أفرجت السلطات الموريتانية، في 15 تموز/ يوليو 2022، عن ثمانية من السجناء السلفيين المحكومين في قضايا متعلقة بالتطرف، وذلك بموجب عفو رئاسي، وكنتيجة للحوار الذي أجراه معهم عدد من العلماء برئاسة العالم محمد المختار ولد أمباله.
يأتي هذا العفو، بحسب بيان الرئاسة، في إطار المقاربة التي تنتهجها البلاد لمكافحة الإرهاب، والإستراتيجية التي تقوم على محاور تشمل الحوار والنقاش تصحيحاً للأفكار والمفاهيم.
وكانت مجموعة من العلماء برئاسة ولد أمباله، قد دخلت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي، في حوار مع بعض السجناء السلفيين داخل أسوار السجن المركزي في العاصمة نواكشوط، وتناولت تلك الحوارات مواضيع عقائديّةً وفقهيةً مختلفة.
نقاش حول الحوار والإفراج
خبر الإفراج عن المجموعة، والحوار مع السجناء السلفيين، خلقا نقاشاً بين النخب الموريتانية التي انقسمت بين مرحّب به ومتخوف منه.
العالم الشيخ محمد زاروق (الشاعر)، وهو عضو في هيئة علماء موريتانيا، تحدث إلى رصيف22، عن هذا الحوار وسياقاته، قائلاً: "فكرة الحوار هي السبيل الوحيد لمواجهة فكر التطرف أو فكر الغلو، وليست العصا الأمنية التي قد جُرّبت في الكثير من الدول، ولم تؤتِ أكلها، ولنا أسوة حسنة في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، في حواره مع الخوراج، وكذلك ابن عباس حبر الأمة رضي الله عنه، وهناك تيارات كثيرة على امتداد التاريخ الإسلامي منها الجهمية والمعتزلة وغيرهما، وكان الحوار هو السبيل الوحيد لمقارعة هؤلاء، وما كانوا يقدَّمون إلى السجون ولا إلى محاكم التفتيش، وهذا الحوار في نظري في هذه الفترة الأخيرة كان أعمق وأدق من الحوار المتقدم، ويعود ذلك إلى أسباب رئيسة".
كانت مجموعة من العلماء برئاسة ولد أمباله، قد دخلت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي، في حوار مع بعض السجناء السلفيين داخل أسوار السجن المركزي في العاصمة نواكشوط، وتناولت تلك الحوارات مواضيع عقائديّةً وفقهيةً
يقصد المتحدث بالحوار المتقدم، حواراً أُجري سنة 2010، ويضيف معدّداً الأسباب: "أولها اختيار كفاءات علمية مشهورة ضمن عدد محدود من العلماء، وثانيها إدارة الحوار بطريقة علمية ومنظمة من قبل العلامة محمد المختار ولد أمباله، وهو شخصية تحظى بالاحترام من جميع التيّارات، وثالثها أن الشيخ كان يدير هذا الحوار بطريقة محكمة، وكان أحياناً يلجأ إلى الحوار الفردي المركّز، ويختار أشخاصاً لذلك الأمر.، ورابعها أن المجموعة التي كانت تدير الحوار لم تكن تدافع عن الحكومة ولا عن جانب معيّن، ولكنها كانت تنشد الحق فحسب، ولهذا لم يكونوا يدّعون أن الشريعة مطبّقة، وكانوا يقولون بالحرف الواحد إن الدستور فيه أن الشريعة هي الحاكمة، وأما التطبيق العملي فلا يدّعيه أحد، إنما يقولون إن الدستور فيه الشرع، أي أنه دستور الجمهوريات الإسلامية، وهو تطبيق شرع الله، ولكن هناك مانعاً من هذه التطبيقات. وأياً كان هذا المانع، سواء كان بسبب الخوف من الضغوط الخارجية أم لا، وسواء كان مقبولاً أم لا، لم نكن نناقش هذه القضية، لكن كنا ننطلق من منطلق أن هذا هو الدستور وقد وقع خطأ في التطبيق، أو لم يطبَّق، فما حكم ذلك، إذ يتم نقاش من يرى تكفير الدولة لأنها لم تطبق الدستور مع وجوده من الناحية النظرية".
كان السجناء السلفيون حينها 68 سجيناً، اعتُقلوا في قضايا مختلفة تنوعت بين الاعتداء على رعايا أجانب واستهداف "سفارة إسرائيل" وأماكن أخرى، وكان هناك تياران بخصوص الحوار، فجماعة منهم رحبت به من دون أي شرط، وأخرى كانت لها عليه بعض التحفظات
وأضاف المتحدث، قائلاً: "المسألة الأخرى التي كانت تسهم في إنجاح هذا الحوار، هي أننا نكرر عليهم أن حكمهم هو سؤال العلماء، لأن الكثير من هؤلاء الشباب تلقوا هذه الأفكار عن طريق مجهولين أو على الأقل من لا يوصفون بأنهم علماء، وكنا نقول لهؤلاء أنتم أيضاً لم تطبّقوا شرع الله، لأن المطلوب منكم هو أن تسألوا أهل الذكر وأنتم لم تقوموا بهذا، أو سألتم أهل الجهل أو سألتم مجهولين أو من ليس بعالم، فأيضاً أنتم إذا لم تعذروا بالجهل، فإنكم لم تطبّقوا شرع الله، وهذه كانت نقطةً مهمةً جداً وعلى إثرها اقتنع بعض الإخوة".
مسار طويل
تجدر الإشارة إلى أن هذا ليس أول حوار مع المجموعة السلفية، ولا أول عفو يستفيد منه من يوصَفون بالتطرف، ففي سنة 2010 أخلي سبيل 35 سجيناً سلفياً، 15 منهم كانوا يقضون عقوبات سجنيةً والبقية لم تحاكم بعدُ، وقتها، وقد أُفرج عنهم في عفو رئاسي بمناسبة انتهاء شهر رمضان.
كان السجناء السلفيون حينها 68 سجيناً، اعتُقلوا في قضايا مختلفة تنوعت بين الاعتداء على رعايا أجانب واستهداف "سفارة إسرائيل" وأماكن أخرى، وكان هناك تياران بخصوص الحوار، فجماعة منهم رحبت به من دون أي شرط، وأخرى كانت لها عليه بعض التحفظات.
شكلت السلطات وقتها لجنةً من العلماء بقيادة العالم محمد الحسن ولد الددو، وبإشراف من وزير الشؤون الإسلامية حينها أحمد ولد النيني، وكبار العلماء في البلاد، للحوار مع المعتقلين السلفيين الموجودين في السجن المركزي في نواكشوط.
وآنذاك، منحت الحكومة المفرج عنهم مبالغ ماليةً لتنظيم العودة الطبيعية إلى الحياة الاجتماعية بعيداً عن مسارهم الأول.
ويشكو السجناء السلفيون في موريتانيا من سوء المعاملة في السجون والمنع من العلاج، وطوال السنوات الماضية نظّم أهلهم وقفات لتحسين أوضاعهم، وتحدث ناشطون حقوقيون عن وضعهم في السجن.
أي اندماج ممكن؟
من الأمور التي أثارها هذا الحدث، سؤال الاندماج في المجتمع بعد الخروج من السجن، وهل سيتمكن المفرَج عنهم منه؟ وطرح البعض التساؤل حول جدية تراجعهم عمّا يُعدّ فكراً متطرفاً أو أنها قد تكون مجرد مناورة للخروج من السجن. وحسب الدكتور محمد زاروق، الذي تحدث إلى رصيف22، عن ذلك، فإن "الحوار الأول كان ناجحاً بلا شك، وقد أُفرج عن الكثير من السجناء، وقد أصبحوا بعد ذلك نموذجاً في الاعتدال واندمجوا في مجتمعاتهم بامتياز، ولم يلتحق منهم بالجزائر آنذاك أو بتلك الساحات القتالية إلا واحد أو اثنان، وحدثني بعض أصحابهم أنهم لم يقتنعوا أصلاً".
وواصل الدكتور محمد زاروق، حديثه، قائلاً: "عند الحديث عن جذور التكفير، لن أتحدث عن التاريخ الموريتاني وما فيه من الأمور التي تتعلق بتكفير بعض الطوائف للطوائف الأخرى، ولكن سوف أتكلم عن الصحوة التي واكبتها، وأريد أن أضع النقاط على الحروف، فطوال هذه الفترة التي شهدتُها، كان التكفيريون يُعدّون على رؤوس الأصابع، ولا أبالغ إن قلت إنهم كانوا ثلاثةً أو أقل، فهؤلاء كانوا يكفّرون كل من ألّف كتاباً أو قرأ غير الوحي. لكن اسمحوا لي هنا، أن أبيّن أن الناس قد توسعوا في مصطلح التكفير، وفي مصطلح "الخوارج"، فقد أصبح لهما مدلول فضفاض في الإعلام وبين العوام وأطلقتهما بعض الطوائف لأغراض في نفسها، وتالياً لا ينبغي أن نعدّ هذا المصطلح الذي هو التكفير، أو وصف شخص بأنه خارجي، إلا إذا صدر هذا الوصف من علماء محققين، لأنهم هم الذين يعرفون الموازنة بين الأمور ويعرفون الفرق، ويعرفون كيف يصير الشخص تكفيرياً".
الناس قد توسعوا في مصطلح التكفير، وفي مصطلح "الخوارج"، فقد أصبح لهما مدلول فضفاض في الإعلام وبين العوام وأطلقتهما بعض الطوائف لأغراض في نفسها
وأضاف المتحدث "صار الأمر أن من أراد أن يحرر المصطلح عليه أن يقول هناك تطرف أو غلو، وأما أن يطلق على الإنسان صفة تكفيري فهذا فيه ما فيه، وتكفير الناس يأتي من منحَييْن، كل منهما مخالف للشرع ومخالف لمنهج السلف، المنحى الأول هو التكفير بالكبائر وهذا لا تكاد تجده في الجماعات التي تتبنى الجهاد والتي تتبنى القتال على الأقل من الناحية النظرية إلا في بعض الدواعش ومن نحا نحوهم، إذ قد تجد عندهم بعض هذه الأمور، أما الكثير من التيارات الإسلامية فإنها لا تكفّر بالكبائر وإذا قيل إن بعضهم فيه غلو، أو فيه تطرف، لكن لا أعتقد أن إطلاق التكفير عليهم أو وصفهم بالخوارج فيه إنصاف، لأنهم يتبرؤون من منهج الخوارج ومن منهج التكفير، ولا ينبغي إلاّ أن نكون منصفين حتى مع خصومنا فهذا هو منهج الحق، وذُكر عن بعض أهل الحديث وهم نموذج الإنصاف، أن أحدهم سُئل عن رجل يتصوره مغالياً في الرفض، فأجاب: "ثقة في الحديث رافضي خبيث"، وبالرغم من أنه قد لا يسلم لهذا الرجل بما قال، لكن هذا رأيه فيه ومع ذلك وثّقه في الحديث".
وأردف : "أما المنحى الثاني الذي يخالف أهل السنّة، ويؤدي إلى التكفير، فهو عدم التفريق بين العمل والعامل، فأهل السنّة يقولون هذا العمل كفر، ولكنهم لا يكفّرون الشخص المعيّن إلا بقيام شروط وانتفاء موانع، فمثلاً قد يقولون هذا كفر لكن هذا الشخص لأنه جاهل لا نكفره، لأنه تأول تأويلاً معيّناً ولا يتم التكفير إلا بعد أن تقام الحجة على الشخص. إذاً قد يقع التكفير من هذا الجانب، وأشير إلى أن معتنقي هذا الفكر الذي فيه تطرف إنما تكاثروا في موريتانيا بعد أن سُجن العلماء وخلت الساحة، ونعم كان التأثر ببعض الوافدين إلى موريتانيا موجوداً، ولا أقول كل الوافدين، خاصةً من المغرب العربي، لأن أغلب الوافدين كانوا طلبة علم ودعاة اعتدال وتبصر".
"العلماء مقصّرون ولكن"
حين تثار قضية التطرف في موريتانيا، يتبنى البعض خطاباً يتهم فيه علماء البلد بالتقصير كونهم لا يحبون محاججة الشباب الذين يطرحون الأسئلة والأفكار المختلفة، ويُرجع البعض ذلك إلى افتقارهم إلى الأدوات العلمية المطلوبة لذلك، وإلى نوع من الكسل المعرفي أو التعالي، أو هروباً من النقاشات الفكرية. عن هذا يقول الدكتور محمد زاروق: "نعم العلماء مقصّرون أو فيهم مقصرون على الصحيح، لكن الكثير من الناس وكثير من العامة أيضاً قصّروا في حق علمائهم، إذ تركوهم للسفهاء يقعون في أعراضهم، وقصّروا في حق العلم وأهله، ونحن في بلدنا وقع تقصير كبير في هذه المحاظر (المدارس القرآنية) التي هي مصدر عز هذا البلد، فطلاب العلم لا يكادون يجدون ما يسد الرمق والمدرّس مشغول بلقمة العيش عن التفرغ للتدريس فإلى الله المشتكى".
خلص المتحدث إلى القول: "في نهاية الأمر، أوضح أن هذا الحوار نموذج ينبغي أن تقتدي به كل الدول، ولكنني أعود وأطالب الحكومة بالإفراج عن المزيد من السجناء ممن ثبت تراجعهم عن هذا الفكر، ولا أعتقد أن عدد المفرَج عنهم كافِ. وعليه أطالب بإطلاق سراح المزيد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع