شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سامر خزامي في حوار +18... لماذا نعتقد أن خصوصية المختلفين عنّا مُباحة لنا؟

سامر خزامي في حوار +18... لماذا نعتقد أن خصوصية المختلفين عنّا مُباحة لنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 14 يوليو 202210:49 ص

في بدايات القرن العشرين، تحدّت لويزا كابيتيلو، تقاليد مجتمعها، وأصبحت أول امرأة في بورتو ريكو ترتدي السراويل في الأماكن العامة. وبسبب ما عُدّ في حينه "جريمةً"، أُودِعت لويزا السجن قبل أن تُسقَط التهم الموجهة إليها لاحقاً.

خاضت النساء منذ ذلك الحين، معارك طويلةً قبل أن ينتزعن بعض الحرية في ارتداء ملابسَ عُدّت لزمنٍ طويل تشبّهاً بالرجال. كانت النساء اللواتي يرتدين السراويل يوصفن بالـ"مسترجلات"، وكان المظهر صادماً للناظرين في حينه (الأمر يشبه أن تشاهد رجلاً بتنورةٍ أو كعبٍ عالٍ اليوم). ساهمت الحرب العالمية الثانية في جعل الأمر اعتيادياً أكثر. ربما هي الحروب التي أذابت الفروق بين الجنسين، ولكن التغييرات المجتمعيّة هي التي أباحت أكثر للمرأة أن تزاحم الرجل على ما هو أكثر بكثير من سروال.

هل يجعل الاختلاف المرء مخطئاً يستحق عِقاب مجتمعٍ برمّته؟!

وإذا كان الإنسان الأول قد اكتشف مفردات العيش على الأرض مكتسياً أوراق الشجر، عاريّاً من السراويل والتنانير وربطات العنق، فقد تعاقبت أجيالٌ كثيرة تعلّمت أن تختصر الأنوثة والذكورة بأبجديات شكلانيّة. إنّه تطوّر في ذهنيّة مجتمع لا يقبل العودة إلى الخلف. تطوّر يُصبح معه أي اختلاف عن السائد شذوذاً وخروجاً عن المألوف. فهل يجعل الاختلاف المرء مخطئاً يستحق عِقاب مجتمعٍ برمّته؟!

على أيّة حال، تذكّرت لويزا كابيتيلو وأنا أشاهد بالصدفة إعلاناً لحوارٍ تلفزيونيٍّ مع رجلٍ ينتعل حذاءً بكعبٍ عالٍ، اسمه سامر خزامي. بدا المظهر صادماً للوهلة الأولى، قبل أن يبدأ الرجل بالتحدّث.

عادةً، لا تستهويني البرامج التلفزيونيّة التي يفعل صنّاعها كل شيء في سبيل التريند، ولا أعتقد بأهمية أن تنفق نصف ساعة من عمرك لمشاهدتهم: نقاشات سطحيّة لا غاية لها غير إثارة الجدل، واستثمار رخيصٌ للخارجين عن المألوف، وتجاوزٌ للحدود، ووقاحةٌ في اقتحام خصوصيّة الضيف، وصولاً إلى تقريعه وإهانته.

أتساءل أحياناً: إلى أي قاع يمكن أن يسقط أحدهم، وهو يحاول تصيّد فريسة تجعله حديث السوشال ميديا؟

لماذا نعطي لهؤلاء فرصة تسلّق كرامات الناس ومحاكمتهم واختراق خصوصيتهم لمجرد كونهم خارجين عن المألوف؟

في بداية الحلقة، يرمي خبير التجميل الشاب تعليقاً ذكيّاً تفشل محاوِرته في تلقّف مقاصده: "لو ما كنت لابس سكربينة، ما كنتِ استضفتيني!"

بالعودة إلى الإعلان التلفزيوني، قرّرت مشاهدة الحلقة التي اعتقد صنّاعها بأنهم اختاروا "فريسةً سهلةً" لأنفسهم. لسببٍ ما، أنا التي لا أجيد وضع "الماسكارا" كما يجب، لفتني النقاش الدائر مع واحد من أشهر خبراء التجميل في العالم العربي وأكثرهم إلهاماً في مجال صناعة الجمال.

في بداية الحلقة، يرمي خبير التجميل الشاب تعليقاً ذكيّاً تفشل محاوِرته في تلقّف مقاصده: "لو ما كنت لابس سكربينة، ما كنتِ استضفتيني!".

على مدار اللقاء، حاول خبير التجميل كسر نمطية الحلقة، وجعل محاوِرته ترى ما هو أرقى من"السكربينة"، وأعلى وأهم، لكن دون جدوى. خاطب الضيف عقول المشاهدين في حوار تلفزيونيّ أراده معدّوه مخاطباً للغرائز. إجابات ذكيّة، سرعة بديهة، ثقة، ولسان ينطق عن روحٍ حرّة، وفي المقابل أسئلة نمطيّة لضيفٍ غير نمطيّ. إذاً هي حالة الإعلام العربي الآخذ في الانحدار: جلسات محاكمة علنية، تقريع، وإهانة للآخر تحت ستار حرية الإعلام في طرح الأسئلة واختراق خصوصية الضيف.

على مدار اللقاء، حاول خبير التجميل كسر نمطية الحلقة، وجعل محاوِرته ترى ما هو أرقى من"السكربينة"، وأعلى وأهم، لكن دون جدوى. خاطب الضيف عقول المشاهدين في حوار تلفزيونيّ أراده معدّوه مخاطباً للغرائز. إجابات ذكيّة، سرعة بديهة، ثقة، ولسان ينطق عن روحٍ حرّة، وفي المقابل أسئلة نمطيّة لضيفٍ غير نمطيّ

لكن اللافت هذه المرّة، أن الضحية لم تكن سهلةً، فانقلب السحر على الساحر، وفشلت المحاورة في اللحاق بذكاء ضيفها، فسقطت جميع محاولاتها في اختراق حصون خصوصياته التي لا يرغب في البوح بها. نحن هنا أمام شخصية، وإن كانت مختلفةً ومثيرةً للجدل، لكنها غير مستباحة لمتسلّقي التريند. شخصية لا تتسوّل رضا المجتمع وقبوله لأفكارها وميولها وأسلوبها الخاص والمختلف في التعبير عن نفسها.

نجح سامر خزامي في أن يكون ضيفاً مختلفاً عن السائد والتقليدي، فرفض الخوض في خصوصية جسده وميوله أو تسوّل القبول المجتمعيّ لرغبات الجسد.

نجح سامر خزامي في أن يكون ضيفاً مختلفاً عن السائد والتقليدي، فرفض الخوض في خصوصية جسده وميوله أو تسوّل القبول المجتمعيّ لرغبات الجسد، أيّاً كانت تلك الرغبات التي صارت موضوعاتها تُسيل لُعاب الكثير من  القنوات التلفزيونية. سامر خزامي، الشاب الطموح والناجح، الذي وإن صمت طويلاً، لكنه حين قرّر التحدّث لقّن إعلام الفضائح درساً كبيراً في احترام الآخر. بثقة عالية بالنفس، تجاوز خبير التجميل الثلاثيني أفخاخاً كانت لتوصل النقاش إلى مطارح أخرى، فأفصح سامر عما أراده هو من هذا الظهور. فعل هذا من دون أن يسمح لمحاورته بجرّه إلى مستنقع الحوارات المبتذلة الدارجة. تحدّث بشجاعة عن جريمة التحرّش به طفلاً، ووجّه إدانةً مشروعةً إلى كل أم وأب يقابلون هذا الأذى الجسدي والنفسي الذي يُصيب أطفالهم بالكتمان أو بتحميل طفولتهم الغضّة وِزر الجريمة.

قد يبدو مظهر سامر خزامي "صادماً" للبعض، وقد يرى البعض الآخر فيه نتيجةً للعولمة والغزو الثقافي وثورة الإنترنت والمنصات والأفلام والثقافة الغربية، ولكن في الحوار ما هو أبعد وأعمق من ذلك بكثير. في الحوار مضمون يتجاوز الشكل والسكربينة واللُهاث الأعمى خلف "الريت". اللافت في المشهد شابٌ لبناني ناجح يعبّر عن سُخطه من نمطية عدد كبير من وسائل الإعلام العربية وسطحيتها، والتي تجد في كل ما هو مُختلف مادةً دسمةً للتحقيق والمحاكمة. إعلامٌ "الفاينة" الذي يُخاطب غرائز المشاهد طمعاً في زيادة نسب المشاهدة.

قد يبدو مظهر سامر خزامي "صادماً" للبعض، وقد يرى البعض الآخر فيه نتيجةً للعولمة والغزو الثقافي وثورة الإنترنت والمنصات والأفلام والثقافة الغربية، ولكن في الحوار ما هو أبعد وأعمق من ذلك بكثير. في الحوار مضمون يتجاوز الشكل والسكربينة واللُهاث الأعمى خلف "الريت"

مع نهاية الحوار، لن تُلاحظ "السكربينة" التي كانت ربما سبباً لتسمع هذا الشاب. ستُلاحظ سامر نفسه، بكل ثقته ووضوحه وصدقه ونجاحه، وهذا في اعتقادي السبب الذي جعل سامر خزامي يختار الظهور بالكعب العالي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard