شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مصابو الشلل الدماغي في مصر... بين أحلام البطولة ونقص الإمكانات

مصابو الشلل الدماغي في مصر... بين أحلام البطولة ونقص الإمكانات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 29 يوليو 202201:58 م

كان نقص أكسجين أثناء الولادة سبباً في إصابة عصام عشماوي بالشلل الدماغي الذي عانى من تبعاته منذ اليوم الأول لولادته. فركن إلى عزلة عاناها ووالدته التي أصرت على أن يعيش نجلها حياة أقرب للأطفال الأصحاء مهما كلفها ذلك.

وعلى الرغم من محاولاتها توفير حياة "عادية" لابنها، لم تتمكن والدة عصام من إلحاقه بأحد الاندية التي تتيح فرصة ممارسة الرياضة للمصابين بالشلل الدماغي، على الرغم من الفوائد، الثابتة علمياً، التي تنعكس على نظرائه من ممارسة الرياضة، والثابتة علمياً. 

الآن يبلغ عصام من العمر 27 عاماً، وحاز عدة بطولات محلية في فريقه المكون من مرضى الشلل الدماغي في رياضة كرة القدم السباعية، إلا أن الفرصة التي أتيحت لعصام، لم تأت من دون نصيبها من العوائق، في وقت لا يتمتع نحو مائة ألف مصري المصابين بحالته من نفس الفرص في النفاذ إلى الرياضات التي تتناسب مع حالاتهم، بسبب مشكلات كثيرة تحاصر مرضى الشلل الدماغي في مصر.

حاز عصام عدة بطولات محلية ضمن فريقه المكون من مرضى الشلل الدماغي، إلا أن الفرصة التي أتيحت له لم تأت من دون نصيبها من العوائق، في وقت لا يتمتع نحو 100 ألف مصري مصابين بنفس الحالة، بفرص في النفاذ إلى الرياضات التي تتناسب مع حالاتهم

عدالة غائبة

ولد عشماوي في محافظة المنيا، ومنذ لحظة مولده تبدى التفاوت في إتاحة فرص الاحتياجات الإنسانية الأساسية بين المركز الممثل في القاهرة، وغيرها من المحافظات خاصة في الصعيد، فبحسب دراسة للبوابة العربية للتنمية، تفقد مصر 11.4% من مواليدها سنوياً بسبب ضعف الرعاية الصحية اللازمة لمرحلة الولادة وما بعدها، خاصة خارج العاصمة.

في حالة مصطفى العشماوي التي رصد رصيف22 أنها حالة متكررة، لم تتوفر لدى المستشفى التجهيزات اللازمة لإسعافه فور الولادة، وظل ساعات طويلة يعاني نقص الأكسجين الواصل إلى المخ من دون تدخلات كافية، وانتقلت الأم به إلى إحدى العيادات الخاصة لإنقاذ حياته بعد عجز المستشفى العام في محافظة المنيا عن إنقاذه. لكن التأخر في التدخل أدى إلى تضرر المخ وإصابته بالشلل الدماغي. 

لمنحه حياة أفضل، قررت والدة عصام الانتقال به إلى القاهرة قبل 27 عاماً، هي عمره حالياً. يقول عصام لرصيف22: "حياة جديدة بدأتها والدتي معي إذ انتقلنا إلى القاهرة لنكون بجوار كبرى المستشفيات للمتابعة الطبية". ويواصل: "كتب الله لي الحركة، على عكس كلام الأطباء الذين قالوا لوالدتي قد لا أتمكن من التحرك بسبب مرضي، إذ عانيت لسنوات من انعدام التوازن والقدرة على الكلام، لكن بفضل الله وإصرار والدتي بدأت الكلام في سن التاسعة وخطوت أولى خطواتي في العاشرة، ورغم الصعوبات التي واجهتنا أصرت والدتي على إلحاقي بمدرسة خاصة بالأسوياء (مدرسة دمج) وعانت في سبيل ذلك كثيراً". 

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الشلل الدماغي هو ضرر يصيب المخ وأنسجته خلال فترة النمو داخل الرحم أو عند لحظة الولادة أو بعدها بوقت قريب. ولا يتوقف تأثير الشلل الدماغي على وظائف الحركة والإدراك، وإنما يمتد أحياناً إلى الحواس بدرجات مختلفة (بحسب درجة ومناطق تضرر المخ)، فضلاً عن تأذّي مستوى الذكاء وإمكانية توقف نمو العمر العقلي. ويُشكل الشلل الدماغي المسبب الأساسي لإعاقات الأطفال، وتبلغ نسبة انتشاره نحو واحدة من بين كل 400 ولادة لكل مولود حيّ.

اكتشاف الرياضة

كانت الرياضة منفذاً لعشماوي في مواجهة العزلة والتنمر الذي يلاقيه من زملاء الدراسة، وعندما التحق بكلية التجارة (واحدة من كليات القليلة التي تقبل المصابين بالشلل الدماغي)، انضم إلى فريق تنس الطاولة، يقول عن تلك المرحلة: "أكتشفت نفسي مجدداً وصرت أشعر أنني ما زلت حياً حيث الأمل والرغبة والإصرار على النجاح والبقاء". 

لا يختلف وضع زياد حمدي كثيراً عن عصام عشماوي، إذ أصيب بشلل دماغي عقب الولادة ولكن هذه المرة ليس بسبب نقص الإمكانات، بل بسبب خطأ طبي أثناء الولادة تسبب في نقص الأكسجين الواصل إلى المخ، وتالياً تضرر الأنسجة، ومن ثم الشلل الدماغي.

ظل زياد ابن مدينة 6 أكتوبر (جنوب غربي العاصمة) غير قادر على الحركة حتى بلوغه الخامسة، لكنه وجد دعماً من أفراد أسرته، ولم تضطر والدته إلى أن تتحمل المسؤولية وحدها، كما يحدث مع كثير من أمهات ذوي الإعاقات. 

حرصت أسرة زياد على أن يدرس ابنها بمدارس الدمج. يحكي زياد لرصيف22: "درست بمدارس تجريبي لغات أسوة بالأسوياء، وظلت والدتي بجواري بعد إنجابي. لم تعمل رغم تخرجها في كلية الهندسة، وكانت سنداً لي هي ووالدي".

اهتمت عائلة زياد بالرياضة مبكراً، وتمكنوا من دعمه حتى بات من المتفوقين رياضياً، ما ظهر في إضافة نسبة 10.1% إلى المجموع الكلي له في الثانوية العامة، وهي نسبة الحافز الرياضي، وهنا يظهر فارق المستوى الاجتماعي الذي مكن أسرته من دعمه في الالتحاق بكلية الصيدلة

اهتمت عائلة زياد بالرياضة مبكراً، وتمكنوا من دعمه حتى بات من المتفوقين رياضياً، ما ظهر في إضافة نسبة 10.1% إلى المجموع الكلي له في الثانوية العامة، وهي نسبة الحافز الرياضي، وهنا يظهر فارق المستوى الاجتماعي الذي مكن أسرة زياد من دعمه في الالتحاق بكلية الصيدلة، التي تخرج فيها عام 2021.

نجاح زياد لم يقف على المجال الدراسي فحسب، ففي المجال الرياضي حقق الشاب نجاحات رياضية بارزة في مجال ألعاب القوى متحدياً إعاقته، يقول: "عام 2014، كانت والدتي الدافعة الأولى لي لأخرج طاقتي في المجال الرياضي، فعلى الرغم من رفض المدربين انضمامي لفريق عادي وقبولي فقط في فريق الاحتياجات الخاصة، إلا أنني تمكنت من حصاد سبع ميداليات ذهبية وتسع فضية في ألعاب القوى، ومركزين على مستوى الجمهور، إضافة إلى عدد من المراكز في بطولات شرق أوسطية". 

لكن طريق الرياضة عسير

"أنا مشوفتش في عزيمة وإصرار ذوي الهمم في الألعاب الرياضية، فضلاً عن سرعة استجابتهم ورغبتهم الملحة في التفوق"، هكذا يقول العقيد إبراهيم الخولي المدير الإداري للفرق القومية للاتحاد المصري لرفع الأثقال، مضيفاً لرصيف22: "سبق ودربت لاعبات من ذوات الهمم، لم يمارسن رياضة من قبل، وخلال ستة أشهر وصلن للأولمبياد ونافسن على مراكز عالمية". مؤكداً "المجال الرياضي مفتوح أمام ذوي الهمم وبخاصة الألعاب الفردية كرفع الأثقال".

الدكتور أحمد الشندويلي رئيس الاتحاد المصرى لرياضات اللاعبين ذوي الشلل الدماغي في مصر، يقول لرصيف22: "نواجه عدة صعوبات تتمثل في عدم وجود رعاة رسميين لرعاية أنشطة الاتحاد، فضلاً عن اعتمادنا على الدعم الحكومي الذي لا يكفي، إلى جانب نقص الأدوات المستخدمة في ممارسة الأنشطة للاعبين المصابين بالشلل الدماغي وهي باهظة الثمن وتستورد من الخارج، وتأثرت أسعارها وارتفعت ارتفاعاً كبيراً نتيجة القيود المفروضة على الاستيراد، ولا يكفى التمويل المقدم لنا، كما لا يغطي التمويل الحكومي نفقات البعثات الرياضية في الخارج. فعلى سبيل المثال قد تتكلف نفقات البعثة مليون ومائتي ألف جنيه (أكثر من 63 ألف دولار)  لذا نضطر لتقليل عدد اللاعبين وأعضاء الجهاز الفني لنغطي مصاريفنا لنشارك في حدود المبلغ المخصص".

 رئيس اتحاد الفرق القومية لرفع الأثقال: "أنا مشوفتش في عزيمة وإصرار ذوي الهمم في الألعاب الرياضية، فضلاً عن سرعة استجابتهم ورغبتهم الملحة في التفوق"

ووفقا لرئيس الاتحاد ارتفع عدد اللاعبين الذين يرعاهم الاتحاد منذ تدشينه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، من 45 لاعباً ولاعبة إلى 400، من بين 100 ألف مصاب بالشلل الدماغي في مصر.

 ويمارس مصابو الشلل الدماغي في مصر أربع ألعاب هي "البوتشيا وهي الرياضة التي تمارسها الحالات شديدة الإعاقة من الشلل الدماغي ممن يستخدمون الكراسي المتحركة، والسباحة، وألعاب القوى، وكرة القدم السباعية، فضلاً عن ممارسة البعض تنس الطاولة، وهؤلاء يلعبون تحت مظلة الاتحاد الدولي لتنس الطاولة من خلال لجنة النشاط البار- أولمبية. ويتعامل الاتحاد مع 41 هيئة رياضية ما بين أندية ومراكز شباب وجمعيات على مستوى محافظة الجمهورية.

ويعتبر العقيد إبراهيم الخولي المدير الإداري للفرق القومية للاتحاد المصري لرفع الأثقال أن عدم قدرة بعض المدربين على التعامل مع ذوي الإعاقة، وعدم تجهيز الصالات الرياضية بالأجهزة الطبية وأماكن المبيت، من أهم المعوقات التي تواجه الاتحاد ولاعبيه. منوهاً بضرورة "تأهيل الأجهزة الفنية والإدارية والطبية للتعامل مع الرياضيين من ذوي الهمم".

على الهامش

 يرى عصام العشماوي الذي يلعب حالياً لنادي أوسيم الرياضي أن الرياضيين من مصابي الشلل الدماغي والإعاقات الذهنية "يتم معاملتهم كدرجة متأخرة" و"كأنهم على الهامش" موضحاً: " أغلب الأندية غير مجهزة لاستقبالنا، فضلاً عن معاملة بعض المدربين السيئة لنا كلاعبين، والتي قد تصل للانفعال والشتيمة بل الضرب أحياناً كما حدث لبعض زملائي من لاعبي كرة القدم. وللأسف هؤلاء لم يتخذوا إجراءات قانونية ضد من أساؤوا لهم. إلى جانب ذلك، نعاني من عدم الاهتمام بتأهيلنا بدنياً، وعدم وضع خطة للتدريبات مناسبة لحالاتنا"، مشيراً إلى عدم الاستعانة بأطباء أو أخصائيين نفسيين في الملاعب لمتابعتهم أثناء التدريب، والاكتفاء بالاستعانة بطبيب أثناء البطولات فقط. 

من جانبه يقول الدكتور أحمد الشندويلي رئيس الاتحاد المصري لرياضات ذوي الشلل الدماغي لرصيف22: "لدينا مدربون مختصون باتحادات كرة القدم السباعية والبوتشا، ولكنْ لدينا نقص في المدربين المتخصصين القادرين على التعامل مع اللاعبين ذوي الإعاقة على مستوى الألعاب والإعاقات المختلفة، فعلى أرض الواقع يوجد مدرب في أي نادٍ هو المعني برياضات ذوي الإعاقة على اختلاف أنواعها، ولا يوجد مدرب متخصص بكل إعاقة على حدة على عكس ما يفترض أن يكون، بل حتى لا يوجد مدرب لكل لعبة متخصصي اللعبة نفسها ومعني بتدريب ذوي الإعاقة، بل مدرب وحيد يهتم بكل ذوي الإعاقة في جميع الألعاب".

وفي محاولة لحل تلك المشكلة، نظم الاتحاد الرياضي للمصابين بالشلل الدماغي عدة دورات للمدربين والحكام على الألعاب التي يشرف عليها الاتحاد، ويقول رئيسه: "كذلك عقدنا بروتوكول تعاون مع جامعة الزقازيق لتأهيل المدرب على شقين؛ الأول الخاص بالرياضات المعدلة التي يمارسها اللاعب، والثاني خاص بكيفية التعامل معه وفهم شخصية اللاعب والأساليب الواجب اتباعها في التعامل معه".

ويتوقع الشندويلي زيادة عدد اللاعبين التابعين للاتحاد إلى 600 خلال الموسم الرياضي عام 2023. في وقت يستعد الاتحاد للمشاركة في بطولة العالم بإيطاليا خلال العام الجاري.

أحلام متفاوتة

يطمح عصام إلى العمل وأن يكون له مصدر دخل مستقر، ويطمح زياد الذي نشأ في ظروف اجتماعية واقتصادية أفضل إلى أن تنظم الدولة "حملة قومية للتشخيص المبكر للشلل الدماغي للأطفال"، وأن تفتح أمام المصابين بالإعاقات المختلفة بما فيها الشلل الدماغي أبواب الكليات كلها ما دام مستواهم الدراسي جيداً وقدرتهم على التحصيل تؤهلهم لها، "كي لا يجد المعاق نفسه بين خيارين كلاهما مر، إما برنامج تعليمي صعب مقتصر على الأسوياء، أو برنامج سهل يحرمه الالتحاق بالعديد من الكليات".

على مدار عامين قام كابتن جمعة محمد، مدرب كرة القدم بالنادي الأهلي، وحكم الدرجة الأولى بتحكيم ست بطولات كرة قدم للاعبي الشلل الدماغي. وخلال العامين، كان جمعة شاهداً على وقائع تمييز ضد هؤلاء اللاعبين قائلاً: "بعض المدربين غير قادرين على الوصول لفكر اللاعبين أو احترام دماغهم، إذ يعامل المدرب اللاعبين كأنهم أسوياء، ويوجه لهم التعنيف باستخدام ألفاظ غير لائقة، وممارسة بعضهم ضغوطاً على لاعبين هم في الأساس يعانون من تراجع سرعة ونسبة الإدراك باعتبارهم من ذوي الإعاقات الذهنية".

وتابع جمعة: "بدلاً من أن يقوم المدرب بمعاملتهم معاملة حسنة ليبذلوا أقصى ما عندهم، خاصة أنهم يمتلكون طاقة إصرار كبيرة لا تتوفر للأسوياء، يتم تعنيفهم من قبل البعض". وشدد على ضرورة توفير سيارات إسعاف في الملاعب للتعامل مع أى حالة طارئة وتأهيل المدربين قبل اختيارهم لفرق ذوي همم .

على جانب آخر، رأى أحمد البلشي عضو لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ المصري، أن الدولة تدعم ذوي الهمم إلى حد كبير، قائلاً: "الرئيس عبد الفتاح السيسي أطلق على هذا العام ‘عام ذوي الهمم’، عرفاناً منه بدورهم، وهم في السابق لم يتلقوا رعاية واهتماماً كما يحدث حالياً". في الوقت نفسه، يطالب البلشي وزارة الشباب والرياضة بالاهتمام بذوي الهمم في مختلف مراكز الشباب على مستوى الجمهورية، والقيام بحصرهم في نطاق مراكز الشباب، وأن يصبح لهم مجالات جديدة يخرجون طاقتهم فيها ليشعر كل واحد منهم باهتمام الدولة به. متهماً بعض الموظفين والعاملين بالوزارة ومراكزها بوضع العراقيل أمام ذوي الإعاقات، نافياً أن تكون هناك مشكلة في الإمكانات والتجهيزات المطلوبة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image