شنّت الأحزاب والفصائل الموالية لإيران، خلال الشهر الجاري، هجمةً ضخمةً ضد جهاز المخابرات الوطني العراقي، على إثر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مايك بومبيو، والذي أفاد فيها عن تغلغل عناصر المخابرات الأمريكية داخل كافة مفاصل مطار بغداد الدولي، في إشارة إلى مساهمتهم الفاعلة في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، اللذين قُتلا في هجمة صاروخية أطلقتها طائرة مسيرة أمريكية على طريق مطار بغداد الدولي، في 3 كانون الثاني/ يناير عام 2020.
تصريح بومبيو دفع حركة النجباء، وهي من أبرز الميليشيات الشيعية في العراق الموالية لإيران، إلى اتهام جهاز المخابرات العراقي بالضلوع في عملية الاغتيال، ورأى عضو المكتب السياسي للحركة فراس الياس، في بيان أصدره في 20 حزيران/ يونيو الجاري، أن "هذا التصريح (حديث بومبيو) إشارة إلى مساهمة (مصطفى) الكاظمي في هذا الاغتيال، وهي اتهامات مستندة إلى البيان الذي نشرته كتائب حزب الله العراقية، وأكدت فيه تورط مدير الجهاز ومعاونه في مقتل سليماني والمهندس".
والكاظمي يشغل اليوم منصب رئيس الحكومة العراقية وسبق له أن شغل منصب مدير جهاز المخابرات منذ حزيران/ يونيو 2016، إلى حين تكليفه برئاسة الوزراء في أيار/ مايو 2020، وتعرض إثر اغتيال سليماني والمهندس إلى سيل من الاتهامات من قبل ميلشيات الحشد الشعبي التي حمّلته مسؤولية الاغتيال والتوّرط في الهجوم الذي أودى بحياة القياديين.
شنّت الأحزاب والفصائل الموالية لإيران، خلال الشهر الجاري، هجمةً ضخمةً ضد جهاز المخابرات الوطني العراقي، على إثر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، مايك بومبيو
الهجوم المنظّم
على إثر هذه التصريحات، وفي 19 حزيران/ يونيو الحالي، تعرض أحد المقرات الفرعية التابعة لجهاز المخابرات في منطقة الكرادة وسط بغداد، إلى استهداف بقنبلة صوتية لم تنتج عنها أي أضرار تُذكر، وبعد ساعات قليلة من هذا الهجوم، تعرض الموقع الرسمي للجهاز إلى محاولات اختراق سيبرانية للولوج إليه، أدت إلى تعطيله ساعات عدة.
وتأسس جهاز المخابرات الوطني العراقي عام 2004، كبديل من جهاز المخابرات العامة العراقية المنحل، وترأسه للمرة الأولى، محمد عبد الله الشهواني، الذي استقال من منصبه عام 2009، بعد خلافات حادة نشبت بينه وبين رئيس الوزراء وقتها نوري المالكي، وتتعلق بحسب صحيفة واشنطن بوست، بكشفه تصاعد النفوذ الإيراني في البلاد وضلوع طهران في تفجيرات بغداد في 19 آب/ أغسطس عام 2009.
تلاه في رئاسة الجهاز الفريق الطيار زهير فاضل عباس الغرباوي، من عام 2009 وحتى 2016، وتسلم بعدها منصب رئاسة الجهاز مصطفى الكاظمي، الذي لا يزال محتفظاً بمنصبه كمدير تنفيذي لجهاز المخابرات الوطني.
وكان الكاظمي قد ألقى كلمةً بمناسبة وضع حجر الأساس لمقر الجهاز الجديد في منطقة الحارثية وسط بغداد في 21 شباط/ فبراير الماضي، أكد فيها على أهمية إعادة هيكلة الجهاز بما يناسب التطورات الحالية، مشيراً إلى النجاحات التي حققتها المخابرات العراقية، ومنها نجاح مساعيها في تحقيق الوساطات الإقليمية وعقدها داخل مقر الجهاز، وهي إشارة على ما يبدو إلى الوساطة العراقية لحل الخلافات السعودية-الإيرانية.
دوافع الهجوم
يُعتقد أن الاستهداف الحالي لجهاز المخابرات مرتبط بمحاولات السيطرة على الدولة، إذ يقول الباحث السياسي والأمني علي البيدر، لرصيف22، إن "هذه الهجمة تأتي ضمن إطار الحرب النفسية التي تقودها بعض الأطراف الحزبية، والجماعات المسلّحة المرتبطة بها، وتهدف إلى كسر الروح المعنوية لأعضاء الجهاز من خلال تشويه سمعته وتالياً تسهيل اختراقه".
وتنبع هذه النوايا من عدم رضا هذه الأطراف على النجاحات التي حققها الجهاز في مكافحة الإرهاب على المستوى المحلي والعالمي، ومنها مشاركته الفاعلة في مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي "أبو بكر البغدادي"، إذ تعتقد أن مثل هذه الإنجازات ستعزز الروح الوطنية، فيما تحاول من جانبها إضعافها وإبقاء البلد ضمن تقسيمات الأحزاب والمذاهب والطوائف، والكلام للبيدر.
من جهته، يرى الباحث السياسي غانم العابد، أن الهجمة الحالية تنبع من إدراك الجماعات المسلحة بأن أي إنجاز يحققه جهاز المخابرات، يعني زيادة الخطر المحدق بمخططاتها ووجودها.
تأتي الهجمة على جهاز المخابرات العراقي ضمن محاولات طهران لإبعاد الكاظمي عن التجديد له لولاية ثانية في رئاسة الوزراء، مستغلةً غياب حليفه الأبرز مقتدى الصدر عن الساحة السياسية
ويلفت في حديثه إلى رصيف22، إلى أن "هذا الهجوم ليس الأول من نوعه، بل سبقته الكثير من الهجمات المعلنة وغير المعلنة، ومنها هجمات تمّت بواسطة طائرات مسيرة، لكن الهجمة الحالية اتخذت منحى جديداً نظراً إلى تسريب معلومات وبيانات وصور لمديري الجهاز ومسؤوليه"، مؤكداً على ضرورة ملاحقة المتورطين في تسريبها ومحاسبتهم.
وكانت الفصائل المسلحة الموالية لإيران قد اغتالت خلال عام 2021، مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز المخابرات، إذ قام مسلحون في 21 آذار/ مارس 2021، باغتيال عضو قوة مكافحة الإرهاب التابع لجهاز المخابرات المقدم محمود ليث، في أثناء تجوله في منطقة 14 رمضان وسط بغداد، كما قُتل في 7 حزيران/ يونيو 2021، معاون مدير المراقبة في الجهاز، العقيد نبراس فرمان شعبان، في منطقة البلديات شرق العاصمة.
وتأتي هذه الاغتيالات كرد فعل على العمليات الأمنية التي شنّها الجهاز ضد الفصائل المسلحة، وأسفرت عن اعتقال العديد من قياداته، ومنهم قائد محور الحشد الشعبي في الأنبار قاسم مصلح، واعتقال فرقة الموت المتورطة في اغتيال العديد من الناشطين في محافظة البصرة.
الدور الإيراني
تلعب إيران دوراً بارزاً في الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية ضد جهاز المخابرات، وهي هجمات يمكن إدراجها ضمن محاولاتها التمويه على خسائرها الناجمة عن صراعها مع إسرائيل، خاصةً أن الأخيرة تمكنت خلال الفترة الماضية من قتل العديد من القادة العسكريين وعلماء الطاقة النووية الإيرانيين، بحسب العابد.
ويعزز رأيه بالقول إنه "مع كل إخفاقة إيرانية يعود الهجوم على جهاز المخابرات إلى الواجهة، وباستخدام الذريعة المعتادة حول ضلوع الجهاز في عملية اغتيال سليماني والمهندس، وتجاهل أن هذه العملية بدأت أساساً من مطار دمشق، وهو ما أثبتته التحقيقات من خلال تورط شخصيات بتسريب معلومات رحلة سليماني إلى بغداد، وبيعها".
من غير المستبعد أن تكون الحرب الحالية جزءاً من حرب المخابرات التي تدور رحاها في العراق منذ عام 2003، ومحاولات الجارتين تركيا وإيران فرض سيطرتهما على البلاد
بالإضافة إلى ذلك، فإن لهذه الهجمات علاقةً وثيقةً بعداء طهران الشخصي للكاظمي، بسبب إعادة تفعيله نشاط شعبة إيران بعد تسلمه رئاسة الجهاز في عام 2016، قبل إلغائها من قبل حكومة حيدر العبادي.
الانتقام
ويقول مصدر مقرب من رئاسة الوزراء لرصيف22، إن "إيران سعت خلال السنوات اللاحقة لتفعيله شعبة إيران إلى ثنيه عن هذا القرار، ولكن دون جدوى، كما حاولت مراراً دفعه إلى ترفيع بعض الشخصيات المقربة منها داخل الجهاز، فيما ذهب الكاظمي إلى استبعادهم إلى المناطق النائية أو الحدودية، وهو ما زاد الحقد الإيراني تجاهه".
وعليه، يمكن تفسير الهجمة الحالية بالإضافة إلى كل ما سبق، بأنها ضمن محاولات طهران لإبعاد الكاظمي عن التجديد له لولاية ثانية في رئاسة الوزراء، مستغلةً غياب حليفه الأبرز مقتدى الصدر عن الساحة السياسية، بالإضافة إلى محاولتها إبعاد شبح استمراره في منصبه كرئيس لجهاز المخابرات من خلال تشويه سمعته.
ومن غير المستبعد أن تكون الحرب الحالية جزءاً من حرب المخابرات التي تدور رحاها في العراق منذ عام 2003، ومحاولات الجارتين تركيا وإيران فرض سيطرتهما على البلاد، لدوافع مختلفة متعلقة بطموحاتهما التوسعية أو الاقتصادية أو الإستراتيجية.
ويقول المصدر إن الهجمة لن تكون الأخيرة، لا سيما في ظل توافر أدواتها العسكرية والسياسية الساعية إلى السيطرة على أبرز جهاز أمني في البلاد"، وعلى الرغم من صعوبة قراءة ما بين سطورها حول مستقبل هذه الهجمات، ولكنها تدل ببساطة على ابتعاد العراق عن حلم الاستقرار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...