شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أنا محجبة ومخالفة لدوريات الحجاب"... حملة المتدينات ضدّ الحجاب القسري في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات العامة

السبت 23 يوليو 202205:41 م

يبدو أن مسلسل المواجهات العنيفة بين الشرطة والنساء الإيرانيات لم ‏ينته بعد، بل هناك إرادة حكومية على المضي قدماً بدوريات الحجاب ‏مهما بلغ الأمر، فشرف الجمهورية الإسلامية وسمعتها بحجاب الفتيات ‏اللواتي عليهن ارتداؤه وفق القانون الإسلامي في البلاد.‏

وفي آخر محاولة من هذه الصدامات، هزّ مقطع فيديو الرأيَ العام ‏الإيراني، تظهر فيه دورية الشرطة في إحدى شوارع طهران وهي ‏تتحرك دون الاكتراث بوقوف امرأة أمام السيارة تصرخ وتتوسل باكية ‏بهذه العبارات: "لا تأخذوا ابنتي، ابنتي مريضة"، ما أثار ضجة ‏واسعة ليست على المستوى الشعبي فقط، بل أتت التنديدات بسلوك ‏الشرطة، حتى من النساء المحجبات اللواتي يتفقن مع الحجاب ‏الإسلامي.‏

وبينما تكثف الشرطة دورياتِ الحجاب في الساحات العامة وأمام ‏المتنزهات والمتاجر، وتعتبره من أولويات عملها بغية جلب الفتيات إلى ‏مخافر الشرطة ليوقّعن على استمارة تبقى كوثيقة في ملفاتهن الأخلاقية على ‏عدم الالتزام بالحجاب القانوني، تتوالى التنديدات على منصات التواصل ‏الاجتماعي بالسلوك غير الإنساني لضباط وضابطات الدوريات في ‏التعامل مع المواطنات وتحقيرهن بكلمات نابية وخارجة عن دائرة الأدب ‏وفق قول من اعتقلت في هذا الشأن.‏

المحجبات يدافعن عن حقوق غير المحجبات

وبعد توسعة رقعة الانتقادات من تصرفات الشرطة مع مناشدة الأم التي ‏كانت تنادي بأن ابنتها مريضة، اعتذرت الشرطة من المواطنة، وأعلنت ‏عن إجراءات تأديبية بحق مسؤول الدورية لسلوكه الذي وصفته بـ"خارج ‏القواعد"، ولكن باتت هذه الواقعة انطلاقة لحملة ملأ صداها أسماع ‏المعنيين في النظام، وهي حملة المحجبات ضد دوريات الحجاب على منصات التواصل.‏

‏#أنا محجبة ومخالفة لدوريات الشرطة، #أنا محجبة ومخالفة للحجاب ‏القسري، وسمان تصدّرا منصة تويتر بآلاف التغريدات ‏من المواطنات الملتزمات بالحجاب الإسلامي، ليعلنّ عن ‏مخالفتهن لسلوك الشرطة ويتعاطفن مع الفتيات اللاتي تعرضن لضغوط ‏الالتزام بالحجاب

‏#أنا محجبة ومخالفة لدوريات الشرطة، #أنا محجبة ومخالفة للحجاب ‏القسري، وسمان باللغة الفارسية تصدرا منصة تويتر بآلاف التغريدات ‏التي جاءت من المواطنات الملتزمات بالحجاب الإسلامي، ليعلنّ عن ‏مخالفتهن لسلوك الشرطة ويتعاطفن مع الفتيات اللاتي تعرضن لضغوط ‏الالتزام بالحجاب.‏

‏"نسخة إلى الأعلى [المسؤولين]، اخشوا الفئة المتديّنة التي تخالفكم، ‏‏[لأنهم] يعرفون أكثر عن الأمور التي تتحدثون أنتم عنها باسم الدين، ‏فيخالفونكم"؛ هكذا علقت إحدى الرائدات، وكتبت أخرى، "أنا وبصفتي ‏محجبة وأرتدي الشادور أتفق مع الحملة لأن أي فرض سوف يأتي ‏بنتائج عكسية حسب ما أثبته التاريخ"، ووصفت مغردة أخرى مدى ‏مخالفة المتشددين مع هذه الحملة التي لاقت إقبالاً واسعاً من أطياف ‏الشعب: "يبدو أن هذه الحملة أخافتهم كثيراً، لأنهم لم يتصوروا أن تكون ‏فئة المتدينين عالمة بجرائمهم، كانوا يظنون أن كل المحجبات يقفن معهم،  ‏ولكنهم علموا الآن أن دائرتهم ضيقة جداً".         ‏

وبينما سارعت مئات الآلاف من رائدات إنستغرام على نشر صورهن ‏بالحجاب ومخالفتهن مع فرضه على الأخريات، تصاعدت وتيرة الانتقادات ‏بلهجتها الشديدة من قبل رجال الدين والمتشددين، حيث وصف إمام جمعة ‏مدينة كَرَج آية الله حسیني هَمَداني، أن "حملة أنا محجبة ومخالفة ‏لدوريات الشرطة هي كواقعة رفع المصاحف على الأسنة في معركة ‏صفين".‏

تحذيرات سياسية واجتماعية من صدامات لا يمكن السيطرة عليها

وحذر معظم الباحثين والمراقبين في السياسة وعلم الاجتماع من انعدام ‏الثقة بين الشعب والنظام بسبب تصرفات الدولة من أجل أسلمة المجتمع ‏الإيراني وفرض الشريعة الإسلامية من خلال حملة اعتقال الفتيات ‏وسجن المنتقدين وعدم إقامة بعض الحفلات الموسيقية وعدم دخول النساء إلى ‏الملاعب الرياضية وغيرها من التصرفات التي تعتبر ضد النساء وضد ‏الحريات الفردية.‏

‏"البعض يعتقد أن هذا الكم من التركيز على نمط حياة الناس سيأتي بنتائج ‏عكسية ضد الحجاب والأخلاق، ولكنني أعتقد أن هذه التصرفات نابعة ‏من عدم قدرة الحكومة على حلحلة مشاكل الشعب الرئيسية، لذلك يلجأون إلى ‏إيذاء الشعب كي یصرفوا انتباهه إلى اتجاه آخر. المجتمع الإيراني ‏غاضب، فلا تؤذوا الفتيات."؛ تصريحات أدلى بها الباحث والمحلل ‏السياسي فياض زاهد لصحيفة "اعتماد".‏

وصف إمام جمعة ‏مدينة كَرَج آية الله حسیني هَمَداني، أن "حملة أنا محجبة ومخالفة ‏لدوريات الشرطة هي كواقعة رفع المصاحف على الأسنة في معركة ‏صفين"

أما أمين عام هيئة الأمر بالمعروف السابق الشيخ جليل محبّي، فأبدى مخالفته ‏عن ما تفعله الهيئة والشرطة الإيرانية هذه الأيام بهذه التغريدة: "مهما ‏كانت الأفعال التي تصدر من البعض، فهي ليست أمراً بالمعروف ونهياً ‏عن المنكر"؛ تصريح يدلّ على أن صفوف المنتقدين والمحذرين من ‏الفجوة التي حصلت بين المواطنين والمسؤولين طالت الأحزاب السياسية ‏وتوجهاتها، فوصلت إلى بعض من نخبة التيار المحافظ، المسيطر على ‏جميع مفاصل الدولة. ‏

أعاد حساب المرجع الديني والفيلسوف آية الله جوادي آمُلى على تويتر ‏تصريحاتِه قبل سنوات حول مخالفته للأعمال القسرية الصادرة من ‏دوريات الحجاب حيث لم ير المرجع في هذا السلوك حلاً لقضية ‏الحجاب، لينفرد بهذا التصريح العلني من بين عشرات علماء الدين ‏ومراجع الشيعة الذين صمتوا تجاه ما يمر به المجتمع الإيراني من ‏أزمات اجتماعية، فضلاً عن المعيشية والسياسية.‏

صدام المحجبات وغير المحجبات

وفي خضم هذه الأحداث التي تأتي في الشارع الإيراني وتحذير ‏المراقبين من دعوة خطباء صلاة الجمعة وهيئة الأمر بالمعروف أنه على ‏المواطنين أن يضيقوا الخناق على "سيئات الحجاب" كما ‏يُطلق عليهن، أثار مقطع الفيديو الذي يظهر صداماً حاداً بين فتاة محجبة وأخرى ‏غير محجبة في حافلة نقل عام بالعاصمة طهران، حفيظة الرأي العام.‏

ويبدو أن موضوع الصدام يأتي بعدما قامت الفتاة المحجبة بمطالبة ‏الأخرى بالالتزام بالحجاب الإسلامي، حيث تظهر المحجبة، في الفيديو الذي سجلته الفتاة الواقعة في ‏الطرف الآخر، وهي تقول: "سوف أبعث ‏بالفيديو للحرس الثوري كي ينالوا منك"، رداً على ما كانت تقوم به الفتاة غير مرتدية الحجاب من تصوير الأخرى ومواجهتها. وبعد توقف الحافلة في المحطة تُطرد ‏المحجبة من قبل بقية الفتيات الراكبات، حسب هذا الفيديو الذي انتشر بشكل واسع في ‏البلاد. ولم تمر إلا ساعات قليلة حتى أعلنت الشرطة عن إلقاء القبض ‏على الفتاة سيئة الحجاب التي تصادمت مع الفتاة الآمرة بالمعروف، حسب ‏ما نقلته وكالة "فارس" للأنباء.‏

‏"رأيت مشهد الصراع حول الحجاب بين امرأتين في الحافلة. مع فرض ‏الحجاب القسري سوف تتبدل الساحات العامة إلى مواجهة الناس مع ‏الناس، وهذه بداية الحكاية"؛ هكذا عبر الصحافي علي رضا خوشْبَخت، ‏عن رأيه في قضية أشعلت منصات التواصل الإيرانية منذ أسبوعين.‏

الروسيات على خط مواجهة الحجاب

وفي موضوع ليس ببعيد، يحرص الساسة في نظام الجمهورية الإسلامية ‏على فرض الحجاب على المذيعات الأجنبيات خلال تسجيل اللقاءات ‏الصحافية المصورة عند حضورهن في مواقع إقامة الإيرانيين في داخل ‏أو خارج البلاد، وقد انتشرت صورة لوزير الاتصالات الإيراني عیسى ‏زارِع پور أثناء زيارته لموسكو أمس الجمعة، ولقائه مع إحدى وسائل ‏الإعلام الروسية، حيث تظهر المذيعة الروسية بوشاح يغطي رأسها، بينما تجلس ‏فتاة من طاقم القناة خلف الكواليس وهي غير ملتزمة بالحجاب، مما أثار ‏سخرية المتابعين من ازدواجية مواجهة الحجاب لدى المسؤولين.‏

وعلق على الصورة الصحافي المنتقد كِيانوش سنجاري بـ"لقطة من ‏النفاق"، وكتب آخر: "المحجبة أمام الكاميرا لنشاهدها نحن، أما من خلف ‏الكواليس فهي لهم، إن لم يكن هذا رياء فما هو؟"، ويشتهر وزير ‏اتصالات حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة، بنشاطه لحجب النت وانخفاض ‏سرعته وارتفاع أسعاره وتطبيق ما يريده المتشددون من تضييق ‏الخناق على مستفيدي منصات التواصل خلال الفترة الماضية.‏

وفي مشهد مشابه عمل التلفزيون الإيراني الذي يبث مباراة إيران وبولندا ‏في الدوري العالمي لكرة الطائرة المقامة في إيطاليا، على الرقابة الشديدة ‏لبثّ صور المتفرجات في الملعب، مما تسبب بإزعاج شديد للمتابعين من ‏خلال بث صور مكررة لإعمال الرقابة أثناء البث المباشر، حسب تقرير ‏نشرته صحيفة "شرق" الإيرانية.‏

ويفرض التلفزيون الإيراني في عهد النظام الإسلامي، أي منذ عام 1979 حتى اليوم، ‏رقابة شديدة على بث صور النساء غير الإيرانيات على شاشته، تصل ‏أحياناً إلى تغيير محتوى الأفلام أو المسلسلات، وفي المباريات الرياضية ‏تسبب الرقابة بخلل لثوانٍ ممتدة، وتحد من شدة إثارة اللعبة عند هواتها، حتى أن صور الفتيات تُحذف على يد طاقم تقني كبير متخصص في ‏هذا الشأن.‏

‏"شاهدت مشهد الصراع حول الحجاب بين امرأتين في الحافلة. مع فرض ‏الحجاب القسري سوف تتبدل الساحات العامة إلى مواجهة الناس مع ‏الناس، وهذه بداية الحكاية"

وتابع بعض الإيرانيين مباريات كرة الطائرة عبر قناة دبي سبورت، ‏بالرغم من أنهم لا يفهون اللغة العربية، فقط لتتسنى لهم مشاهدة المنافسات التي ‏حضرتها الجالية الإيرانية في إيطاليا، دون رقابة.‏

كلما استلم المعسكر المحافظ مقاليد الحكم، كلما عاد بعملية تحكيم ‏الشريعة الإسلامية وأسلمة المجتمع الإيراني عبر فرض قيود صارمة كما ‏تشهدها البلاد اليوم. وتشهد المدن الإيرانية هذه الأيام موجة غضب عارم ‏تجاه سلوك الدولة كإلغاء الحفلات الموسيقية في مدينة الأهواز، وعدم ‏السماح بدخول الأمهات إلى الملاعب الرياضية لمشاهدة مباريات أطفالهن ‏في مدينة مشهد، أو منع تقديم خدمات النقل العام للفتيات اللاتي تعتبرهن ‏الدولةُ سيئاتِ الحجاب، أو عبر دوريات سرّية لهيئة الأمر بالمعروف ‏بغية تجريم وإخراج الموظفات غير المتلزمات بالحجاب الإسلامي. ‏

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard