تندرج هذه المقالة ضمن مشروع "رصيف بالألوان"، وهي مساحة مخصّصة لناشطين وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمين لهم/نّ، للتحدّث بحرية ودون أي قيود عن مختلف التوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، للمساهمة في نشر الوعي العلمي والثقافي بقضايا النوع الاجتماعي، بمقاربات مبتكرة وشاملة في آن معاً.
بشجاعة كبيرة وبجرأة نادرة في عالمنا العربي، تقود الفئة الشابة من مجتمع الميم-عين، عجلة التغيير نحو مستقبل يتمتع فيه كل فرد بالحرية. مستقبل يحترم هويتنا الجنسية والجندرية وخياراتنا الخاصة، وليس ما تفرضه علينا مفاهيم مجتمعاتنا التقليدية.
من ضمن الشخصيات الشابة في مجتمع الميم-عين، برز الصحافي اللبناني في قناة الحرّة، جو خولي، كأول إعلامي عربي يفصح عن ميوله الجنسية، ويدعو باستمرار لكسر "التابو" والتحرّر من القوالب المفروضة في مجتمعاتنا الشرقية، خاصة فيما يتعلّق بالحب والزواج بشكليهما التقليدي.
طرح رصيف22 على جو عدداً من الأسئلة المتعلّقة بحياته الشخصية وبنضاله كناشط في مجتمع الميم-عين في ظلّ مجتمع عربي محافظ، لإيماننا بأنه كلما كثر الحديث عن هذه الفئة المهمشة، كلما انتشر الوعي أكثر في المجتمعات العربية.
أخبرنا أكثر عنك وعن مشوارك المهني؟
أعمل في مجال الصحافة والإعلام منذ 20 عاماً. ينبع اهتمامي بهذه المهنة من شغفي بالتواصل مع الناس من دون عقبات، سواء كانت حواجز ثقافية أو دينية أو جنسية أو فوارق بين الأجيال.
بعد سنوات في الصحافة، أدركت أهمية التواصل من خلال الكلمات، وفهمت مدى أهمية الكلمة في تواصلنا مع الآخرين.
أعمل حالياً كمذيع أخبار في قناة الحرة التي تبث من الولايات المتحدة الأميركية، وقد انتقلت إليها من أبوظبي، حيث عملت في محطة سكاي نيوز أرابيا، أما بداياتي فكانت في لبنان، حيث كنت مراسلاً ميدانياً لقنوات عدة، منها الجديد، المؤسسة اللبنانية للإرسال وال"أم تي في".
متى تعرفت على هويتك الجنسية؟
منذ الطفولة، كنت أعرف ضمنياً أنني مختلف عن باقي الأطفال، فقد كانت لديّ اهتمامات مختلفة عن سائر الصبيان الذين كانوا يحبون اللعب بالشاحنات والجنود.
وفي مرحلة المراهقة، اصطنعت وجودي وهويتي بالكامل لأتقبل نفسي ولكي يصدق الآخرون أنني شخص straight (مغاير)لإرضاء من حولي، بما في ذلك عائلتي، وذلك غالباً لأنني نشأت في محيط أجبرني على الخوف وحثّني على أن أكره نفسي بسبب بعض التقاليد التي لم تعد مناسبة لعالمنا اليوم.
للأسف، جعلتنا المجتمعات نكره جوهرنا الحقيقي وأن نكون نسخة مطابقة عن بعضنا البعض.
في الآونة الأخيرة، تذكرت إحدى التجارب المؤلمة في المدرسة والتي ترسخت في اللاوعي: كان العديد من المعلمين والأساتذة يصرخون في وجهي بسبب تقصيري في المواد التعليمية، ولكن لاحظت في وقت لاحق أنهم كانوا معاديين للمثليين، ويتصارعون داخلياً مع رهاب المثلية. فهم ببساطة، لم يعرفوا كيف يتعاملون معها. لذلك، أقول اليوم إنه يجب على المعلمين/ات أن يكونوا على استعداد لتعليم الأطفال واحتضان التنوع وأن يكونوا قدوة في التقبل.
غالباً ما تكون معرفة الميول الجنسية للفرد، أمراً يتعرف عليه المرء منذ صغره.
يقول بعض المراهقين المثليين إنهم تعرضوا لسحق ميولهم الجنسية في الطفولة، ومع دخولهم مرحلة المراهقة، يتعرف العديد منهم على توجهاتهم الجنسية في المدرسة الإعدادية. في البداية، لم أكن أدرك أنني مثلي، لكنني شعرت دائماً أنني مختلف عن زملائي ولم أكن أعرف السبب بالضبط.
أن نكون مغايرين أو مثليين أو ثنائيي الميول الجنسية ليس شيئاً يمكننا أن نختاره أو أن نغيّره، فالناس لا يستطيعون اختيار ميولهم الجنسية، تماماً كما لا يستطيعون اختيار طولهم أو لون عيونهم.
ما هي برأيك الخطوة الأولى نحو الانفتاح؟
لطالما كنت أشعر برغبة في تبني أفكار وتجارب جديدة. حاولت التعامل مع الأمور بفضول، عن طريق الخروج من فقاعاتي وتقاليدي التي جعلتني أحكم على نفسي وعلى الآخرين. لذلك، أردت متابعة مغامرات وتجارب ومساعي إبداعية جديدة. كان التفكير النقدي بمثابة أداة رائعة، لم تكن متاحة لي في الصغر. كنت أعرف أنه هناك إجابات على أسئلتي. ساعدتني قراءة الكتب والاستماع إلى العلماء والأطباء للكفاح من أجل حقوق الإنسان: ليس فقط من أجل نفسي ومجتمع الميم-عين، ولكن لكل الأقليات الأخرى التي تشعر بالقمع من قبل مجتمعاتنا.
"أن نكون مغايرين أو مثليين أو ثنائيي الميول الجنسية ليس شيئاً يمكننا أن نختاره أو أن نغيّره، فالناس لا يستطيعون اختيار ميولهم الجنسية، تماماً كما لا يستطيعون اختيار طولهم أو لون عيونهم"
كانت هذه التجربة بمثابة رحلة، تدور حول التنوع والشمول والتقليل من إصدار الأحكام. من أنا لأقول ما هو الصواب أو الخطأ بناءً على تجربتي المحدودة على هذه الأرض أو بناءً على المكان الصغير الذي ولدت فيه أو ثقافتي الضيقة؟ هناك العديد من الثقافات الأخرى حول العالم، لذا فإن معتقدات عائلتي ليست بالضرورة صحيحة.
لذلك، ليس لديّ الحق في إملاء أسلوب حياتي على أي شخص، وفي الوقت نفسه، أرفض أن أعيش حياتي بناءً على تقاليد شخص آخر أو معتقداته القديمة. إنه مفهوم سهل: عش ودع الآخرين يعيشون.
شاء من شاء وأبى من أبى، فإن العالم اليوم يتحرر من القيود الفكرية القمعية. من الواضح أن حركة حقوق المثليين تمكنت من تغيير آراء الناس بشكل أسرع من أي حركة أخرى للحقوق المدنية في التاريخ الحديث. فعلى مدى عقد من الزمان، كانت هناك أنماط في المواقف تجاهلت مجموعات اجتماعية مثل كبار السن، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصحاب الوزن الزائد أو البشرة الداكنة، وكلها مفاهيم تغيرت وتبدلت، ونحن نعيش هذا التغير اليوم مع الأفكار النمطية التي تدور حول المثليين/ات.
ما هي الضغوطات التي واجهتك وكيف تغلبت عليها؟
إن قبول نفسي كما أنا، شكل خطوتي الأولى نحو الانفتاح. لقد سئمت من العيش بطريقة معيّنة لإرضاء الآخرين، كما سئمت من ارتداء القناع لمجرد أن يتقبلني بعض الزملاء أو المعارف العشوائيين.
وأستطيع القول إنني تخطيت عقبات ما يتوقعه المجتمع مني، مثل الزواج في سنّ معيّن أو العيش بالطريقة التي يريدها أهلي. لقد كسرت حاجز الخوف مما سيقوله الناس عني. لم أعد أبالي بهذه الأفكار، وبدأت أعيش وفق ما يناسبني وليس ما يناسب الآخرين ويتوقعونه مني، والأهم أنني لم أعد خائفاً من أن أخيب ظن الناس من حولي. ما يهمني الآن، هو ألا أخيب ظني بالعيش في كذبة كبيرة. طالما لا أجرح أحداً، سوف أقوم بما يجلب لي السعادة.
كيف غيّرت الحياة في الولايات المتحدة من شخصيتك؟
تغيّرت شخصيتي منذ أن انتقلت إلى الولايات المتحدة قبل 10 سنوات. التغيير هو جزء من شخصيتنا عندما ننمو ونتقرب من ثقافات مختلفة، خصوصاً عندما نتعرض لتجارب وأماكن وبيئات جديدة. أجبرتني واشنطن على التركيز على نفسي بدلاً من الانغماس في ما يريده المجتمع مني.
"عبّروا عن حقيقتكم، افعلوا ما تحبون وما يجعلكم سعداء. استمرّوا في الرقص والغناء، اهتموا بأنفسكم، لا تسعوا لإرضاء الناس. لا تدعوا أي شيء يعيق أحلامكم. استمروا في التعلم. أنتم تستحقون السعادة. تذكروا مهما حدث، أنتم لستم لوحدكم أبداً"
لسوء الحظ، في ثقافاتنا الشرقية نهتم كثيراً بآراء الآخرين. لقد تمكنت من التحرر من ذلك عندما انتقلت إلى أميركا، لكن من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ليست كلها متشابهة. لقد استفدت من العيش في مدينة متعددة الثقافات مثل واشنطن، مع العلم بأن بعض المدن الأميركية الأخرى في الجنوب مثلاً تكون مختلفة عن المدن الكبرى، والأقليات التي تعيش هناك، كالمثليين والأميركيين من أصول إفريقية أو لاتينية، قد تواجه صعوبات عدة.
لو كان بإمكانك العودة بالزمن إلى الوراء، ما هي الرسالة التي توجهها إلى جو في مرحلة الطفولة؟
أقول لجو الصغير: لا تخف لأنك مختلف عن الأطفال الآخرين. على الرغم من كل ما تسمعه من أشخاص حولك، فإن كل ما تشعر به في داخلك صحيح. أرجوك لا تنتظر وقتاً طويلاً للتعبير عن حقيقتك، لأنه في اللحظة التي تقوم فيها بذلك، فإن من يحبك سيدعمك ويقبل هويتك التي عملت كثيراً على إخفائها.
لا تخجل أبداً من الطريقة التي تمشي بها أو تتحدث بها لأن هذا سيكون مفتاح وجودك، وستمنح الأمل لجميع الأشخاص الذين يواجهون الأحكام المجحفة ولا يعرفون ما ينتظرهم.
ستواجه الكثير من المشاكل، وستحل الكثير من تلك الصعوبات في وقت أقرب مما تعتقد وبطريقة أسهل مما تتوقع. ستكون هناك لحظات تشعر فيها أنك لا تستطيع الاستمرار، وتشعر بالعجز والوحدة والخوف، وسيأتي وقت تشعر فيه بأن كل شيء ضدك، لكني أريد أن أخبرك الآن أن هناك ضوءاً في نهاية النفق.
أعلم أنه سيكون هناك وقت يبدو فيه ذلك مستحيلاً، لكني أعدك، وأرجوك أن تثق بي، لأنني دليل حيّ على أنه يمكنك تخطي كل ذلك. سوف تعبر هذا الطريق الصعب. من فضلك لا تستسلم، هناك الكثير في انتظارك في الطرف الآخر. أنت أقوى مما تعتقد، حتى عندما تشعر بالضعف.
ماذا تقول لأفراد مجتمع الميم-عين في الشرق الأوسط؟
عبّروا عن حقيقتكم، افعلوا ما تحبون وما يجعلكم سعداء. استمرّوا في الرقص والغناء، اهتموا بأنفسكم، لا تسعوا لإرضاء الناس. لا تدعوا أي شيء يعيق أحلامكم. استمروا في التعلم. أنتم تستحقون السعادة. تذكروا مهما حدث، أنتم لستم لوحدكم أبداً.
هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة AFE وبدعم من سفارة مملكة هولندا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...