"عايزة فلوس كتيرة ولا شوية ملاليم؟". سؤال طرحه عليّ شخص عرّف عن نفسه بأنه صاحب شركة "فاشون". كان قد وضع إعلاناً متواضعاً بإحدى المجموعات الفيسبوكية المعنية بصناعة "الموديلز"، يطلب من خلاله فتيات للعمل لديه ترويجاً لعلامة تجارية لملابس "الكاجوال".
عرفتُ لاحقاً أن العمل في سوق عروض الأزياء "الموديلنغ" الشعبية له تقسيمات، فهناك فتيات "موديل ميك آب"، و"موديل فساتين سواريه" أو "زفاف"، وهناك "موديل فاشون كاجوال"، و"موديل عبايات خليجي"، والأعلى أجراً هن فتيات "الموديل لانجيري"، وتحديداً التركي، أما قمة الهرم فهن فتيات "البودي أرت" أو الرسم على الجسد العاري تماماً.
بالعودة إلى صاحب الإعلان، الذي تواصلت معه من خلال "الواتس آب"، فقد بدأ حديثه ببضعة أسئلة سريعة، ما هو عمرك، وطولك، ووزنك، وهل سبق أن عملت في مجال عرض الأزياء، وهل لديك صور جيدة توضح شكل جسدك.
بعد المرور بهذه المرحلة، تحوّل صوت الشخص إلى تلك النبرة التي يتحدث بها المتحرشون عندما يحاولون الإيقاع بـ"ضحاياهم". قال لي: "اسمعي! سيبك خالص من الإعلان بتاع الكاجوال ده، ده شغل رخيص، ومايأكلش عيش، إنتي شكلك عايزة فلوس، ولا تحبي تكسبي شوية ملاليم".
فكرت أن الأمر بات واضحاً، فذلك الإعلان لم يكن سوى فخّ، وللحصول على تفاصيل أكثر، قمت بمجاراته، فأجبت: "نعم أريد أموالاً ضخمةً"، فردّ: "تمام، هبعتلك صورة، وقولي لي إنتِ رقم كام".
وكانت الصدمة، فقد أرسل صورة لأشكال العضو الأنثوي، لكل شكل رقم. سألته: "هل هذا الجزء هام لهذه الدرجة؟".
"فتيات يبحثن عن المتعة"
أخبرني أنه سيضعني ضمن فريق عمل ضخم لتصوير "لانجيري" تركي يتبع ماركة عالمية بأجر مقداره 10 آلاف جنيه مصري (700 دولار) في اليوم الواحد، وقال: "اللانجيريهات الجديدة لها تصميمات معينة، غالبيتها تكشف عن مناطق الجسد، لذا عليك أن تُجيبي عن السؤال: ما هو رقم عضوك؟".
استمررت في المجاراة، وتهربت من الإجابة، ثم عاد ليراوغ: "أما إذا كُنت تريدين أموالاً أكثر فأكثر فهناك جلسة تسمى البودي أرت".
"ما هذا؟".
"سأرسل لك بضع صور توضح الأمر".
أرسل لي صوراً لفتيات عاريات تماماً، رأيت على أجسادهن رسومات عجيبة، وافقته، وحدد لي بعد ذلك موعداً للتصوير، وذهبت إلى فندق متواضع جداً، يبدو مثيراً للريبة بمنطقة في وسط البلد بالعاصمة، استقبلتني فتاة ادعت أنها المسؤولة عن التنظيم، وأخرى ترسم، وثالثة تصوّر، تماماً كما أبلغني الرجل، فقد أكد لي أن التصوير والرسم سيكونان بحضور فتيات فقط، نلتقي في مكان آمن كصديقات.
وجدت بغرفة الفندق فتاتين جاءتا للتصوير والرسم، تذرعت بأنني نسيت إحضار دواء مرض الضغط الخاص بي، والذي بدونه أُصَاب بإغماء، هربت، وأغلقت هاتفي، وانتهى الأمر بسلام.
كانت هذه تجربتي التي قادني الفضول إليها بعدما سمعت عن قصص كثيرة تخص هذا المجال من فتيات بعضهن يبحثن عن المال، وأخريات عن تحقيق حلمهن في أن يُصبحن عارضات أزياء شهيرات.
وتواصلت كذلك مع إعلان آخر يطلب فتاة للعمل كعارضة لـ "عبايات خليجية"، وحين تواصلت معه، أبلغتني صاحبة الإعلان أن العمل عبارة عن "ديفيليه" ملابس نسائية داخل فنادق فخمة بحضور سيدات فقط، ثم تم إبلاغي أن الأمر يخص سيدات مجتمع راقيات، مثليات، يبحثن عن المتعة.
صور عارية وحلمي
ظلت أسماء، اسم مستعار (35 عاماً)، موظفة في شركة اتصالات، تحلم لسنوات طويلة بأن تصبح عارضة أزياء، كنور عريضة، ورفيعة الهاجسي، وكارن وازن، وإنجي كوان، وغيرهن من الجميلات.
"حاولتُ بكل الطرق، وفشلتُ"، تقول أسماء لرصيف22.
بحثت في آخر محاولاتها عبر "فيسبوك" عن عمل كعارضة أزياء، وجدت إعلانات عديدة، لكنها كانت حريصة على تحري الدقة في الإعلان وأصحابه، واختارت بعناية شديدة إعلاناً محدداً للتواصل معه، بعدما شعرت تجاهه بمصداقية.
أبلغتني صاحبة الإعلان أن العمل عبارة عن "ديفيليه" ملابس نسائية داخل فنادق فخمة بحضور سيدات فقط، ثم تم إبلاغي أن الأمر يخص سيدات مجتمع راقيات، مثليات، يبحثن عن المتعة
كان الإعلان عن ماركة أجنبية للأحذية، لديها موقع إلكتروني، ولها وجود، وقالت صاحبة الإعلان لأسماء أن شركتها هي الوكيل العربي لهذه الماركة في مصر، لذا فهم يبحثون عن عارضة أحذية، ولم تشعر بشيء مُريب.
وبالفعل تقدمت بعدما أبلغت صاحبة الإعلان بمحل سكنها، وعمرها، ووزنها، وطول ومقاس قدميها، وشملت قائمة المتطلبات مقطع فيديو يظهر قدميها من كافة الاتجاهات، والأهم هو ظهور الرجلين كاملتين، وبالفعل تقدمت الفتاة، وأرسلت الفيديو، وبعد أيام تم إبلاغها بالقبول.
"شعرت أني على بُعد خطوات من تحقيق حلمي"، تقول أسماء.
بعد ذلك أبلغتها صاحبة الإعلان بالتواصل مع المصور الذي سيقوم بتصوير الجلسة الخاصة بها، والتي ستكون بمقابل مادي هو ألف جنيه، وفيما بعد ستكون الجلسة التصويرية الواحدة بألفين. تحمست أسماء، وتواصلت مع المصور فأبلغها أن لا يوجد لديه متسع من الوقت لها ولن يأتي إلى القاهرة حيث تقطن هي.
شعرت بخيبة أمل، ولكنها عادت لصاحبة الإعلان تستعطفها بمنحها فرصة للعمل، فأبلغتها الأخيرة أن لدى المصور يومين فقط للتصوير، في محافظة أخرى، هي المنصورة، وأنه يمكن أن ينتظرها ليقوم بتصويرها، ويجب أن تعطيه مالاً ليقبل بذلك.
المصور استأجر غرفة وضيعة، فوق سطح منزل قديم.
بعد سفر أسماء إلى المنصورة، فوجئت أن المصور استأجر غرفة وضيعة، فوق سطح منزل قديم، متهالك، في شارع جانبي، ولا أثر لأدوات تصوير.
تقول أسماء: "شعرت بالتوتر، أبلغني المصور أنه يقوم بالتصوير من خلال الهاتف المحمول، فقد أصبحت الحياة أكثر سهولة ويُسراً، والتكنولوجيا تطورت، تركني لآخذ وقتي حتى أطمئن، وأقتنع".
اطمأنت، وبدأ التصوير، وطلب منها وضعيات غير اعتيادية تعتمد على الإغراء وليس على القدمين، اعتذرت أسماء، وطلبت أن ترحل، فرد عليها: "هتمشي كده من غير ما تخليني أشوف بحاجة ؟ مفيش تقدير ولا إيه؟".
أخبرته أن لا مال معها، وأنها حين تحصل على مستحقات هذا التصوير سترسل له جزءاً منه، فغضب الشاب، وبدأ التحرش بها بعدما أخرج عضوه الذكري أمامها، وبدأ بالاستنماء، وهي من هول صدمتها، تجمدت مكانها حتى انتهى، ورحلت باكية.
تعرضت نور (30 عاماً)، عاطلة من العمل وعملت في مجال الدعاية والإعلان، هي الأخرى للابتزاز بعدما أرسلت صوراً لها لرجل ادعى أنه صاحب وكالة إعلانية للترويج لعارضات أزياء ملابس.
طالبها بإرسال صور عارية، وممارسة الجنس عبر الهاتف، وأن هذا هو السبيل الوحيد للوصول لما تحلم به.
تقول نور لرصيف22: "ليس الوحيد الذي طلب مني هذا الأمر، فأكثر من صاحب إعلان مزيف طالبني بإرسال صور بملابس النوم، وهناك من طلب صورة عارية تماماً لي، لكي يحدد تقسيمات جسدي، وبالتالي يضعني في مكان العمل المناسب عارضة أزياء ملابس منزلية أو لانجيريهات".
حاول رصيف22 التواصل مع عدد من عارضات الأزياء، ولكننا لم نتلق إجابات حتى كتابة هذا التقرير. تواصلنا مع دعاء حسين، عارضة أزياء مصرية، ووجهنا لها تساؤلاً حول ما إذا كانت تعرضت لإعلان مزيف في بدايات طريقها، وطلبنا منها نصائح للأخريات حتى يتفادين الوقوع في الابتزاز، ولكنها رفضت التعليق.
"هناك من طلب صورة عارية تماماً لي، لكي يحدد تقسيمات جسدي، وبالتالي يضعني في مكان العمل المناسب عارضة أزياء ملابس منزلية أو لانجيريهات"
وتواصلنا مع إنجي الانجباوي، عارضة أزياء ومدونة مصرية، وبعد أن أبدت ترحيباً بالمشاركة في موضوع يخص الأزياء، تراجعت عندما علمت أننا نعرض مشاكل الإعلانات المزيفة، وابتزاز الحالمات بالأزياء.
وكانت عزة سمير، مدربة عروض أزياء مصرية، قد انتقدت وكالات الأزياء في مصر، وقالت في تصريح نشرته صحيفة محلية إن المجال تحول إلى "مجرد سبوبة"، أي لجمع المال فقط، والقائمون لا يفقهون شيئاً في هذا التخصص، والرقابة عليهم منعدمة، مشددة، على بعض الأمور اللاأخلاقية في المهنة، ووجود أشخاص يتخذون الممارسات غير الشرعية ستاراً لهم.
واعتبرت مهنة عارضات الأزياء مشوهة بسبب سلوك "وكالات غير مسؤولة"، تستقطب بعض الفتيات.
وقد تحدثت عارضات أزياء مصريات إلى رصيف22 في تقرير سابق عن الابتزاز الجنسي الذي تعرضن له في مجال العمل، وقالت إحداهن إن "العارضات يتم استغالاهن من قبل الوكالات لتحقيق مصالح شخصية"، وانتقدت أخرى فتيات وصفتهن بـ"الدخيلات على المهنة، لا تتفق أجسادهن ولا مواهبهن مع شروطها، ويستخدمنها فقط لتحصل مكاسب شخصية".
ولفتت عارضة الأزياء ميام محمود لوجود تحرشات في عالم عروض الأزياء، وتحدثت عن رفضها لعروض جنسية واضحة.
فكرتُ في النهاية، أنه لربما تخشى عارضات الأزياء الناجحات الخوض في قصص بداياتهن مع المهنة، ولعل وكالات الأزياء لا تكترث إلا للحديث عن المبيعات والإيرادات، وليس "الأمور غير الأخلاقية التي شوهت المهنة"، كما وصفت عزة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...