"كان الأمر أشبه باغتصاب. اغتصابٍ لروحي على بعد أيّام قليلة من حفل الزفاف" بهذه الكلمات المقتضبة تصف نادية (25 سنة) تجربتها في عيادة أحد أطباء النساء في مدينة بني ملال (وسط المغرب) حيث أجري لها فحص العذرية الذي اشترطته والدة خطيبها قبل تحرير عقد الزواج.
تؤكد نادية لرصيف22 أن فحص الطبيب لها قبل كتابته شهادة تثبت أنها حافظت على "شرفها" كان شبيهاً بـ"جريمة القتل". وأضافت: "كان الشاهد عليها أخي الأكبر، فهو من رافقني للعيادة المشؤومة التي عاملوني فيها كأنني بضاعة قابلة للمعاينة قبل إتمام عملية الشراء."
نادية ليست استثناء في المغرب، فهي معاناة شبه يومية لآلاف الشابات المقبلات على الزواج. فرغم أن "شهادة العذرية" ليست ضمن الوثائق الإدارية والطبية التي يشترط القانون توفرها قبل استكمال إجراءات الزواج وتحرير "العقود" عند كاتب عدل محلّف، فإن إجراء الفحص الذي يهدف إلى التأكد من سلامة غشاء البكارة من قبل طبيب أو قابلة (المولّدة)، يعتبر أمراً طبيعياً بل "حقاً" تشترطه العديد من أسر الرجال في المغرب وتوافق أسر النساء مذعنةً عليه. وضع دفع "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية في المغرب"، المعروفة اختصارا بـ"مالي"، إلى طلاق حملة لمناهضة عادة "فحص العذرية" المنتشرة في أوساط العائلات المحافظة مؤكدة أنه "مذل ومهين للنساء".
"كان الأمر أشبه باغتصاب. اغتصابٍ لروحي على بعد أيّام قليلة من حفل الزفاف"... عن معاناة مغربيّات مع فحص العذريّة
"فحص تقليدي" للبيع
ابتسام لشكر الناطقة الرسمية باسم حركة "مالي" ترى في تصريح لرصيف22 أن العديد من المغاربة ما زالوا يربطون شرف النساء ببقعة دم و"عدم نزفهن قد يعرض حياتهن للخطر وللتعنيف الجسدي واللفظي والنبذ الاجتماعي والطلاق والاغتصاب وجرائم الشرف والانتحار".
وتوضح الناشطة النسوية أن ملاءات السرير تستخدم منذ مئات السنين لفحص العذرية بطريقة تقليدية، خلال ليلة الدخلة، لذلك استخدمت الحركة الملاءات في حملتهن لـ "كشف حقيقة أسطورة غشاء البكارة والتصدي لهذا التقليد المذل والمهين للنساء".
وتضمنت حملة "مالي" التي تم إطلاقها في عيد الحب، 14 شباط/فبراير، عرض بيع غير حقيقي لملاءات سرير بيضاء عبر موقع إلكتروني يحمل عنوان "اختبار عذرية تقليدي" (Traditional Virginity Test).
ولدى الدخول إلى الموقع والضغط على خيار الشراء يتم تحويل الزائر إلى شهادات نساء يحكين فيها قصص معاناتهن مع تلك الممارسة التي يصفها منظمو الحملة بـ"الرجعية والمبنية على الجنس".
فحص البكارة في كل عطلة
يتحول الهوس بغشاء البكارة لدى بعض العائلات إلى جنون يدمر حياة كثيرات. فإن كانت بعض الأسر تعتبر فحص العذرية أمراً "ضرورياً" في تحضيرات الزواج، فقد كان شرطاً أساسياً واجهته خديجة في مسار استكمال دراستها في مدينة مراكش بعيداً عن أسرتها التي تقطن في مدينة خريبكة، وجعلها تعيش جحيماً تتكرر في كل العطلات الجامعية.
خديجة ترددت كثيراً قبل سرد تفاصيل قصتها لرصيف22، إلا أنها اختارت، في نهاية المطاف وبعد مهلة من التفكير، أن تكشف معاناتها التي استمرت نحو ثلاث سنوات: "بعد صراع ونقاش مرير مع والدي الذي كان يعمل في الشرطة، وافق على أن أدرس في مراكش لأن المدينة التي كنا نسكنها لم تتوفر جامعة فيها حينذاك. لكن كان شرطه أن أخضع لفحص عذرية في كل عطلة".
وتضيف بعينين دامعتين: "صدمني شرطه في بداية الأمر. فكرت في الانتحار أو الهرب، لكنني عوض ذلك قررت أن أكمل دراستي وأحقق ذاتي، فوافقت على شرطه وكنت أخضع للفحص في كل عطلة عند طبيب تربطه صداقة قديمة بوالدي. كان الطبيب يستغرب الأمر، لكنه لم ينطق يوماً بأي كلمة".
وتتابع خديجة بحسرة: "كنت أشعر وأنا أنتظر دوري في عيادة الطبيب بالذل. فرغم أنني لم أمارس الجنس أثناء فترة دراستي، كنت أسأل نفسي في كل مرة ماذا ستكون ردة فعل والدي لو قال له الطبيب إن ابنتك ليست عذراء".
اليوم أصبحت الطالبة الجامعية التي كانت تخضع لفحص عذرية كل ثلاثة أشهر تقريباً، محامية وتحضر للهجرة إلى كندا. تقول: "لم أستطع الزواج رغم أنني بلغت من العمر 37 سنة بسبب الآثار النفسية التي خلفها فحصي باستمرار من طرف الطبيب، وجملة الممرضة التي كانت تنطقها بتقزز قبل الفحص "حَيّْدِي سَرْوَالَك" (انزعي سروالك) ما زالت تتردد في أذني ولن أسامح أبي أبداً".
وعن حملة حركة "مالي" تقول خديجة: "طبعاً أساندها وعلى الأطباء أن يتوقفوا عن إجراء هذه الفحوص المهينة ما دامت الفتاة لا تقبلها. أُسَرُنا قد تكون جاهلة لكن أظن أن الأطباء متعلمون وواجبهم توعية الناس والحرص على سلامتهم جسدياً ونفسياً".
"لم أستطع الزواج رغم أنني بلغت من العمر 37 سنة بسبب الآثار النفسية التي خلفها فحصي باستمرار من طرف الطبيب، وجملة الممرضة التي كانت تنطقها بتقزز قبل الفحص "حَيّْدِي سَرْوَالَك" (انزعي سروالك) ما زالت تتردد في أذني ولن أسامح أبي أبداً"
في العيادة فحصان يومياً على الأقل
طبيبة النساء والتوليد بسمة الكوبيتي تؤكد لرصيف22 أنها تجري في عيادتها الخاصة بالعاصمة المغربية الرباط، فحصين تقريباً في اليوم الواحد، وتشرح باقتضاب: "تتمدد السيدة ويتم فحص المهبل دون ألم ولا يستغرق وقتاً طويلاً". رغم أن الطبيبة المغربية ترفض التعليق على حملة حركة "مالي"، تطالب بضرورة تغيير العقليات في المغرب "لكي لا يرتبط شرف المرأة وسمعتها بغشاء البكارة".
بالمقابل، يؤكد منظمو حملة مناهضة تقليد فحص العذرية من خلال الموقع الإلكتروني المخصص للحملة "أن لا وجود لأي دليل علمي يؤكد على عذرية المرأة" وأن "دراسة (لم تذكر تفاصيلها) أجريت سنة 2004 على 36 امرأة حاملاً أظهرت سلامة غشاء البكارة لدى 34 منهن، كما سجل أن "50 في المئة فقط من النساء ينزفن خلال أول علاقة جنسية لهن أو بعدها".
واعتبر الطبيب عبد الرحيم أحيزون (طب عام) في تصريح لرصيف22 أن الاعتقاد بأن غشاء البكارة قابل للفحص فكرة خاطئة، موضحاً: "الكثيرون يظنون أن غشاء البكارة يغطي فتحة المهبل لكن غالبية الدراسات أثبتث أنه في عدد من الحالات يغطي الجوانب فقط ويمكن أن يتمزق أو يتمدد خلال ممارسة الجنس أو بعض الأنشطة الرياضية".
آثار نفسية وخيمة
الناشطة الحقوقية ابتسام لشكر حذّرت خلال حديثها عن تفاصيل الحملة من الآثار النفسية المدمّرة التي قد يخلفها فحص العذرية. وهذا الوضع لا يقتصر على الوقت لكن على كل حياة الشابات إذ يصبح مؤرقاً لهن. وهو الأمر الذي أكده جميع من التقى بهم رصيف22، من ضمنهم الطبيب عبد الرحيم أحيزون.
نادية كشفت أن الفحص جعلها تكره العلاقة الجنسية في الأشهر الأولى من الزواج، تقول: "كنت أخاف من زوجي كثيراً، وفي كل مرة كان يحاول فيها ممارسة الجنس معي أستحضر مشهد الفحص وأبكي، مما أثَّر سلباً على علاقتنا لأنه لم يفهم ما كنت أشعر به وقتذاك".
في هذا الصدد، قال الأخصائي النفسي خالد عطاش لرصيف22 إن فحص العذرية يمكن أن يخلف أثاراً نفسية "وخيمة" خاصة عند الفتيات اللواتي يرفضن الفكرة من الأساس، لأنها بالنسبة للكثير منهن "اتهام مسبق أو حكم أخلاقي". ويضيف: "يمكن أن ينتج عنه قلق أو اكتئاب أو انتحار في عدة حالات. وقد يؤدي أيضاً للخوف من العلاقة الجنسية، لأنه في بعض الأحيان يتم الفحص باستعمال الأصبعين وهو ما يخلف ألماً عند بعض النساء".
ويسرد عطاش قصة فتاة تعرف إليها في إحدى المدن المغربية الصغرى، عن طريق جمعية تنشط في مجال حقوق النساء: "حاولت الانتحار بسبب فحص للعذرية... لم توافق على إجرائه وخضعت له بعدما أرغمتها جدتها عليه بطريقة تقليدية، وهو ما خلف لديها أثراً عميقاً كاد يؤدي بحياتها وما زالت إلى الساعة تحاول التخلص منه".
رشوة وتزوير
بإزاء الأمر الواقع تلجأ بعض الشابات إلى الحيلة كيلا يخضعن أجسادهن للفحص المهين. بطريقة ساخرة، تؤكد كاميليا (27 سنة) أنها لجأت للرشوة والتزوير للهروب من إصرار والدتها على الخضوع لفحص للعذرية قبل يوم الزفاف: "الكل يُشتَرى بالمال هنا، فحتى توقيع الطبيب على شهادة عذرية يمكن أن يشترى وعوض الشهادة الواحدة حصلت على اثنتين. أما زوجي فقد كان يعرف أنني مارست الجنس قبل الزواج ولم يكن يشكل الأمر له إزعاجاً. المشكلة كانت لدى والدتي وحماتي". وتتابع: "كلفني الأمر تقريباً 1000 درهم (حوالى 112 دولاراً) وحصلت على شهادتين تفاخرت بهما والدتي أمام والدة العريس. وكأنهما تجهلان أن هناك طرقاً أخرى لممارسة الجنس من دون إيلاج".
وتختم: "الغريب أن لا أحد يهتم بشهادة الخلو من الأمراض الجنسيّة المعدية التي يفرضها القانون وتسمح الأمهات للأطباء بالكشف عن عورات بناتهن خلافاً لما ينص عليه الشرع. لذلك يمكنني القول إن التقاليد أقوى من القانون والشرع في المغرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...