شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كوريا تنتصر... فلسفة التجميل في العالم تتغير

كوريا تنتصر... فلسفة التجميل في العالم تتغير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 13 يوليو 202212:45 م

المدرسة الكوريّة تتفوّق على الغربيّة

على مدار السنوات العشر الماضية بدأت صرعات الجمال والمنتجات التجميلية القادمة من جنوب كوريا تنتشر انتشاراً مهولاً، بعد أن كان وجودها مقتصراً على بعض المحالّ التي تستهدف الجاليات الآسيوية المغتربة في العالم، لتتحول بشكل متسارع إلى تجارة تقدر قيمتها بنحو 10.2 مليار دولار حول العالم وفقًا لمؤسسة ألايد للأبحاث الأمريكية، وليصبح لكوريا الجنوبية التأثير الأكبر على صناعة الجمال دولياً.
لم يقتصر هذا التأثير على نوع المنتجات والعلامات التجارية التي نستخدمها بشكل يومي، ولكنه وصل إلى نظرتنا للتجميل كممارسة، إذ أصبحت العناية بالبشرة هي الاهتمام الأكبر بالنسبة للمستهلكات والمستهلكين، بعد أن كانت تغطية الوجه وعيوبه بمستحضرات التجميل الثقيلة هي العرف السائد لعقود.
كذلك أصبح التركيز على نوع العنصر الفعّال ودرجة تركيزه في داخل المنتج من الأسئلة المعتادة لدى الشراء، فبعد أن كانت شركات التجميل تصف المنتج بأنه يساعد على توحيد لون البشرة، أصبحت تضع اسم المادة الفعالة على المنتج نفسه ذاكرةً أنه يحتوي على مادة النياسياميد على سبيل المثال.
الفارق الأكبر بين المدرسة الغربية والكورية هو تمركز الاهتمام حول البشرة النضرة وإطلالة المكياج الطبيعية في الأخيرة، إذ ظهرت صرعات جديدة في عالم الجمال مثل "الجلد الزجاجي" الذي يعني البشرة شديدة النقاء أو التي لا تشوبها شائبة
كل ما سبق يعكس فلسفة المجتمع الكوري بالنسبة للجمال، فهي ثقافة تمجّد نقاء البشرة وتركّز على جودة مكونات المنتج الطبيعية.

الاختلاف الأساسي هو أن الثقافة الكورية تعتبر تجربة العناية بالبشرة والمكياج تجربة حسيّة بالدرجة الأولى ترتبط بالعناية بالنفس وحب الذات الإيجابي، لذلك لا يتردد الكثير من الرجال والنساء في قضاء الكثير من الوقت على روتين العناية اليومي.
لقد تبلور جنون منتجات التجميل الكورية في الواقع عقب ما أطلقت عليه وسائل الإعلام الصينية في التسعينيات الهاليو، وبالإمكان ترجمة ذلك المصطلح حرفياً إلى "الموجة الكورية" أي الشعبية المتزايدة لصناعة الترفيه في كوريا الجنوبية.
لكن، وقبل كل ذلك، استمدت العلامات التجارية الكورية قوتها الأساسية من سوقها المحلي، حيث الطلب المستمر والهائل على المنتجات التجميلية الفعّالة والناتج من صلب ثقافة الشعب الكوري الذي يطبق معايير جماليةً صارمةً على الجنسين، الأمر الذي نتج عنه احتدام المنافسة بين الشركات الكورية على حصتها من السوق، ما ساهم في خلق جو فريد من نوعه مناسب لتنمية القدرة على الابتكار ومشجع للإنفاق على الأبحاث العملية لقياس فاعلية المنتج.
الاختلاف الأساسي هو أن الثقافة الكورية تعتبر تجربة العناية بالبشرة والمكياج تجربة حسيّة بالدرجة الأولى ترتبط بالعناية بالنفس وحب الذات الإيجابي، لذلك لا يتردد الكثير من الرجال والنساء في قضاء الكثير من الوقت على روتين العناية اليومي.

الذكاء الاصطناعي وشخصنة التجربة كأداة تسويق

لدى انطلاق المنتجات والفكرة الكورية التجميلية إلى السوق العالمي كان الجو مثالياً لاستقبال نظرة جديدة طبيعية وصحية للجمال، وكانت المنافسة في السوق المحلية بمثابة تدريب مكثف وطويل للمنافسة الحقيقية في السوق العالمي.
اللافت أن الذكاء الاصطناعي انضم كأداة جديدة من أدوات المنافسة، فبقدرته على تحليل البيانات الضخمة والواقع المعزز لعب دورًا رئيسيًا في أحدث تطورات صناعة الجمال الكورية أسوة بباقي منتجات السوق الكوري، فمؤخرًا قامت عدة شركات كورية كبرى بإطلاق تقنية الذكاء الاصطناعي لقياس وتشخيص بشرة العملاء، لتقدم بناءً على ذلك قائمة بالمنتجات اللازمة لكل عميل بشكل شخصي، الأمر الذي تصعب منافسته غربياً.
إبداعات السوق الكوري تنبؤنا بأن الواقع المعزّز أصبح أحد مكوّنات الترويج الرئيسية في عمليات البيع المستقبلية، خاصة في فترة ما بعد الجائحة، فبدلاً من تطبيق المكياج في الواقع، تقدم الكثير من متاجر المكياج الكورية المتصلة بالإنترنت الآن مرايا بتقنية الواقع المعزز أو الـ "أي آر" حيث يمكن للعملاء من خلالها اختبار المكياج افتراضيًا بعد ان يتم مسح وجوههم ضوئياً.
لذلك، ومع إعطاء العملاء هذا الاهتمام الفائق كأفراد، ليس غريباً أن تصل كوريا الجنوبية إلى المرتبة الرابعة بين أكبر أسواق التصدير في صناعة مستحضرات التجميل، بعد فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، حيث ارتفعت العائدات من 7.5 مليار دولار أمريكي في العام 2020 لتصل إلى 14 مليار دولار أمريكي اليوم.

سوق الشرق الأوسط والأرقام الكبيرة

كل هذا يؤثر أيضاً على الدول العربية، حيث الشرق الأوسط لا يزال واحدًا من أقوى الأسواق المستهلكة لمستحضرات الجمال والعناية بالبشرة والعطورعالمياً، ومن المتوقع أن ينمو هذا السوق إلى ما يقارب من 40 مليون دولار في السنوات الثلاث المقبلة.
بلغت صادرات مستحضرات التجميل الكورية إلى الشرق الأوسط 7.8 مليون دولار في عام 2022 مبدية ارتفاعًا يقدّر بسبعة ملايين دولار منذ العام 2019 وفقًا لسلطات التجارة الكورية. وعلى الرغم من ان المنطقة لا تزال سوقًا صغيرة مقارنة بالصين والولايات المتحدة واليابان، لكنها سريعة النمو وتحوز اهتمام الحكومة الكورية، التي تخصص ميزانية كبيرة لتسويق ثقافتها ومنتجاتها في دول الخليج تحديداً. من السهل ملاحظة هذا الاهتمام من خلال منصة الانستغرام التي يتغنى فيها صناع المحتوى الخليجي بزياراتهم المدفوعة الأجر الى كوريا الجنوبية.
تقدم الكثير من متاجر المكياج الكورية المتصلة بالإنترنت الآن مرايا بتقنية الواقع المعزز أو الـ "أي آر" حيث يمكن للعملاء من خلالها اختبار المكياج افتراضيًا بعد ان يتم مسح وجوههم ضوئياً.
النمو في الصادرات الكورية يؤدي بطبيعة الحال إلى احتدام المنافسة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. رصد هذا التنافس الاقتصادي بين الدول بشكله الكوميدي على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر من خلال تراجع تأثير مجتمع الجمال على موقع يوتيوب التابع لشركة غوغل الامريكية، والذي اعتاد أن يكون إحدى أكبر قوى الترويج لمستحضرات الجمال الأمريكي، إذ تضاءلت سطوته بعد أن كان مسيطراً بشكل تام ولسنوات على المشاهدات ليتراجع الى المرتبة الثانية، فيحين  يطّرد النمو السريع لمشاهدات مجتمع الجمال على منصة تيك توك الصينية الأحدث ليتصدر بدوره نسبه المشاهدات.
وجود مجتمع جمال الإنترنت ومؤثريه بشكل رئيسي على اليوتيوب والإنستغرام لأكثر من عقد من الزمان، وتحول كبار المبدعين على هذه المنصات إلى مشاهير أثرياء إذ ساعدوا صناعة التجميل على أن تصبح تجارة بمليارات الدولارات عن طريق انتاجهم لمحتوى تسويقي تحت مظلة تعليم تقنيات التجميل، وهو محتوى يتمثل في مقاطع فيديو مدتها 10-20 دقيقة، غالبًا ما كان يتضمن مقدمة طويلة في البداية لا علاقة لها بصلب الموضوع.

تغيّر مفاهيم الجمال بين الأجيال

مستخدمو منصة يوتيوب بشكل رئيسي هم من جيل التسعينيات أو أكبر قليلاً، هؤلاء عرفوا المقدمات الطويلة ويبدو أنهم تحملوا الطبيعة الزائفة للمحتوى، لكن هذا النوع فقد جاذبيته بعد فترة من الزمن لا سيما للجيل الجديد
إذ يتسم هذا الجيل بمدى اهتمام قصير يمتد إلى ثماني ثوانٍ أو أقل، لذا فإن مقاطع فيديو تيك توك القصيرة، والتي تصل مباشرة إلى المعلومات القيّمة أصبحت أكثر رواجاً بينهم.
كما تختلف مطالب شباب الجيل الجديد الذين ينظرون إلى العالم -ومكانهم فيه- بشكل يكاد يكون مناقضاً للجيل الأكبر، إنهم يهتمون بالشفافية ويطلبونها من المؤثرين. يظهر هذا التوجه أيضاً في تفضيلهم منتجات العناية بالبشرة على منتجات التجميل، فهم لا يريدون تغطية الشوائب، بل يريدون معالجة أسبابها، خصوصاً بعد أن عاش الكثير منهم فترة التعليم عن بعد خلال الجائحة، إذ أصبح المكياج المعقد أو المبالغ فيه من مخلفات الماضي البعيد الذي لم يعد له فائدة أو سوق.
هنا تلعب فلسفة الجمال الكورية دوراً كبيراً في جذب اهتمام هذا الجيل، والأهم من ذلك، ورجوعاً لسياق ما نتحدث عنه من منافسة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، استغلت الشركات الكورية تلك النزعة لتسيطر على فضاء منصة التيك توك، حيث يقوم أكبر المؤثرين على المنصة بالإشادة بالمنتجات الكورية والتوصية باستخدامها، على سبيل المثال المؤثر (هايرامياربو)الذي يتابعه 6.4 مليون شخص والمختص بالبشرة يتحدث بحماسة عن المنتجات الكورية وينصح بها، مدعياً أن كوريا الجنوبية تتقدم في تقنياتها بالعناية بالبشرة على الولايات المتحدة بمدة عشر سنوات على الأقل.
نتيجة لما سبق تأثرت العديد من العلامات التجارية الغربية بشكل كبير بطغيان اتجاهات الجمال الكورية، لذا بإمكاننا أن نستنتج أن تأثير منتجات الجمال الكوري سوف يهيمن أيضاً على منتجات التجميل في الشرق الأوسط في المستقبل، لتقدم منظورًا مختلفًا للعناية بالبشرة ونهجًا بديلاً للجمال عن النظرة الغربية.
لكن السؤال المقلق هو: هل يمكن أن تكون الصرعة التالية التي تجتاح العالم من كوريا وتؤثر على طريقة نظرتنا للجمال هي الجراحة التجميلية الكورية؟
إلى جانب العناية بالبشرة، تعد كوريا الجنوبية أيضًا عاصمة الجراحة التجميلية في العالم، حيث تتصدر معدلات الجراحة التجميلية للفرد في العالم، ووفقًا لمؤسسة غالوب في كوريا، واحدة من كل ثلاث نساء كوريات جنوبيات تراوح أعمارهن بين 19 و29 عاماً قلن إنهن اخترن القيام بجراحة تجميلية، وهناك بعض الإحصائيات التي تشير إلى أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى من ذلك بكثير. فهل من الممكن أن تؤدي نفس الظاهرة العالمية التي غيرت وجه منتجات التجميل، إلى تغيير الطريقة التي تبدو بها وجوهنا أيضًا؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image