عقب سقوط السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، تبنّت الدولة العثمانية نهجاً تركياً أُقصي فيه العرب عن حقهم في حُكم وإدارة أنفسهم، وعن حق تقلُّد المناصب الكبرى داخل الجيش العثماني، وهو ما أثار أزمة كبرى في ربوع العالم العربي.
تنامَى شعور العرب بأنهم يجب ألا يسمحوا باستمرار وضعهم كأقلية مهمشة في بدن الدولة العليّة، غير مسموحٍ لهم بحُكم أنفسهم ولا حتى بالتعبير عن مطالبهم السياسية والاجتماعية. وكمحاولة لتحويل ذلك الشعور إلى برامج سياسية أو عسكرية قابلة للتنفيذ، تشكّلت العديد من الجمعيات السرية، التي أخذت على عاتقها سُبُل حل تلك المعضلة والتوصّل لإجابة واضحة على ذلك السؤال الصعب: كيف نتخلّص من الطغيان التركي دون أن نقع تحت طائلة طغيان الاستعمار الأجنبي الذي يترصّد سقوط الدولة العثمانية لتقاسم ضياعها ونفوذها؟
إحدى أشهر تلك الجمعيات السرية التي نشطت في هذا المجال هي جمعية "العهد"، التي أدّت دوراً كبيراً في تفجير الثورة العربية ضد الأتراك، وفي تأسيس الحُكم الهاشمي في سوريا ثم في العراق، وفي فترة لاحقة خرج من صفوفها عددٌ من أبرز السياسيين العرب الذين حكموا المنطقة لعقود، مثل: هاشم الأتاسي وشكري القوتلي ونوري السعيد وياسين الهاشمي، وأخيراً عزيز المصري الذي اعتُبر شخصية عسكرية عربية مُلهمة، حفّزت العسكريين العرب على الاقتداء به وبنهجه السياسي والوطني، وأبرزهم الضباط الأحرار الذين اعتبروه أباً روحيّاً لهم.
فما قصة تلك الجمعية؟ وما هي أهدافها؟ وما حجم تأثيرها في تاريخنا وحاضرنا؟
جمعية سرّية أدّت دوراً كبيراً في تفجير الثورة العربية ضد الأتراك، وفي تأسيس الحُكم الهاشمي في سوريا ثم في العراق. خرج من صفوفها عددٌ من أبرز السياسيين العرب الذين حكموا المنطقة لعقود، مثل: هاشم الأتاسي وشكري القوتلي ونوري السعيد... جمعية "العهد" العربية في رصيف22
ملابسات الظهور
في العام 1913 انعقد المؤتمر العربي الأول في باريس، وحضره مجموعة من المفكرين والسياسيين العرب لمناقشة حالة التردي التي لاحقت الدولة العثمانية في كل المجالات، وإصرارها المستميت على "تتريك" كافة المناصب القيادية والسياسات، ما أشعل غضب الشعوب العربية ونخبتها المُفكِّرة.
على الرغم من اهتمام أغلب الدول العربية بإرسال مفكرين عنها لبحث ذلك الأمر باستفاضة، فإن المؤتمر لم يُسفر عن أي نتيجة ملموسة، ولم يقدّم مقترحات حقيقية لحل الأزمة العربية في الدولة العثمانية، فقط تبارى الحضور في إلقاء الخُطب العنترية دون أن يقترح أحدهم حلّاً حقيقيّاً.
من موقعه في إسطنبول، أغضبت نتائج المؤتمر السلبية ضابطاً مصرياً يخدم في الجيش العثماني اسمه عزيز المصري، فقرّر تشكيل جمعية سرية تعمل على تحقيق حلمه بإقامة دولة عربية مستقلة، بمعزلٍ عن النفوذ التركي.
امتلك الضابط عزيز تاريخاً عريضاً في قيادة الخلايا العسكرية العربية ذات النزعة القومية، في اليمن، وفي ليبيا إبان حرب آل السنوسي ضد الإيطاليين، وأخيراً في تركيا، ولاحقاً سيعتبره الضباط الأحرار أباهم الروحي، عقب تفجير ثورتهم في مصر عام 1952، حتى أنهم فكّروا في تعيينه قائداً عليهم قبل اللواء محمد نجيب، لكنه اعتذر عن قبول هذه المهمة.
في دراسته "الجمعيات السياسية العربية في فترة ما قبل الحرب الأولى"، قال المستشرق ريتشارد هارتمان، إن عزيز المصري عَرِفَ بحُكم خبرته أهمية الاعتماد على الجيش وسرعة حركته في الأحداث، لذا قصر أعضاء جمعيته على العسكريين فقط، بينما لم يضمّ إلى جمعيته إلا مدنييَن وحسب، أحدهما هو الأمير الدرزي الشهير عادل أرسلان.
تأسست تلك الجمعية في إسطنبول، على يدي الضباط العرب الذين كانوا يدرسون في المدرسة العسكرية العثمانية ثم خدموا لاحقاً في صفوف الجيش العثماني. لم يسع أعضاء تلك الجمعية إلى القضاء على الدولة العثمانية ولا إسقاط منصب الخلافة، وإنما فقط تخفيف قبضتها عليهم، وذلك عبر محاولة إقرار نظام جديد تمتلك فيه الحكومات العربية كافة الصلاحيات اللازمة للحُكم تحت السيادة الاسمية لإسطنبول.
جمعية العهد السياسية أنشئت في الأستانة، وغايتها السعي وراء الاستقلال الداخلي للبلاد العربية، على أن تكون متحدة مع حكومة الأستانة اتحاد المجر مع النمسا
يقول عبدالله الفياض في كتابه الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 (1963)، إن منهج الجماعة نصَّ على أن "جمعية العهد السياسية أنشئت في الأستانة، وغايتها السعي وراء الاستقلال الداخلي للبلاد العربية، على أن تكون متحدة مع حكومة الأستانة اتحاد المجر مع النمسا"، (تمتعت المجر باستقلال ذاتي في شؤون الحُكم والدفاع والسياسات الخارجية تحت لواء الإمبراطورية النمساوية).
وهو ما عبّر عنه مؤرخون بقولهم "طلَبَ حزب العهد أن يكون العرب أصحاب غرفة في البيت الذي يُسمّى بالدولة العثمانية، ولا يعاملون كضيوفٍ عليها".
يقول أدهم الجندي في كتابه تاريخ الثورات السورية (1960): "لقد أحدث تأسيس هذه الجمعية أهمية عظيمة، وبدأ الأتراك ينظرون إليها بخطورة بالغة لما عُرف بها منشؤها من صلات وعقيدة وطنية وقوة ونفوذ، ولأنها تأسست في فترة كانت العلاقات بين الاتحاديين في تركيا والشباب العرب قد توترت توتّراً حادّاً".
ويضيف جبر الخطيب في كتابه مشروع الملك الحسين بن علي للوحدة العربية (1999): "حاولت جمعية العهد تجديد الإمبراطورية العثمانية على أساس فيدرالي تركي-عربي، ولذلك تُعتبر من المحاولات المبكرة لخلْق كيانٍ للشرق العربي الحديث، ولقد بلغت شهرة مؤسِّسها عزيز المصري درجة جعلت بعض الزعماء الاتحاديين يخشون أن يكون هدفه الحقيقي هو السعي لتتويجه إمبراطوراً على العرب".
كما هو متوقّع، لم ترضَ السُلطات العثمانية عن هذه الآراء الاستقلالية المُفتِّتة لقبضتها على ممتلكاتها العربية، فلاحقت الجمعية، واعتُقل مؤسسها عزيز المصري لفترة من الزمن كانت مثار جدلٍ كبير.
طلب حزب العهد أن يكون العرب أصحاب غرفة في البيت الذي يُسمّى بالدولة العثمانية، ولا يعاملون كضيوفٍ عليها
اتهمه الأتراك باختلاس أموال الجيش، وأنه يسعى لإقامة مملكة عربية مستقلة في شمال أفريقيا، وحسبما يذكر هاني الهندي في كتابه الحركة القومية العربية في القرن العشرين (1970): أصدرت المحكمة العسكرية التركية حُكماً بإعدامه، وهو ما تسبّب في اندلاع حملات شعبية واشتياط غضب الضباط العرب وتدخّل الأزهر ودول أوروبية لمنع تنفيذ هذا الحُكم.
ويُضيف جورج أنطونيوس في كتابه يقظة العرب (1938): "عبّر الناس عن سخطهم في احتجاجاتٍ عامة، وعقدت الجماهير الاجتماعات، وشنّت الصحف العربية حملات عنيفة، كما تشكّلت لجنة برئاسة شيخ الأزهر، بذلت مساعي مكثفة في هذا المجال، منها زيارة إلى اللورد كتشز المعتمد البريطاني في القاهرة حيث طُلب منه تدخُّل بريطانيا لحل هذه المشكلة".
كما انطلقت أصواتٍ إنجليزية إعلامية وسياسية تُطالب بالإفراج عن مُؤسِّس جمعية العهد، منها جريدة التايمز البريطانية، والتي نشرت سلسلة مقالات افتتاحية على مدار ستة أسابيع تدافع عن عزيز المصري بشراسة، ذكرت التايمز في إحداها: "لو أن هذا الظُلم الذي أحاق بالضابط العربي الباسل أعقب ما لا يُمكن أن يسمّى إلا جريمة قتلٍ بِاسم القانون، فإن العلاقات بين الحكومة العثمانية ومصر ستتأثر تأثراً خطيراً، وربما لن يقتصر الأمر على العلاقات بين تركيا ومصر وحدها".
كل هذه الضغوط الدولية والشعبية أجبرت إسطنبول على الإفراج عن عزيز المصري بشرط إبعاده إلى بلده. وهنا يحكي أنطونيوس: "استُقبل عزيز في مصر استقبالاً حماسيّاً، بعدما هزّت محاكمته كافة البلاد العربية هزّة ربما كانت أعنف وأعمق من أي هزة أخرى سبّبها أي عملٍ منفرد من أعمال الطغيان التركي".
أنبأت هذه الملاحقات "ضباط العهد" أن إسطنبول لم تعد مقرّاً مناسباً لهم، فسعى أبرز رجال الجمعية إلى العودة لبلادهم، موطن المعركة الحقيقي، وحتى يكونوا بمأمن عن الأعين العثمانية في إسطنبول.
نسبة الضباط العراقيين كانت عالية جداً ضمن صفوف جمعية العهد، ويرجع ذلك إلى أنه في هذا الوقت اعتبر كثير من العراقيين أن المهن العسكرية هي الوسيلة الوحيدة للترقّي الاجتماعي
الجمعية والثورة العربية
يقول الباحث الياباني كيكو ساكاي في كتابه ثورة العشرين (2020): "انضم العديد من أفراد العهد إلى ثورة العرب، حتى لو تطلّب ذلك الانحياز إلى جانب البريطانيين، وكان أحد أفرادها -هو الشريف الفاروقي- الوسيط الأساسي بين الشريف حسين وبريطانيا"، ووفقاً لما ذكره خالد إبراهيم في كتابه الجمعيات القومية العربية وموقفها من الإسلام والمسلمين (2004) فمن جُملة 490 ضابطاً انضمّوا إلى الثورة الهاشمية كان منهم 315 ضابطاً عضواً بالعهد.
حقّقت الثورة العربية شيئاً من النجاح في بداية الأمر، ونُصِّب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا. اعتمد الأمير فيصل في بناء جيشه على عددٍ كبيرٍ من أعضاء جمعية "العهد العربية"، مثل عزيز المصري ونوري السعيد وياسين الهاشمي وجعفر العسكري.
يقول خالد إبراهيم: "أبلغ رجال الجمعية الشريف فيصل بن الحسين أن تنصيبه حاكماً لسوريا لا يحتاج إلا ترؤس الحركة التحريرية العربية بها. وبحسب كتابه فلقد أثارت الجمعية إعجاب الشريف فيصل، بسبب التنظيم الشديد للجمعية، وقُدرة رجالها على إشعال الثورة أينما يشاؤون، وذلك لأن الفرق العثمانية التي كانت معسكرة في بلاد الشام كانت أغلبيتها من جنودٍ عرب".
بل وفقاً لكتاب الدور السياسي والعسكري للأمير فيصل بن الحسين (2021) لإبراهيم الشرفات، فإن الأمير فيصل نفسه انضمَّ إلى الجمعية خلال زيارة له إلى دمشق، وأقسم أمام الأعضاء يمين الولاء والإخلاص لأعضاء الجمعية.
تبنّى رجال العهد العراقي سياسة تقتضي التعاون التام مع بريطانيا العظمى للحصول على المساعدات الفنية اللازمة لبناء دولتهم، بـ"ما لا يمس باستقلال العراق التام"
الفرع العراقي للجمعية
وفقاً لكتاب "ثورة العشرين" لكيكو ساكاي، فإن نسبة الضباط العراقيين كانت عالية جداً ضمن صفوف تلك الجمعية، ويرجع ذلك الاهتمام إلى أنه في هذا العهد اعتبر كثيرٌ من العراقيين أن المهن العسكرية هي الوسيلة الوحيدة للترقّي الاجتماعي.
وبحسب الفياض، فلقد انقسمت جمعية العهد إلى فرعين منفصلين، أحدهما هو "جمعية العهد العراقي" والثاني هو "جمعية العهد السورية"، وجَب التمييز بينهما بسبب التباين الكبير في المواقف السياسية بين الطرفين وطريقة تعاملهما مع قضايا أوطانهما الكبرى.
وهنا يُضيف ساكاي، فإن جمعية العهد العراقية مثّلت أحد خطّين بزغا في العراق غداة تأسيس دولته الحديثة؛ الأول حمل توجهاً وطنياً عراقياً محضاً، أما الثاني فتميّز باتجاه قومي عروبي، اعتبر أن الوطن العربي هو امتداد استراتيجي للعراق، مع ضرورة مهادنة الدول الكبرى والتعامل معها باتزان، وخاصةً بريطانيا، ومثّلته جمعية العهد العراقية.
عام 1918م، أخضع البريطانيون العراق لسيطرتهم المباشرة، بعد حملات عسكرية ناجحة سيطرت على المدن الثلاث الكبرى؛ البصرة، بغداد، الموصل. وهو ما أثار حنق العراقيين الذين منّوا أنفسهم بالاستقلال عقب الانتهاء من الحرب العالمية الأولى. ما أشعل هذه الأحلام هو لواء الثورة التي أعلنها الشريف الحسين بن علي في مكة، ساعياً لتأسيس مملكة عربية تشمل الحجاز والعراق والشام.
في أغسطس 1921، نُصِّب فيصل ملكاً على العراق، واستعان في بناء دولته الجديدة بـ"قادة العهد" ليكونوا وزراء وسياسيين، وأبرزهم نوري السعيد، أشهر وأقوى مسؤول عرفه العراق طيلة الحقبة الهاشمية على الإطلاق
ويضيف محمد المهدي في كتابه تاريخ القضية العراقية (1923)، سبباً إضافيّاً وراء اشتعال الروح القومية في العراق بعدما أتتهم أخبار ثورة مصر بقيادة سعد زغلول، وكيف نجح الفلاحون العُزل في مقاومة مدافع الإنجليز بـ "قلوبٍ من فولاذ" مثلما وصفتها الصحافة العراقية التي أسهبت في الحديث عن بطولات المصريين.
يعلّق المهدي: "وهكذا أصبح أمر سعد زغلول والأمة المصرية حديث الخاص والعام في العراق".
تحدى رجال الجمعية الأوروبيين حينما أعلنوا تنصيب الأمير فيصل ملكاً على سوريا، ولم يكتفوا بذلك وإنما دشنوا مؤتمراً عُقد بدمشق في 7 آذار عام 1920م، وحضره ممثلون لمختلف الطوائف العراقية وعدد من رجال القانون، أعلنوا استقلال العراق، وتنصيب الأمير عبدالله شقيق فيصل ملكاً، والعمل على توحيد العراق وسوريا معاً على أساس فيدرالي يقوده الملك فيصل وتكون عاصمته بغداد.
وفي محاولة لاستغلال هذه الأجواء الحماسية، بدأ عراقيو الجمعية في تدشين فرعٍ لجمعيتهم في العراق لأول مرة. يقول عبدالجبار الجبوري في كتابه الأحزاب والجمعيات السياسية في القُطر العراقي 1908م- 1958م (1977)، إن الظهور الأول لهذا الفرع تمَّ في دمشق ومنها انتقل لاحقاً إلى بغداد أواخر عام 1919م، تأسّس هذا الفرع من الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش الهاشمي بالحجاز وسوريا، ومنهم: نوري السعيد، جعفر العسكري، جميل المدفعي، أمين العمري، ياسين الهاشمي، تحسين العسكري، ناجي السويدي، نوري القاضي، عبداللطيف الفلاحي.
واشترطت الجمعية في كل عضوٍ بها أن يكون "عراقياً كتوماً فعالاً جسوراً، وألا يقل عمره عن 20 سنة، وألا يكون مشتهراً بسوء الخلق، وأن يحلف يمين الإخلاص للجمعية ويدفع الاشتراك المقرر".
أسّست الجمعية لنفسها فرعين بالعراق؛ في مدينتيْ الموصل وبغداد، وسجّل رجالهما حضوراً لافتاً في الساحة العراقية، كما أصدر فرع بغداد مجلة "اللسان"، وأشرف عليها أحمد عزت الأعظمي، واتخذت الجمعية من مقر المجلة مكاناً لانعقاد الاجتماعات التي ارتكزت حول التباحث بشأن قضية الاستقلال العراقية ودراسة الأوضاع السياسية حول العالم.
وسعت لتعزيز علاقتها بالأحزاب السياسية المحلية في الداخل العراقي حينها. وخلال ثورة العشرين التي دبّرها العراقيون ضد الإنجليز أجرت "العهد" اتصالاتٍ مع جمعية سرية عراقية أخرى هي "حراس الاستقلال"، ولا تُوجد نتيجة تحكم على مدى نجاح "العهد" في مهمتها أكثر من إقرار البريطانيين الموافقة على تنصيب فيصل ملكاً على العراق، كأحد النتائج المباشرة لثورة العشرين.
فبعدما أعلنت فرنسا عدم موافقتها على تأسيس المملكة العربية الجديدة في سوريا، سرعان ما أسقطتها في 1920م بسبب رغبتها في الاستحواذ على سوريا، وفقاً لاتفاقية "سايس بيكو" بينها وبين بريطانيا.
وبحُكم انتماء أغلب ضباط جمعية العهد -وقادة جيش الأمير فيصل بالضرورة- إلى العراقيين، كان طبيعيّاً أن يُوجّه فيصل وجهه شطر العراق لإعادة تأسيس مملكته الهاشمية، حيث صنعت له جمعية العهد أرضية شاسعة الأطراف، واكتسبت قبولاً بريطانيّاً وعدم رفض من قبل فرنسا التي لم تكن مهتمة بالعراق اهتمامها بسوريا وبأراضي الشام عموماً.
عقب تلك الخطوة، تبنّى رجال العهد العراقي سياسة تقتضي التعاون التام مع بريطانيا العظمى للحصول على المساعدات الفنية اللازمة لبناء دولتهم، بـ"ما لا يمس باستقلال العراق التام"، حسبما نصّت المادة الأولى من برنامج الجمعية، وهو ما عرّضهم للعديد من الانتقادات من خصوهم السياسيين، بدعوى مهادنتهم الفجّة للإنجليز على حساب استقلال العراق.
وفي أغسطس 1921، نُصِّب فيصل ملكاً على العراق، واستعان في بناء دولته الجديدة بـ"قادة العهد" ليكونوا وزراء وسياسيين، وأبرزهم نوري السعيد، أشهر وأقوى مسؤول عرفه العراق طيلة الحقبة الهاشمية على الإطلاق.
يقول الباحث التاريخي محسن العارضي في كتابه نوري باشا السعيد (2014)، إن علاقة الصداقة الوطيدة التي جمعت نوري بعزيز المصري لم تدفعه للانضمام إلى الجمعية وحسب، وإنما ضمّ أيضاً معه زوجته نعيمة العسكري. لاحقاً اتخذت الجمعية من دار نوري في بشكتاش أحد مراكزها السرية، فيه كانت تُعقد الاجتماعات وتحفظ النشرات والوثائق السرية.
رغم هذه الصداقة، فإن خلافاً جرى بين الصديقين (عزيز ونوري) دفعت الأخير للتمرّد على الخط السياسي الذي رسمه الأول لجمعيته، وخاصةً خلال مرحلة قيادة عزيز للجيش الهاشمي، ما دفعه للاستقالة من منصبه كرئيسٍ لأركان الجيش بعد 3 شهور فقط من تعيينه فيه. انشقّ نوري –نسبيّاً- عن المبادئ الكبرى للجمعية، لكنها حكمت مواقفه السياسية في أغلب فترات حياته.
ما تبقى من الجمعية
عقب إعلان الملكية وتحوُّل الضباط إلى سياسيين، كثرت حالات الشِقاق بينهم، وهو ما دفع كبيرهم، عزيز المصري، للقيام بزيارة هامة إلى العراق في 11 مايو 1925 لمحاولة رأب هذا الصدع.
يقول هاني الهندي في كتابه الحركة القومية العربية في القرن العشرين، إن المصري حاول التوفيق بين أبناء جمعيته المتصارعين، وهم: ياسين الهاشمي، جعفر العسكري، نوري السعيد، إلا أنه فشل في ذلك. لكنه بدلاً من ذلك، نجح في إلهام ضباط الجيش العراقي بتشكيل نواة "كتلة قومية عسكرية"، قادها صلاح الدين الصباغ الذي يُعدُّ طليعة الجيل الثاني من الضباط القوميين العرب. أدّت تلك "الكتلة العسكرية" دوراً قوميّاً هاماً، منذ منتصف الثلاثينيات وحتى اندلاع الحرب العراقية البريطانية عام 1941.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع