تزامناً مع اليوم الرابع والأربعين لإضرابه عن الطعام في محبسه بعنبر "شديد الحراسة" في مجمع سجون طرة، وحرمانه التام من حقوقه التي تنص عليها لائحة السجون، وأبرزها التريض والقراءة، تفاعل نشطاء مصريون منذ الساعات الأولى من صباح الإثنين 16 أيار/ مايو، مع دعوة إلى مشاركة المبرمج والكاتب والناشط السياسي الشاب علاء عبدالفتاح الكتب التي يقرأونها تعبيراً عن رفضهم حرمانه من حقوقه الأساسية في سجنه المستمر منذ نحو ثلاث سنوات بسبب آرائه السياسية.
ويتعرض علاء إلى خطر يتهدد حياته، بعد رفض إدارة سجن طره شديد الحراسة الإبلاغ القانوني بإضرابه على الطعام وإيداعه مستشفى السجن لمتابعة حالته الصحية تحت الإضراب، وذلك في ظل غياب ثقة علاء وأسرته في أطباء السجن الذين شاركوا في وقت سابق في الاعتداء عليه، وإخفاء أدلة على تعرضه للتنكيل الجسدي، بحسب بلاغات تقدمت بها أسرة علاء بالنيابة عنه إلى النائب العام.
وتفاعل المتضامنون عبر وسم "نقرا_مع_علاء"، في محاولة لتحسين ظروف الناشط الذي يقضي عقوبة السجن خمس سنوات، باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، في قضية حرم فيها من حقوقه في الدفاع والمواجهة بالأدلة.
بدأت الدعوة من صفحات أسرة علاء عبدالفتاح، التي دعا أفرادها المهتمين بالوضع الحقوقي للسجين من أجل التدوين عبر وسم ""نقرا_مع_علاء" لمشاركته الكتب التي حرم من قراءتها خلال فترة سجنه، ومنعت إدارة السجن إدخالها له بشكل تعسفي، وهو ما دفعه للإضراب عن الطعام.
وأعلن خالد علي، محامي أسرة سيف، أن والدة علاء ليلى سويف علمت منه في آخر زيارة له بقيام نائب مأمور السجن بالتعدي عليه بالضرب، وتقدمت الأسرة على إثرها ببلاغ بالواقعة إلى مكتب النائب العام مطلع الأسبوع الجاري.
وقالت الباحثة البيولوجية منى سيف، شقيقة علاء، إنها تقدمت ووالدتها صباح اليوم، الإثنين، بدعوى قضائية تختصمان فيها النائب العام المستشار حمادة الصاوي، لتجاهله بلاغات الأسرة المتعددة حول الانتهاكات التي يتعرض لها أفرادها، وبخاصة الشقيق الأكبر، علاء عبدالفتاح.
وقالت الدكتورة ليلى سويف أستاذ الرياضيات بكلية العلوم في جامعة القاهرة، ووالدة علاء عبدالفتاح، إن المجلس القومي لحقوق الإنسان لم يستجب إلى المطالبات بزيارة عبدالفتاح في محبسه كما زعمت رئيسة المجلس السفيرة مشيرة خطاب.
وأضافت سويف لرصيف22 أن تكرار تعرض علاء للاعتداءات، وأحدثها تعدي نائب مأمور السجن عليه بالضرب - كما علمت في زيارته الاخيرة له- يعني أن وضع علاء يحمل تهديداً حقيقياً لحياته وسلامته الشخصية.
وعلقت سويف على المشاركات في حملة "نقرا مع علاء" بأن اختيارات أصدقاء ومتابعي عبدالفتاح من الكتب، تنم عن معرفتهم باهتماماته وهوياته ونوع قراءاته العلمية والسياسية، خصوصاً المتعلقة بالاقتصاد والتكنولوجيا.
قالت الباحثة البيولوجية منى سيف، شقيقة علاء، إنها تقدمت ووالدتها صباح اليوم، الإثنين، بدعوى قضائية تختصمان فيها النائب العام المستشار حمادة الصاوي، لتجاهله بلاغات الأسرة المتعددة حول الانتهاكات التي يتعرض لها أفرادها، وبخاصة الشقيق الأكبر، علاء عبدالفتاح
نقرا مع علاء
جاء في الدعوة التي وجهتها خالته الروائية العالمية أهداف سويف، وشقيقته منى سيف جاء فيها أن علاء "بخلاف أنه كاتب، ومبرمج، وناشط سياسي، وواحد من أهم سجناء الرأي في مصر، علاء مفكر وقارئ نهم. سُجن وحكم عليه كل نظام حَكَم مصر على مدار حياته. في سجنه الآن، علاء محروم من الأساسيات. الزيارات مقتصرة على فرد واحد فقط من العيلة لمدة 20 دقيقة، مرة في الشهر، ومن خلال حاجز زجاجي. من غير لمس. في آخر ألف يوم، علاء محروم من الهواء، من التريض، ومن أي طريقة لمتابعة الوقت، ومن القراءة. كل الكتب محظورة".
استجاب للدعوة مخرجون ومحامون وكتاب وباحثون ونشطاء، من بينهم سجناء سابقون، انتقوا كتباً يقرأونها ويتمنون لو أرسلوها لعلاء ليشاركهن قراءتها. وتنوعت الكتب المختارة ما بين السياسة والأدب والتكنولوجيا - مجال عمل علاء- والحوكمة، لتعكس اهتمامات علاء التي شهدت بها كتاباته في فترة ما قبل تكرار اعتقاله وحرمانه من الكتابة والقراءة في الأعوام التالية على العام 2014.
البحث عن المعنى
المحامية والسجينة السابقة ماهينور المصري، التي تعرضت للسجن مراراً بسبب آرائها السياسية وممارستها لمهنة المحاماة دفاعاً عن سجناء الرأي، اختارت أن تشارك علاء كتاب "بحث الإنسان عن المعنى" Man's search for a meaning، وهو مذكرات شخصية للطبيب النمساوي فيكتور فرانكل، الذي اعتقل في معسكرات النازي إبان الحرب العالمية الثانية. واجه الطبيب النمساوي السجن ظلماً، ونجا المحرقة في معسكرات النازي، إلا انه تعرض لصنوف من التعذيب كان أقساها بالنسبة له هو التعذيب النفسي والعقلي الذي كان من بين ممارساته حرمانه من معرفة الوقت والاطلاع، ما يتطابق مع ما يتعرض له علاء.
صدر الكتاب عام 1964، وفيه يركز الطبيب الراحل على الطريقة التي اتبعها لعلاج نفسه والتعافي مما عاناه من ويلات في سجون النازي.
بالإضافة إلى صورتها المرفقة بالكتاب، كتبت ماهينور المصري رسالة لعلاء عبدالفتاح قالت فيها "أكيد في الأغلب قريته وانت برة. بس أنا مدينة للكتاب ده بكتير، في وقت الواحد يشك في قيمة كل شيء و يحس إن الظلم بينتصر، بفتكر فيكتور فرانكل، الطبيب اللي تمسك بالمعنى في معسكرات النازي وهو بيواجه المحرقة مش بس السجن، وإزاي خرج في النهاية. وإنه دلوقتي هو الباقي، والنازي و الجناة هما اللي مُحتَقَرِين".
تتابع ماهينور: "إضرابك عن الطعام رغم وجعنا كلنا عليك ومعرفتنا إنك مش بتهدد، وإنك حتستمر لحين تنفيذ مطالبك البسيطة والعادلة أو الموت، فيه تمسك بمعنى الحياة، ومقاومة وتذكير لنا كلنا إن حتى الانتصار للمعنى انتصار كبير مش صغير، و زي ما فيكتور فرنكل نجا من محارقهم، إنت كمان حتنجو من سجونهم. دي أمنية وأمل وهفضل متمسكة بيهم لحد ما تبقي وسط عائلتك وحبايبك".
لا تُحتَمَل خفته
ممن تحمسوا للمشاركة في الحملة، الصحافي والسجين السابق وأحد من دعتهم مؤسسة الرئاسة للمشاركة في "الحوار الوطني" الكاتب خالد داوود.
يقول داوود لرصيف22 إن الحملة التضامنية مع علاء عبدالفتاح تعد فكرة "مبتكرة وعظيمة من قبل أسرته لتسليط الضوء على معاناة السجين السياسي الأبرز"، لافتاً إلى أن مثل هذه الحملات "تلقى صداها عند السلطات في ظل الاهتمام الكبير بما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي".
كتب علاء: "أنا في السجن سعياً من السلطة لأن تجعل منا عبرة. فلنكن عبرة إذن ولكن بإرادتنا. الحرب ضد المعنى لم تُحسم بعد في باقي العالم. لنكن عبرة لا فزاعة، لنتواصل مع العالم مجدداً... لاستنباط دروس وتلخيص خبرات وتكثيف مشاهدات عساها تفيد المناضلين في زمن ما بعد الحقيقة"
ويضيف: "من الصعب أن تصل مثل هذه الحملة للسجين، خاصة في ظروف علاء في سجن شديد الحراسة، وحصر حقه بالزيارة مرة واحدة شهرياً لمدة عشرين دقيقة، يرى فيها فرداً واحداً من الأسرة فقط، هو غالباً والدته التي ستبلغه في الزيارة القادمة بما حدث في الخارج لرفع روحه المعنوية".
داوود الذي أخلي سبيله قبل أشهر قليلة بعد قضائه 19 شهراً محبوساً احتياطياً على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة، اختار أن يشارك علاء قراءة رواية "وجود لا تُحتمل خفته" التي تترجم أيضاً إلى "خفة الكائن التي لا تحتمل، وكائن لا تحتمل خفته"، للتشيكي ميلان كونديرا، باعتباره الكتاب الأول الذي قرأه خالد في محبسه، وأعجب به إلى حد قراءته ثلاث مرات في السجن.
ويقول: "الكتاب ده جه في وقت ما كانش لسه مسموح لنا إن أسرنا تدخَّل كتب من بره، وأعاطهوني سجين جنائي في الزنزانة اللي في وشي، قالي أنه ضرب عليه من مكتبة السجن، اللي حاولت وفشلت على مدى 19 شهر إني أقنع ضابط الأمن إننا نزورها كسياسيين زي الجنائيين". في إشارة إلى شيوع حرمان السجناء السياسيين من الزيارة في السجون المصرية.
خالد داوود: "السادة القتلة والمجرمين وتجار المخدرات، عندهم تلفزيون وبيقروا جرايد وبتدخلهم فلاشات عليها أفلام ومسلسلات، والأهم بيتريضوا تلات ساعات وبيلعبوا ماتشات كورة، وإحنا السياسين المحبوسين احتياطي كانوا سامحين لنا بنص ساعة تريض بس"
ويسرد داوود جانباً من معاناة السجناء السياسيين وتعرضهم للتمييز السلبي عن الجنائيين: "السادة القتلة والمجرمين وتجار المخدرات، عندهم تلفزيون وبيقروا جرايد وبتدخلهم فلاشات عليها أفلام ومسلسلات، والأهم بيتريضوا تلات ساعات وبيلعبوا ماتشات كورة، وإحنا السياسين المحبوسين احتياطي كانوا سامحين لنا بنص ساعة تريض بس، زادت لساعة قبل خروجي بكام شهر. فكتاب كونديرا زي ما ممكن تتخيل كان كنز، بقراه بكل تمعن خلال 23 ساعة ونص في الزنزانة. وأنا حتى لو كنت لقيت ورقة جورنال قديمة مرمية في ساحة التريض، كنت باخذها أقراها. حموت وأقرا".
برأي داوود، يواجه علاء تضييقاً استثنائياً، والدليل ظروف سجنه الشديد الحراسة (العقرب) رغم أنه ليس له ارتباط بالجماعات الإرهابية التي تفضل السلطة عزل أفرادها في هذا السجن.
مبرمج بدرجة مثقف
يشتهر علاء بجانب عمله كمبرمج، بأنه قارئ نهم، ويحب دائماً مواكبة كل ما يكتب في التكنولوجيا والحوكمة والحقوق والحريات، لذا كانت الكتب والمجلات التي تمررها له الأسرة هواءً يعينه على التنفس داخل السجن. ما يعني أن حرمانه من القراءة يعد تنكيلاً وتعذيباً. وسبق أن رفع المدون والناشط الشاب عام 2014 دعوى قضائية ضد مصلحة السجون لإصرار مسؤوليها على منع وصول المجلات والكتب إلى مقر حبسه.
تقول شقيقته منى سيف إن علاء شغوف جداً بقراءة الإصدارات العلمية الجديدة، والروايات، وهو يقرأ دوماً للروائي محمد المنسي قنديل. وتضيف: "لذا كنا نحرص على تقديم مجلات علمية. ومجلة ميكي صديقة عائلة أحمد سيف الإسلام وليلى سويف".
وكتب علاء مقالات كثيرة عن الثورة، التي هو من أبزر وجوهها بعدما ترك عمله في دولة جنوب أفريقيا وعاد ليشارك فيها أملاً في أن تخرج مصر من حكم الفرد إلى دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ويناقش علاء في مقالاته عادة علاقة التكنولوجيا وأطروحاتها في المشاركة وتحقيق ديمقراطية المعرفة إلى جانب التحديات التي تفرضها، خاصة في مجتمعات الندرة والكفاف مثل المجتمع المصري. كتب علاء بعض تلك المقالات من داخل السجن قبل تضييق السلطات أوضاع احتجازه.
وخلال فترة سجنه، نجحت أسرة علاء في جمع كتاباته وإصدارها في كتاب عنوانه "أنت لم تهزم بعد"، صدر في نهاية العام الماضي عن دار "فيتزكارالدو إيديشنز"، يضم في طياته مجموعة مقالات كتب العديد منها وهو في السجن، وتمت ترجمتها من العربية إلى الإنجليزية، وهي حول التكنولوجيا، ونظريات التاريخ وتأملات حول معنى السجن باعتباره من أشهر النشطاء السياسيين الذين ذاقوا مرارة السجن عقب ثورة 25 يناير.
يقول علاء في إحدى مقالاته عن الهزيمة: "أنا في السجن سعياً من السلطة لأن تجعل منا عبرة. فلنكن عبرة إذن ولكن بإرادتنا. الحرب ضد المعنى لم تُحسم بعد في باقي العالم. لنكن عبرة لا فزاعة، لنتواصل مع العالم مجددا، لا للاستغاثة ولا للبكاء على أطلال أو لبن مسكوب وإنما لاستنباط دروس وتلخيص خبرات وتكثيف مشاهدات عساها تفيد المناضلين في زمن ما بعد الحقيقة".
علاء "البريطاني" في انتظار الفرج
في سياق متصل، أعلنت أسرة علاء في بدايات أبريل/ نيسان الماضي أن الأخ الكبير بات مواطناً بريطانياً، بعد أن حصل على الجنسية البريطانية داخل سجنه، كون والدته ليلى سويف مولودة في بريطانيا عام 1956 أثناء رحلة عمل أكاديمي لوالدتها الناقدة والأديبة والمترجمة والأكاديمية الراحلة، الدكتورة فاطمة موسى.
وتأمل الأسرة أن يحصل ابنها على زيارة من القنصلية البريطانية في محبسه، للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه وتمكينه من التنسيق مع محاميي الأسرة في بريطانيا لاتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة أمام القضاء البريطاني لنيل حريته ووقف ما يتعرض له من "انتهاكات" إلى جانب تسجيل شهادته على "جميع الجرائم ضد الإنسانية التي شهدها طوال سنوات حبسه".
ولجأت أسرة علاء إلى هذا الحل في ظل تجاهل محاولاتها الاستعانة بالقانون من أجل وقف الانتهاكات التي يتعرض لها أو يشهدها علاء في محبسه.
وتمنى أصدقاء لعلاء أن يكون حصوله على الجنسية البريطانية مخرجاً له من السجن، أو تحسيناً لظروف احتجازه، خصوصاً أن السلطات المصرية سبق أن أطلقت سراح سجناء سياسيين مقابل التنازل عن الجنسية المصرية، آخرهم رامي شعث الذي أجبر على التنازل عن جنسيته المصرية بعد احتجاز دام نحو 900 يوم، بتهم نشر أخبار كاذبة ومساعدة جماعة إرهابية.
كذلك حصلت آية حجازي الناشطة بالمجتمع المدني ومؤسسة جميعة بلادي للتنمية على حريتها أيضاً بعد تنازلها عن جنسيتها، ولم يفرج عنها إلا بتدخل مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأعلنت الأسرة إقدامها على الحصول لعلاء على حقه القانوني في الجنسية البريطانية، بعدما فهم منه أنه يلوّح بالانتحار بسبب يأسه من أن تتحقق له العدالة: يقول: "أنا عارف القضية الجديدة هيحيلوها للمحاكمة. وكده أنا من 2011 مخرجتش من السجن سنة على بعضها، لو مطلوب إني أموت يبقى انتحر وخلاص".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...