شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
استغلال لا يوقفه الموت... رجال يرثون مطلقاتهم تحت ستار الولاية الشرعية

استغلال لا يوقفه الموت... رجال يرثون مطلقاتهم تحت ستار الولاية الشرعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 19 يونيو 202205:00 م

تعيش مصريات كثيرات داخل دائرة مغلقة تواجه فيها تبعات طلب الطلاق، فبدلاُ من أن يكون إنهاء علاقة زوجية غير متكافئة أو غير مستقرة هو بداية لحياة جديدة تُطوى فيها صفحة الماضي، فإن في حالات عدة تجد الزوجة نفسها تحت رحمة مطلقها طوال حياتها وحتى بعد وفاتها في بعض الأحيان!

وتضج جلسات السيدات، وحتى صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، بالحديث عن مخاوف الأم المطلقة على مستقبل أطفالها القصّر، وبخاصة في ظل قانون يفتح الباب أمام "إضاعة" ميراث الصغار إذ ما تحكم به أب غير مسؤول، خاصة أن القانون لا يضع أي رقابة على تصرف الأب في مواريث أبنائه من أموال أو منقولات أو أصول بشكل استباقي كما يحدث في حالة الأم، بل يكون الأب مطلق التصرف في ميراث الأبناء ما لم يقدم ضده بلاغاً بالتبديد.

وتشهد ساحات المحاكم المصرية وجود العديد من القضايا التي تكشف عن ألاعيب يلجأ إليها بعض الآباء للاستيلاء على ميراث مطلقاتهم الراحلات من بوابة الولاية الشرعية على أطفالهم، وذلك من خلال التصرف في ميراث القصّر من حيث بيع الممتلكات أو نقل الملكية وغيرها من الطرق التي تعني أن ثروة الأم الراحلة تبقى تحت تصرف طليقها، يتصرف فيها كيفما يشاء، على الرغم من وجود النصوص القانونية والجهات الرسمية التي تعمل على حماية ثروات القصّر.

"طليقي قال لي أنه ينتظر وفاتي للحصول على مكافأة نهاية الخدمة عندما يضع يده على ميراث الأولاد"

مكافأة نهاية الخدمة

"قال لي إنه ينتظر وفاتي للحصول على مكافأة نهاية الخدمة من الميراث"... هكذا بدأت نهى عادل* حديثها عن المخاوف التي تؤرقها بشأن استيلاء زوجها السابق على كل مدخراتها في حالة وفاتها تحت ستار الولاية الشرعية على أطفالهما. تقول "عشت لسنوات طويلة في عذاب مع زوج اجتمعت فيه كل الصفات السيئة، فكانت تلك السنوات عنوانها القهر بعقد الزواج، ولكن يبدو أن هذا القهر سيظل يلاحقني حتى قبري ولكن مع اختلاف الصفة الرسمية على الأوراق".

وتابعت السيدة الثلاثينية أنها لا تخشى الموت لأن الأعمار بيد الله تعالى، ولكن تخشى على مستقبل أطفالها الثلاثة إن ماتت ولم يبلغوا السن القانوني للتحكم في أموالهم (21 عاماً وفقاً للقانون المصري)، فإن كانت حالياُ هي العائل الوحيد لهم بعدما تخلّي والدهم عن مسؤوليته في الإنفاق عليهم، فماذا سيحدث لهم إذا رحلت عن العالم وأصبحت الأموال التي تجمعها من عملها في أكثر من وظيفة كي "تؤمن مستقبلهم" في يد أبيهم غير المسؤول؟

وأنهت الشابة حديثها بالتأكيد على أنها لا تتوقف عن السؤال بشأن الطريقة التي تمنع بها مطلقها من التحكم في أموالها إذا ما توفيت بدعوى ولايته على مال صغارها، حتى أنها فكّرت في كتابة كل ما تملك باسم أحد أشقائها ليرعى الصغار في حالة وفاتها ويمنع والدهم من التصرف في أموالها كيفما يشاء، إلا أنها تراجعت عن تلك الخطوة خوفاُ من عواقبها، إذا توفى شقيقها وأصبحت أموالها من ضمن ميراثه هو، وبالتالي يٌحرم منها صغارها.

خبير قانوني: القانون يفرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالولاية على ميراث الأبناء، ففي حين يتشدد القانون تجاه الأمهات ويعيقهن عن الإنفاق على الأولاد من الميراث من خلال الرقابة الاستباقية، يطلق يد الأب أو الجد في التصرف في أموال وممتلكات الأولاد من دون رقيب 

تحويشة العمر

أمّا زينة النمكي فكشفت أنها ليست بعيدة عن الخوف من ضياع ممتلكاتها لحساب طليقها في حالة وفاتها، منذ انفصالهما، امتنع الأب عن رؤية رضيعته إلا مرة واحدة. الآن، بلغت تلك الرضيعة السادسة من العمر، من دون أن يكون لأبيها أي دور في حياتها إذ يرفض رؤيتها. يضاف إلى ذلك – بحسب الأم- أنه "اتّبع كل السبل واستغل كل الثغرات القانونية من أجل التهرب من الإنفاق عليها"، ما يعني في رأيها أنه شخص لا يؤتمن على رعاية مال الصغيرة الذي قد ترثه في حالة وفاة والدتها، وهو الهاجس الذي أصبح يسيطر عليها ويدفعها إلى البحث عن أي طريقة يمكن بها حماية حق ابنتها في أن تحيا حياة كريمة بالأموال التي جمعتها والدتها، من دون أن تذهب تلك الأموال إلى الشخص الذي سبب لهما المتاعب.

ولفتت الأم الشابة أنها أصبحت تخشى من فكرة جمع الأموال أو الممتلكات للمستقبل، بسبب خوفها من ألا تكون موجودة لحماية هذا المستقبل، بينما قد يبقى كل ما تملك تحت تصرف زوجها السابق.

حيرة قانونية

ومثلهما كانت منال القاضي التي أكدت أنها لا تعرف الطريقة القانونية التي يمكن بها أن تمنع زوجها السابق من الوصاية على ممتلكاتها في حالة وفاتها، حيث قالت "شخص بخيل وغير أمين يرفض الإنفاق على أطفاله، إذا ما واتته الفرصة للحصول على أموال دون تعب فإنه لن يتردد في الاستيلاء عليها، فهو شخص غير أمين على أطفاله في توفير حياة كريمة لهم، وبالتالي لن يكون أميناُ على أموالهم التي يمكن أن يرثوها في حالة وفاتي".

وتتخوف منال، أنه في حالة وفاتها فإن ثروتها سيرث فيها أخوتها والذين تربطهم الكثير من المشاكل مع مطلقها، وبالتالي ستزداد هذه المشاكل إذا ما أصبح ولياُ على الجزء الخاص بأموال أطفالها، كما شدّدت على أنها فكّرت في توكيل أحد أشقائها ليكون ولياُ على ميراث أبنائها منها في حالة وفاتها، بدلاُ من أن تذهب هذه الأموال إلى طليقها، إلا أنها تخشى من عدم قانونية تلك الخطوة.

قانون فاقدي الأهلية

ويحكم مسائل الولاية على المال من الناحية الموضوعية في مصر المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952، ومن الناحية الإجرائية القانون رقم 1 لسنة 2000، بموجب القانون: "يخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة". وفي ضوء القانون رقم 119 لسنة 1952، فإن الولاية تكون للأب ثم للجد الصحيح (الجد للأب)، ولا يحق للولي مباشرة أي حق من حقوق الولاية إلا إذا توافرت له الشروط اللازمة لمباشرة هذا الحق، في حين أن الولاية تثبت للولي بقوة القانون، بما يعني أن الأب أو الجد الصحيح يستمد صفة الولاية من القانون مباشرة، دون تدخل المحكمة. ولذا فإنه لا يصدر قرار من محكمة الولاية على المال (المجلس الحسبي) بتعيين الولي، إلا أنه لا يجوز التنحي عن الولاية إلا بإذن من المحكمة.

خبير قانوني: ساحات المحاكم تزخر بالقضايا التي قام فيها الأب بالاستيلاء على أموال أبنائه، لأن إشراف النيابة على ولاية الأب تكون لاحقة وليست سابقة كما في حالة وصاية الأم، والقانون مليء بالثغرات التي يستغلها الآباء في السطو على أموال أولادهم

وفي هذا السياق، قال عصام الدين أبو العلا، الخبير القانوني والمحامي أمام المحاكم المدنية والشرعية والجنائية، إنه في حالة وفاة السيدة المطلقة يتم تقسيم ثروتها بشكل شرعي، وبالتالي ينال أطفالها القصّر نصيبهم من تلك الثروة، ويكون والدهم هو الوالي الطبيعي على الصغار بقوة القانون، بمعنى أنه يقوم مقامهم في كل شيء ويتصرف بشكل كامل في ميراثهم، ولكن يكون ذلك تحت إشراف النيابة الحسبية.

ثغرات قانونية

وأضاف أبو العلا أن القانون يفرق بين وضعي الأب والأم في مسألة الوصاية على أموال القصّر، حيث أن الأب هو الولي الطبيعي على أموال أطفاله بقوة القانون، إلا أن تصرفه يكون بإشراف النيابة الحسبية، بمعنى أنه يستطيع تقديم الفواتير والمستندات التي يمكنه بها التصرف في أموال أطفاله بدعوى الإنفاق عليهم وعلى تعليمهم، كما أنه يمكنه التصرف في ممتلكات الصغار إذا ما كانت عقارات أو أراضي أو أي شيء غير نقدي، ولكن عليه أولاُ وضع نصيب القصّر في حسابهم البنكي قبل عملية البيع، لتكون هذه الأموال تحت إشراف النيابة الحسبية.

وواصل الخبير القانوني أنه على الرغم من نصوص القانون التي تحمي حقوق الأطفال القصّر في ميراث والدتهم الراحلة، إلا أن بعض الثغرات قد تهدد بقيام والدهم بالاستيلاء على تلك التركة إذا أراد، بدليل أن ساحات المحاكم تزخر بالقضايا التي قام فيها الأب بالاستيلاء على أموال أبنائه، لأن إشراف النيابة على ولاية الأب تكون لاحقة وليست سابقة كما في حالة وصاية الأم، بمعنى أن الأب يمكنه الاستيلاء على أموال الصغار دون أن يُحاسب قانونياُ إلا في حالة واحدة، هي تقديم شكوى من أي شخص تفيد بتبديد تلك الأموال، ولكن إذا لم يتم تقديم مثل هذه الشكوى، فيمكن بسهولة أن تنتقل أموال المطلقة المتوفاة إلى طليقها عبر استيلائه على ميراث أطفاله منها.

وأكّد أبو العلا أن حق الأب في الولاية الطبيعة على أطفاله قائم لا يسقط، حتى وإن كان هذا الأب ممتنعاُ عن الإنفاق على أطفاله، وبالتالي فإن الأب يكون هو الوالي على أموال أطفاله بما في ذلك ميراثهم من مطلقته، حتى وأن كان قد صدر ضده في وقت سابق أحكام قضائية بالحبس بسبب الامتناع عن الإنفاق على الصغار، كما أشار إلى أن الأم إذا أرادت في حياتها اتخاذ إجراءات احترازية تضمن عدم السماح لطليقها بالاستيلاء على أموالها في حالة وفاتها، فعليها أن تقوم بوضع هذه الأموال السائلة في حساب بنكي باسم الأطفال مع وضع شرط بألا يتصرف فيها أي شخص إلا أبناءها بعد بلوغهم سن الرشد، وهو أمر متبع في البنوك، ولكن في حالة وجود ممتلكات غير نقدية فتبرز احتمالات أن يقوم الوالي الطبيعي بالبيع والاستيلاء على الأموال إلا إذا تقدم أي شخص بشكوى يتهم الأب بشبهة تبديد أموال القصّر.

إجراءات معقدة

ومن جانبها أكدت سحر علي المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن القانون المصري يضع مواداُ صارمة للحفاظ على أموال القصّر، ويفرض إجراءات معقدة من أجل التصرف في تلك الأموال، موضحة أن النيابة الحسبية تضع أموال الصغار تحت سلطتها، لهذا فإنه في حالة وفاة الأم وحصول الأطفال على ميراث منها، فيجب على أسرتها الإسراع لتوثيق كل أملاكها التي ورثها صغارها في النيابة، بحيث يتم غلق أي باب للتلاعب في حقوق الأطفال، ومنع أي فرضية للاستيلاء على التركة في حال عدم تسجيل أي شيء فيها.

واختتمت علي بالتأكيد على أن حق الأب في الولاية على أموال صغاره هو حق أساسي وفقاُ للشرع والقانون حتى وإن كانت تلك الأموال مصدرها ميراث من مطلقته الراحلة، وهو حق لا يسقط إلا في حالة واحدة هي صدور أحكام قضائية ضده في قضايا مخلة بالشرف، وفي هذه الحالة يمكن لأجداد الأطفال تقديم المستندات اللازمة لإثبات عدم أمانته على أموالهم، وهنا يتم وضع الصغار تحت وصاية أحد الأجداد.

--------------------------------------------

(*) اسم مستعار بناء على طلب المصدر



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image