شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"نوثّق كي لا ننسى"... محاولة "سجينة محظوظة" لصنع أطلس لسجون مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الأحد 31 يوليو 202206:44 م

الحكاية بدأت بعد ثورة 25 يناير، حين كان الأمل في التغيير حاضراً. وكانت هي، آية حجازي، المصرية العائدة من الخارج مُتحمّسة للمشاركة؛ فأنشأت مؤسسة "بلادي... جزيرة الإنسانية"، المؤسسة الهادفة إلى حماية ودعم الأطفال بلا مأوي، المقدر عددهم وقتها بالآلاف؛ فكانت مكافأة الوطن كابوس سجن ظلت فيه 3 سنوات متهمة بـ"الإتجار بالبشر".

انتهت القضية بالبراءة عام 2017، بعد ضغوط كبيرة من الرئيس الأمريكي وقتها دونالد ترامب، صاحب السطوة والقريب من نظيره المصري، فودعت أية وطنها الأم إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل جنسيتها. وهناك، ابتعدت عن مصر جغرافياً وظل بالها منشغلاً، لكن هذه المرّة بأحوال فئة أخرى هي السجناء، بعد جرّبت بنفسها معاناتهم؛ فأطلقت مشروعها "أطلس سجون مصر".

في بيان تدشين الموقع الذي أطلق في يوليو/ تموز المنتهي، يُذكر واحد من أهم دوافع إطلاقه، وهو تجربة عضوة الفريق- آية- مع السجن، والتي رغم طول فترة محكوميتها، إلّا أنها خرجت وقد وصفها البعض بـ"السجينة المحظوظة"، إذ أنها مَن أطلق البيت الأبيض وسياسيون أمريكيون دعوات لإطلاق سراحها، لتنتقل بعد الإفراج عنها إلى واشنطن على متن طائرة عسكرية.

وبحسب بيان الميلاد، كان إطلاق السراح "إنقاذاً بعد 3 سنين من السجن غير القانوني بتهم متلفقة"؛ كما رأته صاحبة التجربة؛ مثلما رأت أنها ولو كانت كما قيل "محظوظة"، فهذا لأنها "رغم المعاناة، أصبحت برّه السجن، وقت وجود عشرات الآلاف داخله"، وهم مَن يُهددهم "نسيان" تقرر مواجهته بأطلس يوثّق كل ما يتعلق بهم.

عن هؤلاء الآخرين من السُجناء "على خلفية قضايا سياسية ورأي وتعبير"، يتحدث الأطلس. وعمّا يؤديه من أدوار، تحدثت لرصيف22 منسقته، الناشطة الحقوقية التونسية ابتهال الحمدي.

عن هؤلاء الآخرين من السُجناء "على خلفية قضايا سياسية ورأي وتعبير"، يتحدث "أطلس سجون مصر"

عن الآخرين

وفق ما تابعته الحمدي خلال مرحلة التخطيط والتأسيس، كان هدف الأطلس في البداية: "الحيلولة دون نسيان حكاية فريق بلادي مع السجن وضياعها كأن لم تكن، وهم 8 أفراد، بينهم قُصّر، فكانت الفكرة إيجاد وسيلة لتوثيق ما حصل معهم، ومع غيرهم من السجناء السياسيين الذين كانت أعدادهم ترتفع، وفي نفس الوقت لم يكن هناك أي اعتراف بوجودهم من الأساس".

وتنفي السلطات المصرية وجود سجناء سياسيين في البلاد، وتَسِم السجناء المحبوسين أو الصادرة ضدهم أحكام بسبب آرائهم السياسية المعلنة بأنهم محتجزين على ذمة قضايا جنائية، إذ دأبت سلطات التحقيق على توجيه اتهامات بنشر الأخبار الكاذبة وتهديد السلم العام والتعاون مع الجماعات الإرهابية مع العلم بأغراضها، إلى النشطاء والصحافيين والسياسيين الذين تثير آراءهم قلق السلطات الأمنية.

مخاوف فريق "بلادي" بشأن السجناء السياسيين، وهاجس نسيانهم كما بدا في حديث الحمدي والبيان، يتماشى مع مخاوف مستمرة بشأنهم، بلغت ذروتها قبل عامين حين قدّرت منظمات حقوقية محلية ودولية عددهم بـ"أكثر من 60 ألف"، بينما دأب النظام- سواء قبل أو بعد إعلان هذا العدد- على إنكار وجود سجناء سياسيين من الأساس.

وهذا الإنكار كان سبباً في مشكلة أخرى، هي التساؤلات التي تأتي على مستوى دولي، يواجهها الفريق وغيره، تتعلق بأعداد السجناء وتفاصيل قضاياهم وما يتعرضون له في السجن، وتقول عنها الحمدي "لم تكن أي من الإجابات المتاحة دقيقة أو مدعومة بأرقام أو غنية بتّفاصيل".

تنفي السلطات المصرية وجود سجناء سياسيين في البلاد، وتَسِم السجناء المحبوسين أو الصادرة ضدهم أحكام بسبب آرائهم السياسية المعلنة، بأنهم "جنائيين"، إذ دأبت سلطات التحقيق على توجيه اتهامات بنشر الأخبار الكاذبة وتهديد السلم العام والتعاون مع الجماعات الإرهابية، إلى من تثير آراءهم قلق السلطات

والتفاصيل، حال وجودها، وكما لاحظ الفريق: "عادة ما يكون التركيز فيها على السجناء الرجال؛ ما يجعل أكثر أسماء السجناء المعروفة أو التي يتم تداولها والحديث عنها أغلب الوقت هي لرجال، وهنا كانت الفكرة الأولى هي التركيز على السجينات والسجناء الأطفال الذين لا يتكلم عنهم أحد؛ وبالتالي لا يعرف أحد عنهم شيئاً".

ساهمت هذه الاعتبارات لدى الفريق في بلورة فكرة الأطلس وتحديد خطوطه العريضة، وتطوير الفكرة شيئاً فشيئاً. بعدها أتى دور إطلاق، وتعلق عليه الحمدي: "ربما يراه البعض – أي الإطلاق- متأخراً"، وهو ما له مبرر لديها "الأطلس مشروع كبير. من ناحية الإنجاز على أرض الواقع، يستحّق موارد بشرّية وتمويل كبير، وواصلنا العمل عليه رغم التحديات التي تعاقبت على مدى 5 سنوات، كصعوبة العمل على أرض الميدان نظراً للتّهديدات الأمنية المتواصلة وغلق المجال العام".

ما تشير إليه الحمدي من "تهديدات أمنية متواصلة، ومجال عام مُغلق"، يتفق عليه صُناع الأطلس، ومعهم جهات أخرى محلية ودولية حكومية وحقوقية الطابع، رصدت وما زالت ترصد شواهد على هذا الأمر.

تحديات الشيطنة

كما جاءت التهديدات، كانت التحديات أيضاً موجودة "ورغم هذا، تمكنت مؤسسة بلادي - خلال هذه المدة- من تكوين فريق قادر على العمل على أرض الواقع"، وتوضح الحمدي: "نقصد تخصيص وقت كافي لتدريبات في عمليات الداتا: جمعها وفرزها وإدخالها وتحليلها ومراقبة جودتها، مع الحفاظ على أمن وسلامة الفريق. وقد كان لذلك فضل كبير كي يرى الأطلس النور وينطلق في الموعد المحدد".

انطلق الأطلس في موعده المحدد، 4 يوليو/ تموز الجاري؛ ليجد تحديات أخرى في انتظاره، فرغم تلقّي القائمين عليه "ردود فعل إيجابية، بتفاعل عدد من النّشطاء واستبشار بإطلاقه" حسبما رصدت المنسّقة، كانت السلبية أيضاً حاضرة "حملة شيطنة وتخوين رافقتنا طوال فترة الترويج للأطلس، خاصة إثر الإطلاق. ومع بدء الحملة الإعلامية، تعّرض الموقع لهجمات إلكترونية متتابعة لتعطيل العمل عليه وإيقافه نهائّياً".

لكن "الشيطنة" لم تكن صادمة لفريق الموقع الوليد، ولهذا الأمر أسبابه، إذ تقول الحمدي "اتهامنا بتشويه سمعة مصر ونحن في الخارج لم يرتبط بإطلاق موقع أطلس سجون مصر، بل هو مشكل يعاني منه كل من يتجرّأ على انتقاد السلطة أو الحديث عن الانتهاكات المرتكبة في حق المواطنين المصرّيين".

ولهذا؛ انطلق "الأطلس" نحو دعم السجناء بمحفّزات للفريق، فصّلتها الحمدي بقولها "إيماننا بأهمية الأطلس ودوره التّوثيقي، وإمكانية استعماله كوسيلة لتسليط الضوء سواء على قضايا أو سجناء بعينهم، ما قد يخلق وعياً أوسع بقضاياهم، يساهم في الضغط من أجل الإفراج عن أكبر قدر من السجناء السياسّيين، أو حتّى المناداة بتوفير محاكمات عادلة للجميع. كذلك قد يمثّل الأطلس دليلاً ووسيلة من أجل المحاسبة يوماً ما وتحقيق العدالة الانتقالية".

خلال محاولات التوثيق والدعم، وحسبما ورد في بيان تأسيسه، فإن الأطلس الذي ينقسم إلى أبواب تتعلق بـ"سجناء، وسجون، وقضايا وقُضاة"، ساهم في معرفة أن هناك "611 سيدة وطفلاً مصرياً مقبوض عليهم"، وهذا مع الإشارة إلى أن "العدد الإجمالي (المؤكد) للسجناء والسجينات السياسيين غير معروف حتى الآن".

توثيق مُمنهج

في سبيل تحقيق هدفه كان كل التركيز على الخطة ومن بعدها التنفيذ، والذي تم وفق آلية موضوعة بمنهجية واضحة، شرحتها ابتهال، وهي التي تُعرّف نفسها بأنها ذات خبرة في مجال الأبحاث الميدانية وعمليات الداتا بما يشمل جمعها وفرزها وإدخالها وتحليلها ومراقبة جودتها ومصداقيتها.

وهذا التعريف من الباحثة بدت صحته في شرحها المُفَصّل لمنهجية عمل الموقع، حسب كل قسم فيه، وأوله السجون التي ذكرت أن جمع بياناتها ورصد وتوثيق قرارات إنشائها بأنواعها الثلاث- العمومّية والمركزية والليمانات- استند على "بحث موسّع في شبكة قوانين الشرق، وجريدة الوقائع المصرّية ومراجع قانونية تختص بالعدالة الجنائية في مصر".

يشمل الموقع "تصوّر كبير وشامل للسجون المصرية، بعرض خريطة تفاعلية مصوّرة تتضمن بيانات عامة عنها، والظروف فيها"، ومن بين هذه الأخيرة "الانتهاكات والتجاوزات"، التي قالت إن "فريق مُدرّب" يجمع المعطيات الخاصة بـ"السجون وكل ما يتعلّق بنزلائها منذ لحظة قدومهم، بمقابلات مباشرة مع 5 لـ10 سجناء/ سجينات سابقين في قضايا ذات خلفية سياسية"، مع مراعاة أمنهم وسلامتهم وعائلاتهم "حماية لهم من خطر تحديد الهوية ثم الانتقام".

حديث "الأطلس" عن السجون يتضمن نقاطاً بحثية تتعلق بأمور أساسية، كان أبرزها جغرافيا وتصميم وتقسيم السجن وبنيته التحتية ومستوى مرافقه، وكذلك التعامل مع السجناء فيه، بدءً من التفتيش عند الدخول وصولاً للأحوال المعيشية وضمان الرعاية الصحية والتريض والعمل بمقابل مادي للسجين، والانتهاكات والتمييز على اختلاف صورهم.

بين ما أدخلت السلطات المصرية من تعديلات على التشريعات المتعلّقة بالسجون، كان ما يسمح لوزير الداخلية بإنشاء سجون بقرار منه، وهو ما حدث في يونيو/ حزيران 2021 حين أصدر الوزير قراراً بإنشاء 8 سجون مركزية جديدة في 4 محافظات.

ثاني المحاور التي يعمل عليها الأطلس كانت السجناء أنفسهم، والذين قالت الحمدي إن العمل بشأن معلوماتهم تم من خلال "جمع معطيات عن طريق مصادر أوّلية، من خلال مقابلات مباشرة مع سجناء وعائلاتهم ومحاميهم، وأخرى ثانوية من خلال متابعات مواقع صحفية إخبارية وحقوقية معنية بالانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز ورصد أخبار السجون وأقسام الشرطة ومتابعة المحاكمات"، وذكرت إخبارية مُصنّفة إياها بين "موالية للنظام، ومعارضة، ومستقلة".

بين ما يتعرض له السجناء من مخاطر، الوفاة، والتي يرصد الأطلس، وأبرزها حسبما تذكر مُنسّقته "تعذيب، أو إهمال طبي مُتَعَمَد، أو ظروف معيشية متدنية"، مُشيرة إلى أنه "بشكل أساسي، وفيما يخصّ السياسيين، يعتمد عنها روايات أهالي الضحايا وشهود الزنزانة، ومن ثَم مقارنة الروايات ومدى تطابقها".

وعن المحور الثالث، القضاة، فكانت آلية جمع بياناتهم متشابهة مع ما سبق، إذ تقول الحمدي "يستند رصد المحاكمات لكل قاضٍ مصري في دوائر الإرهاب، إضافة للأحكام الانتقامية ضد النشطاء السياسيين على جمع البيانات الثانوية من مواقع إخبارية وحقوقية".

وذكرت الباحثة، بتخصص واضح منها، أن كل البيانات تخضع لآليات تحقق من المعلومات، بأمور تشمل "تاريخ تحديث المصادر، والتأكد من التمويلات والحياد عن الأغراض السياسية والأجندات"، كما شددت على أن جميع هذه المهمات تتم مع الالتزام بـ"عدم التمييز بين ضحايا الانتهاكات على أي أسس"، وأن "التفريق الأيديولوجي لضحايا الانتهاكات، لا تعتمده (بلادي) إلّا لغايات بحثية".

وخطط للمستقبل

ما شرحته الحمدي من آليات للعمل على حقوق السجين، ليس إلّا بداية للتوسّع بالأطلس، عبر عمل الفريق الذي تتحفظ المؤسسة على ذكر أي بيانات بخصوصه كجزء من سياسات أمنية "للحفاظ على أمن أعضائه وسلامتهم".

وهذا التوسّع سيكون على مستويات عدّة. لكن الآن ووفقاً لمنسقة الأطلس فهو "يُغطّي تقريباً النساء، والأطفال، والأقليات الجندرية من السجناء والسجينات السياسيين في مصر"، مُعلّقة "لذلك، لا يزال المشوار طويلاً للعمل على مصر، لكي لا يشمل يوماً ما السجناء السياسيين الرجال فقط".

ورغم طول المشوار، إلّا أن في البال "عدّة أفكار سيتم الإعلان عنها متى تكون جاهزة"، حسبما ذكرت منسّقته، والتي كشفت عن أهداف عديدة له تشمل "مكافحة التعتيم على المعلومات، إذ يعرض قاعدة بيانات شاملة ومفتوحة حول الاعتقالات ذات الخلفية السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان وسجن النساء والأطفال منذ 2013".

ولفتت أيضاً إلى أنه "وسيلة لتسليط الضوء على عدّة قضايا من خلال إثبات وجود سجناء وسجينات سياسيين بالأرقام، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها"؛ ما يجعل منه وفقاً لرأيها "وسيلة لتحقيق عدالة انتقالية وحفظ الحقوق عندما يحين موعد محاسبة الجُناة".

هذا الموعد هو في مستقبل قد يتوفر فيه محلّ للمنظمة الأم "بلادي" في مصر، التي تقول الناشطة إنه "لا مكان لها في مصر الآن ولن يكون إلّا بعودة المناخ الديمقراطي". ولحين العودة، فإن بلادي "تنشط من خلال ثلاث فروع في بلدان مختلفة"، حسبما ذكرت الحمدي التي كشفت أيضاً أن المنظمة "في طريقها نحو مزيد من التوسّع".

ولحين العودة تتوسع "بلادي" في عملها الحقوقي، ويؤكد فريقها في رسالة على لسان الحمدي للسجناء أنهم "ليسوا منسيين"، أما السلطات فالرسالة لهم أكدت التزام الفريق بدعم السجناء، وذلك بالقول نصاً "نحن نراكم ونوثّق ما ترتكبونه من انتهاكات مهما حاولتم تضييق الخناق للتعتيم على الحقائق"، وهو ما لخّصه أيضاً بيانهم للتدشين، بالقول "نوثّق كي لا ننسى".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard