شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تشكل تطبيقات المواعدة مساحة آمنة لأفراد مجتمع الميم-عين؟

هل تشكل تطبيقات المواعدة مساحة آمنة لأفراد مجتمع الميم-عين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 10 سبتمبر 202105:30 م

تندرج هذه المقالة ضمن مشروع "رصيف بالألوان"، وهي مساحة مخصّصة لناشطين وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمين لهم/نّ، للتحدّث بحرية ودون أي قيود عن مختلف التوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، للمساهمة في نشر الوعي العلمي والثقافي بقضايا النوع الاجتماعي، بمقاربات مبتكرة وشاملة في آن معاً.

في السنوات الأخيرة الماضية، حظيت العديد من تطبيقات المواعدة باهتمام كبير، بخاصة بين أفراد مجتمع الميم- عين، وتمحورت الأسئلة حول ما يمكن أن تقدّمه هذا التطبيقات من خدمات، كتعزيز العلاقات الاجتماعية وتسهيل المواعدة بين أفراد المجتمع الكويري.

لا ينكر البعض أن هذه التطبيقات ساهمت بطريقة ما، في دعم حقوق أفراد مجتمع الميم-عين، لناحية خلق شبكة تواصل بين هؤلاء الأشخاص والتي من الصعب أحياناً خلقها على أرض الواقع، والسبب يعود إلى "الهيمنة" الدينية، إضافةً للأعراف والتقاليد التي تجرّم المثلية في أوطاننا العربية وتنزل أقسى العقوبات على أفراد المجتمع الكويري، مع العلم بأن هذه الممارسات المجحفة قد تصل إلى حدّ القتل في بعض الأحيان.

ولكن وبالرغم من التسهيلات التي وفرتها تطبيقات المواعدة، غير أن البعض ينظر بريبة إليها، معتبراً أن هذه التطبيقات قد تكون بمثابة "مصيدة" للإيقاع بالمستخدمين/ات من مجتمع الميم-عين وابتزازهم/نّ.

تسهيل عملية التعارف

أصبحت التكنولوجيا جزءاً من حياة مستخدميها، ومع دخول نمط التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالمواعدة والتي تبرز المواقع الجغرافية، مثل تندر، غرايندر، ميندر وغيرها، بات بإمكان المستخدمين/ات البحث في "بروفايلات" الأفراد الذين هم على مقربة منهم/نّ لناحية الموقع الجغرافي، وبالتالي إرسال الرسائل ومشاركة الصور والفيديو، بهدف تسهيل المواعدة.

ولكن كيف أثّرت هذه المنصات على أفراد مجتمع الميم- عين؟ وهل كان لتوفرّها الأثر الإيجابي أم السلبي عليهم/نّ، وخاصّة لناحية أمانهم/نّ الشخصي؟

تشكّل تطبيقات المواعدة، للعديد من أفراد مجتمع الميم-عين، فرصة للتعبير عن الهويات الجنسية والجندرية.

فقد تحدثت غوى، وهي شابة مصرية، لرصيف22، عن الدور الإيجابي الذي لعبته هذه التطبيقات لناحية مساعدة الكثير من أفراد مجتمع الميم-عين على بناء العلاقات الاجتماعية والتعارف: "في بلد عربي مثل مصر، لا يمكن لنا الحديث عن أماكن عامّة غير 'معادية' لمجتمع الميم-عين، بالتالي لا يمكن لنا كأفراد كويريين التلاقي في المقاهي والملاهي الليلية أو الحانات، ما يصعّب عملية التعرّف على من يشبهنا في طريقة التفكير".

"يمكن لهذه التطبيقات أن تساهم في دعم ومناصرة حقوق مجتمع الميم-عين، ولكن هذا لا يكفي بالطبع، فالأمر أوسع من تطبيق مواعدة، إذا نحتاج لقوانين تحمي حقوقنا كبشر، وتدافع عنّا إذا ما تعرضنا للأذى بسبب ميولنا وهوياتنا الجنسية والجندرية"

بعد انتقالها إلى لبنان لمتابعة دراستها، وجدت غوى (27 عاماً) في تطبيقات المواعدة "متنفساً" لها للتعرّف على أشخاص من المجتمع الكويري: "بالرغم من تواجد بعض المقاهي والحانات في بيروت، المعروفة بتأييدها ومناصرتها لمجتمع الميم-عين، إلّا أنّها قليلة نسبياً، وبالتالي تشكّل تطبيقات المواعدة عاملاً مساعداً في بناء العلاقات، بخاصة وأنه من الصعب علينا كأفراد كويريين أن نكوّن علاقات في أماكن عامّة، خصوصاً في ظلّ تهديد المجتمع لنا".

غير أن غوى شدّدت على أنّ استخدام مثل هذه التطبيقات يجب أن يتم بحرص من خلال اتبّاع إجراءات محدّدة للأمان الشخصي: "معظم تطبيقات المواعدة، مثل تندر، تشكو من فقدان الخصوصية عند مشاركة الصور والاسم الحقيقيين، ما يعرّض مستخدمي هذه التطبيقات من مجتمع الميم-عين لخطر معرفة الدائرة المقربّة مثل الأهل، الأمر الذي قد يشكّل تهديداً على سلامة الأفراد في أحيان كثيرة".

ورداً على سؤالنا حول إذا ما كانت تطبيقات التعارف تشكّل دعماً لحقوق المثليين/ات، أجابت غوى: "يمكن لهذه التطبيقات أن تساهم في دعم ومناصرة حقوق مجتمع الميم-عين، ولكن هذا لا يكفي بالطبع، فالأمر أوسع من تطبيق مواعدة، إذا نحتاج لقوانين تحمي حقوقنا كبشر، وتدافع عنّا إذا ما تعرضنا للأذى بسبب ميولنا وهوياتنا الجنسية والجندرية".

غياب الثقة بتطبيقات المواعدة

بالرغم من النقاط الإيجابية التي تنطوي عليها تطبيقات المواعدة، يرى بعض أفراد مجتمع الميم-عين أن محاذير استخدام مثل هذه التطبيقات أكبر من فوائدها.

في هذا الصدد، يرفض عماد (29 عاماً) أن يلجأ إلى أي تطبيق إلكتروني من أجل التعرّف على أشخاص، ويفضّل أن يتمّ الأمر بالصدفة، أو بأي صورة بعيدة عن الإنترنت، مشيراً إلى عدم ثقته بالتطبيقات بصورة مطلقة.

تحدث عماد لرصيف22 عن مخاوفه، مستشهداً بعدّة حوادث قتل في لبنان، راح ضحيتها أفراد من مجتمع الميم- عين على خلفية خطاب الكراهية: " تمّ التستّر على بعض هذه الجرائم عبر حجج مختلفة مثل السرقة، لأن المثلية عار بنظر هذه المنظومة الرافضة للحبّ بكافة أشكاله".

في السياق نفسه، يتخوّف البعض من أن تكون تطبيقات المواعدة هذه بمثابة "أفخاخ" للإيقاع بأفراد مجتمع الميم-عين.

فقد أعرب أمجد لرصيف22، عن فقدان ثقته بهذه المنصات: "جميع تطبيقات المواعدة غير آمنة بالنسبة لي، رغم أني لم أتعرّض لأية مضايقات، ولكنّي أحرص على عدم مشاركة اسمي الحقيقي وصورتي الحقيقية".

وتابع أمجد (34 عاماً) بالقول: "في لبنان، تنّص المادة 534 من قانون العقوبات على معاقبة كل مجامعة على خلاف الطبيعة، وهي المادة التي تستخدم لملاحقة ومعاقبة أفراد مجتمع الميم-عين، كما قد نواجه من خلال هذه التطبيقات مبرمجاً محترفاً يريد الابتزاز".

وختم بالقول: "لا أدعو أحداً أن يذهب إلى المواعدة والالتقاء بالأشخاص قبل تحقيق الثقة الكاملة بالآخر، فقد يكون الأمر مجرّد خديعة من الجهات الأمنية والشرطة للإيقاع بنا".

حظر التطبيقات

تُبدي الأجهزة الأمنية في لبنان والدول العربية اهتماماً ملحوظاً بتطبيقات الدردشة، فتستخدمها أحياناً للإيقاع بأفراد مجتمع الميم- عين.

ففي تاريخ 24 أيار 2019، حظرت الدولة اللبنانية تطبيق غرايندر، بقرار صادر من وزارة الاتصالات اللبنانية، وأوعز إلى مزوّدي خدمة الإنترنت وشركات نقل المعطيات على الأراضي اللبنانية بمنع الوصول إلى الموقع.

ولكن حظر التطبيقات هو أمر عبثي، إذ يمكن للأشخاص أن يستخدموا تطبيقات الـ VPN للوصول إلى الموقع المحجوب عبر تغيير موقع الاستخدام.

"المؤسف في الموضوع أنّ القانون اللبناني لا يعترف بحقوق مجتمع الميم-عين، وبالتالي من الصعب اتخاذ إجراءات قانونية أو التقدّم بشكوى في حال تعرّض أي شخص لعملية احتيال أو انتحال شخصية عبر تطبيقات المواعدة"

في حديثه مع موقع رصيف22، كشف نائب مدير المؤسسة العربية للحريات والمساواة afe، مهدي شرف الدين، "أنّ تطبيقات المواعدة ساعدت العديد من الأشخاص في الوصول للجمعيات الحقوقية المعنية بتقديم الدعم لمجتمع الميم-عين وغيرها من الجمعيات، بالإضافة لتأمين الوصول إلى مصادر موثوقة لاستقاء المعلومات المتعلقة بالجنسانية والصحة الجنسية، ناهيك عن أية مستجدّات تتعلّق بمجتمع الميم-عين من ناحية الحقوق".

وبحسب مهدي، فإن حظر الدولة اللبنانية لتطبيقات المواعدة المتعلّقة بمجتمع الميم-عين هو أمر "قمعي وانتهاك لحقوق الإنسان والحريات الشخصية والفردية التي تضمنها الدساتير"، معتبراً أن استخدام الأجهزة الأمنية في بعض البلدان العربية هذه المنصات للإيقاع بأفراد مجتمع الميم-عين عبر أسماء مزيفة هو "احتيال" و"انتحال شخصية"، على حدّ قوله.

وختم شرف الدين بالقول: "المؤسف في الموضوع أنّ القانون اللبناني لا يعترف بحقوق مجتمع الميم-عين، وبالتالي من الصعب اتخاذ إجراءات قانونية أو التقدّم بشكوى في حال تعرّض أي شخص لعملية احتيال أو انتحال شخصية عبر تطبيقات المواعدة".

كيف نحمي أنفسنا عند استخدام تطبيقات المواعدة؟

في حديثه مع رصيف22، شدّد المستشار في الأمن الرقمي، علي السباعي، على ضرورة عدم مشاركة الاسم الحقيقي أو الصورة الحقيقية أو أية معلومات تكشف عن هوية الشخص الحقيقية عند استخدام تطبيقات المواعدة، لتفادي التعرّض لأية مضايقات أو اعتداءات.

وفي هذا الصدد، تطرّق السباعي إلى مجموعة من الإرشادات أو النصائح لمستخدمي/ات هذه التطبيقات تساعدهم/نّ على حماية خصوصيتهم/نّ، منها:

-تجنّب الإفصاح عن الهوية الحقيقية للمستخدم/ة قبل التأكّد من هوية الطرف الآخر.

-محادثة الشخص الذي نريد اللقاء به فعلياً عبر الفيديو قبل الموعد المحدّد، للتأكّد من هويته الفعلية.

-إخبار شخص مقرّب عن مكان وموعد اللقاء.

-الجلوس في مكان عام في اللقاء الأوّل.

-عند مشاركة صور حميمية، من الأفضل تجنّب إرسال صورة الوجه، وإخفاء أي علامة فارقة على الجسد تساعد على كشف هوية الشخص (وشم أو ندبة...).

-تجنّب إظهار أي شيء يساعد على كشف ملامح سكن الشخص، كأثاث المنزل...

- نظراً لكون تطبيقات المواعدة تطلب من المستخدمين/ات تحديد موقعهم/نّ الفعلّي، وهو أمر قد يشكّل خطراً على أمان الأفراد، يُنصح اللجوء إلى تطبيقات VPN مثل تطبيق "Psiphone" المجاني، كون هذه التطبيقات تساعد على إخفاء الموقع الفعلي للأشخاص (إلا إذا تعرّضت هذه التطبيقات إلى الخرق وتمّ تسريب المعلومات الشخصية للمستخدمين/ات ومحادثاتهم/نّ).

-استخدام تطبيقات أكثر أماناًEnd To End Encrypted مثل واتساب وسيغنال للمحادثة، بعد التأكّد من هوية الشخص والانتقال إلى أحاديث أكثر خصوصية أو حميمية.

في الختام، لا يمكن أن ننكر المساحة التي خلقتها تطبيقات المواعدة لأفراد مجتمع الميم-عين للتعارف وتكوين العلاقات الاجتماعية، ولكن المشكلة تكمن في لغة الكراهية والعنف التي تتبناها بعض المجتمعات العربية، إضافةً إلى القوانين التي ما زالت تخضع للهيمنة الدينية وتساهم في قمع المواطنين/ات، بدلاً من إحقاق العدل والمساواة بين جميع مكونات المجتمع.

هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة AFE وبدعم من سفارة مملكة هولندا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image