تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
درس في دير السالزيان للراهبات في الأردن لمدة أربعة أعوام، لقّنه والده علم اللاهوت والأديان المقارنة، وبالرغم من كونه شخصاً مؤمناً، إلا أنه يحرص على إقامة صلواته بينه وبين ربه. ولد أيسوري دياب بأعضاء ذكرية، لكنه لا يرى نفسه ذكراً، فهو يعبّر عن نفسه بأنه "ليدي بوي"، على الأقل مؤقتاً لحين مرحلة العبور الجنسي في المستقبل.
يحمل أيسوري، البالغ من العمر 27 عاماً، الجنسية العراقية، ويقيم حالياً في السويد، حيث يعمل في مجال الموضة والأزياء fashionista، كما أنه مهتم بطرح المواضيع العامة والقضايا الاجتماعية والأمور التي لها علاقة بالموضة والماكياج، بالإضافة للإعلانات.
بين الافتراضي والواقع
يحظى أيسوري دياب بعدد متابعات كبير على السوشال ميديا، إذ يتابعه على انستغرام 65 ألف شخص، وعلى فيسبوك 27 ألف متابع، وعلى سنابتشات 53 ألف وعلى التيكتوك أكثر من 20 ألف شخص، لكن هناك العديد من الأفراد الذين يتعرّضون له ولأهله بالإساءة والتنمر، بالإضافة إلى السباب والشتيمة واستخدام كلمات نابية.
هذا في العالم الافتراضي، أما على أرض الواقع فالأمر ليس بأفضل حالاً.
ولد أيسوري دياب ذكراً، لكنه لا يرى في نفسه كذلك، فهو يعبّر عن نفسه بأنه "ليدي بوي"، على الأقل مؤقتاً لحين مرحلة العبور الجنسي في المستقبل
في حديثه مع رصيف22، قال أيسوري، إن الجالية العربية في السويد كبيرة ومتواجدة في الكثير من الأماكن، كاشفاً أنه يتعرض للتنمر ويسمع الكثير من الكلام النابي في الأماكن العامة: "بعضهم ينظر إليّ بسخرية واستحقار، بينما الشعب الأوروبي يحترم الحريات الشخصية".
وتابع بالقول: "لا أعتقد أنه لديهم هذه النظرة الدونية كغيرهم".
بالرغم من أن أيسوري لا يجد مبرراً لكل ما يتعرض له من شتائم وتنمر، الا أنه أردف قائلاً إن أي شخص مختلف قد يتعرض بدوره للسخرية والتنمر: "حتى لو كان مختلفاً بآرائه أو بأفكاره، فما بالك إذا كان مختلفاً بشكله؟"، وأضاف: "الناس يخشون كل شيء مختلف عنهم".
الزيف والتصنّع
ما يثير امتعاض أيسوري دياب أن هناك الكثير ممن يتابعونه ويبعثون له بطلبات الصداقة ويحرصون على متابعة يومياته، يواظبون في الوقت ذاته على الإساءة له والتنمر عليه، وبرأيه أن الدافع الكامن وراء متابعته على السوشال ميديا هو الفضول ومن ثم التنمّر: "التقليل من شأني يجعلهم يشعرون بأنهم أعلى شأناً، ونظراً لعقدة نقص في داخلهم، فإن هذا الشيء يسعدهم".
وتابع دياب: "يقومون بإفراغ طاقتهم السلبية من خلال شتمي. يشعرون بالنقص ويحاولوا أن يشبعوا نقصهم هذا بالتصويب على ما يعتبرونه خطأ أو مختلفاً عنهم، والغريب أن الكثير منهم يشتمونني في العام ويتغزلون فيّ في الخاص".
وكل ذلك يعود، بحسب أيسوري، إلى طريقة فهمهم للأمور، غير أنه لا يكترث لكل حملات التشهير والتنمر، لا بل توجّه إلى منتقديه بالقول: "لا أريد أن أنزل لمستواكم. شكراً أنتم على العين والراس".
وعن التعليقات السلبية والإساءات، كشف أن البعض يغلّف تعليقاته السيئة بالتعاطف كالشفقة عليه، ومنهم من يدعوا له بالهداية: "هؤلاء يجمّلون التنمر ولا يفقهون معنى كلمة (الله يهديك) وهم بعيدون كل البعد عن الله وعن الدين، يتوهمون أنهم يفعلون خيراً، لكن على العكس من ذلك فإنهم يتنمرون بطريقة (كلاس)".
البحث عن الذات
عاش أيسوري دياب في عمر المراهقة مرحلة ضياع وكان عنوانها: البحث عن الذات، ومحاولة الإجابة على بعض الأسئلة: ماذا أحب أن أكون؟ وكيف يجب أن أكون؟ ولكن مع التقدم في العمر والنضج الذي اكتسبه من الحياة، وجد نفسه وأصبح يعرف جيداً ما يريد، وها هو اليوم يعيش بسلام نفسي وبمصالحة مع ذاته.
يعرّف أيسوري عن نفسه بالليدي بوي، وهي مرحلة انتقالية بالنسبة له لحين عبوره التام لامرأة، معتبراً أن كلمة gay أو she male هي مجرّد تسميات: "المهم ما نشعر به في ذاتنا وما نريد أن نكون عليه"، وفق قوله.
وأضاف: "حتى الآن، أنا لست عابراً جنسياً، أنا مجرد إنسان مسالم وكيان مستقلّ بأفكاري وآرائي وانتمائي وميولي، لي الحق بأن أفعل ما أريد وأكون ما أشاء... أنا أمثل نفسي ولا أمثل المجتمع أو العادات والتقاليد".
وذكر أيسوري أن الإساءات والتعليقات السلبية التي يسمعها ويقرأها يومياً شكلت ضغطاً كبيراً عليه ومصدر إزعاج له، الا أنه، ومع مرور الوقت، استطاع تجاوزها بعد أن اكتشف ان أصحاب التعليقات السلبية "فارغون"، وأنه يجب أن يعيش حياته كما يحلو له وأن يفعل ما يريد وأن "يطنّش"، بحسب تعبيره، على كل ما يُقال عنه.
التحديات والصعوبات
من أصعب المواقف التي مرّ بها أيسوري وعاشها هي مواجهة أهله للناس: "لقد واجه أهلي مجتمعاً قاسياً، وبالطبع قد يشعرون بالحزن أحياناً بسبب تلك المواجهة، لكن هذا الأمر ليس بيدي وأنا لم أقترف أي خطأ".
ورداً على الأقاويل التي تعتبر أنه أصبح على ما هو عليه اليوم بسبب تربية خاطئة أو لأنه كان ضحية اعتداء، أجاب أيسوري: "أنا اخترت أن أكون هكذا وبكامل إرادتي، ولم أتعرض في طفولتي لأي إساءة أو اغتصاب، وعشت حياة طبيعية ومستقرة، فأنا لست بمظلوم ولا بضحية".
"حتى الآن، أنا لست عابراً جنسياً، أنا مجرد إنسان مسالم وكيان مستقلّ بأفكاري وآرائي وانتمائي وميولي، لي الحق بأن أفعل ما أريد وأكون ما أشاء... أنا أمثل نفسي ولا أمثل المجتمع أو العادات والتقاليد"
وشدد دياب على أنه يتجاوز جميع المشاكل والضغوطات بفضل إصراره ومحبة المقربين منه، كالأهل والأصدقاء: "هؤلاء هم الذين وقفوا معي وساندوني، كما انهمكت بالحديث عن مواضيع اجتماعية، فكل هذا زاد من قوة شخصيتي".
وعن الدور الذي لعبته عائلته وكيفية تقبلهم للموضوع، قال: "أهلي لم يحاربوني أبداً، فقط أعطوني نصائح وأسدلوا الستار على الموضوع، أما بالنسبة لأقاربي هناك من كان معي ومن كان ضدي لكن بدون تدخل أيضاً".
وفي الختام، شدد أيسوري على أن طموحاته كبيرة وأحلامه كثيرة، وكونه لا يعمل حالياً على وجه التحديد، يمتهن الدعاية والإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينكب على مشروع جديد على أمل أن يبصر النور في القريب العاجل، هذا ووجّه نصيحة للجميع بأن يكونوا على طبيعتهم وألا يتصنّعوا.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...