شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"رصيد للهاتف وحسومات وأغانٍ"... تدوير العبوات مقابل مكافآت تحفيزية في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 27 يونيو 202201:50 م

إذا كنت تسير/ ين في إحدى الجامعات أو المراكز التجارية أو النوادي في القاهرة أو الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية، وصادفت ازدحاماً أمام ماكينة كبيرة، فلعلك تمر بجانب واحدة من الابتكارات الجديدة التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة والتوعية بأهمية إعادة تدوير النفايات، بطريقة مبتكرة وقريبة من الناس.

ألهمت مهنة نبش القمامة، إسلام الرفاعي، وهو مهندس ميكانيكي، لابتكار ماكينة "can bank" للتوعية بأضرار المخلفات والاستفادة منها بشكل صحي، مع إضافة الجوائز التحفيزية إلى المستخدمين مقابل إلقاء عبوات المشروبات الغازية المعدنية والزجاجات البلاستيكية الفارغة فيها، لتشجيعهم على تبنّي ثقافة إعادة التدوير.

ويوضح الرفاعي، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "Zeroprime Technologies"، المعنية بتطوير تكنولوجيا البنى التحتية للمدن وإدارة المخلفات، في لقاء مع رصيف22، الآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة نبش القمامة، والتي دفعته لإيجاد حل ولو جزئي لها: "يستخرج النباشون الزجاجات البلاستيكية والعبوات المعدنية من حاويات القمامة، وتكون ملوثةً بشدة بسبب النفايات العضوية الموجودة معها، مما يتطلب معالجةً إضافيةً في أثناء إعادة تدويرها، وفي جميع الأحوال يُعرّضون أنفسهم للأمراض الناتجة عن التلوث".

ألهمت مهنة نبش القمامة، إسلام الرفاعي لابتكار ماكينة "can bank" للتوعية بأضرار المخلفات والاستفادة منها بشكل صحي.

وسبق طرح ماكينة can bank، في الشوارع المصرية، قيام الرفاعي ورفاقه بوضع صناديق فصل للمخلفات الصلبة في أماكن التجمعات من دون تقديم حوافز للمُستخدمين، ومن ثم إعادة تدويرها، لكن تلك الفكرة لم تلقَ اهتماماً من قبل المارة، ليأخذ هو زمام المبادرة عام 2015، ويفكر في شيء يُحفز المستخدمين مقابل التخلص من تلك المخلفات.

بسيطة ومدعومة بالإرشادات

"فكرة الماكينة في حد ذاتها ليست جديدةً، وهي متوفرة خارج مصر منذ فترة طويلة، لكننا واحدة من الشركات الأولى التي طوّرتها من الصفر من دون تقليد للماكينات الأجنبية، واعتمدنا على احتياجات السوق وعقلية المُستخدمين، بالإضافة إلى تطبيقها على نطاق واسع من حيث الوجود التجاري وبتقنية محلية"، بحسب الرفاعي.

ويصف مبتكر الماكينة طريقة استخدامها بأنها بسيطة وتناسب أغلب الفئات العمرية، وهي مدعومة بالإرشادات المكتوبة في أكثر من موضع على سطحها الخارجي، والخطوات التي يجب اتّباعها على الشاشة الخاصة بها.

ويضيف: "لا يتطلب استخدام الماكينة تحميل أي تطبيقات إلكترونية خاصة، ويمكنك كمستخدم البدء باستخدامها والفوز بالجوائز على الفور، بإلقاء عبوات المشروبات المعدنية أو الزجاجات البلاستيكية الفارغة، وإدخال رقم الهاتف، ثم اختيار الجائزة المرغوبة من الجوائز المتوفرة"، مشيراً إلى أن هناك ماكينات لا توفر جوائز ماديةً، إذ يتوقف ذلك على اختيارات مشتري الماكينة، وتستبدل بجوائز معنوية مثل إصدار الأغاني.

"بعد ذلك تفصل الماكينة الزجاجات البلاستيكية عن العبوات المعدنية أوتوماتيكياً وتكبسها لتوفير المساحة وتقليل تكاليف النقل والانبعاثات الناتجة عنه، وعند امتلائها ترسل تنبيهاً للأشخاص المسؤولين عن تفريغها، ثم تباع هذه المواد إلى مصانع إعادة التدوير المختصة"، بحسب المتحدث.

لا يتطلب استخدام الماكينة تحميل أي تطبيقات إلكترونية خاصة، ويمكنك كمستخدم البدء باستخدامها والفوز بالجوائز على الفور، بإلقاء عبوات المشروبات المعدنية أو الزجاجات البلاستيكية الفارغة، وإدخال رقم الهاتف، ثم اختيار الجائزة المرغوبة من الجوائز المتوفرة

جوائز مادية وتبرعات

تتنوع الجوائز التي تقدمها الماكينة ما بين رصيد للهواتف المحمولة، وحسومات شرائية لبعض العلامات التجارية والتطبيقات الإلكترونية، بالإضافة إلى إمكانية التبرع بتلك القيمة للجمعيات الخيرية. وفي هذا السياق يقول الرفاعي: "أول الحوافز التي فكرنا فيها هي رصيد الهاتف مقابل المخلفات الصلبة نظراً لمناسبتها لجميع فئات المجتمع، فبدأنا بجنيه مصري كرصيد موبايل مقابل 10 عبوات لجميع الشبكات المصرية".

وعن الحسومات الشرائية، يقول إنها عبارة عن رموز تصل إلى المستخدم على هاتفه، يحصل من خلالها على حسم من إحدى الشركات المتعاونة معهم، أو من تطبيقات الحسومات.

وبجانب فوائدها للبيئة، يؤكد الرفاعي أن الماكينة توفر للعلامات التجارية قناة توزيع فعالةً لحسوماتها الدعائية، ويتحول المستخدمون الحاصلون على تلك الجوائز إلى عملاء لها. كما تدعم الماكينة العمل الخيري، إذ عقدت الشركة تعاوناً مع مؤسسة "مصر الخير" لتوفير التبرع بقيمة الجائزة لصالحها.

ويُعبّر الرفاعي عن سعادته بترحيب المستخدمين بالماكينة، قائلاً: "نشعر بالفخر عند رؤيتنا طوابير المستخدمين مصّطفةً لاستخدامها، خاصةً فئة الأطفال والشباب، فنحن نحب رؤية انتشار تلك الثقافة بينهم".

عقبات وجوائز

في البداية، واجه مبتكر الماكينة صعوبة تحويل الفكرة إلى نموذج تجاري يُدرّ أرباحاً بطريقة مستدامة، كون المنتج جديد من نوعه في مصر، وتكمن صعوبته في مهمة إقناع العملاء الأوائل بفوائده، لكن تغلب على تلك المشكلة من خلال حاضنات الأعمال التي ساعدته في معرفة احتياجات الجمهور والتسويق بشكل جيد في السوق المصري.

فخلال عام 2017، قدّمت الشركة نموذجاً أولياً لماكينة can bank في الجامعة الأمريكية في القاهرة، واستُقبل بترحاب من الطلاب وعمال الجامعة، ويضيف مبتكر الماكينة: "في تلك الفترة كنا محتضنين كشركة في حاضنة أعمال AUC Venture Lab في الجامعة الأمريكية، وساعدتنا بشكل كبير في بلورة نموذج العمل وإطلاق الماكينة كمشروع رائد داخل الجامعة، وتبين بالفعل أن الماكينة تساعد في التقليل من النفايات الصلبة بشكل عام".

وبعد ذلك انطلقت الماكينة لتغزو العديد من الأماكن في أكثر من مدينة مصرية، إذ يوجد اليوم ما يُقارب 20 ماكينةً في عدد من الشركات والنوادي والجامعات والمراكز التجارية في محافظات القاهرة والإسكندرية والمنوفية ودمياط، وتجمع كل منها 10 آلاف عبوة شهرياً في المتوسط، واستخدمها قرابة 10 آلاف شخص حتى الآن.

يضيف الرفاعي: "نرى أننا ما زلنا في بدايتنا، ولم نغطِ حتى الآن حتى 1% من احتياجات السوق المصرية، كما يواجه المشروع مشكلة الموسمية، إذ يزداد الطلب في بعض المواسم ويضعف في أوقات أخرى، ويتوقف نجاح الماكينة على إقبال الجمهور عليها وتفاعله معها، والأزمات الأخيرة مع كورونا وبعدها الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل كبير على حجم أعمالنا".

الإقبال على الماكينة كبير ولم نكن نتوقع ذلك، كل يوم تمتلئ بالزجاجات على آخرها، بمعدل تقريبي 500 زجاجة، كما أن الأطفال يستخدمونها بصفة مستمرة، ومنهم من يحتفظ بالعبوات المرمية في الطريق للحصول على الجائزة

وعلى صعيدٍ آخر، توّجت الماكينة ببعض الجوائز الدولية، فخلال عام 2019، حصد المشروع المركز الأول في سياق ريادة الأعمال الاجتماعية في مسابقة AIM startup في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما حصل على المركز الثالث في ريادة الأعمال الاجتماعية في مسابقة MIT pan arab في العام ذاته.

"إقبال كبير"

قرر حسين سامح، صاحب إحدى مساحات العمل المشتركة في منطقة سابا في الإسكندرية، اقتناء ماكينة Can Bank، ويقول إن سبب ترحيبه وشركائه بذلك يأتي ضمن اهتمامهم بالمنتجات التي تحافظ على البيئة.

ويتابع خلال حديثه إلى رصيف22: "منذ 3 سنوات نستخدم صناديق عاديةً لفصل المخلفات الصلبة، مع التفريغ والتجميع على سطح البناء، لذلك رحّبنا بالماكينة في مكان عملنا، خاصةً أنها تقدم جوائز للمستخدمين".

وعند سؤاله عن تفاعل العملاء مع الماكينة، قال: "الإقبال على الماكينة كبير ولم نكن نتوقع ذلك، كل يوم تمتلئ بالزجاجات على آخرها، بمعدل تقريبي 500 زجاجة، كما أن الأطفال يستخدمونها بصفة مستمرة، ومنهم من يحتفظ بالعبوات المرمية في الطريق للحصول على الجائزة، كما أن الماكينة تشجعهم بإصدار أغانٍ إلى جانب الرصيد، أو الحسومات، وهو أمر يسعدهم جداً".

بدورها، تقول سارة أحمد، إحدى المتعاملات مع الماكينة في محافظة الإسكندرية، والتي تعمل في المكان ذاته، إنها معجبة بفكرة الماكينة وتقوم بتعريف أقاربها وأصدقائها بأهميتها، كما تحمل عدداً من الزجاجات من بيتها لتضعها في الماكينة الموجودة في مكان عملها. وتضيف لرصيف22: "وضعت حتى الآن ما يقارب 40 زجاجةً، وفي كل مرة تظهر لي جملة تحفيزية للاستمرار".

شريف حطب، أحد المتعاملين مع ماكينة can bank الموجودة في منطقة التجمع الخامس في القاهرة، يقول إنه تحمس للفكرة بمجرد تلقّيه إعلانات ورقيةً تتحدث عنها في أحد النوادي الرياضية، خاصةً أنها تُشجع الجمهور على إلقاء المخلفات وإعادة تدويرها بشكل أفضل، وهو يستخدمها منذ سنة، ويجمع زجاجات المياه الفارغة على مدار اليوم ويلقيها في الماكينة القريبة من عمله، وتابع: "الناس لازم تعرف إن مش كل حاجة تترمي في القمامة ملهاش قيمة".

وبحكم عمله في مجال التسويق، فإنه يرى أن الدعاية لتعريف الجمهور بالماكينة ما زالت غير كافية، والإقبال على الماكينة التي يتعامل معها ضعيف، ويقترح خلال حديثه زيادة قيمة الجوائز المُقدمة للجمهور وزيادة عدد الماكينات.

لكن كان لزينب يوسف، وهي ربة منزل، رأي آخر، إذ قالت إنها تخشى من التعامل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، فقد ذكرتها can bank بماكينة الصرف الآلي التي لا تُجيد استخدامها.

وتابعت السيدة التي تقطن في محافظة الإسكندرية، لرصيف22، بأنها تفضل الاحتفاظ بزجاجات البلاستيك الفارغة لاستخدامها مرةً أخرى في الأغراض المنزلية وتوزيعها علي جيرانها، وعند زيادة أعدادها تمنحها لمحل المنظفات الموجود أسفل منزلها لاستخدامها في بيع الصابون السائل.

ويعود الرفاعي بحديثه ليؤكد أن الشركة تعكف على تطوير آلية عمل الماكينة، وأيضاً جوائزها، عن طريق التعاون مع بعض شركات الاتصالات لتيسير تقديم العروض للمستخدمين، كما تطمح الشركة إلى نشر 20 ألف ماكينة جديدة في مصر لنشر ثقافة الاستدامة البيئية، واختتم: "نتمنى أن يستفيد الجميع وترتسم البسمة على وجوههم في كل مرة يربحون شيئاً جديداً من ‘كان بانك’".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image