواجس لا تنتهي

في لقاء مع رصيف22، يقول اللبناني أبو رياض (63 سنةً)، وهو من أهالي سهل البقاع، إن تردي الأوضاع المعيشية، يجعل الهاجس الأكبر بالنسبة له ولمن هم في مثل سنّه، التفكير في حبة الدواء أولاً، وهو ما دفعه للعثور على مستوصفات تقدّم الخدمات الصحية بأجور رمزية، لعدم قدرته على تحمل كلفة الأمر.

أما عن الوضع النفسي، فيقول: "لا أحد يلتفت بشكل حقيقي إلى الحالة النفسية لكبار السن. هناك دور لرعاية المسنين، لكن الأمر غير مقبول في بيئتنا التي نعتمد فيها على رعاية أبنائنا في الدرجة الأولى".

المشكلات النفسية التي يعاني منها كبار السن تتعلق بالحنين والخوف والفقد.

لمواجهة كل ذلك، يلجأ أبو رياض، وغيره ممن هم في العمر نفسه، إلى اجتماعات شبه يومية في الحي الذي يقيمون فيه، ويقضون بعض الوقت على باب منزل أحدهم، ويشربون الشاي ويتبادلون الأحاديث، ويستذكرون شبابهم وأيام قوّتهم، كما يعمد الرجل إلى الذهاب إلى الحقل والمشي في القرية كل صباح، مما يساعده على تجديد نشاطه.

الحماية وتخفيف الألم العاطفي

في مواجهة كل ذلك، تسعى منظمات عدة في لبنان إلى تقديم الدعم النفسي لفئة كبار السن. وضمن هذا السياق تشير الأخصائية النفسية جهينة مسلم، من منظمة "النساء الآن من أجل التنمية"، إلى أن الدعم النفسي الاجتماعي يقدّم المساعدة على أسس تهدف إلى حماية السلامة النفسية والاجتماعية والوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية، وهي نتيجة تفاعل عوامل عدة في حياة الإنسان، ومن أهدافه، تخفيف الألم العاطفي والجسدي، وتحسين الخصائص الحيوية للأشخاص على المدى القصير، وتقليل التوتر والحد من تطور ردود الفعل البسيطة إلى ردود فعل حادة.

وتضيف المتحدثة في لقاء مع رصيف22، إلى أن هذا الدعم يوفر مساحةً آمنةً للمشاركين/ ات، وينطلق من احتياجاتهم الخاصة، فيُقسم المشاركون في جلسات الدعم إلى مجموعات متقاربة عمرياً كي تكون احتياجاتهم مشتركةً أو متشابهةً قدر الإمكان، ويبلغ عدد المشاركين في كل جلسة عادةً بين 8 و12 مشتركاً/ ة.

من أحد مخيمات بلدة المرج في البقاع اللبناني - تصوير: سليمان التيناوي

وتشرح: "تهدف الجلسات إلى ترميم أو إعادة بناء الجهاز النفسي للمشاركين، لزيادة القدرة على التأقلم الإيجابي ومواجهة الضغوط الحياتية والنفسية، وزيادة أو تدعيم مهارات الرعاية الذاتية وتقنيات حل المشكلات، كالمساعدة على إدارة الغضب والقلق والضغوط، وكيفية الموازنة بين الحاجيات والمسؤوليات، والاعتناء بالذات، وبناء أو تعزيز الثقة بالنفس، وتوفير مساحة مشتركة تساهم في كسر العزلة ومشاركة الهموم وتوسيع العلاقات الاجتماعية، وزيادة الوعي والثقافة النفسية".

وتشير مسلم إلى أن المشكلات النفسية التي يعاني منها كبار السن تتعلق بالحنين والخوف والفقد، ويواجهون مشكلةً في تربية الأطفال بسبب الفجوة بين الأجيال، خاصةً مع وجود عدد من كبار السن ممن يعتنون وحدهم بأطفال أولادهم المفقودين أو المعتقلين أو المتوفين، ويواجهون بسبب ذلك ضغوطاً عديدة.

يلجأ أبو رياض، وغيره ممن هم في العمر نفسه، إلى اجتماعات شبه يومية في الحي الذي يقيمون فيه، ويقضون بعض الوقت على باب منزل أحدهم، ويشربون الشاي ويتبادلون الأحاديث، ويستذكرون شبابهم وأيام قوّتهم

متابعة الوضع النفسي للمسنين

"الدعم النفسي الاجتماعي هو مجموعة متصلة من أنشطة الدعم والرعاية التي تؤثر على الفرد والبيئة الاجتماعية، وتتم جلسات الدعم من خلال استشارات فردية أو علاج جماعي، أو علاج نفسي أسري"، تشرح المعالجة النفسية نضال جوزف الرياشي، لرصيف22.

وتشير إلى أن أبرز المشكلات التي يعاني كبار السن منها، هي صعوبة التأقلم، ومشاعر القلق والخوف من المستقبل وما يحمله من صعوبات، والخوف من الموت، كما يعاني بعضهم من الاكتئاب الذي يتمثل في اليأس والحزن، بالإضافة إلى الانسحاب من الأنشطة التي كانت ممتعةً سابقاً، وظهور اضطرابات في النوم والأكل.

ويضيف حمود أمجيدل، الذي يعمل في مجال الدعم النفسي الاجتماعي مع عدد من المنظمات في لبنان، أن هذا الدعم يُقدَّم عموماً في حالات الأزمات والكوارث الإنسانية، وهو محاولة لتخفيف آثار هذه الكوارث على الأفراد والجماعات، ويشير إلى أن جلسات الدعم النفسي الاجتماعي تُقدَّم من قبل متطوعين ومتخصصين، أو أشخاص لديهم القدرة أو الخبرة اللازمة.

تساعدني هذه الأنشطة على تفريغ الطاقة السلبية الموجودة لدي، وعندما أحضرها أشعر بالقوة.

ويمكن للمسنّين الراغبين في الحصول على هذا النوع من الدعم في لبنان، التسجيل في الجلسات إما بشكل مباشر عن طريق المنظمات التي تقدّم هذه الخدمة، أو عن طريق الهاتف، ويتم حينها الالتحاق بسلسلة من الجلسات، ومتابعة وضع المشتركين/ ات النفسي والاجتماعي من قبل المتخصصين.

ومن هذه المنظمات نذكر "الهيئة اليسوعية"، ومنظمة "بسمة وزيتونة"، ومنظمة "كفى"، ومنظمة "سوا للتنمية والإغاثة"، ومنظمة "مابس". كما يضم لبنان عشرات دور المسنين في مختلف المحافظات، والتي يمكن لكبار السن اللجوء إليها عند الحاجة.

تفريغ للطاقة السلبية

تتحدث هيام برهان، وهي سيدة خمسينية سورية شاركت في جلسات دعم نفسي اجتماعي في البقاع، عن الفائدة التي حصلت عليها: "فتحت لنا هذه الجلسات مجالاً لنفرّغ مشاعرنا ونعبّر عنها، وأعطتنا مجالاً لنصغي لبعضنا ونسمع هموم ومشكلات الآخرين ونتشارك بها"، وتضيف أن واحدةً من النواحي الإيجابية تتمثل أيضاً في أن "الألم مشترك"، وتالياً يستطيع المشاركون الإحساس بغيرهم ومحاولة تخفيف الألم عن بعضهم البعض.

أما خلود الأسمر، وهي أيضاً سيدة خمسينية استفادت من هذه الجلسات، فتقول لرصيف22: "تساعدني هذه الأنشطة على تفريغ الطاقة السلبية الموجودة لدي، وعندما أحضرها أشعر بالقوة في حال كنت محطمةً داخلياً أو مستاءةً من أمر من أمور الحياة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image