تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
أثارت تصريحات رئيسة المحتوى الترفيهي العام في شركة ديزني، كاري بورك، حول زيادة تمثيل الأقليات الجنسية في أعمال ديزني بنسبة 50%، العديد من ردود الفعل السلبية والإيجابية، وقد جاء ذلك تزامناً مع إطلاق ديزني فيلمها الأخير (light year) الذي منعته الكثير من الدول العربية، من بينها مصر، السعودية ولبنان.
إثر ذلك، صرّح عدد من الفنانين/ات المصريين/ات الذين قدّموا دبلجات بالعامية المصرية لأعمال سابقة لديزني، عن نيتهم عدم المشاركة في أي عمل قادم يضم شخصيات من مجتمع الميم-عين بسبب اعتراضهم/نّ على الأجندة الجديدة للشركة (1)(2)، كما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من الآراء المؤيدة والمعارضة، فقد رأى المؤيدون/ات أن مثل هذه القرارات تعد تطوراً كبيراً في عالم الإنتاج الفني، وأنها خطوة تأخرت كثيراً، لكونه من المهم أن تجد كل الأقليات التمثيل المناسب لها، خصوصاً وأن الأعمال موجهة بشكل خاص إلى الأطفال، الأمر الذي سيجعل طريقة اكتشافهم لذواتهم أكثر أماناً.
وعلى الجانب الآخر، رأى المعارضون/ات أن هذه القرارات ليست إلا محاولة لإرضاء مجتمع الميم-عين والانصياع لرغبات الصوابية السياسة، وأن تمثيل الأقليات الجنسية لا يخدم العمل الفني ولا يؤثر عليه، زاعمين أن ما تقوم به تلك الشركات هي محاولة لتلقين المشاهدين/ات، سواء كانوا من الأطفال أو البالغين/ات، لأفكار غير مقبولة، ما قد يسبب خطورة على الأطفال.
خطوات تصحيحية
اعتبرت مؤسسة مجموعة "أطياف" الكويرية، التي فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، أنه "على عكس ما قد يتوقع البعض، فإن هناك فئة ليست بقليلة من العاملين/ات في المجال الفني والسينمائي من مجتمع الميم-عين، وبالتالي فإن خطوة إظهارهم/نّ في الأعمال الفنية جاءت متأخرة، خصوصاً في منصة بحجم ديزني، حيث لم يحظَ الكثير من العاملين/ات في هذا المجال بتمثيل حقيقي لهم/نّ، وظلت الأعمال تمثل الجوانب السائدة من المجتمعات، وذلك ينطبق على القطاع السينمائي والتلفزيوني بشكل عام".
وأضافت خلال حديث لرصيف22: "أدّت هذه السياسة لغياب التنوّع والاختلاف في عقلية المشاهد، وكأنه في الحياة لا يوجد علاقات إنسانية وعاطفية إلا بين المغايرين جنسياً، الأمر الذي يجعل ما تقوم به منصات الإنتاج الفني في الوقت الحالي عبارة عن خطوات تصحيحية لتاريخ طويل من التهميش والإنكار".
وأشارت المتحدثة إلى أن ديزني قد تأخرت في اللحاق بمنصات أخرى مثل نتفليكس وHBO: "بدأ الأمر بمحاولات الشركة تغيير الصورة النمطية لأميراتها اللواتي ينتظرن الفارس المغوار ليحررهنّ من الأسر أو ليقعن في غرامه، لصورة أكثر واقعية عن نساء يحاولن أن يثبتن ذواتهنّ، ويسعين لخوض تجارب مختلفة"، منوّهة بأنه "مع إعلان ديزني عن منصة المشاهدة الخاصة بها وشرائها لحقوق أعمال مارفل بدأت الأمور في التحسن".
"أدّت هذه السياسة لغياب التنوّع والاختلاف في عقلية المشاهد، وكأنه في الحياة لا يوجد علاقات إنسانية وعاطفية إلا بين المغايرين جنسياً، الأمر الذي يجعل ما تقوم به منصات الإنتاج الفني في الوقت الحالي عبارة عن خطوات تصحيحية لتاريخ طويل من التهميش والإنكار"
بالنسبة إلى مسألة إرضاء مجتمع الميم-عين، قالت المتحدثة: "بالطبع هناك رغبة لإرضاء مجتمع الميم-عين، فهذه الشركات هي شركات رأسمالية في الأساس، وهدفها الأول والأخير هو الربح، وإظهار شرائح أكثر من المجتمعات سيساعدها في تحقيق ربح مادي أكبر، لا أن ظهور الأقليات الجنسية في الأعمال أضاف بعداً فنياً خاصاً لأعمال كثيرة، مثل مسلسل Orange is the new Black على شبكة نتفليكس، والذي يعد أحد أوائل الأعمال الكويرية التي قدمتها المنصة والذي حقق نجاحاً كبيراً".
وتابعت بالقول: "منصات الإنتاج مجبرة على هذا التغيير، لأنه لو لم يحدث ذلك، لن تحقق تلك الأعمال الأرباح المرجوة منها، وأعتقد أن هذا التوجّه لن يكون مجرد صيحة أو ظاهرة تخفت مع مرور الزمن، فتمكين الأقليات سيفتح الباب لأعمال كثيرة جداً كانت تتوارى خلف السياسات التى كانت تتبعها شركات الإنتاج قديماً، أما اليوم، وبعد فتح الباب لظهور الأقليات بشكل أكبر، سيكون من الصعب إقصاؤها مرة أخرى".
الظهور رسالة
قدم المخرج المصري محمد دياب مسلسل (moon knight) عبر منصة ديزني، أحد قصص مارفل المصورة، عن بطل خارق وإله مصري قديم. هذا العمل قابل حَفاوة بالغة، خصوصاً في مصر، لكونه جاء مختلفاً عن باقي الأعمال الغربية التي تتناول مصر أو المناطق العربية في أحداثها.
في حوار مع رصيف22، قال المخرج وصانع المحتوى عمر أبو المجد: "من الطبيعي أن يحتفي المشاهد بالأعمال التي يشعر أنها تمثله، والتي نجحت في أن تتناول حياته كما يراها، وهنا تظهر أهمية تمثيل الثقافات والمجتمعات المختلفة من خلال أناس من تلك الثقافات والمجتمعات، فهم/ن وحدهم/ن القادرون/ات على رؤية التفاصيل التي ستجعل العمل أقرب للواقعية".
وأضاف أبو المجد: "تختلف ردود الأفعال تجاه تمثيل الفئات المهمشة، فهناك من يتقبل تمثيلهم/نّ لأنه يشعر أن هذا حقهم/نّ، وأن العالم مدين لهم/نّ، وآخرون يرفضون تمثيل الأفراد الذين يختلفون عنهم سواء في التقاليد والعادات أو الدين أو حتى في الميول والهوية الجنسية، لأن ذلك يشعرهم بأن العالم لا يشبههم".
وعن أثر تغييب مجتمع الميم-عين من الأعمال الفنية أو تمثيل بعض الأفراد بشكل سلبي، قالت العابرة المثلية سعاد (اسم مستعار): "كانت الأعمال الفنية تتجنب إظهارنا في أغلب الأوقات، وإن حدث ذلك، عادةً ما يكون بشكل سلبي لتقديم صورة نمطية خاطئة عنّا، وكعابرة ذات ميول مثلية كان من الصعب عليّ أن أجد تمثيلاً إيجابياً أو محايداً على الأقل لهويتي".
وأضافت لرصيف22: "شعرت دائماً أنني وحدي وأن عليّ أن أتخفّى عن العيون، إلى أن شاهدت بضع حلقات من مسلسل (Euphoria) مؤخراً، حيث لاحظت وجود إحدى العابرات فيه خارج الصورة التي اعتدت أن أراها في الأعمال الفنية، كان هذا جيّداً إلى حدّ كبير"، واستدركت بالقول: "لا يمكنني القول بأن جميع المشاعر التي انتابتني كانت جيدة، فقد كان هناك شعور دفين بالحسرة على عدم استطاعتي أن أعيش تلك الحياة، لكن على الأقل كان بالإمكان أن أشاهد شخصاً ما يمثل هويتي خارج إطار الوعظ والتحذير".
المساهمة في تقبل الذات
شرح المعالج والمحلل النفسي طوني حداد في حديثه لرصيف 22: "يعتبر تقبل الذات شيئاً بنيوياً يتم تأسيسه من خلال تفاعل الطفل مع البيئة، وعلى أساس هذا التفاعل تتكون نظرة الأطفال لأنفسهم عندما يصبحون في مرحلة البلوغ".
"كانت الأعمال الفنية تتجنب إظهارنا في أغلب الأوقات، وإن حدث ذلك، عادةً ما يكون بشكل سلبي لتقديم صورة نمطية خاطئة عنّا، وكعابرة ذات ميول مثلية كان من الصعب عليّ أن أجد تمثيلاً إيجابياً أو محايداً على الأقل لهويتي"
أما بالنسبة لتقبل الذات على الجانب الجنساني، فأوضح حداد أن المسألة تكون أصعب: "بسبب الوصمة المجتمعية والرفض الذي تواجهه الميول والهويات الجنسية غير النمطية، وبوجود تمثيل إيجابي لمجتمع الميم-عين في الأعمال الفنية، سوف يساعد ذلك أصحاب تلك الميول والهويات الجنسية على تقبل ذواتهم/نّ، حتى وإن واجهتهم/نّ بعض المشاعر السيئة بسبب عدم قدرتهم/نّ على أن يكونوا مثل تلك الشخصيات التي يشاهدونها، لكن هذا سيمنحهم/نّ شعوراً أولياً بالأمان، حتى وإن كان هناك معارضة اجتماعية، كما قد يمنحهم/نّ الأمل في أن يروا أنفسهم/ن في المستقبل في مكان أفضل".
هذا وأوضح الدكتور طوني حداد: "ليس هناك أي علاقة بين الميول الجنسية وبين ما يشاهده الأفراد أو يعيشون معه، وأكبر دليل على هذا هو وجود أشخاص مثليين أو مثليات كبروا داخل عائلات مغايرة من أب وأم ينجذبون لبعضهم البعض، كما نشأ أطفال في عائلات مثلية من آباء أو أمهات، وكبروا/ن مع توجه جنسي مغاير، وهناك أبحاث ودراسات كثر تحدثت عن هذا، لذا فإن عدم عرض منصات الإنتاج لشخصيات ذات ميول وهويات جنسية مختلفة في أعمالها الموجهة للأطفال لن يوقف ظهور أناس بهويات وميول جنسية مختلفة، لكن بوجود هذه الشخصيات في الأعمال الموجهة للأطفال قد يساعد المرء على فهم ذاته بشكل أفضل ويمنحه القدرة على تقبل الاختلاف بين البشر".
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...