قبل أن تنتهي حياة الطلبة الجامعية نيرة أشرف ظهر الإثنين 20 يونيو/ حزيران الجاري، بنحر رقبتها بعد طعنتين نافذتين في صدرها على يد زميل مهووس بها، سعت الضحية وأسرتها مراراً إلى تجنب ملاحقات قاتلها، وبحسب تصريحات صحافية لوالد الضحية، فإن الأسرة لجأت إلى الشرطة وحررت ثلاثة محاضر بعدم التعرض ضد الطالب محمد عادل الذي أجهزت طعناته على حياة نيرة ظهر الإثنين. إلا أن تلك المحاضر جميعها لم تنفذ، فلجأت الأسرة إلى الجلسات العرفية التي تجاهلها الشاب كذلك كما سبق له تجاهل الأوامر القانونية بالابتعاد عن ضحيته.
وذكرت النيابة العامة، في بيان لها، أن المتهم بحسب شهادات من ذويها وطلاب بالجامعة، كان دائم التعرض للمجني عليها على إثر فشله في الارتباط بها ورفضها لشخصه، وعقدت الأسرة جلسات عرفية وحررت محاضر رسمية ضده كان أحدثها قبل شهرين لأخذ تعهده بعدم التعرض لها.
هناك من نجا من مصير نيرة، لكنه اصطدم بواقع آخر وهو عدم توفير المساندة القانونية الكاملة للضحايا في بلاغات عدم التعرض التي تحررها الفتيات في هذه الوقائع، أو حتى رفض تسجيل بلاغات ضد الرجال المُلاحقِين
ربما كانت جريمة قتل نيرة هي الأعنف، والأكثر مشهدية بحكم وقوعها على مرأى ومسمع المارة والحرس الموكول إليه تأمين بوابات جامعة المنصورة (شمال العاصمة) حيث وقعت الجريمة، إلا أنها ليست الحادثة الأولى التي تتعرض فيها فتاة مصرية للملاحقة من رجل مهووس، وتفشل في الحصول على الحماية من جهات إنفاذ القانون.
تدفع الكثير من الفتيات في مصر حياتهن وأحيانا أجزاء من أجسادهن، نتاج الهوس أو فشل العلاقات العاطفية، ولا عجب في ذلك، فالعاصمة القاهرة، تصنف كواحدة من أخطر المدن على النساء، بسبب تزايد الاعتداءات الجنسية والجسدية منذ عام 2011، وبشكل عام، تحتل القاهرة الترتيب الثالث في المدن التي تتراجع فيها قدرة النساء على العيش دون التعرض لخطر الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو التحرش.
يعج محرك البحث بالكثير من الروابط الدالة على انتهاك أجساد النساء وسمعتهن في الكثير من الوقائع التي ترفض فيها السيدات استكمال العلاقات أو الانخراط فيها من الأساس، وربما يطال الانتقام أحد أفراد الأسرة، فهذا الشهر (حزيران) شهد مقتل مدرس في منطقة الصف بمحافظة الجيزة على يد مجموعة من المعتدين، لرفضه زواج أحد قاتليه من شقيقته.
وعلى الرغم من لجوء النساء وذويهن إلى قوات إنفاذ القانون للحصول على الحماية ضد مهدديهن أو مبتزيهن، إلا أن ممثلين لجهات إنفاذ القانون أحياناً ما يكونون هم الطرف المعتدي، ففي المطرية (شرق القاهرة) انتقم مندوب شرطة من ربة منزل رفضت عرضه بالزواج منها بإشعال النيران في منزلها، مما تسبب فى مقتل أحد أبنائها، وإصابة آخر بحروق جسيمة.
"بلّيه واشربي ميته"
هناك من نجا من مصير نيرة، لكنه اصطدم بواقع آخر وهو عدم توفير المساندة القانونية الكاملة للضحايا في بلاغات عدم التعرض التي تحررها الفتيات في هذه الوقائع، أو حتى رفض تسجيل بلاغات ضد الرجال المُلاحقِين.
منها واقعة حدثت في مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، أي المحافظة نفسها التي قتلت فيها نيرة، وكانت مسرحاً لجريمة التحرش الجماعي الأشهر خلال العامين الماضيين، إذ لم يتحرك رجال الشرطة لحماية الشابة نور النجار، التي لجأت إليهم لحمايتها من شخص يلاحقها كما لاحق محمد عادل ضحيته نيرة.
في شهادة نشرتها بشكل مفتوح عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، حكت نور النجار أنها تعرضت إلى المطاردة من شاب يدعى كريم وينحدر من قرية أبو نبهان التابعة لمركز ميت غمر، تلقت خلالها رسائل حافلة بالتهديدات التي تصل حد التهديد بالاغتصاب والتشويه إن لم توافق على الزواج منه.
قامت نور بتسجيل المكالمة التي هددها خلالها مُلاحقها بالاغتصاب، وذهبت إلى الشرطة كي تحرر محضراً ضده وتطلب حمايتها، إلا أنها ووجهت باتهامات من رجال القانون لاخلاقها، وسمعت أكبر مسؤول شرطي يتهمها بأنها جاءت لتحرر محضراً كيدياً في الشاب بدعوى أنه تركها وتخلى عن علاقتهما، وهو المجافي للحقيقة.
ربما كانت جريمة قتل نيرة هي الأعنف، والأكثر مشهدية، إلا أنها ليست الحادثة الأولى التي تتعرض فيها مصرية للملاحقة من رجل مهووس، وتفشل في الحصول على الحماية من جهات إنفاذ القانون
رفضت الشرطة تحرير المحضر، بدعوى أن التسجيل الذي سجلته بنفسها ويحوي تهديدات بالاغتصاب "غير قانوني" كونه لم يجر بناء على تصريح من النيابة العامة. وانصرفت نور من قسم الشرطة شاعرة بالقهر وهي تعلم أن رجاله القانون في ذلك القسم لن يوفروا لها الحماية بل ويميلون إلى مساندة مُلاحِقها.
لكن تصرف رجال الشرطة كان مختلفاً في حالة هاجر عبدالله، التي اضطرت – رغم تدخل الشرطة في مرحلة متأخرة- إلى ترك مصر كلها هرباً من ملاحقات شخص مهووس، دأب على ملاحقتها وتهديدها حتى تقبل الزواج منه.
مثل نور النجار ونيرة أشرف، لم يجمع هاجر عبدالله أية علاقة بمطاردها الذي يقطن في الحي نفسه في القاهرة، لكنها لم تسلم من مطارداته بشتى الوسائل، كان المشهد البطل فيها حين أوقفها للحديث معها رغما عن إرادتها، وتهديده لها بالإيذاء.
من حسن حظ هاجر سُجن الشاب على ذمة قضية لا تتعلق بها، واستغلت هي هذه الفترة في تغيير محل إقامتها والعمل خارج البلاد، لكنها كانت مجرد استراحة محارب، إذ عاد الشاب يواصل محاولاته الشرسة للتقرب، من خلال جمع الأخبار عن حياتها الشخصية وتهديد أسرتها، بلغ الأمر إلى ابتزازها بنشر صور عارية لها حال عدم قبولها الارتباط به. انتهت حيل الفتاة من الهرب، لتلجأ إلى الشرطة بمحاضر تشمل طرق ابتزازها والتربص بها، ليتم القبض عليه وتطلب أسرته الصلح مع الفتاة وأسرتها، وهو ما رفضته خوفا من أن يطلق سراحه فيعود إلى ملاحقتها.
القانون المصري، لا يرتب أية التزامات على جهات إنفاذ القانون (الشرطة) في توفير حماية خاصة لمن يطلبن عدم التعرض لهن من ملاحقيهن. وتقتصر أهميتها على "إيقاع الظرف المشدد" أي اعتبار جريمة القتل أو الاعتداء قد تمت بنية مبيتة "مع سبق الإصرار والترصد"
تقول الحقوقية لمياء لطفي، مدير البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة، إن فكرة الرفض غير مقبولة في مجتمعاتنا، وله كلفة كبيرة على الفتيات، بتشويه السمعة أو الإضرار بأجسادهن وأحيانا تدفعن حياتهن مثل نيرة.
تضيف لطفي لرصيف22: "حادثة نيرة مركبة، تتضمن الرفض والتربص. والمجتمع يمنح استحقاقاً للرجال للانتقام وممارسة العنف ضد الفتاة التي ترفض الارتباط بهم، ويتعجب الناس من توبيخ النساء لرجال يتعرضن لهن في الشارع كما حدث مع نيرة في واقعة الميكروباص، قتلها بصلاحيات المجتمع والاستحقاق الذكوري".
تتلقى لمياء لطفي الكثير من استغاثات وشكاوي النساء المتعلقة بالتحرش والابتزاز الإلكتروني بهن والتربص بهن من رجال أرادوا أن يقيموا علاقات معهن، إلا أن "الاستجابة القانونية يشوبها البطء".
لكن قانون العقوبات المصري، لا يرتب أية التزامات على جهات إنفاذ القانون (الشرطة) في توفير أية حماية خاصة لمن يطلبن عدم التعرض لهن من ملاحقيهن. يقول المحامي رمسيس النجار المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية – التي يكثر فيها تحرير محاضر عدم التعرض وأخذ تعهدات بذلك- أن محضر عدم التعرض هو "مجرد محضر إداري" لحماية الطرف المبلغ، حتى لا يتعرض له الطرف المشكو في حقه، "فالأصل في الدستور والقوانين عدم تعرض أي شخص لآخر".
وبحسب النجار، تقتصر أهمية محاضر عدم التعرض على "إيقاع الظرف المشدد" أي أن المحكمة تأخذ بها في اعتبار جريمة القتل أو الاعتداء أو السرقة قد تمت بنية مبيتة "مع سبق الإصرار والترصد" ما يغلق باب تخفيف العقوبة على المعتدي، أي أن أثره يقع بعد ارتكاب الجريمة ولا يحمي من وقوعها.
قتل أو تشويه
تشويه وجوه النساء بمواد حارقة تبدو الوسيلة الأكثر شيوعا في عالم انتقام الرجال من النساء اللواتي رفضن الارتباط بهم، فشهدت منطقة العجمى بالإسكندرية قبل 3 سنوات من الآن، واقعة انتقام شاب بسكب مادة كيميائية على فتاة لرفضها الزواج منه.
يلفت الباحث أشرف الصباغ إلى أن تلك الممارسات موجودة دائما على الأقل خلال نصف القرن الأخير، وربما عكستها بعض الأفلام والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، ثمة فارق بين الزمن الماضي والوقت الحالي قد يكون في عدد الجرائم، التي ساهمت في انتشارها السوشيال ميديا الفضائيات مما ألقى المزيد من الضوء على حجم هذه الجرائم.
يقول الصباغ في تصريحات لرصيف22: "جرائم الزمن الماضي كانت لا تقتصر على إلقاء ماء النار على البنات لتشويههن، بل كانت تمتد إلى الاغتصاب وتوجيه الأذى الجسدي بالضرب أو التشوية، والخطف، وتلفيق التهم، وتشويه السمعة، ربما كان حجمها وعددها صغيراً بالمقارنة بما يحدث حالياً" حسب تقدير الباحث.
ويرفض الباحث ربط ذلك بـ"تراجع منظومة القيم والأخلاق التي يعلق عليها بعض الخبراء ارتكاب جرائم من هذه النوعية"، فالأسباب الحقيقية عند الصباغ لها علاقة بالفقر وانهيار التعليم، وانغلاق المجتمع و"وقوفه عند عتبات القرن الخامس عشر، وتدهور الثقافة وعدم قيام الدولة بدورها على مستوى المدارس والجامعات، وتقصير المنظومة القانونية والقضائية، إلى جانب إصرار الدولة ومؤسساتها على أن الأخلاق أهم من القانون ومن الثقافة والحرية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع