شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
صحافيون سوريون يتهيّبون من قانون الجرائم الإلكترونية... فهل يكسرون أقلامهم؟

صحافيون سوريون يتهيّبون من قانون الجرائم الإلكترونية... فهل يكسرون أقلامهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 6 يوليو 202205:24 م

ما زال الحديث عن قانون الجرائم الإلكترونية يدور في جلسات السوريين العامة والخاصة، فالجدل الحاصل منذ اللحظة الأولى من إعلان دخوله حيز التنفيذ، حمل الكثير من التساؤلات، ومن يتابع عملية النشر على صفحات السوريين، يمكنه أن يلاحظ تراجع عدد المنشورات التي تحاكي الشأن العام، وخاصةً بالنسبة إلى الصحافيين الذين عدّوا أن هذا القانون يحدّ من حريتهم، فأصبحوا يتحايلون على القانون لتفادي ارتكابهم أي خطأ من الممكن أن يقودهم إلى السجن، أو إلى دفع مبالغ مالية باهظة.

في 18 إبريل/ نيسان الماضي، دخل قانون الجرائم الإلكترونية حيز التنفيذ حسب القانون رقم 20 القاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012.

الصحافي وائل علي، دفع عدداً من الصحافيين للخروج عن صمتهم للتعاطف معه بعد استدعائه من قبل إدارة الأمن الجنائي في دمشق (فرع الجريمة الإلكترونية)، على خلفية نشر مقال رأي له على موقع "فينيكس الإخباري" (المرخص لدى وزارة الإعلام السورية)، بناءً على ادّعاء مدير عام الشركة السورية للنقل والسياحة فايز منصور، ضده، عما ورد في مقاله والذي كان بعنوان "شواطئ مفتوحة بالاسم".

وعاد علي لنشر مقال على الموقع نفسه تحدث في خلاله عن استدعائه بسبب مادته المنشورة متسائلاً: "لماذا تم الادّعاء أمام قانون الجريمة الإلكترونية، وليس قانون الإعلام، طالما أنه وصاحب الموقع صحافيان وعضوان في اتحاد الصحافيين، كما أن التهمة حصلت في موقع إعلامي مرخص وليس على وسائل التواصل الاجتماعي؟".

من يتابع عملية النشر على صفحات السوريين، يلاحظ تراجع عدد المنشورات التي تحاكي الشأن العام، وخاصةً بالنسبة إلى الصحافيين الذين عدّوا أن هذا القانون يحدّ من حريتهم

كذلك، تعرّض الصحافي رضا الباشا، لموقف مشابه بعد استدعائه بسبب منشور له على صفحته الخاصة على فيسبوك. يقول لرصيف22: "قانون الجرائم الإلكترونية يُعدّ جريمةً بحق الصحافة وحرية الرأي، وعمله ليس تنظيم العالم الافتراضي بشكل عام، بل هدفه الأساسي أن يطبق على الصحافيين وأصحاب الرأي في المجتمع"، عادّاً أنه بمثابة حماية لكل شخص ضعيف في الإدارة وفاسد، وتطبيقه حماية للفشل وللفساد داخل سوريا.

تطمينات وخوف

وحصل الصحافيون على تطمينات من جهات شبه رسمية منذ اللحظة الأولى من تسريب مسودة القانون، من خلال الاجتماعات المغلقة أو تصريحات لأعضاء مجلس الشعب، تؤكد أن القانون لا يؤثر على حرية الصحافة في البلاد.

يقول الصحافي فراس القاضي، لرصيف22، إن "المرحلة الأولى من صدور القانون كانت مرحلة ترقب، بعد تصديق الوعود شبه الرسمية بأن الصحافيين سيعامَلون حسب قانون الإعلام وليس قانون الجريمة الإلكترونية، ولكن تبيّن في ما بعد أننا كصحافيين، سنعامل حسب القانون الجديد، حتى لو شاركنا على صفحاتنا الشخصية مقالاً تم نشره في الصحيفة التي نعمل فيها".

برأي القاضي، "القانون فيه بنود جيّدة تحمي المجتمع من الابتزاز والاستغلال، إلا أنه يحمل في طياته بعض الأمور التي تجعل الصحافي في حال من الخوف الدائم من أي مادة تُنشر، وحتى لو كان يملك الدليل والبرهان، فمن الممكن أن تُعدّ المادة إساءةً إلى مؤسسة حكومية لأن البعض يرى الحديث عن الفساد إساءةً، فقانون الجرائم الإلكترونية جعل المديرين قادرين أن يرفعوا عليك دعوى في أي لحظة".

في السياق ذاته، يتحدث الصحافي بلال سليطين، قائلاً: "القانون كان موجوداً أصلاً والقانون الجديد هو نسخة معدلة، كنا نحسب له ألف حساب، ولكن بعد إصدار القانون 2022، كان الوضع بالنسبة إلينا بمثابة مرحلة اختبار التطبيق بسبب التطمينات التي جاءت من مسؤولين كثر وأكدت أنه لا يؤثر على العمل الصحافي".

يضيف: "لاحقاً، تم استدعاء عدد من الزملاء بتهمة الجريمة المعلوماتية بسبب عملهم الصحافي، ما تطلّب إعادة التفكير أكثر في كيفية حماية الصحافي نفسه من قانون يُفترض ألا ينطبق عليه ضمن عمله"، مؤكداً أنه في الأيام الأولى كنا نختبر صدق هذا الكلام، ولكن بعد حالات استدعاء الصحافيين، تحوّل التوجس من هذا القانون إلى خوف، فعدنا إلى حالة الحذر التي كنا نعيشها قبل إصدار القانون ومحاولة فهم آليات تطبيقه.

"يلي ما بيحسب ما بيسلم"

مع دخول القانون حيز التنفيذ، بدأ الصحافيون السوريون بأخذ الحيطة والحذر تحت مسمى "خلينا نشوف شو رح يصير"، فالبعض راحوا يبحثون في القانون عن الأمور التي تحميهم والبعض الآخر عدّوا تشريع هذه الأعراف وقوننتها في قالبها الجديد، خنجراً في خاصرة الصحافة في سوريا.

بعد صدور القانون، لا يقبل كُثر من الصحافيين أي تصريح إلا إذا كان صوتياً ومسجلاً، بالرغم من أنهم يعلمون كل العلم أن هذا لا يحميهم في حال أراد أحد رفع دعوى عليهم تحت مسميات فضفاضة، مثل "النيل من هيبة الدولة"

جعفر (اسم مستعار)، يوضح آلية عمله بعد صدور القانون، مبيّناً أن عدد مواده التي ينتجها شهرياً انخفض إلى أكثر من النصف بعد صدور القانون، فالخوف والهواجس التي يعيشها بشكل يومي أثّرت على حالته النفسية والعقلية، فأصبح يعمل وفق مبدأ الإسقاطات لا المباشرة في الطرح، ويبتعد عن كثير من الأمور التي كان يغوص فيها قبل دخول القانون حيز التنفيذ.

يؤكد جعفر أنه، وبعد صدور القانون، لا يقبل أي تصريح إلا إذا كان صوتياً ومسجلاً، بالرغم من أنه يعلم كل العلم أن هذا لا يحميه في حال أراد أحد رفع دعوى عليه تحت مسميات فضفاضة، مثل "النيل من هيبة الدولة"، ولكن يحاول من خلال هذا الإجراء أن يحمي نفسه على الأقل.

"أنا أكتب عن قضايا العنف الأسري، والشهادة التي تعطينا إياها الناجية من العنف قد يستخدمها شخص آخر ضدي. بالرغم من الاحتفاظ بالأصوات والتسجيلات يبقى خطر الإدانة قائماً، لأن مشاركة المادة على صفحات التواصل تفتح باب التفاعل، وقد تتضمن التعليقات ما يرفضه القانون، ومن غير المقبول أن يستدعى صحافي إلى المساءلة قبل مقدم الشكوى حتى لو كانت غير صحيحة، وهذا ما حصل مع أحد الزملاء"، بهذه الكلمات بدأت الصحافية لينا ديوب حديثها إلى رصيف22.

تضيف: "هناك جرائم يحاسب عليها المواطن والصحافي على حدٍ سواء، في حال التفاعل إلكترونياً مع المنشور الذي يُعدّ "جريمةً"، وهذا حد من حرية الكتابة، وإذا قارنّا بين عقوبة "الذم الإلكتروني" وفقاً لقانون الجريمة الإلكترونية والذم في القوانين السورية الأخرى، نجد أن شتم أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي مكلف أكثر من الشتم في الواقع، أو عبر وسائل الإعلام، وهذا يؤثر على حرية النقد والرأي والتعبير".

تتسع بنود قوانين الجرائم الإلكترونية في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وتسيء بعض الحكومات استخدام هذه القوانين وتجعلها ذريعةً لإسكات المطالب المحقة 

حول القانون

اتّسعت بنود قوانين الجرائم الإلكترونية في العالم على وجه العموم، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، في حين ترى منظمات حقوقية أن بعض الحكومات تسيء استخدام هذه القوانين وتجعلها ذريعةً لإسكات المطالب المحقة في بلادهم.

تشرح المحامية لمى الجمل، عملية سير القانون قائلةً: "القانون كان موجوداً أصلاً، ولكن أعيد تأطيره وما جرى هو تعديل للمواد وتطوير لها لتصبح ملائمةً مع ما يسمى ‘قانون التعامل على الشبكة المعلوماتية’، متحدثةً عن ضرورة وجود قانون يحد من عمليات الذم والقدح والاختلاس والابتزاز، وكل هذا أدى إلى أن يطور القانون نفسه لمكافحة هذه الأمور، عن طريق استخدم وسائل ردع أقوى ليتوقف الأشخاص عن ارتكاب هذه الجرائم.

أما في ما يخص الصحافيين، فترى الجمل أن "عملهم محصّن ومحمي بمواد قانون الإعلام، ويجب تفعيل حصانتهم الممنوحة من القانون الذي لم ينص على تقييد حرية العمل في المجال الإعلامي، فلا يحق لأحد جعل قانون الجرائم الإلكترونية يتعارض مع قانون الإعلام أو أن يلغيه".

برأيها، "إذا التزم الصحافي بمعاييره المهنية، فلا يجوز التعرض له، عن طريق الاستناد إلى أي نص يعارض قانون الإعلام، لأنه قانون مخصص لهذه الفئة من الأشخاص، وطالما أن القانون يطبَّق بنوايا سليمة وللأهداف التي صدر من أجلها، لا يجوز أن يكون وسيلةً لكمّ الأفواه أو التدخل في عمل الإعلام الذي يُعدّ السلطة الرابعة في البلاد". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image