شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"المرة الأولى التي نمت فيها بعمق كانت ليلتي الأولى هُنا"... مصريون/ ات في أوروبا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

السبت 30 يوليو 202210:43 ص

كل يوم يحزم مصري متاعه ويرحل إلى بلد جديد يتكلم سكانه لغةً أجنبيةً وثقافتهم غريبة، كأنه يولد من جديد في مكان آخر. يحضن نفسه في ليالي الوحدة والشوق إلى الأهل والأصدقاء والأماكن التي اعتادها، ليشدّ قواه. كلٌ لديه أسبابه للرحيل، لكن يبقى أشد من رحلوا بؤساً من لم يختر منفاه بل فُرض عليه فرضاً، أي ذاك الذي لا يستطيع العودة إلى وطنه ولو لزيارة يطبطب فيها على ذكريات الطفولة والبيت واللمّة والمشي في شوارع كانت يوماً مألوفةً.

"لا أشعر بالخوف من المشاركة في مظاهرة، أو كتابة منشور على فيسبوك، أو التعبير عن آرائي بأي شكل".

بلغ عدد المصريين المقيمين في الخارج، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، نحو 9 ملايين مصري في نهاية العام 2021، بينما أكدت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، نبيلة مكرم، على عدم صحة هذا الرقم، وقالت إنَّ عددهم يصل إلى 14 مليون مصري في الخارج. ووفقاً لبيانات الجهاز ذاته، بلغت نسبة المصريين المغتربين في أوروبا 12.8% في نهاية العام 2019.

هاجر أندرو طلعت (34 عاماً)، من مصر إلى ألمانيا في العام 2015، من أجل إكمال دراساته العليا، وبعد أن أنهى دراسته قرر الاستقرار في ألمانيا من أجل العمل. يقول أندرو، لرصيف22: "أشعر بالغربة أحياناً في ألمانيا بسبب اختلاف اللغة والثقافة، لذلك صرت ارتاد كنيسةً عربيةً في مدينة هانوفر حيث أقيم، وهو ما يقلل من الشعور بالوحدة والغربة. قبل سفري، كنت أشعر بالغربة بعدما قدِمت من أسيوط إلى القاهرة من أجل العمل، والآن حين أزور مصر أشعر بالغربة أكثر من أي وقت آخر أو مكان آخر، لأنني صرت لا أعرف أماكن كثيرةً هناك، ولأكون صادقاً فإنني أشعر بأنني غريب في مصر أكثر من ألمانيا".

بلغ عدد المصريين المقيمين في الخارج، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، نحو 9 ملايين مصري في نهاية العام 2021، بينما أكدت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، نبيلة مكرم، على عدم صحة هذا الرقم، وقالت إنَّ عددهم يصل إلى 14 مليون مصري في الخارج

سارة البنا (28 عاماً)، التي تقيم في السويد منذ العام 2017، لم تختَر غربتها أو ربما عليّ القول منفاها مثل أندرو، فسارة سافرت لكي تهرب من حكم بالسجن لعشر سنوات مع سنة مراقبة صدر في حقها في شباط/ فبراير 2017، بعدما قُبض عليها في العام 2014، على خلفية انضمامها إلى مظاهرة. بالنسبة إلى سارة التي أقامت في لبنان قبل قدومها إلى السويد، فإن الغربة في أوروبا تختلف عن الغربة في دولة عربية، فحسب ما تقول، "حين يتكلم من حولك لغتك تشعر ببعض الدفء، إذ تشعر بأنك تعيش بين أناس يشبهونك وشوارعهم تشبه شوارع مدينتك، ولكن في أوروبا، وربما السويد على وجه الخصوص، كل شيء يشعرك بأنك غريبة. هناك ما عليّ التأقلم عليه كل يوم، مثل اللغة والطقس وطبيعة الناس. هذا لا يعني أنني لم أكن أشعر بالغربة في مصر لأن تفكيري كان يختلف بعض الشيء عن تفكير المقربين مني، لكن غربتي هنا موحشة أكثر لأنني أفتقد دفء العائلة. أحياناً، في طريق عودتي إلى البيت من العمل مساعدة تدريس في مدرسة ثانوية، أسأل نفسي: متى أتيت إلى هذا المكان؟ ولماذا؟ وما الذي أفعله هنا؟ فلا أجد إجابةً وافيةً".

أما مينا ثابت (31 عاماً)، الذي يعمل في منظمة حقوقية، فهاجر إلى المملكة المتحدة في العام 2017، ويقول لرصيف22: "بكل تأكيد أشعر بالغربة في أوروبا، لكنني لم أكن أشعر بالغربة في مصر. شعرت بالظلم، وبالقهر، وبالضيق في كثير من الأحيان، لكن لا أعتقد أنني شعرت بالغربة. الغربة موحشة، ففي لحظة يجد 'المُغترب المنفي' نفسه وحيداً في مواجهة تعقيدات مركبة. يعاني مع ضرورة بناء حياة جديدة من الصفر، ويجد نفسه وحيداً من دون شبكة أمان أو دعم ما يحتم عليه هيكلة وهندسة وبناء شبكة أمان ودعم جديدة، شبكة من العلاقات والصداقات والمعارف، ويجد نفسه في حاجة إلى تكوين ذكريات وتجارب ومراكمة تفاصيل وخبرات حتى يستطيع التعايش مع واقعه الجديد. يجد نفسه أمام تحدي الانخراط في مجتمع جديد، ومحاولة فهم تفاصيله والتعايش معها".

يقول مينا: "سافرت للدراسة وبعد الانتهاء من الدراسة بدأت بالبحث عن عمل نظراً لسوء الأوضاع في مصر، ولفت نظري بعض الأصدقاء إلى أن هنالك خطورةً في عودتي نظراً لتدهور الأوضاع السياسة وملاحقة ناشطي حقوق الإنسان. كما حذرني بعض الأصدقاء من أن بعض ضباط الأمن الوطني ما زالوا يسألون عني في التحقيقات، فقررت البقاء".

"أشعر بالأمان في ألمانيا أكثر من مصر، فالشوارع هنا تكاد تخلو من التحرش والمعاكسات وخطف الأطفال والسرقة، لكن في مصر الناس أصبحت تبتعد عن 'الأصول' التي تربينا عليها، فلا يحترم الجيل الشاب كبار السن أو النساء أو الأطفال"

الخوف والأمان

تشعر سمر شكرالله (34 عاماً)، التي هاجرت في العام 2019 إلى ألمانيا، بعد زواجها من رجل ألماني، بأن الطباع والعادات والتقاليد والأصول التي تربّت عليها وهي صغيرة في شبرا، تغيّرت. تقول: "عندما كبرت وجدت أن الحياة تغيّرت، ولم يعد للـ"أصول" التي تربينا عليها وجود. لم يعد الناس يحترمون بعضهم البعض، لذلك كنت أشعر بالغربة في مصر قبل سفري". تضيف: "العادات والتقاليد في ألمانيا تختلف عن مصر، ففي مصر مثلاً متى يأتِ ضيف إلى بيتك فهو مرحب به، لكن في أوروبا إذا حضر ضيف من دون موعد مسبق، فهو غير مرحب به، لذلك أشعر بالغربة هنا أيضاً".

وحول الشعور بالأمان، تقول سمر: "أشعر بالأمان في ألمانيا أكثر من مصر، فالشوارع هنا تكاد تخلو من التحرش والمعاكسات وخطف الأطفال والسرقة، لكن في مصر الناس أصبحت تبتعد عن 'الأصول' التي تربينا عليها، فلا يحترم الجيل الشاب كبار السن أو النساء أو الأطفال".

وحول ذلك يضيف مينا: "مفهوم الأمان يختلف، فلو كانت الإشارة هنا معنيةً بغياب الشعور بالخطر نتيجةً لعملي في مجال حقوق الإنسان وأفكاري، فبكل تأكيد نعم، أشعر بغياب الخوف في المنفى بعكس ما أشعر به في وطني. المرة الأولى التي استطعت فيها النوم بعمق بعد خروجي من السجن في 2016، كانت أول ليلة لي في بريطانيا عام 2017. شعرت بأمان لأنني أخيراً أستطيع النوم من دون الخوف من أن يكسر ضباط الأمن الوطني باب غرفتي وأعيد عيش تجربة مريرة. لا أشعر بالخوف من المشاركة في مظاهرة، أو كتابة منشور على فيسبوك، أو التعبير عن آرائي بأي شكل".

ويكمل مينا: "أعتقد أن أهم التحديات التي تواجه أغلب المُغتربين هي تحدي التغلب على مشكلات الحياة منفرداً، في غياب شبكة الدعم والأمان من الأسرة والأصدقاء والمعارف. وجزء من ذلك أيضاً هو محاولة التأقلم مع نمط الحياة المختلف والانصهار داخل المجتمع الجديد وفهم ثقافته وتعقيداتها".

أما عن أكثر ما يفتقده مينا في مصر، فيقول: "أفتقد أسرتي كثيراً. وأفتقد أصدقائي، وشوارع القاهرة التي اعتدت السير فيها، والمقاهي والمطاعم التي اعتدت التردد عليها. افتقد الكثير من التفاصيل التي تراكمت في داخلي لأكثر من ربع قرن؛ افتقد بلدي".

"أعتقد أنني لن أتمكن من الإجابة عن السؤال حول ما إذا كنت أود العودة إلى مصر في الوقت الحالي. ولكن بالتأكيد يؤلمني حرماني من الاختيار في الأساس، فأنا شخص من ضمن آلاف حُرموا من حقّ الاختيار أساساً، لكن لو زرت مصر سأودّ السير في شوارع وسط البلد، والذهاب إلى مدينة دهب، وسأحاول الغطس في سواحلها"

الجنسية الأوروبية وسؤال العودة

لم يحصل أيّ ممن تمت مقابلتهم في هذا التقرير على الجنسية الأوروبية بعد، لكن جميعهم في طريقهم للحصول عليها.

"لم أقدّم على الجنسية الألمانية بعد لأنني مشغول بأمور أخرى حالياً، لكن الحصول عليها من ضمن خططي بالطبع. للجنسية الأوروبية مميزات كثيرة، أهمها إمكانية الاستقرار في أوروبا، أو حتى الاستقرار في خارج أوروبا والعودة إلى ألمانيا متى أردت في المستقبل، وتتيح لي الجنسية الألمانية أيضاً السفر إلى دول كثيرة بسهولة"، يقول أندرو، ويضيف: "لست متأكداً مما إذا كنت أفضل العودة للإقامة في مصر. أعتقد أنني قد أودّ في المستقبل العودة للإقامة في مصر ولكن على أن تكون لديّ الجنسية الأوروبية ولديّ عمل يوفر لي بعض الرفاهية الاقتصادية".

ترى سمر من جهتها، أن الجنسية الأوروبية توفر لها الاحترام والتقدير في أي بلد، وفي الدول العربية على وجه الخصوص. لا تفكر ولا تتمنى سمر العودة للاستقرار في مصر، وتوضح: "لو كان هنالك سبب للعودة، فهو عائلتي فحسب، أتمنى لو كان في مقدوري أن أحضِرهم جميعهم إلى ألمانيا لكي يعيشوا معي هنا".

أما مينا، فيقول: "أعتقد أنني لن أتمكن من الإجابة عن السؤال حول ما إذا كنت أود العودة إلى مصر في الوقت الحالي. ولكن بالتأكيد يؤلمني حرماني من الاختيار في الأساس، فأنا شخص من ضمن آلاف حُرموا من حقّ الاختيار أساساً، لكن لو زرت مصر سأودّ السير في شوارع وسط البلد، والذهاب إلى مدينة دهب، وسأحاول الغطس في سواحلها".

وتنهي سمر حديثها إلى رصيف22، بالقول: "للمصريين احترام وتقدير في كل العالم. كلما يسألني أحدهم عن أصلي وأقول بأنني مصرية، ألقى الاحترام والانبهار بالحضارة الفرعونية، ما يجعلني فخورةً بأنني ابنة مصر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image