بين الحين والآخر، وبين حادثة وأخرى، يعود موضوع كشوف العذرية في مصر إلى واجهة الجدل. ففي حين يظن كثيرون بأن هذه الممارسة لم يعد لها وجود أو أنها باتت محدودة للغاية، تؤكد نساء وناشطون وأطباء بأنها لا زالت منتشرة، وبأنه لا بد من الاستمرار بتسليط الضوء عليها والنضال لإلغائها، فهي "جريمة تحمل الكثير من الذلّ والإهانة للمرأة، ولا يقلّ أذاها النفسي عن التحرّش والاغتصاب"، وفق تعبيراتهم.
"ربنا نجاني منه"
الحالات التي تتعرّض خلالها فتيات مصريات لكشوف العذرية متنوّعة، وهي ليست حكراً على بيئة معينة كما لاحظنا أثناء العمل على هذا التقرير. لم يكن من السهل إقناع ضحايا هذه الممارسة بالحديث والكشف عن حكاياتهن، لكن بعضهن وافقن باستخدام أسماء مستعارة.عبير محمد (30 عاماً) كانت مخطوبة قبل سنتين بشكل تقليدي، وقبل الزواج بأربعة أشهر عرض خطيبها بشكل غير مباشر الذهاب إلى طبيب نسائية للتأكد من عذريتها.
"قالي تعالي هنطمن إنك بخير ودي مفيهاش حاجة"، تقول في لقائها مع رصيف22 بصوت مرتجف، وتستكمل بأنها أصيبت بالصدمة من كلامه الذي يعني بأنه غير واثق منها، أو بأنه أقام الكثير من العلاقات الجنسية قبل زواجه، ويريد، كردة فعل، أن يتأكد بأن خطيبته ما زالت عذراء. وتستكمل: "وفقاً لتقاليدنا وعاداتنا عيب إن بنت عذراء تدخل عيادة النساء قبل ما تتزوج".
الحالات التي تتعرّض خلالها فتيات مصريات لكشوف العذرية متنوّعة، وهي ليست حكراً على بيئة معينة.
رفضت عبير الأمر بشكل مطلق، ووافقت أسرتها على فسخ خطبتها التي لم تستمر سوى بضعة أشهر، وتؤكد بأنها ليست نادمة أبداً: "أحياناً بحس إن ربنا نجاني منه".
بشكل مشابه تحدثت تقى كمال عن خطوبتها التي استمرت تسعة أشهر: "لم أكن أحبه لكني رأيت فيه الزوج المناسب". وقبل تجهيزات العرس طلب خطيبها أن تذهب معه لطبيبة نسائية. "كان يتجمّل في الكلام ويقول لي هنطمن بس".
أصيبت تقى بصدمة كبيرة، وقرّرت فسخ الخطوبة خاصة بعد أن علمت بتعدد علاقاته الجنسية قبل أن يتعرف إليها، ولم تخبر عائلتها سوى بأنها غير مرتاحة معه. "شعرت بالإهانة، وعملت بأن زواجي من هذا الشخص سيجلب لي الكثير من المشاكل. حتى ولو كانت لي علاقات مع أشخاص قبله، فهذا لا يعني بأنه لا يمكننا الارتباط. هذا ظلم".
لا خطبة رسمية قبل الكشف
لسميرة طه حكاية أخرى. الفتاة ذات الأعوام السبعة والعشرين وقعت بحب شاب عبر فيسبوك، واستمرت علاقتهما عامين كانا يلتقيان خلالهما بشكل دوري، ثم اشترط قبل أن يتقدم لخطبتها أن تخضع لكشف عذرية."أصبت بصدمة شديدة"، تقول لرصيف22، "لقد انتظر حتى وقعت بحبه ثم ألقى على مسامعي هذا الطلب. وعندما رفضت قال باستنكار: 'يا ترى إنتي خايفة ليه!'، مفسراً رفضي على أنه خوف".
أنهت سميرة العلاقة فوراً، ولم تدخل بعد ذلك بأي علاقة عبر الإنترنت. "كانت أسوأ تجربة مررت بها. كرهت التعرف على أي شخص من خلال السوشال ميديا، واقتنعت بأن التفكير المتخلّف ليس له علاقة بإنسان جاهل أو مُتعلم، فالأفكار المجتمعية متوارثة، والكثير من الشباب يعتقدون بأن الفتاة التي يتعرفون إليها عن طريق الإنترنت 'عاهرة'، في حين أن الفتاة التي تختارها أمهاتهم بطريقة تقليدية هي 'الشريفة'".
"شعرت بالإهانة، وعملت بأن زواجي من هذا الشخص سيجلب لي الكثير من المشاكل. حتى ولو كانت لي علاقات مع أشخاص قبله، فهذا لا يعني بأنه لا يمكننا الارتباط. هذا ظلم"
"لا لكشوفات العذرية"
منذ عام، وفي شهر أيار/ مايو 2020، انطلقت مبادرة مصرية بعنوان "برا السور"، وتعرّف عن نفسها بأنها مبادرة نسوية كويرية، تعمل على مناهضة التمييز والكراهية القائمين على النوع الاجتماعي والميل الجنسي، والعنف الممارس على النساء، خاصة نساء الأقليات، وتقديم ورشات حول حقوق الإنسان، وخلق ثقافة تساعد على تنمية احترام الآخر دون تمييز.خلال عام من عملها، نجحت المبادرة بتسليط الضوء على الانتهاكات الواقعة على النساء بمختلف ميولهن، ومن الحملات التي أطلقتها نهاية العام الفائت حملة "مهبلي مش دليل إدانة ولا أداة اتهام"، ركزت فيها على رصد انتهاكات كشوف العذرية والفحوص الشرجية الواقعة على جميع النساء، سواء أكن مقيمات في المدن والقرى النائية، أم سجينات سياسيات أو عاملات الجنس. ومع انتشار الحملة، تلقت رسائل كثيرة من فتيات يطلبن الدعم النفسي بعد تعرضهن لفحوص مهبلية أو شرجية، لتتم إحالتهن لمختصين بالأمر.
هذا ما تحدثت به لرصيف22 أسماء عبد الحميد، وهي منسقة مبادرة "برا السور"، وأشارت إلى أن المبادرة ومن خلال حملاتها رصدت حالات عديدة لفتيات تعرضن لكشوف العذرية: "هذه الكشوف ما زالت موجودة، في المجتمع ككل وفي السجون، ولا ننسى قضية فتيات التيك توك منذ سنة وما تعرّضن له، وقد حصلنا على شهادات موثقة لسيدات تعرضن لهذه الكشوف، وما يسمى أيضاً 'الدخلة البلدي'، وهو إجراء قد يعرّض الفتاة لنزيف حاد وخطر كبير".
هذه الكشوف ما زالت موجودة، في المجتمع ككل وفي السجون، وقد حصلنا على شهادات موثقة لسيدات تعرضن لهذه الكشوف، وما يسمى أيضاً 'الدخلة البلدي'، وهو إجراء قد يعرّض الفتاة لنزيف حاد وخطر كبير
وتشرح أسماء (29 عاماً) عن الدخلة البلدي التي تعتبر كما تقول، "كشف عذرية صريح": "تحدث هذه الدخلة للعروس يوم زفافها، فبعد انتهاء الفرح يحضر شخص من أهل العريس ومن أهل العروس، الوالدتان على الأغلب، وتكونان شاهدتين على فض غشاء بكارة العروس"، وتضيف بأنه في حال كان غشاء البكارة "مطاطياً"، أي ذاك الذي لا يتمزق أثناء الاتصال الجنسي، يتم الاستعانة بقابلة أو طبيب وفض الغشاء بمشرط، ويتجول أهل العروس بمنديل عليه دماء الغشاء في أركان القرية ليثبتوا أن ابنتهم "شريفة". وتذكر حادثة "دخلة بلدي" لصديقتها أصيبت خلالها بتهتك في جدار المهبل ثم نزيف حاد، ما عرضها لصدمة شديدة.
"إضافة لذلك، تحدث كشوف العذرية، بشكل خاص كما رصدنا، لفئات محددة، على رأسها الفتيات العاملات في العمالة المنتظمة، كالتمريض والحلاقة والخياطة. سبب ذلك هو عمل هؤلاء الفتيات معظم الوقت خارج منازلهن، وتعرّضهن للتحرش والاغتصاب في بعض الأحيان، ما يؤدي لطلب كشف العذرية منهن قبل الزواج، نتيجة صورة نمطية خاطئة شائعة عنهن"، تقول أسماء، وتضيف بأنها نشأت في بيئة لا ترى أي مشكلة بموضوع كشف العذرية، ما دفعها لاتخاذ قرار بمواجهة الأمر، ومساعدة الفتيات في مصر أيضاً على تجاوزه.
الجهل بغشاء البكارة
تتحدث الطبيبة ريم حماد، استشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى أحمد ماهر الحكومي التعليمي بالقاهرة، عن حالات كشوف العذرية في مصر، وهو ما تلمسه بحكم عملها في مشافٍ خاصة وحكومية، مضيفة في لقاء مع رصيف22 بأن "الجهل بغشاء البكارة ما زال موجوداً، وهناك الكثير من المعلومات المغلوطة حول الأمر".القانون والدستور يمنعان هذا الفعل المهين تحت أي ظرف، لأن الخصوصية مصانة بقوة القانون.
وتتابع الطبيبة حديثها بالقول: "كشوف العذرية متعددة ومتنوعة، هناك من تلجأ لها قبل الزواج لأنها كانت على علاقة وتريد معرفة إن كان غشاؤها سليماً أم لا، وهناك من تقرر الخضوع للكشف عن جهل، فهي تعتقد بأنها فقدت عذريتها دون أن تعرف معنى ذلك، وهناك أمهات يحضرن بناتهن للعيادات النسائية حتى يتأكدن من وضع غشاء البكارة لديهن، خاصة إن كانت الفتاة مخطوبة لشاب وفسخت الخطوبة، حينها تريد الأم أن تتأكد من عدم وجود علاقة بينهما قبل الانفصال".
وأكثر الفتيات تردداً على العيادات النسائية لكشف العذرية هن حديثات الزواج، كما تشرح حماد، لأن هناك معلومة مغلوطة بأن فض غشاء البكارة ينتج عنه نزول دم كثير، وهو أمر خاطئ. "قد لا تتجاوز كمية الدماء نقطة أو نقطتين، وفي 60% من الحالات تكون الدماء قليلة جداً، لذلك تأتي الفتاة للعيادة بصحبة الزوج، وهو يشعر بالشك تجاهها وهي تكون محرجة أمامه"، وتضيف بأن حدوث الجماع دون عنف قد لا يؤدي لفض الغشاء مباشرة.
ويعاني أطباء النسائية من معضلتين عند إجراء كشف العذرية، حسب وصف حماد، الأولى هي أن الفتاة أو عائلتها لا يقولون الحقيقة كاملة، ويضعون الطبيب في خانة "حزّر فزّر"، والثانية هي حضور فتاة بمفردها لعيادة الطبيب، وفي حال كانت نتيجة الكشف بأنها غير عذراء تتهم الطبيب بأنه فضّ بكارتها. "لذلك طُبّق عرف بين الأطباء منذ فترة، بعدم إجراء كشف لفتاة بمفردها، ولا بد من وجود مرافقة معها"، تختتم حديثها.
كشوف العذرية متعددة. هناك من تلجأ لها قبل الزواج لأنها كانت على علاقة وتريد معرفة إن كان غشاؤها سليماً أم لا، وهناك من تقرر الخضوع للكشف عن جهل، فهي تعتقد بأنها فقدت عذريتها دون أن تعرف، وهناك أمهات يحضرن بناتهن للعيادات حتى يتأكدن من وضع غشاء البكارة لديهن
موضوع مرفوض قانونياً
يقول المحامي أيمن محفوظ في لقاء مع رصيف22 بأن موضوع كشف العذرية مرفوض مهما كانت التبريرات، لأن الدستور المصري جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، والشريعة رفضت أي انتهاك لحقوق المرأة.وأضاف المحامي بأن الدستور المصري ينصّ على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وعلى أن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها، كما أن الاتفاقيات الدولية التي وقعّت عليها مصر تمنع مثل تلك الممارسات المهينة للمرأة.
ويستكمل محفوظ حديثه بالقول: "من هنا نؤكد أنه لا يوجد قانون يبيح كشوف العذرية لما فيها من انتهاك لحقوق المرأة وإباحة لعرضها، بل على العكس، فإن القانون والدستور يمنعان هذا الفعل المهين تحت أي ظرف، لأن الخصوصية مصانة بقوة القانون".
وعن عقوبة الاعتداء على الخصوصية، يقول المحامي بأنها جريمة تصل عقوبتها للسجن لمدة خمس سنوات، ويضيف: "يجوز لأي سيدة تعرضت لأي انتهاك من هذا النوع أن تقيم دعوى قضائية للمطالبة بمحاسبة المسؤولين، وبالتعويض عما لحقها من أضرار. هي جريمة لا تسقط بالتقادم لأنها متعلّقة بحريات الإنسان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون