ضجة واسعة وحسرة متنامية وسخرية لاذعة أثارتها فاتورة نشرتها عميلة لأحد مراكز التجميل في مصر، وتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لأن قيمتها تجاوزت 43 ألف جنيه (نحو 2370 دولاراً أمريكياً)، أي ما يعادل راتب عام ونصف العام لموظف يتقاضى الحد الأدنى للأجور (2400 جنيه، ما يعادل نحو 131 دولاراً).
لم يستوعب المعلقون والمعلقات الأسعار الواردة في الفاتورة، فراحوا يقارنونها بقيمة "مقدم شقة" في إسكان الشباب، أو بإجراء عمليات تشطيب ودهان لشقة كاملة. لكن آخرين قالوا إن أسعار المستحضرات ذات الجودة عالية، والأسعار المذكورة في الفاتورة منطقية.
وترجع الفاتورة المثيرة للجدل إلى مركز "أحمد لطفي" في حي مصر الجديدة، شرق القاهرة، وتضمنت عدة خدمات مقدمة للعميلة، منها: "تركيب خصلات شعر بـ30 ألف جنيه، توريد خدود بـ2500 جنيه، تحديد شفايف بـ1500 جنيه، جلسة علاج بشرة بـ1500 جنيه، مايكروبليدنغ ألمانيا بـ4 آلاف جنيه، لايت بـ2000 جنيه، وصبغة بـ1500 جنيه".
لم يستوعب المعلقون والمعلقات الأسعار الواردة في الفاتورة، فراحوا يقارنونها بقيمة "مقدم شقة" في إسكان الشباب، أو إجراء عمليات تشطيب ودهان لشقة كاملة
وتباينت التعليقات على الفاتورة لكن السخرية جامع مشترك لغالبيتها. قالت إحداهن: "آخر مرة بنتي عملت شعرها سشوار وبيبي ليس دفعت 80 جنيه وقررت أحجبها بعد كدا توفيراً للنفقات"، وقالت أخرى: "الكلام ده لواحدة بس ولا لفريق المنتخب النسائي". أما تعليقات الرجال فكانت عملية بدرجة أكبر حيث أخذوا يقارنون الأسعار بتكاليف تجهيز شقة أو إصلاح سيارة.
وتجاوز الأمر حد التعليقات الساخرة إلى الشائعات إذ تخيل البعض أن الفاتورة تخص عروس طلقها عريسها ليلة الزفاف بعد علمه بقيمتها قائلاً: "خلي أبوكي يدفع".
لكنْ وراء هذه السخرية تساؤل: هل يصبح "مشوار الكوافير" حلماً بعيداً عن متناول المصريات؟
استثمار لا يعرف الخسارة
رغم الضغوط الاقتصادية التي يواجهها العالم جراء جائحة كورونا، بقيت صناعة مستحضرات التجميل نموذجاً اقتصادياً يحتذى به، وفقاً لما نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية ونقلته جريدة "الأهرام". فقد تجاوز معدل النمو السنوي لهذه الصناعة 4%. وخلال السنوات الأربع الماضية، بلغ حجم المبيعات العالمية في مستحضرات التجميل 170 مليار دولار مقسمة كالتالي: 40 ملياراً في الأمريكتين، 60 ملياراً في أوروبا، 60 ملياراً في أستراليا وآسيا و 10 مليارات في إفريقيا.
وفي ظل تداعيات جائحة كورونا، نشرت "مجلة فوربس" أن أكبر 10 أثرياء من أباطرة صناعة مستحضرات التجميل جنوا أرباحاً تقدر بـ135 مليار دولار تقريباً خلال عام 2020، وعلى رأس القائمة جاء ثالث أغنى شخص في العالم وهو برنارد أرنو، الذي أضاف 86 مليار دولار إلى ثروته في ذلك العام.
لكنْ وراء هذه السخرية تساؤل: هل يصبح "مشوار الكوافير" حلماً بعيداً عن متناول المصريات؟
وصرح رئيس شعبة مستحضرات التجميل في غرفة الصناعات الدوائية باتحاد الصناعات في وقت سابق، بأن مستحضرات التجميل ومواد العناية الصحية من أعلى المنتجات مبيعاً قي أنحاء العالم. وفي مصر يبلغ حجم سوق مستحضرات التجميل 40 مليار جنيه سنوياً، متفوقاً على قطاع الدواء الذي لا يتعدى 34 مليار جنيه.
جمال على "قد الإيد"
وفي حين أن استخدام مستحضرات التجميل وغيرها من وسائل العناية بالبشرة والجسم مثل التدليك وتوابعه، متنفس للمرأة لأنه يخلصها من الضعوط اليومية، فقد دفع ارتفاع تكلفتها الكثير من المصريات إلى البحث عن بدائل "على قد الإيد". وتواصل رصيف22 مع بعضهن من باب الاستفسار.
تقول ناريمان علي، التي تعمل صحافية وتقيم في حي السادس من أكتوبر، إن تكلفة التجميل في المراكز المحيطة بها مرتفعة للغاية، خاصة مع ارتفاع الأسعار وثبات الرواتب. لذلك اختارت تعلم استخدام أدوات التجميل بنفسها. توضح: "مابقتش أروح كوافير إلا للضرورة وكل فترة، بدفع حوالي 500 أو 600 جنيه في تنظيف البشرة والحواجب، الباقي اتعلمته بنفسي من اليوتيوب وبجرب المنتجات في السوق علشان أوفر في الميزانية".
وتقول مديحة مجدي إن والدتها ورثت علماً عن العلاج بالأعشاب، فتعلمت منها بعض الوصفات التي تحافظ على نضارة البشرة من دون اللجوء إلى مستحضرات التجميل المرتفعة التكلفة، والتي، في رأيها، تضر بالبشرة مهما علت جودتها: وتضيف: "البنجر أساسي في السلطة عندي لنضارة البشرة وزيت النعناع للشعر، وفيه ماسكات منزلية لتنظيف البشرة رخيصة ومش مضرة".
وتؤكد هايدي مصطفى القاطنة في الزمالك والموظفة في أحد البنوك أن المظهر مهم، في نظرها، والأسعار المذكورة في الفاتورة المثيرة للجدل منطقية. وتزيد: "بس أنا لما بروح مراكز تجميل في الزمالك أو مصر الجديدة مش بوصل شعر، بحاول أعمل الحاجات اللي صعب أعملها في البيت زي توريد الخدود والصبغة، وسمعة المركز بتضمنلي إن الجودة عالية مش هتضرني".
وتلفت نورهان التي تقطن منطقة الألف مسكن إلى إنها لا تذهب إلا إلى "الكوافير" الكائن في شارعها لضبط حواجبها فقط. تقول: "بدفع 50 جنيه لإزالة الشعر من وجهي وحواجبي وبخرج مبسوطة، وبحاول اتعامل في البيت مع المستحضرات. اليوتيوب مفيد في النقطة دي، حتى الحمام المغربي بشتريه وبعمله في البيت لإن تكلفة مراكز السبا والمساج والحمامات أعلى من المرتب بكتير".
خدمات "بالدولار"
وتواصل رصيف22 مع أحمد لطفي، صاحب مركز التجميل، مصدر لفاتورة التي أثارت الجدل، فردّ على التعليقات: "أنا أخاطب طبقة الـA, B Class، هذه الطبقة لديها قدرة مالية تمكنها من استخدام خامات عالية الجودة وعالية التكلفة أيضاً"، مشيراً إلى أن 60% من الفنانات يقصدن مركزه.
وفسر لطفي الجدل الذي أثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يرجع لاختلاف الطبقات: "كل طبقة في المجتمع ليها أسعارها، الضجة المثارة على فيسبوك سببها إن بعض الناس بتتخيل إن سعر الصبغة ثابت زي اللي بيشوفوه في الصيدلية، فلو الصيدلية بتبيعها بـ100 جنيه وأنا بعملها بـ1500 حقهم يستغربوا، هما مش متخيلين إن فيه خامات أعلى كتير بتيجي مستوردة بالدولار، وهامش ربحي لا يتعدى 10 أو 15%".
وأكد أن الفاتورة المتداولة متوسطة التكلفة، وأن ما رفع قيمتها هو تكلفة تركيب خصلات الشعر. قال: " تركيب الشعر مش خدمة بيقدمها المركز لكنها سلعة بنشتريها ونبيعها مع هامش ربح، وخامات الشعر بتيجي من الهند وإيران وماليزيا بالدولار، وسعر الجرام بيوصل لـ120 جنيه، والعميلة بتحتاج حوالي 200 أو 250 جرام، يعني تقريباً 25 ألف جنيه تكلفة الشعر بس، بخلاف المواد اللاصقة وربح المكان، لكن لو العميلة اختارت لوك مريام فارس مثلا فتكلفته هتوصل من 30 لـ35 ألف جنيه لإن الشعر المدرج من أغلى الأنواع".
وأضاف صاحب مركز التجميل أن المنتجات التي يعتمد عليها مستوردة بالدولار، وتضاف إلى قيمتها ضرائب جمركية مرتفعة باعتبارها سلعاً كمالية. وأكمل: "كل شيء غلي مع ارتفاع سعر الدولار، غير إن الدولة بتعتبر مستحضرات التجميل سلع ترفيهية، وبالتالي الجمارك والضرائب بتاعتها عالية"، مشيراً إلى أنه رغم ارتفاع الأسعار منذ بداية العام، وانخفاض قيمة الجنيه أخيراً، لن يقدم على رفع أسعار خدماته قبل أول نسيان/ أبريل المقبل، إذ لا تزال لديه خامات اشتراها قبل ارتفاع سعر الدولار.
ويختم أحمد لطفي: "أنا بستورد خامات عالية الجودة بكميات محددة للمركز بتاعي مش للبيع، فيه مستوردين بيشتروا خامات بأسعار زهيدة علشان يبيعوها في السوق بأسعار متوسطة، ومستحضرات التجميل شأنها شأن أي سلعة فيها الغالي والرخيص، حد يصدق إن ملابس ويجز في حفل السعودية بـ10 آلاف دولار؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...