شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من سوريا إلى ألمانيا...

من سوريا إلى ألمانيا... "لايا" و"راجي" يكتشفان شخصيتهما خارج صندوق التسميات والقوالب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 20 مايو 202204:12 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

راجي ولايا، شخصيتان في جسد واحد، لكل منهما صفاته الخاصة المكملة للآخر ونمط الحياة الخاص به: راجي هو الشاب الهادئ و"البيتوتي"، كما يُعرّف عن نفسه، ولايا هي الفتاة الحيوية والمحبة للحياة والسهر.

شخصيتان في جسد واحد

ولد راجي، خبير التجميل، في مدينة السويداء في سوريا، في حين بدأت شخصية لايا تظهر بعمر السادسة من العمر، عندما لفتتها ألوان الفساتين ومساحيق التجميل، لتصبح اليوم عارضة أزياء ومقدمة عروض دراغ كوين.

عند سؤالنا عن الضمير والاسم المفضل لضيفنا/تنا، قال راجي لرصيف22: "أنا مرتاح مع ضمائري جميعها، البعض يناديني بصيغة المذكر، والبعض الذي يتعرف عليّ كلايا يستمر بمناداتي بالضمير المؤنث، ليست لدي أي مشكلة تجاه الضمائر، فأنا مرتاح معها جميعها والضميران يعبّران عني".

"منذ عمر الست سنوات وأنا أضع مساحيق التجميل وأرتدي الفساتين. في البداية، كان أهلي ينظرون للأمر بشكل فكاهي، لكن مع مرور الوقت بدأوا يشعرون أن هناك فناً وموهبة فيما أفعل، وأصبحوا الآن من الداعمين الأوائل لي، وبخاصة والدتي التي تدعمني وتعطيني رأيها بأعمالي"

درس راجي (32 عاماً) في معهد ميكانيك السيارات جرّاء ضغط من أهله، لكن ما لبث أن تمرد على مجتمعه وعلى المنظومة السائدة في المنطقة، تبعاً للقول "خذ شهادتك وافعل ما تريد"، وترك المعهد ليعود الى شغفه الأساسي بعالم التجميل.

عن هذه المرحلة، قال راجي: "كنت أهرب من المدرسة للعمل في صالونات التجميل، فمنذ عمر الست سنوات وأنا أضع مساحيق التجميل وأرتدي الفساتين. في البداية، كان أهلي ينظرون للأمر بشكل فكاهي، لكن مع مرور الوقت بدأوا يشعرون أن هناك فناً وموهبة فيما أفعل، وأصبحوا الآن من الداعمين الأوائل لي، وبخاصة والدتي التي تدعمني وتعطيني رأيها بأعمالي".

الخروج إلى الضوء والنضوج

كان من الصعب جداً على راجي ولايا اكتشاف وتحديد توجهاتهما الجنسية وتعبيراتهما الجندرية، وخاصة في ظل غياب المصادر العربية التي تتحدث عن الجنسانية والجندر في العالم العربي، وبخاصة في تلك الفترة الزمنية.

تعليقاً على هذه النقطة، أوضح راجي: "لا أحب أن أحصر نفسي بأي قالب أو تصنيف معيّن، فأنا أكتشف شيئاً جديداً في نفسي كل يوم، لذلك لا أحب أن أربط نفسي بمسمى واحد"، وتابع بالقول: "أنا متصالح مع نفسي كما أنا، وأتعامل مع خصائصي بكل أريحية وثقة بالنفس، لايا في داخلي منذ زمن، وفي كل يوم لايا وراجي يكتشفان أشياء جديدة في شخصيتهما".

خرج راجي في العام 2011 كلاجىء من سوريا الى لبنان، وهناك أخذت شخصية لايا تنضج وتتحرر بعد أن كانت "سجينة" المرآة وجلسات الأصدقاء المقربين في سوريا: "رأت لايا العالم الخارجي ومشت في الشارع للمرَّة في بيروت ليلة رأس السنة، كان شعوراً مختلطاً بين الخوف والسعادة، كنتُ أنظر لعيون المارّة إن كانوا سيكتشفون شيئاً، لكن أحداً لم ينتبه، ربما لأنني كنت قد حلقت لحيتي حينها".

على الرغم من التحرر النسبي الذي عاشته لايا في بيروت، الا أنَّها كانت قد اضطرت أيضاً لإخفاء جوانب من شخصيتها وملامحها الخارجية، التي شعرت حينها أنها قد تكون خارجة عن معايير المجتمع وحتى المعايير المرسومة في مجتمع الميم -عين في العالم العربي، ومنها اللحية، إذ توضح لايا: "أحب شكلي بتفاصيله كافة وخاصة لحيتي، كنت أشعر بالانزعاج عندما أحلقها ولطالما تمنيت لو استطعت تركها، لكن لم يكن ذلك مألوفاً حتى ظهور كونشيتا ورست وشهرتها، فعلمت حينها أن هذا الشيء موجود في الخارج وهناك من يتقبله، عندها تجرأت أكثر وتركتها حتى أصبحت جزءاً من لايا، لا تستغني عنه".

"المجتمع يختبىء وراء إصبعه"

انتقل لايا وراجي الى ألمانيا، وهناك حاولا تشكيل حياتهما المهنية، فقد عمل راجي في صالون تجميل في هامبورغ وأصبح له اسمه هناك، فيما كانت نقطة التحول عند لايا خلال جائحة كورونا، عندما دفعها صديقها لإنشاء حساب تيك توك ونشر المحتوى الخاص بها عليه: "انتشر الفيديو الأول لي بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل غير متوقع، لم يهدأ هاتفي طوال الليل، اتصل أخي متسائلاً إن كان هذا أنا، وأخبرني أن صفحات مدينتي على فيسبوك تنشر الفيديو".

"أنا متصالح مع نفسي كما أنا، وأتعامل مع خصائصي بكل أريحية وثقة بالنفس، لايا في داخلي منذ زمن، وفي كل يوم لايا وراجي يكتشفان أشياء جديدة في شخصيتهما"

وأضافت لايا: "كان خائفاً عليّ من ردة الفعل تلك ومن وصول الفيديو لوالدي، لكنه طلب مني ألا اهتم لكلام الناس وأن أفعل ما أشاء".

وبالرغم من أنه لديها ما يزيد عن 80 ألف متابع/ة على تيك توك، غير أن لايا تعتبر أن هذه النسبة لا تعكس المشاهدات والمتابعين الحقيقيين: "المجتمع يختبئ وراء إصبعه، وكمية الرسائل التي تصلني أكثر بكتير من التفاعلات على الصفحة، تأتيني رسائل كثيرة مفادها: انا أحبك كثيراً لكن لا أستطيع متابعتك خوفاً من أهلي وأصدقائي"، غير أن لايا تصر على الرد بالقول بأنه لا داعي للخجل من متابعتها: "أنا لا اقوم بفعل إباحي أو خاطيء، ولا شيء مُخجل فيما أفعل".

في بعض الأحيان، يواجه راجي ولايا التعليقات السلبية والتنمّر على حدّ سواء، وذلك من بعض الأفراد الذين لا يتقبلون اختلافهما، وفق ما شرحت لايا: "أتعرض للتنمر من المغايرين جنسياً لأن شكل راجي يوحي لهم أنَّه مثلي، ومن بعض المثليين جنسياً لأنني أبدو أكثر أنثوية، ومن بعض العابرات لأنني لا أحلق لحيتي"، منوهة بأن بعض الأفراد من مجتمع الميم-عين يشاركون بهذه التعليقات السلبية: "تخيل حجم التنمر الذي يأتي من كل الجهات، ولكنه في النهاية لا يؤثر بي كثيراً، لذلك أترك معظم التعليقات باستثناء تلك التي قد تكون مزعجة للناس".

"أحب شكلي بتفاصيله كافة وخاصة لحيتي، كنت أشعر بالانزعاج عندما أحلقها ولطالما تمنيت لو استطعت تركها، لكن لم يكن ذلك مألوفاً حتى ظهور كونشيتا ورست وشهرتها، فعلمت حينها أن هذا الشيء موجود في الخارج وهناك من يتقبله، عندها تجرأت أكثر وتركتها حتى أصبحت جزءاً من لايا، لا تستغني عنه"

ترى لايا أن المجتمع العربي بدأ يعتاد على رؤية الدراغ كوين، والفضل بذلك يعود لفنانات الجرّ في لبنان، اللواتي قدمن أنفسهنّ وثقافتهنّ بطريقة مناسبة، كما أن دور العرض والأزياء بدأت تهتم بالتعاقد مع فنانات الجر العالميات، أمثال Gigi Goode ، bimini bon boulash ولعلّ هذا ما شجعها شخصياً على الانخراط في مجال الموضة، إذ قامت مؤخراً بتصوير مجموعة من أزياء المصمم الألماني guido kretschmer وبعدسة المصور Christian barz في أول تجربة لها.

يتعامل راجي ولايا مع الفن الذي يقدمانه بشكل مشترك، إذ يقوم راجي برسم أفكاره على وجه لايا، بينما تقوم لايا بتقديم أفكار راجي للمشاهد بطريقتها الخاصة: "أتابع الجميع وأستوحي أفكاري، أرسم أفكار المكياج وتسريحات الشعر التي تخطر على بالي مباشرة على الآيباد حتى لا أنساها، وأقوم بتطبيقها لاحقاً على لايا".

أما بالنسبة إلى "موجات" النقد التي قد يتعرض لها، يشدد راجي على أنه يتعامل معها بطريقته الخاصة التي وجد فيها ملاذاً للحفاظ على شخصيته، إذ يقول: "فرضت احترامي على الجميع، نظرة الناس لي لا تعنيني لأنني أعلم أنني لا أقوم بشيء خاطئ، والأشخاص اللي بدا تحبني، بتحبني مثل ما أنا، مو متل ما هني بدن".  

هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image