أعلن المدعي العام في العاصمة الإيرانية طهران، علي صالحي، في الثالث من تموز/يوليو الحالي عن قرار إحالة الناشطة السياسية فائزة هاشمي، ابنة الرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني، إلى المحاكمة بتهمة القيامم بأنشطة دعائية ضد النظام وإهانة المقدسات الإسلامية.
ووفقاً لهذا القرار تواجه هاشمي ملاحقة قضائية بسبب نشرها تعليقات ضد الحرس الثوري الإيراني والحجاب القسري، وتصريحات عن النبي محمد اعتُبرت بأنها مسيئة.
ولطالما انتقدت الناشطة من التيار الإصلاحي سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بلهجة شديدة وذلك عبر حضورها في منصات التواصل الاجتماعي، وقد أيدت قبل أيام اجتماع فتيات مراهقات دون حجاب في مدينة شيراز الإيرانية، واعتبرت هاشمي الفتيات اللواتي لم يقبلن بالحجاب القسري، بطلاتٍ يضحين من أجل حريتهن.
تتمتع شخصيتها بأبعاد مختلفة من السياسة والرياضة حتى حقوق الإنسان والنسويّة والصحافة، تلتف من حولها الشائعات وتتعرض للسجن والإهانات ومازالت تعتقد أن عليها التضحية في سبيل أهدافها
وفي سياق انتقاداتها اللاذعة للنظام اعتبرت الناشطة أن بقاء الحرس الثوري الإيراني تحت العقوبات الأمريكية هو أمر إيجابي سيعود بالحرس الثوري إلى المعسكرات، ووصفت نشاط الحرس بالسلبي وبأنه يزداد يوماً بعد يوم في مختلف المجالات.
"قد أتلف النبي محمد أموال السيدة خديجة... النبي محمد لم يكن ناشطاً في مجال الاقتصاد بل كان رسولاً"؛ أدلت فائزة بهذه الكلمات وهي تبتسم في ردها على الصحفي الذي كان يناقشها عن النشاط الاقتصادي للنبي محمد، في مقطع فيديو انتشر قبل ثلاثة أشهر في إيران، والذي وُصف بأنه إهانة للنبي محمد. بعد الضجة التي أثارتها تصريحاتها هذه، اعتذرت فائزة هاشمي شارحة أن الفيديو كان جزءاً من نقاش طويل وأن هذه التصريحات كانت مجرد مزاح مع المحاور.
محطات من حياة امرأة شغلت الرأي العام
تختلف فائزة عن أفراد عائلتها السياسية الآخرين بأقوالها الصريحة والحادة في توجيه النقد للنظام وقضايا المجتمع، وتتمتع شخصيتها بأبعاد مختلفة من السياسة والرياضة حتى حقوق الإنسان والنسويّة والصحافة، تلتف من حولها الشائعات وتتعرض للسجن والإهانات، ومازالت تعتقد أن عليها التضحية في سبيل أهدافها. وفي ما يلي تفاصيل مهمة عن أبرز محطات امرأة تشغل آراؤها الساحة السياسية الإيرانية منذ سنوات حتى اليوم.
ولدت فائزة هاشمي رفسنجاني عام 1962 في مدينة قم المقدسة لدى الشيعة، وهي ثالث أولاد رجل الدين وأبرز عناصر الثورة الإسلامية الإيرانية علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي تولى مناصب قيادة عليا طيلة فترة حياته، أبرزها رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس مجلس خبراء القيادة ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني.
تزوجت فائزة من الطبيب حميد لاهوتي ابن أحد رجال الدين والثوار حسن لاهوتي، وذلك في أيام انتصار ثورة إيران عام 1979، ولها ولدان. درست السياسة في جامعة طهران، ثم حقوق الإنسان في بريطانيا. وقد حصلت على درجة الدكتوراه في فرع العلاقات الدولية في جامعة طهران.
الأم الروحية لرياضة النساء
في عام 1990 وعندما كان والدها رئيساً للجمهورية، بادرت فائزة بتدشين الاتحاد الإسلامي لرياضة النساء الإيرانيات، وهي في الـ28 من عمرها، وترأست الاتحاد، وأقامت أربع دورات للألعاب الإسلامية النسائية بمشاركة عدة دول، وهو حدث نادر في ظل نظام إسلامي محافظ في إيران، حسب قولها.
واستمرت بنشاطها الرياضي في فئة النساء، ودعمت مشاركات الإيرانيات في المسابقات الدولية للمرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية. وتقول حول ذلك: "أقنعت والدي بأن حضور الرياضيات في الأحداث الدولية وبحجابهن الإسلامي سوف يكون دعاية للنظام الإيراني، وهكذا حصلت على موافقته وهو بدوره تحدث مع المرشد خامنئي وكسب موافقته".
"أوراق الشكاوى والاستدعاءات التي تصلني أكثر من أوراق فواتير الماء والكهرباء والهاتف"
وتضيف: "كنت أذهب للعديد من المدن الإيرانية وأتحدث مع خطيب الجمعة والمحافظ ورئيس البلدية كي يسمحوا للفتيات بممارسة الرياضة في النوادي، وكانت هناك مخالفات شديدة"؛ هكذا تروي هاشمي مسيرتها الرياضية في سبيل تمكن الفتيات من نيل حقوقهن خلال تسعينيات القرن الماضي، ما جعلها تلقب في ما بعد بالأم الروحية لرياضة النساء.
نالت فائزة عام 1996 ثقة سكان طهران بنسبة أصوات عالية لتنوبهم في البرلمان الإيراني في دورته الخامسة، حيث كان لنشاطها الرياضي، خاصة مطالبتها بالسماح للفتيات بممارسة ركوب الدراجات الهوائية على مستوى العاصمة، الحظ الأوفر في أن تصبح برلمانية من التيار الإصلاحي وهي عضو مؤسس لحزب كوادر البناء.
أسست الناشطة النسوية أول صحيفة تهتم بشؤون النساء في تاريخ الجمهورية الإسلامية عام 1998، تحت عنوان "صحيفة المرأة" وأدارت شؤونها حتى توقيفها بعد مرور أقل من سنة على نشاطها الذي سلط الضوء على نقد الحجاب الإسلامي ودعم الحركة النسوية. كما تم استدعاؤها للمحكمة مرات عدة عقب ما كانت تنشره الصحيفة.
العصيان المدني هو الحل الوحيد
وعقب احتجاجات عام 2009 على نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران والتي فاز فيها محمود أحمدي نجاد للمرة الثانية، شاركت فائزة في المظاهرات وأعلنت تأييدها للحركة الاحتجاجية عبر لقاءاتها الصحفية وكلمتها بين المحتجين. وفي عام 2012 حكمت المحكمة بسجنها 6 أشهر وحرمانها خمس سنوات من أي نشاط سياسي وثقافي وصحفي بتهمة النشاط الدعائي ضد النظام، وذلك عقب إجراء لقاء صحفي مع موقع "روز أونلاين"، وقد قضت فترة حكمها في سجن إيفين الشهير الواقع في طهران.
وفي عام 2017 أصدرت المحكمة قراراً بسجنها للمرة الثانية لفترة 6 أشهر بتهمة نشر الأكاذيب بقصد إزعاج الرأي العام، وذلك بعد لقائها الصحافي مع إحدى وسائل إعلام المعارضة حيث أيدت فائزة هاشمي خلاله قرار الأمم المتحدة المنتقد لأوضاع حقوق الإنسان في إيران، وقد وجهت انتقادات أيضاً للحرس الثوري والسلطة القضائية، ولكن لم تسجن الناشطة السياسية هذه المرة بعد هذا الحكم.
"أوراق الشكاوى والاستدعاءات التي تصلني أكثر من أوراق فواتير الماء والكهرباء والهاتف"؛ هكذا كشفت فائزة هاشمي في إحدى تصريحاتها عن حجم الشكاوى واستدعاءاتها للمحاكم، لكن لم توقفها هذه الإجراءات عن استمرار نقد النظام وتأييدها لأي حركة احتجاجية ضد الجمهورية الإسلامية، بل وصفت في آخر ظهور لها على منصة إنستغرام قبل أيام أن الحل الوحيد لإصلاح مسار النظام ونيل الحريات، يكمن في استمرار التمرّد المدني مثل عدم المشاركة في الانتخابات وعدم الالتزام بالحجاب القسري، كما أنها لم تعارض نشاط المعارضة الإيرانية في خارج البلاد، على حد قولها.
وفي إطار تضييق أنشطتها وحضورها في المجتمع، تم فصلها من الهيئة العلمية للجامعة الأهلية في طهران عام 2018 بعد ما كانت عضواً ثابتاً فيها لسنوات، بسبب مواقفها من النظام، حسب قولها.
لم ترد الناشطة الإصلاحية الإيرانية حتى الآن على قرار القضاء الإيراني ضدها، لكنها تؤمن بمقولة الثائر الفرنسي جورج جاك دانتون "الثورة تأكل أبناءها"، لتؤكد على أن ما عليها فعله هو تصحيح مسار الثورة
هذا، وتعالت أصوات المنتقدين من معسكر المحافظين خلال الأيام الأخيرة ضد فائزة هاشمي، مطالبين بمحاكمتها بسبب نشاطها المباشر والصريح ضد النظام الإيراني، وفي هذا السياق أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية ذبيح الله خُدائيان، عن تشكيل ملف لها في محكمة طهران بعد شكوى تقدمت بها النيابة العامة ضدها.
ولم ترد الناشطة الاصلاحية الإيرانية حتى الآن على قرار القضاء الإيراني ضدها، لكنها تؤمن بمقولة الثائر الفرنسي جورج جاك دانتون "الثورة تأكل أبناءها"، لتؤكد على أن ما عليها فعله هو تصحيح مسار الثورة.
وهي التي ترعرعت في منزل أحد أبرز أعمدة الثورة الإسلامية الإيرانية طوال 40 عاماً، مازالت تنكر دور والدها في ما أصبحت عليه إيران اليوم والذي فسره باحثون اجتماعيون بأنها حبيسة مشاعرها في توجيه النقد للثورة الإسلامية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت