شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في الذكرى السبعين لثورة 23 يوليو

في الذكرى السبعين لثورة 23 يوليو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 24 يوليو 202205:40 م

تحتفل مصر اليوم بالذكرى السبعين لثورة الضباط الأحرار التي أطاحت بحكم الملك فاروق الأول يوم 23 تموز/يوليو 1952. على الرغم من الأخطاء الكبيرة التي تخللتها أو نجمت عنها، إلا أنها كانت، في زمنها ومكانها، حدثاً مفصلياً في تاريخ الوطن العربي المعاصر، حُفرت كالنقش في الذاكرة الجماعية للأمة العربية، نظراً لارتباطها بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

إطلاق مسلسل الثورات العسكرية

البعض يقول إن الضباط الأحرار استلهموا انقلابهم من الانقلاب الناجح الذي حصل في سورية في آذار 1949، والذي أطاح بحكم الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي، صديق الملك فاروق. لم ترق أي قطرة دماء في دمشق، وقال مهندس الانقلاب حسني الزعيم، إنه قرر التحرك ضد القوتلي بسبب هزيمة الجيش السوري في فلسطين، وهي نفس العبارة التي استخدمها المصريون عشية انقلابهم على الحكم الملكي. والبعض قال إن عبد الناصر ورفاقه استلهموا انقلابهم من انقلاب أديب الشيشكلي الثاني في سورية في تشرين الثاني 1951، أي قبل ثورة يوليو بثمانية أشهر.

تبقى هذا الفرضيات عبارة عن تكهّنات، لأنها لم تصدر عن أي من الضباط المصريين. ولكن من المؤكد أن الضباط المصريين ألهموا الكثير من الضباط العرب، ومنهم رفاقهم العراقيون الذين وضعوا نجاح ثورة مصر نصب أعينهم، ومضوا على خطاها عند انقلابهم على الملك فيصل الثاني في 14 تموز/يوليو 1958. وقد تكرر ذات الشيء في ليبيا، عندما انقض العقيد معمر القذافي على حكم الملك إدريس سنة 1969، وكان من أشد المتحمسين والمعجبين بعبد الناصر.

تحتفل مصر اليوم بالذكرى الأربعين لثورة الضباط الأحرار التي أطاحت بحكم الملك فاروق الأول يوم 23 تموز/يوليو 1952. على الرغم من الأخطاء الكبيرة التي تخللتها أو نجمت عنها، إلا أنها كانت، في زمنها ومكانها، حدثاً مفصلياً في تاريخ الوطن العربي المعاصر

شكّلت مجالس لقيادة الثورة في كل من العراق وليبيا، على غرار التجربة المصرية، وتكرّرت التجربة مع البعثيين في سورية سنة 1963، حيث استعان العسكر بأكبر الضباط سناً ورتبة، وهو الفريق لؤي الأتاسي، الذي عُيّن رئيساً لمجلس قيادة الثورة في دمشق، مثلما استعان المصريون باللواء محمد نجيب، وهو الأكبر سناً وقدماً بين الضباط الأحرار، ليكون أول رئيس جمهورية سنة 1952. وكانت الطريقة التي أقصي فيها اللواء نجيب عن الحكم ووضعه قيد الإقامة الجبرية، من أخطاء ثورة مصر الجسيمة، لأنها أساءت لرجل شريف، اجتمع المؤرخون والمعاصرون على أنه كان وطنياً بامتياز، لا يستحق ما تعرض له من ظلم من قبل رفاقه القدامى.

الثورة الليبية، المعروفة بثورة الفاتح من سبتمبر، حافظت على حياة الملك إدريس مرغمة، لأنه كان خارج البلاد يوم تنفيذ الانقلاب العسكري ضده، يخضع للعلاج في تركيا. ولكن ثورة العراق كانت دموية بامتياز، لا تشبه ثورة مصر إلا من حيث الجوهر، حيث تم ذبح كل أفراد العائلة الحاكمة، وفي مقدمتهم الملك فيصل وخاله الأمير عبد الإله ورئيس الحكومة نوري السعيد، الذي سُحل في شوارع بغداد، وهو ما لم يحدث في القاهرة.

كان المشير عبد الحكيم عامر حاقداً على أغنياء مصر القُدامى، وليس له خبرة في الحكم ولا باع في السياسة. مع ذلك، وليّ حاكماً على سورية في زمن الوحدة وقائداً للجيش المصري، وكانت تصرفاته الرعناء وقراراته مضرة جداً لمصر وللوطن العربي برمته

فقد انتهى الأمر في مصر عند نفي الملك فاروق ومصادرة جميع قصوره وأملاكه، مع قبول التعامل مع بعض أركان حكمه من قبل العهد الجديد، مثل رئيس الحكومة على ماهر باشا، ورجل القانون عبد الرزاق السنهوري، رئيس مجلس الدولة الذي شارك في مفاوضات تنحي الملك فاروق. وكان الضباط الأحرار قد رافقوا الملك فاروق حتى النهاية، قبل أن يُبحر على متن "المحروسة" إلى منفاه الدائم في أوروبا، وقدموا له التحية العسكرية. هذا لا ينفي الحملة الشعواء التي شنّت ضد الملك فاروق بعد سفره، حيث تم توجيه عدة تهم لها، تبين لاحقاً أنها كانت باطلة ومفبركة، مثل قضية المسكرات وعمالته للإنكليز وقضية "السلاح الفاسد" الذي استخدم في حرب فلسطين.

فنياً...فجّرت ثورة عام 1952 مواهب العديد من الفنانين الكبار، ومنهم المحسوبون على العهد الملكي، مثل أم كلثوم التي كانت قد حصلت على لقب "صاحبة العصمة" من قبل الملك فاروق، وغنت له في عدة مناسبات. حاول البعض منع بث أغاني أم كلثوم بعد نجاح الثورة، لأنها كانت محسوبة على "العهد البائد،" ما استوجب تدخلاً مباشراً من جمال عبد الناصر، الذي ألغى قرار المنع وقال:

فجّرت ثورة عام 1952 مواهب العديد من الفنانين الكبار، مثل أم كلثوم، التي حصلت على لقب "صاحبة العصمة" من الملك فاروق. حاول البعض منع بث أغاني أم كلثوم بعد نجاح الثورة، لأنها كانت محسوبة على "العهد البائد"، ما استوجب تدخّلاً مباشراً من جمال عبد الناصر، الذي ألغى قرار المنع وقال: "الأهرامات أيضاً من العهد البائد، هل نمنعها أو ندمرها؟"

"الأهرامات أيضاً من العهد البائد، هل نمنعها أو ندمرها؟"، وقد قدرت أم كلثوم هذه اللفتة وظلّت موالية لعبد الناصر حتى الممات. هذا وقد اعتُبرت أم كلثوم، ومعها محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، من رموز ثورة يوليو الفنية، وحظوا بمكانة رفيعة عند الضباط الأحرار، وتحديداً الرئيس عبد الناصر، الذي استغل شعبيتهم الواسعة في أرجاء العالم العربي للترويج لثورته وحكمه. غنوا لتأميم قناة السويس ورد العدوان الثلاثي سنة 1956، وللوحدة السورية المصرية عام 1958، كما شاركوا برفع الهمم خلال حرب الاستنزاف التي تلت هزيمة عام 1967.

هذا لا يلغي الأخطاء الكبيرة التي حدثت بعد ثورة يوليو وبسببها، مثل حرب اليمن واعتماد عبد الناصر الكبير على صديقه الحميم المشير عبد الحكيم عامر، المسؤول الرئيسي عن هزيمة الجيش المصري عام 1967. ويتحمّل المشير أيضاً، وهو من أبرز إفرازات ثورة يوليو، وزر انهيار الوحدة السورية المصرية، وصدور قرارات اشتراكية كان لها أثر مدمر على الاقتصاد السوري، وفي مقدمتها تأميم المصانع والمصارف سنة 1961. شأنه شأن الكثير من الضباط المصريين الشباب الذين وصلوا إلى الحكم إبان ثورة يوليو، كان المشير حاقداً على أغنياء مصر القُدامى، وليس له خبرة في الحكم ولا باع في السياسة. مع ذلك، وليّ حاكماً على سورية في زمن الوحدة وقائداً للجيش المصري، وكانت تصرفاته الرعناء وقراراته مضرة جداً لمصر وللوطن العربي برمته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image