شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مسألة عرض وطلب"... الدروس الخصوصية في الكويت ضرورة أم عبء مادي ونفسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 7 يونيو 202205:20 م

منذ أشهر طويلة، ترزح أسرة أحمد محمد في الكويت، تحت عبء توتر نفسي وعصبي، منذ أن التحق ابنهم الثالث بالثانوية العامة، وذلك بسبب الدروس الخصوصية التي يراها الطالب ضروريةً لمساعدته على استذكار المعلومات والتحاقه بكلية الصيدلة، مثل شقيقيه.

يعود الأب من عمله بعد منتصف النهار، ليبدأ رحلة إيصال ابنه إلى مكان الدرس الخصوصي، ولا تشعر الأسرة بأنها تعيش حياةً طبيعيةً، لكنها تتحمل من أجل التحاق الولد بالكلية التي يريد.

وباتت الدروس الخصوصية، في مراحل التعليم بشكل عام، ومرحلة الثانوية العامة بشكل خاص، تشكّل أعباءً إضافيةً على الأسر الكويتية أكثر من ذي قبل، خاصةً قبيل موعد امتحانات الثانوية العامة والتنافس للحصول على درجات أعلى تحدد مصير الطلاب ومستقبلهم.

تشكل الدروس الخصوصية، في مراحل التعليم بشكل عام، ومرحلة الثانوية العامة بشكل خاص، أعباءً على الأسر الكويتية.

وتعاني معظم البيوت في هذه الفترة التي تشهد إقامة امتحانات المرحلة المتوسطة، واقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة، من ضغوط نفسية ومادية بسبب عامل الوقت وتحصيل المعلومات وتنظيم أوقات أبنائهم ومساعدتهم في الذهاب إلى مراكز الدروس الخصوصية أو استقبال المدرسين في بيوتهم. وتثار هذه الظاهرة بين الحين الآخر في الصحافة المحلية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، من قِبل بعض أولياء الأمور والمسؤولين، فيؤكد بعض المعلمين أن هذه المسألة ليست مقلقةً طالما أن المعلم يقوم بواجبه داخل الفصل الدراسي على أكمل وجه، في حين يرى بعض أولياء الأمور أنها تمثل أعباء ماليةً ونفسيةً إضافيةً بالرغم من أنها مهمة في بعض الحالات.

خدمة إضافية

في حديثه إلى رصيف22، يقول السيد أبو عبد الهادي (48 عاماً)، إن المعلم في الكويت عموماً يقدم الشرح الوافي داخل الفصل وفي الوقت ذاته يعطي دروساً خصوصيةً للطلاب الذي يريدون شرحاً إضافياً، معللاً الأمر بوجود مستويات فهم وتحصيل مختلفة لدى الطلاب.

ويضيف أبو عبد الهادي، الذي يعمل في مدرسة حكومية في محافظة حولي: "نحن نشرح الدرس بشكل كامل كما ينبغي، ومن يريد من الطلاب شرحاً مفصلاً لكونه يحتاج إلى مزيد من التمارين، فلا مانع من الدرس الخصوصي له بناءً على رغبته، وهناك طلبة لا يأخذون دروساً خصوصيةً على الإطلاق، ويكتفون بشرح المعلم داخل المدرسة، طالما أنه يغطي كل النقاط وأنهم يستوعبون جيداً".

أما علي أبو سيف، وهو ولي أمر طالب في المرحلة الثانوية، فيرى أن الدروس مجدية لبعض الطلاب الذين لا يستطيعون فهم الدرس من المرة الأولى، فضلاً عن أن المدرس الخصوصي يحل جميع التمارين للطالب في أثناء الدرس الخصوصي، لكنه في الوقت ذاته يلقي باللوم على المعلمين الذين لا يشرحون بالشكل الكافي داخل الفصل، عمداً، ولو كانوا قلةً.

منذ أشهر طويلة، ترزح أسرة أحمد محمد في الكويت، تحت عبء توتر نفسي وعصبي، منذ أن التحق ابنهم الثالث بالثانوية العامة، وذلك بسبب الدروس الخصوصية التي يراها الطالب ضروريةً لمساعدته على استذكار المعلومات والتحاقه بكلية الصيدلة، مثل شقيقيه

وأوضح في حديثه إلى رصيف22، أن من ضمن الأسباب التي جعلته يستعين بمدرّس خصوصي لأولاده، هو أن المدرّس لا يستطيع أن يركّز مع كل الطلاب داخل الفصل في وقت واحد، وتالياً قد يضيّع على بعض الطلاب فرصة التحصيل بشكل مرضٍ.

زيادة الكثافة وقلة الأجور

جدير بالذكر أن قضية الدروس الخصوصية في الكويت ليست جديدةً، لكنها انتشارها ازداد في السنوات الأخيرة، مع ازدياد التنافس على كليات القمة، مثل الطب والصيدلة والأسنان ومساهمة مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة حدة هذا التنافس. ويشير أبو عبد الهادي في هذا السياق إلى أن هذه الظاهرة اليوم باتت منتشرةً في معظم المدارس، ووفق ملاحظته فإن عدد من يلجؤون إلى الدروس الخصوصية يشكل النسبة الأكبر من طلاب الكويت.

ويضيف أن من بين أسباب انتشار الدروس الخصوصية بشكل عام، زيادة الكثافة داخل الفصول في المدارس الخاصة، إذ تصل إلى أكثر من 40 طالباً وطالبةً في الفصل الواحد، مقارنةً بنحو 20 في المدارس الحكومية، ويبلغ عدد المدارس الخاصة في الكويت قرابة 160 مدرسةً مقابل 985 مدرسةً حكوميةً.

كما يوضح المتحدث أن أجر المعلمين في المدارس الخاصة أقل من نظرائهم في المدارس الحكومية، ويضيف: "هذا الأمر ربما يكون دافعاً للمدرس لإعطاء الدروس الخصوصية بناءً على رغبة الطلاب، إذ إن الكثافة الكبيرة قد لا تساعد المعلم على شرح كل النقاط، بالإضافة إلى سعي المدرسين إلى زيادة مدخولهم لتحسين مستواهم المعيشي نظراً لتفاوت الأجور".

في تعليقه على هذه الظاهرة، يقول الوكيل المساعد للتنمية التربوية والأنشطة في وزارة التربية، فيصل المقصيد، إن الطلاب في كل مراحل التعليم المختلفة وحتى في الجامعة يلجؤون إلى الدروس الخصوصية لأنهم لا يشعرون بأنهم قد حصلوا على المعلومة بشكل كافٍ، وتنشط الدروس الخصوصية قبل الامتحانات بشكل خاص، مضيفاً أن المدرّس الخصوصي يكمل للطلاب الجزء الناقص.

ويؤكد المتحدث أن المدارس التابعة للوزارة فتحت باب التطوع بتقديم حصص تقوية بهدف التقليل من اللجوء إلى المدارس الخصوصية، ومن المتوقع أن تحقق هذه الخطوة أهدافها وتخفف من مسألة تلك الدروس قريباً.

قضية الدروس الخصوصية في الكويت ليست جديدةً، لكنها انتشارها ازداد مع التنافس على كليات القمة.

ضغوط نفسية ومادية

يوضح أبو عبد الهادي أن المسألة ببساطة هي حسب العرض والطلب، فالدرس الخصوصي لا يتم من دون رغبة الطالب أو وليّ أمره، وهي خدمة مثل أي خدمة تقدَّم للجمهور بكل أمانة من قِبَل الكثير من المعلمين خارج نطاق الحصص المدرسية. ويستدرك بأن الطلاب بشكل عام يسعون إلى فهم الدرس واستيعابه جيداً، ومنهم من يريد مزيداً من الشرح وحل التمارين والامتحانات.

ويستدرك بالقول: "الفصل الذي يحتوي على أكثر من أربعين طالباً وطالبةً، لن يسمح للمدرّس بحلّ كل التطبيقات، كما أن هناك عدداً من الامتحانات القصيرة التي نجريها على حساب الوقت المخصص لشرح المنهج، فلا مانع من تقديم الدروس الخصوصية لمن يريد مع الالتزام بالمعايير والقوانين التي وضعتها الوزارة".

ويوضح المتحدث أنه نظراً إلى تكلفة هذه الدروس، بات بعض الطلاب يلجؤون للحصول عليها "أونلاين"، لأنها أقل تكلفةً بشكل ملحوظ مقارنةً بالدروس التي تتم بشكل حضوري، مضيفاً في الوقت ذاته أن هناك بعض مجموعات التقوية التي تُقدَّم للطلاب من دون أجر أو بأجر أقل.

وتصل تكلفة الدروس الخصوصية في الفصل الواحد من الثانوية العامة للمواد العلمية، مثل الفيزياء والكيمياء، إلى 300 دينار للطالب (قرابة 1،000 دولار)، فضلاً عن رسوم التعليم في المدارس الخاصة التي تصل إلى 500 دينار في العام، أما في المراحل التعليمية المختلفة فقد تصل تكلفة الدروس إلى 50 ديناراً أو أكثر قليلاً في الشهر للطالب الواحد، وتختلف الأرقام من محافظة إلى أخرى ومن مدرّس إلى آخر. ويبلغ متوسط الرواتب للكويتيين قرابة 1،270 ديناراً شهرياً.

المسألة ببساطة هي حسب العرض والطلب، فالدرس الخصوصي لا يتم من دون رغبة الطالب أو وليّ أمره، وهي خدمة مثل أي خدمة تقدَّم للجمهور بكل أمانة من قِبَل الكثير من المعلمين خارج نطاق الحصص المدرسية

وبالعودة إلى أولياء الأمور، فإن أبو سيف يرى بأن الدروس الخصوصية أحياناً مضيعة للوقت، وبالرغم من أن ابنه يؤكد أنه يستطيع فهم الدرس من خلال شرح المعلم في المدرسة، لكن الأب يريد مزيداً من الشرح لابنه كي يتفوق ويلتحق بكلية من كليات القمة. ويؤكد بأن أسراً كثيرةً تعاني من ضغوط نفسية ومادية طوال العام الدراسي، والأمر يستمر حتى الانتهاء من الامتحانات وإعلان النتيجة.

من جهته، يرى أحمد محمد، أن الدروس الخصوصية تستنزف الوقت والجهد والمال، مبيناً في الوقت ذاته أنها لا غنى عنها في كثير من الحالات بسبب ضيق وقت الحصة المدرسية وارتفاع كثافة الطلاب واعتماد بعض الطلاب على المدرس الخصوصي للمتابعة والتنسيق وتنظيم المزيد من التمرينات وحلها، مشيراً إلى أن أولاده يتلقون دروساً خصوصيةً في بعض المناهج التي تتسم بالصعوبة والدسامة.

ويضيف أن بعض الأسر لا تستطيع متابعة أولادها أو مساعدتهم في المذاكرة، ولذا تلجأ إلى معلمين يقدّمون دروساً خصوصيةً، ويختم أبو سيف متحدثاً عن همومه بقوله إن فترة الامتحانات تمثل عبئاً نفسياً ومادياً لمعظم الأسر من أجل تحقيق مصلحة أبنائهم وتأمين مستقبلهم من خلال الحصول على كلية لها مستقبل مطمئن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image