منذ الانطلاق في صياغته، ظل مشروع الدستور التونسي الذي سيُعرض على الاستفتاء يوم 25 تموز/ يوليو الجاري، في مرمى الانتقادات من قبل معارضي توجهات الرئيس قيس سعيّد، وسرعان ما اتسعت رقعة الانتقادات لتشمل لجنة إعداد الدستور التي تبرأت من النسخة المنشورة في الجريدة الرسمية "الرائد"، داعيةً سعيّد إلى تعديل المشروع الدستوري وتدارك هنّاته قبل عرضه على الناخبين.
وكان سعيّد قد أقرّ في خطاب له، بأن "بعض الأخطاء تسربت إلى المشروع الذي تم نشره ووجب إصلاحها وتصويبها. أخطاء في الشكل وأخرى في الترتيب، وهو أمر معهود ومألوف في نشر سائر النصوص القانونية والأحكام والقرارات القضائية، إذ تتسلل الأخطاء إلى أي عمل بشري (...) وبمناسبة إصلاح هذه الأخطاء لا بد من إضافة جملة من التوضيحات درءاً لأي التباس وأي تأويل".
الإعلان عن التعديل في مشروع الدستور، أعقبه تمديد ليومين من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في فترة تحديد الموقف منه، لتتمكن الأحزاب من مراجعة مواقفها تجاه هذه النسخة المعدلة، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول مدى تأثير هذه التعديلات على مواقف التونسيين، وهل أن الرفض والقبول لمشروع الدستور قائمان على محتواه أم هما موقف مبدئي؟
يرى المحلل السياسي بولبابة سالم، أن التعديل الذي طرأ على مشروع الدستور لن يؤثر على المواقف منه، لأن المساندين منذ البداية واصلوا مساندتهم، والتغييرات كانت شكليةً لم تمسّ الجوهر، مضيفاً أن المسألة ليست قانونيةً دستوريةً، بل هي سياسية بامتياز وتدخل في إطار الصراع السياسي.
أكد محدّث رصيف22، أن معارضي الرئيس سعيّد صنفان؛ الصنف الأول هو جبهة الخلاص الوطني التي تضم أحزاب النهضة وحلفاءها وبعض الجمعيات وهي أحزاب ضد مشروع الدستور برمته وضد "الانقلاب على دستور 2014"، وتالياً هي رافضة أساساً للمسار. أما المعارضة الأخرى، فتعارض مضمون الدستور وكانت قد ساندت الرئيس في مسار 25 تموز/ يوليو، والآن ترفض النهج الفردي للرئيس وتطالب بإشراكها.
التعديل الذي طرأ على مشروع الدستور لن يؤثر على المواقف منه، لأن المساندين منذ البداية واصلوا مساندتهم، والتغييرات كانت شكليةً لم تمسّ الجوهر، المسألة ليست قانونيةً دستوريةً، بل هي سياسية بامتياز وتدخل في إطار الصراع السياسي
أضاف بولبابة: "هناك فئة تساند الرئيس في كل مواقفه، وهي أحزاب صغيرة مع بعض صفحات التواصل الاجتماعي وكذلك بعض النخب وجزء من الشعب الذي ما زال يعتقد بأن الرئيس هو البديل عن الطبقة السياسية الحالية".
التعديلات وتبعاتها
خلال فترة حملة الاستفتاء، وبعد أكثر من أسبوع على نشر مشروع الدستور، صدر أمر رئاسي في "الرائد الرسمي" يتعلق بإصلاح أخطاء تسربت إلى نص مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، وقد شملت التعديلات وعددها 46، الأخطاء اللغوية وبعض المضامين.
تناولت التعديلات شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بإضافة "مترشحات"، عوضاً عن "مترشحين"، فقط لأن هذه النقطة كانت موضوع جدل واستنكار لإقصاء المرأة التونسية من حق الترشح لهذا المنصب. وشملت التعديلات كذلك نص القسَم الذي يؤديه رئيس الجمهورية وتوضيح المدّة الرئاسية الممكنة.
في العلاقة بالانتخابات التشريعية، أوضحت التعديلات المدرجة على مشروع الدستور طريقة انتخاب أعضاء البرلمان بإضافة "الانتخاب المباشر"، كما تم تعديل الأغلبية اللازمة للمصادقة على قانون المالية.
وقد أُدرجت تعديلات على الفصل المتعلق بمقاصد الإسلام بإضافة عبارة "نظام ديمقراطي"، كما أعيد ترتيب أبواب المشروع لتصبح 11 باباً عوض 10 أبواب.
التعديلات التي طرأت على مشروع الدستور أثارت جدلاً واسعاً له علاقة بتوقيتها الذي يتزامن مع حملة الاستفتاء، وقال أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي، إن قيس سعيّد لا يمكنه إضافة تعديلات على مسودة الدستور بعد نشرها في الرائد الرسمي لأن النص بعد نشره لم يعد ملكاً لصاحبه.
وأضاف الزكرواي، في تصريح لإذاعة محلية، أنه كان من الأجدر تغيير روزنامة الاستفتاء تبعاً للتعديلات التي طرأت على مشروع الدستور، عادّاً أن ذلك غير ممكن لأن رئيس الجمهورية دائماً ما يتشبث بآرائه.
تناولت التعديلات شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بإضافة "مترشحات"، عوضاً عن "مترشحين"، فقط لأن هذه النقطة كانت موضوع جدل واستنكار لإقصاء المرأة التونسية من حق الترشح لهذا المنصب
من جهته، رأى القاضي السابق أحمد صواب، أن التعديلات التي أجريت على مشروع الدستور عميقة وتمس الأصل، أي أننا أمام دستور جديد على حد تعبيره.
وقال صواب، في تصريح لإذاعة محلية، إن على هيئة الانتخابات إما أن تعلن أن هذا النص "مشروع الدستور المعدل" خارج الآجال، أو أن تؤخر حملة الاستفتاء لتثبت نزاهتها.
في المقابل، يرى الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، أنه لا تأثير للإصلاحات الدستورية التي أدخلها رئيس الجمهورية لا على دستوريته ولا على الروزنامة وهي إصلاحات وتنقيحات توضيحية تكرس الجانب الديمقراطي والحقوقي.
وأوضح الخرايفي، في حديثه إلى رصيف22، أن الإصلاحات الدستورية التي أدخلها رئيس الجمهورية على مشروع الدستور وضّحت ما غمض منه، وزادت في التصريح بالضمانات الدستورية للحقوق والحريات وتكريس الديمقراطية، مضيفاً أن هذه الإصلاحات لم تكن تراجعاً عن المكتسبات حتى يتم رفضها والتشهير بها، وأنه لا يوجد في النص ما يمنع هذا التدخل طالما أن التدخل غرضه تجويد الصياغة.
وقال المتحدث: "الإصلاحات يمكن عدّها تفاعلاً من رئيس الجمهورية مع الانتقادات، وأتصور أن لهذه التعديلات تأثيراً على تاريخ الاستفتاء، فالاستفتاء سيُنجَز في تاريخه لأنه لا يوجد ما يبرر تأخيره، ففي تأخيره قد تترتب آثار سياسية قد تكون سبباً في عدم الاستقرار السياسي قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. أظن أنه لا يوجد أي مانع قانوني يحجر التعديل طالما أن الإضافات فيها مكاسب وتوسع في حماية الحقوق والحريات وتكريس الجانب الديمقراطي".
شكاوى ضد هيئة الانتخابات
أصدر الرئيس سعيّد في 5 تموز/ يوليو الجاري، مذكرةً تفسيريةً لمشروع الدستور تحت عنوان "للدولة حقوق وللحقوق والحريات دستور يحميها وللشعب ثورة يدافع عنها ضد من يعاديها"، دعا فيها الشعب التونسي إلى التصويت بنعم في الاستفتاء "حتى لا يصيب الدولة هرم، وحتى تتحقق أهداف الثورة. فلا بؤس ولا إرهاب ولا تجويع ولا ظلم ولا ألم". مذكرة عُدت خرقاً لقانون الانتخاب بما أنها تضمنت دعوةً للاستفتاء خلال الحملة.
وقد رفع الحزب الدستوري الحرّ قضيةً استعجاليةً تطالب بإيقاف حملة الاستفتاء، كما وجّه تنبيهاً بواسطة عدل تنفيذ (مساعد قضائي)، إلى هيئة الانتخابات لمطالبتها بإعلان إلغاء موعد الاستفتاء.
من جهته، تقدّم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري بشكوى عاجلة أمام القضاء الإداري طالب فيها بإبطال روزنامة الاستفتاء.
أما حزب "الراية الوطنية"، فقد دعا الرئيس قيس سعيّد إلى تأجيل عرض مشروع الدستور على الاستفتاء، وإعادة صياغته معرباً عن رفضه لما وصفه بالهنّات التي تشوب مشروع الدستور.
بدورها، تقدمت منظمة "أنا يقظ"، بشكوى جزائية (قضائية)، ضد رئيس الجمهورية قيس سعيّد والهيئة العليا المستقلة للانتخابات على خلفية نشر رئيس الجمهورية للمذكرة التفسيرية خلال فترة حملة الاستفتاء بما يتعارض مع مقتضيات الفصل 115 مكرر من المرسوم عدد 34 لسنة 2022، الذي ينص على أنه "تُعِدّ الجهة الدّاعية للاستفتاء مذكّرةً تفسيريةً توضّح محتوى النص المعروض على الاستفتاء وأهدافه، ويتم نشرها للعموم قبل بداية حملة الاستفتاء".
وعن إمكانية تأجيل موعد الاستفتاء من قبل رئيس الجمهورية نزولاً عند دعوات الأحزاب والمنظمات، قال المحلل السياسي بولبابة، إن قيس سعيّد عوَّدنا على أنه لا يتراجع عن أي قرار يتخذه، وأنه متمسك بتاريخ الـ25 من تموز/ يوليو لرمزيته. كما ذكَّر بأن رئيس الجمهورية رفض طلب هيئة الانتخابات الجديدة تأجيل تاريخ الاستفتاء من أجل حسن الاستعداد.
وأضاف المتحدث: "دعوة الرئيس للتصويت بنعم خلال فترة حملة الاستفتاء تعطي فكرةً عن المشهد الحالي حول حياد الإدارة والشفافية في الانتخابات لإنجاز مثل هذا الموعد. وعليه، نحن أمام تكرار ما حصل في الاستشارة الإلكترونية التي تم توظيف أجهزة الدولة فيها. أعتقد أن مسألة الشفافية والحياد أصبحت من الماضي".
بدوره رأى أستاذ القانون الدستوري الخرايفي، أن المذكرة "مطلوبة جداً ومن المستحسن والأفضل أن تصدر الآن في أجَل معقول وقبل تاريخ الاقتراع".
تجدر الإشارة إلى أن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، أكد أنه لم يتم تسجيل تغييرات كبيرة في مواقف المشاركين في حملة الاستفتاء بعد التعديلات التي أضيفت على مشروع الدستور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين