أثارت تصريحات لمسؤولة الطب الشرعي في إدارة حماية الأسرة في الأردن، الدكتورة رولا عفانة، في مقابلة أجرتها معها مؤخراً صحيفة "الغد" الأردنية، حفيظة جهات عديدة في البلاد، بعد أن كشفت أن "غالبية الأوصياء (الأب أو الشقيق)، على الإناث المتغيبات عن منازلهن، يرفضون استلامهن إلا بعد خضوعهن لفحص سلامة غشاء البكارة، لضمان عدم الاعتداء عليهن"، مشيرةً في الوقت ذاته إلى أن "ما يزيد عن 90% منهن يكنّ عذراوات عادةً".
ولأنه غالباً "لا يوجد دخان من غير نار"، سعى رصيف22، إلى الوقوف على حقيقة الأمر، فهل فعلاً يجرى كل هذا العدد من فحوص كشف العذرية في الأردن حتى اليوم؟ ومن هن الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن لها؟
"يجرى فحص العذرية للمتغيّبات القاصرات، للتأكد من عدم تعرضهن لاعتداء جنسي".
حالات عديدة
توجهنا بداية إلى الدكتورة عفانة، لإجراء مقابلة معها، وبعد ترحيبها بالأمر عادت واعتذرت، نظراً لما لمسته من حالة من الغضب من قبل جهات مسؤولة على خلفية تصريحاتها، وهو ما كان واضحاً في لقاء لرصيف22، مع أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد مقدادي، الذي أعرب عن "تشكيكه في كثير مما نُسب على لسان عفانة".
وقال مقدادي: "عندما نتحدث عن إجراء فحص العذرية للمتغيبات عن المنازل، كأننا نقول إنه إجراء رسمي متَّبع في الأردن، بإرسال المتغيبات إلى حماية الأسرة والطلب الرسمي لإجراء فحص العذرية لهن"، ويشير إلى أنه خاطب مدير حماية الأسرة لسؤاله حول أي قرارات قضائية يتطلب هذا النوع من الفحوص، وبدوره أكد أنها تجري عادةً في قضايا الاعتداء الجنسي لتوثيق الأدلة على المشتكى عليهم، وختم بأنه من غير الصحيح أن كل فتاة متغيبة عن المنزل تخضع لفحص العذرية، ولا بد من وجود أرقام رسمية تثبت صحة هذه الادعاءات.
"توجد أرقام وتوجد أدلة"، تقول خلود وهي طبيبة شرعية في حديثها إلى رصيف22، وسردت تجربتها الشخصية في التعامل مع المتغيبات عن المنازل: "95% من المتغيبات عن المنازل هن تحت السن القانونية، وأحياناً ووفق تجاربي الشخصية تتراوح أعمارهن ما بين 10 و12 عاماً، وتصل الفتاة إلينا بعد أن يكون ذووها قد أبلغوا عنها في المركز الأمني الذي يعمم اسمها، وبعد ضبطها في أي مكان تحوَّل إلى الطب الشرعي".
وتضيف الطبيبة التي اختارت الحديث باسم مستعار: "أغلب أسباب تغيّب الفتاة القاصر عن منزل أهلها، تكون لها علاقة بالتفكك الأسري، كالتعامل القاسي من قبل زوجة الأب، وممارسة العنف من الأم أو الأب نفسيهما، ما يؤدي إلى هروب الفتيات، فيصبحن فريسةً سهلةً لأشخاص قد يستدرجونهن بحجة المساعدة وتالياً يتعرضن للاستغلال الجنسي.
وصلتني قصص لمراهقات تم استغلالهن من رجال تجاوزوا الأربعين عاماً، ومع كون الفتاة قاصراً فهي لا تدرك إلى أي درجة تم استغلالها جنسياً. وحمايةً لها وبطلب من ذويها للاطمئنان عليها، نجري فحص العذرية لها، ليس فقط لمعاقبة الجاني بل أيضاً حمايةً لحياتها التي قد تكون مهددةً، فهي أحياناً تصبح عرضةً لخطر قتلها من قبل أحد أفراد عائلتها، خصوصاً إخوتها الشبان".
95% من المتغيبات عن المنازل هن تحت السن القانونية، وأحياناً ووفق تجاربي الشخصية تتراوح أعمارهن ما بين 10 و12 عاماً، وتصل الفتاة إلينا بعد أن يكون ذووها قد أبلغوا عنها في المركز الأمني الذي يعمم اسمها، وبعد ضبطها في أي مكان تحوَّل إلى الطب الشرعي
وفي حال تبين أنها فقدت عذريتها؟ تجيب: "في كثير من الأحيان يتقبل الأهل الأمر، خصوصاً بعد إدراكهم أنها تعرضت لاستغلال واعتداء جنسيين، وربما يصلون إلى طريقة لإخفاء ذلك عن المقرّبين حمايةً لابنتهم"، مؤكدةً أن الفحص لا يجرى إلا بموافقة الفتاة.
وعن إجراء فحوص كشف العذرية في حالات أخرى تقول المتحدثة: "نعم هناك هذا النوع، ولفتيات غير قاصرات، وكثيراً ما يكون بناءً على طلب الفتاة نفسها حتى تقاضي شخصاً استغلها جنسياً، بعد أن وعدها بالزواج، وهنا القانون يتعامل مع هذه الحالة كأنها جريمة اغتصاب، لأن العلاقة الجنسية بُنيت على أساس الخديعة من قبل الرجل، وكثيرات من الفتيات انتصرن في القضاء بناءً على هذا النوع من الشكاوى".
وتختم بالقول: "تتعامل حماية الأسرة كل أسبوع مع ما معدله ثلاث حالات تغيّب لقاصرات عن المنازل، وحالةٌ منها كل شهر تتعلق بالخداع الجنسي لغير القاصرات".
الموافقة ضرورية
بدورها، تؤكد الدكتورة إسراء الطوالبة، وهي طبيبة شرعية تعمل لدى وزارة الصحة الأردنية، أنه "يجرى فحص العذرية للمتغيّبات القاصرات، للتأكد من عدم تعرضهن لاعتداء جنسي، وحتى لو تمت العلاقة برضاهن تُعدّ اعتداءً لأنهن قاصرات، وإذا ما تبين خلال الفحص أن هناك اعتداءً يتم تكييف الحالة على أنها هتك عرض أو اغتصاب".
وتشير في حديثها لرصيف22، إلى أنه من المستحيل إجراء الفحص من دون موافقة الفتاة، حتى لو أجبرها أهلها، وتضيف: "عندما تصلني حالة لقاصر متغيبة، أجلس معها قبل أن أعرض عليها فكرة الفحص، ومن واجبي كطبيبة أن أبث فيها الطمأنينة وأجعلها تتأكد من أن الفحص حماية لها، لأنه حتى لو حصلت علاقة جنسية برضاها فإن القانون يحميها".
لكن الطوالبة تقول: "لا أستبعد أن يكون هناك إجبار من قبل الأهل لابنتهم لتجري فحص العذرية، وغالباً يكون الضغط عليها قبل مجيئهم إلى عيادة الفحص، وهو أمر لا نستطيع إثباته لأننا نعتمد التوقيع على الموافقة لإجراء الفحص، لذلك قد تكون هناك حالات لفتيات غير مقتنعات، لكنهن غير قادرات على الاعتراف بذلك أمامنا". وجدير بالذكر أنه تعذّر على رصيف22، لقاء أي فتاة من اللواتي خضعن لفحص العذرية ضمن إدارة حماية الأسرة ومعرفة رأيهن بالأمر.
في الماضي كانت هناك الكثير من الفتيات اللواتي يطلبن فحص العذرية قبل العرس، لكن اليوم أصبح هذا الشيء محدوداً جداً.
وبيّنت الطوالبة أن رفض القاصر إجراء هذا الفحص قد لا يكون لصالحها، موضحةً ذلك بقولها: "أحياناً تأتي قاصر بعد أشهر على رفضها الفحص، وتطلب إجراءه وتكون حينها قد أصبحت حاملاً. هنا يستحيل إثبات تعرضها لاغتصاب لأن الأدلة مضى عليها وقت طويل، وتالياً تخسر فرصتها في انتزاع حقها القانوني".
وعن فحص العذرية لغير القاصرات تقول المتحدثة: "هناك فرق كبير بين الأمس واليوم. ففي الماضي كانت هناك الكثير من الفتيات اللواتي يطلبن فحص العذرية بأمر من الزوج أو الخطيب قبل العرس، للتأكد من سلامة غشاء البكارة، لكن اليوم أصبح هذا الشيء محدوداً جداً".
وفي عام 2019، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان "سجن النساء وانتزاع الأطفال"، وثّقت فيه "تعرض النساء المتّهمات بالغياب عن المنزل أو الفرار أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، إلى خطر السجن من دون تهمة أو محاكمة في الأردن، إذا اشتكى أفراد الأسرة الذكور إلى السلطات. وعندما يطلب أفراد الأسرة ذلك، تضع الشرطة النساء في الحجز لإجراء فحوصات العذرية لهن".
مشكلة حقيقية
يوضح أخصائي الطب الشرعي الدكتور هاني الجهشان، في حديث إلى رصيف22، أن أغلبية المتغيبات عن المنازل هن من الفئات العمرية من 12 إلى 18 سنةً، وهذه بحسب قوله "مشكلة حقيقية في الأردن، لأن أغلب الحالات التي تصنَّف على أنها عنف جنسي، والتي يتم الكشف عنها في عيادات الطب الشرعي، مقترنة بتغيّب المراهقات عن منازلهن، وبلغت نسبة الاستغلال الجنسي في هذه الحالات ما نسبته 72% من مجمل حالات العنف الجنسي".
وأوضح الجهشان أن فحص الطب الشرعي للمتغيّبات عن المنازل يتم لتقييم حالات العنف والاستغلال الجنسية، وهو "فحص عام يتضمن الأعضاء التناسلية الخارجية، وجزء من الفحص يشمل غشاء البكارة ولا يصنَّف أنه فحص عذرية. "غرض الفحص نفي تعرضهن لاستغلال جنسي أو تأكيده، وليس لتقييم سلوكهن، ففحص العذرية بهدف تحديد سلوك الفتاة هو انتهاك صارخ لحقوق المرأة والطفل".
لا أستبعد أن يكون هناك إجبار من قبل الأهل لابنتهم لتجري فحص العذرية، وغالباً يكون الضغط عليها قبل مجيئهم إلى عيادة الفحص، وهو أمر لا نستطيع إثباته لأننا نعتمد التوقيع على الموافقة لإجراء الفحص، لذلك قد تكون هناك حالات لفتيات غير مقتنعات، لكنهن غير قادرات على الاعتراف بذلك
ونبّه إلى أن فحص العذرية محرَّم شرعاً في الأردن منذ العام 2009، وفق فتوى شرعية صدرت عن دائرة الإفتاء العامة في ذلك الوقت، كما نفى أن يكون القضاء الأردني هو من يطلب هذا النوع من الفحص في شكاوى المتغيبات عن المنازل التي تصل إلى المحاكم.
ولا ينفي الجهشان وجود حالات يطلب فيها ذوو المتغيبات إجراء فحص العذرية لهن، ويضيف في هذا السياق: "بالرغم من أن ذلك مخالف للقانون وأخلاقيات مهنة الطب ومحرم شرعاً، إلا أننا نرصد إجراءات من هذا النوع من الفحوص في بعض الحالات، مثل طلب الفحص من قبل الخاطب أو الزوج، للتأكد من أن الفتاة لم تمارس الجنس سابقاً، كذلك قد تطلب الفتاة من تلقاء نفسها هذا الفحص للتأكد من وضع غشاء بكارتها قبل زواجها، كما يُطلب فحص العذرية أحياناً بسب عدم ظهور الدم أو كما يسمَّى ‘علامة العذرية’، عقب أول اتصال جنسي بعد الزواج، مما يولد الشك لدى الزوج".
ازدواجية معايير
"بالتأكيد فحص العذرية موجود في الأردن"، تقول الأمينة العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة في الأردن، سلمى النمس، في حديثها إلى رصيف22، وتضيف: "للأسف القانون لا يخوّل لنا كلجنة رصد هذا النوع من الفحوصات، لكن وفق قصص نعلمها عن انتهاكات حقوق المرأة الأردنية، فهذا النوع من الانتهاك موجود، ونحن كلجنة نؤكد دوماً في تقاريرنا على أن تعزيز المفاهيم الإنسانية داخل الأسرة لا يأتي من خلال إجراء فحص العذرية للفتيات".
لماذا يجرى فحص العذرية للإناث، بينما الرجل يبقى خارج دائرة إلقاء اللوم المجتمعي؟
وقالت النمس: "من الواضح أننا وعلى المستوى العام بحاجة إلى جهود توعية حول خطورة فحص العذرية من ناحية احترام الكرامة الإنسانية، وأن يُشترط هذا النوع من الفحص في جرائم الاغتصاب فحسب، ففحص العذرية يعكس على المستوى الأخلاقي، حالةً من الازدواجية في المعايير في مجتمعنا، لأنه إذا ما نظرنا إلى الأديان السماوية فإن العلاقة الجنسية قبل الزواج محرمة على كلا الطرفين، الذكر والأنثى، فلماذا يجرى فحص العذرية للإناث، بينما الرجل يبقى خارج دائرة إلقاء اللوم المجتمعي؟".
وعن الأثر النفسي للأمر، تحدثت الأخصائية النفسية الدكتورة عصمت حوسو، لرصيف22، ووصفت كل من تتعرض لهذا النوع من الفحوص بأنها "ضحية".
وشرحت بالقول: "مجرد إيهام الفتاة، سواء كانت متغيبةً عن منزلها أم لا، بأن سمعتها مرهونة بنتائج هذا الفحص، فذلك يُعدّ امتهاناً لكرامتها الإنسانية، وتقزيماً واضحاً ومباشراً لكينونتها، وكل ذلك يترك تبعات نفسيةً عندها تولّد حالةً من انعدام الثقة بالنفس، وأنها إنسانة بلا أي قيمة، وأن جسمها مستباح لفحصه، كما يولّد حالةً من الغضب التي قد تفرز سلوكيات عدة منها انتقام الرجل، وتالياً من يطلبون فحص العذرية لبناتهن يعتقدون أنهم يحلون المشكلة من دون أن يدركوا أنهم يخلقون مشكلات".
وختمت بقولها: "فحص العذرية هو خرافة، وفضول جنسي لا أكثر ولا أقل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...