تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
ليس كل من ينخرط في المنظومة الزوجية يكون مقتنعاً بها بشكل كلي، فهناك الكثير من الأفراد الذين يتم إرغامهم على الزواج لأسباب عدة، وغالباً ما تبوء تلك الزيجات بالفشل.
لكن ما الذي يدفع بالمثليين والمثليات وأفراد من مجتمع الميم-عين إلى الزواج بأشخاص لا يرغبون بهم/نّ أو لا يميلون إليهم/نّ؟
أعيش ما يريد المجتمع
يقول مازن (33 عاماً) من العراق: "حتى قبل أن أخبر أحداً بميولي، كان الآخرون يشكّون في مثليتي، من خلال تعبيري عن نفسي ولغة جسدي"، مشيراً إلى أن هناك الكثير من المثليين في المجتمع العراقي، لكن "المهم هو ألا يفصحوا أو يجاهروا بمثليتهم، الأمر أشبه بكذبة اتفق الجميع على تصديقها"، على حدّ قوله.
اقترن مازن بامرأة منذ سنوات عديدة وأنجبا صبياً وبنتاً، فما الذي دفع شخصاً ذا ميول مثلية إلى الزواج بامرأة لا يشعر تجاهها بأي انجذاب؟ يُبّين مازن: "عرفت منذ طفولتي بأنني مختلف عن أقراني، و لم أكن أعي طبيعتي بشكل دقيق، وفي مراهقتي عرفت ميولي الجنسية، كما خبرت كل المحاذير التي تحيط بها، لا سيما حينما بدأ أهلي يعنفوني ويفرضون عليّ أشياء تتعلق بلباسي وتسريحة شعري، وحتى حركات جسدي، لذا كتمت ذلك الشيء وحاولت جاهداً أن أغيّر قدر ما استطعت".
ما الذي يدفع بالمثليين والمثليات وأفراد من مجتمع الميم-عين إلى الزواج بأشخاص لا يرغبون بهم/نّ أو لا يميلون إليهم/نّ؟
ويواصل: "إلا أن الشخص بداخلي كان يقاوم، وهو أقوى من مجرد أن أغيّر مظهري الخارجي، أو حتى أن أستعيض بإيماءات وحركات معيّنة، وبالرغم من كل ذلك المجهود كان الناس يسخرون مني، وهذا أتعبني جداً، كذلك كانت عائلتي تسمع أقسى العبارات من المجتمع، لذا رضخت لأهلي بأن أتزوج بأسرع وقت، كي أمحو الصورة النمطية التي كوّنها المجتمع عني".
يُكمل مازن: "حتى بعد الزواج تعرضت للكثير من السخرية والتنمر، وتركت هذه الممارسات الشرسة تجاهي أثراً بالغاً وسلبياً وشكلت منعطفاً في حياتي، لكن الأكيد أن الأمر لم يعد كما في السابق. صحيح أن المجتمع قام بإيذائي بطريقة مروعة وفرض عليّ نسق حياة لم أختره، لكنني أتعايش حالياً مع الوضع".
ويؤكد مازن: "حياتي ليست سيئة، لديّ زوجة رائعة وصبي وبنت، ولديّ عملي، وأعيش بشكل طبيعي (يقولها ساخراً) أو بالأحرى أعيش الحياة التي أرادها لي أهلي والمجتمع، أتصارع أحياناً مع نفسي لكن أظن أنه فات الأوان، فلا المكان ولا الظرف يسمحان لي بالإقدام على انقلاب قد تكون عواقبه وخيمة، أنا أعرف جيداً بأن زواجي هو غطاء وهذا يؤلمني كثيراً، وأظن أن زوجتي تعرف بأنه لديّ ميول مثلية، لكنها تتحاشى الحديث معي بهذا الشأن، وأنا كذلك".
حياة مزدوجة
امتثال مازن لأهله وللمجتمع وللظروف التي أحاطت به، لم تمنع ندى (27 عاماً) من السعودية من الكفاح من أجل ميولها وهويتها الجنسية.
فقد عانت ندى في عمر الـ19 من مرحلة اكتئاب حادة، وفي الوقت ذاته كان أهلها يطلبون منها الزواج من رجل يكبرها ب 25 عاماً، كـ "رد جميل" لمعروف كان قد أسداه هذا الرجل لأهلها، تعلق مستغربة: "قاموا بتقديمي كهدية كي يشكروا أحدهم".
وبعد ضغط شديد والحاح من قبل أهلها، كما تروي لرصيف22، وافقت مرغمة على الزواج، غير أنها تعرضت للاغتصاب ليلة زفافها، وعندما أخبرت أهلها بما جرى رفضوا مساعدتها في الانفصال عنه، ومرت السنوات، أنجبت خلالها ابنتين.
"أنا أعرف جيداً بأن زواجي هو غطاء وهذا يؤلمني كثيراً، وأظن أن زوجتي تعرف بأنه لديّ ميول مثلية، لكنها تتحاشى الحديث معي بهذا الشأن، وأنا كذلك"
وتوضح ندى أن زوجها يرفض الاستماع إليها في كل مرة تخبره عن عدم رغبتها به، بل إنه يرى أن الجنس من أبسط حقوقه وأن الشرع يقف معه، كما أن أهلها دائماً ما يقفون حائلاً دون انفصالها عنه. في إحدى جولات الانفصال التي خاضتها لاحقاً، استغل زوجها عدم استقلالها المادي لكي يحظى بالأطفال وليبتزّها، لكنها وبالرغم من ذلك أصرت على إكمال تعليمها الدراسي لتحقق في المستقبل جزءاً من استقلاليتها.
حاولت ندى الانتحار عدة مرات بسبب الظروف التي مرت بها، لكنها عدلت عن الفكرة بعد الدعم الذي تلقته من قبل حبيبتها، ومن قبل مجتمع الميم-عين، بخاصة وأنها توصلت لقناعة مفادها أن تحظى بحياة طبيعية مثلما تريد حتى لو كان ذلك بشكل خفي.
تشير إلى أنها تخفي مثليتها الجنسية عن أهلها وزوجها خشية على حياتها، وتضيف أن رفضها المتكرر لزوجها أدى لإثارة شكوكه من أنها تخونه مع رجل ما، الأمر الذي دفعه لمراقبتها دون جدوى، لذا فهي ترى أن حياتها مهددة بخطر دائم.
وتضيف: "أريد أن أكون أنا، أريد أن أُعرّف عن نفسي كمثلية من دون خوف على حياتي"، كاشفة عن رغبتها في أن يعرف الجميع هويتها الجنسية وميولها، حتى أنها بدأت بالعمل على توعية أطفالها.
وتقول ندى: "لديّ حبيبة تساندي وتقف بجواري، تعطيني أملاً وحافزاً للانتصار بمعركتي هذه"، هذا وتشير إلى أنها تتلقى الدعم من مجتمع الميم-عين الذي هو بمثابة عائلة تساندها وتؤازرها. نحن كثيرات – أي المثليات السعوديات - لكننا نلجأ للزواج خشية من المجتمع، وتحاشياً للأسئلة المتكررة، وبضغط دائم وإكراه من قبل أهالينا، فليس لدينا رفاهية الاستقلال أو الهروب، لذا قد نرضخ لضغوطات ورغبات المجتمع".
وتضيف: "هناك نسبة ضئيلة جداً من المثليين/ات الذين يصرحون بمثليتهم/نّ وإذ ما حصل ذلك فقد يظن الأهل أنها فترة مراهقة أو أن الشخص بحاجة إلى ضبط ديني أو ربما يحتاج لرقية شرعية، وقد يستخدمون معهم/نّ التعنيف اللفظي أو الجسدي، كما يلجأ بعض الأهالي للزواج".
الزواج كغطاء
تُعرّف مايا (23 عاماً) من العراق عن نفسها بأنها مثلية، وتقول: "يعرض الأشخاص المثليين/ات حياتهم/ن للخطر اذا ما رفضوا الزواج وصرحوا بمثليتهم/نّ، كون ذلك يعد خروجاً عن المألوف لدى مجتمعاتهم/نّ، وبغية تفادي الصدام، يلجأ بعض منهم/ن إلى الارتباط، فالمجتمع محافظ، وأي شخص يحاول أن يعلن مثليته قد يكون الأمر بمثابة انتحار".
وترى مايا أن الأهل قد يكونوا على دراية بميول الأبناء، الأمر الذي يدفعهم لتعجيل خطوة الزواج: "منظومة الزواج هي بالنسبة لهم الحل الأمثل للقضاء سريعاً على ما يصفونه (العار) الذي قد يلحق بهم إذا ما عرف المجتمع بميول الأبناء، كما يعتقدون أن الميول المثلية تزول بمجرد الزواج".
مايا على علاقة بليلى، والتي تعرف عن نفسها بأنها ثنائية الميول الجنسية، فقد ارتبطت سابقاً بشخص ومن ثم انفصلت عنه لأنها لم تستطع حينها الافصاح له عن ميولها الثنائية، وبعد سنوات التقت بشخص آخر، لكنها قررت هذه المرة أن تخبره بحقيقة ميولها قبل أن تقترن به.
تقول مايا: "من حسن الحظ أن شريك ليلى أبدى تفهمه للأمر، وترك لها مساحة من الحرية في هذا الشأن، فحتى بعد أن علم شريكها بعلاقتنا لم يعترض ولم يتدخل، الأمر الذي انعكس إيجاباً على علاقتنا ببعض".
تخطط مايا للهجرة كي تعيش حياتها كما تريد، دون أن ينتهي بها المطاف في زواج قد يفرض عليها مستقبلاً، ليكون "قفصاً زوجياً" بالمعنى الحرفي.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...