"المؤسسات الحكومية تكاد أن تفرغ من النخب"؛ هكذا وصف رئيس المؤسسة الوطنية للموارد البشرية والتوظيف ميثم لطيفي، أوضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما يدل علی تصاعد وتيرة الهجرة لدی جيل النخب من أطباء وأكاديميين وروّاد أعمال وخريجين وأساتذة ومهندسين.
نحو 4.04 ملايين من المواطنين الإيرانيين هاجروا إلی خارج البلاد؛ هذه الإحصائية صرحت بها أمانة المجلس الأعلی للإيرانيين، إذ تستضيف كل من ألمانيا والسويد وهلندا وفرنسا أكبر عدد من الجالية الإيرانية الأوروبية حسب تقارير الأمم المتحدة.
مرصد إيران للهجرة المكون من باحثين شباب، والذي يعمل تحت إشراف معهد أبحاث جامعة شَريف في طهران، ویحظی برعاية مؤسسة النخب الوطنية، يتحدث خلال تقاريره الصادرة مؤخراً عن رغبة فئة المتعلمين بالهجرة. وأثارت إحصائياته التي تتمتع بمصداقية عالية وفق جمع البيانات وتحليلها من داخل وخارج البلاد، اهتمامَ وسائل الإعلام المحلية، خاصة وأن الهدف الأول في أسباب الهجرة يعود إلى دوافع اقتصادية.
أرقام صادمة
تقول معلومات استطلاع الرأي الذي تم إعداده بداية عام 2022 حول رغبة فئة المتعلمين بالهجرة، إن 50 بالمئة من أصحاب الشركات الناشئة والمعرفية قرروا الهجرة، بينما أعلن 34% من هؤلاء أنهم لم يحسموا قرار هجرتهم بعد، وأما من أظهروا عدم رغبتهم بالهجرة فلم يتجاوز عددهم 16%.
قرر 40 بالمئة من الأطباء والممرضين الهجرة، بينما 27% من هؤلاء لم يحسموا القرار بعد، 18% من قطاع الطب في إيران أجلوا قرارهم، و15% منهم لم يرغبوا بالهجرة.
يعيش 60 ألف طالب إيراني خارج البلاد؛ مما جعل إيران تحتل المرتبة 18 عالمياً في هذا الشأن، بينما تستضيف طهران 45 ألف طالب أجنبي معظمهم من العراق وأفغانستان
أساتذة الجامعات والباحثون والأكاديميون أيضاً شارکوا بهذا الاستطلاع، وتأتي نسبهم كالتالي: 40 بالمئة قرروا الهجرة، و37% لم يحسموا القرار، و23% لم یرغبوا بذلك.
أما طلاب الجامعات وخريجوها فلم تختلف نسبهم عن الآخرين، حيث قرر 44 بالمئة منهم الهجرة، بينما 28% مازالوا لم يحسموا قرارهم، و13% أجلوا ذلك، والنسبة المتبقية هي من نصيب الباقين في البلاد.
ولم تقتصر الهجرة واللجوء علی هذه الفئات فحسب، بل لجأ الكثير من الرياضيين المحترفين ونجوم السينما إلی الدول الغربية، بينهم ما يزيد عن 60 رياضياً حائزاً علی جوائز وطنية ودولية. كما تضج منصات التواصل الاجتماعي عن رغبة الرواد المتنامية بالهجرة واللجوء.
عزوف عن الوطن
الدراسة والعمل واللجوء هي أنواع الهجرة الثلاثة، حسب قول رئيس مرصد إيران للهجرة بَهرَام صلواتي، وقد أخبر عن تواجد 60 ألف طالب إيراني خارج البلاد؛ أرقام جعلت إيران تحتل المرتبة 18 عالمياً في هذا الشأن. بينما تستضيف طهران 45 ألف طالب أجنبي معظمهم من العراق وأفغانستان، وقد بات هذا البلد في المركز الـ33 من ناحية جذب الطلاب الأجانب.
أما في نوع هجرة العمل فلا أرقام عن أعداد الإيرانيين الذين يعملون في أسواق عمل في مختلف البلدان، نظراً لصعوبة عملية التوظيف وتنوع تأشيرات العمل. وبالنسبة للهجرة من أجل اللجوء فقد احتلت إيران المركز الـ14 عالمياً في تقديم طلب اللجوء من قبل مواطنيها.
وانتقد رئيس المؤسسة الوطنية للموارد البشرية والتوظيف ميثم لطيفي، عدم وجود خطط مدونة للكفاءات العليا ذات القدرات الأكاديمية والمهنية في البلاد، واعتبر إيران مستعدة لإتلاف الأدمغة بسبب عدم وجود برامج واضحة لخريجي الجامعات، حيث يبدو أنهم عملياً هاجروا جميعهم.
الهدف الأول في أسباب الهجرة من إيران يعود إلى دوافع اقتصادية
تركيا الحاضرة دائماً عند القياسات الإيرانية والتي تعتبر المنافس التقليدي لإيران، حيث تستضيف أعداداً هائلة من مواطني بلاد فارس، كانت متواجدة عند أمثلة المسؤولين الإيرانيين عن كيفية إدارة ملف النخب. وفي هذا الشأن قال لطيفي إن الكثیر من البلدان ومن ضمنها تركيا تدعم نجوم الأولمبياد كي لا يفكروا بالهجرة دعماً شاملاً، وتقدم لهم أفضل الوظائف.
إيران بعيون المؤسسات الدولية
مؤسسة غالوب (Gallup) للتحليلات والبيانات الأمريكية صنفت طهران البلد الـ87 من بين 150 دولة في مجال اجتذاب المهاجرين نحوها وبقاء مواطنيها فيها. وفي شأن اجتذاب الكفاءات من الخارج والاحتفاظ بنخبها في الداخل قد احتلت المرکز الـ78 عالمياً.
وفي مؤشر تنافسية المواهب العالمية عام 2020 كانت إيران البلد الـ102 من أصل 132 بلداً في القدرة التنافسية لدول العالم على أساس نوعية المواهب التي يمكن إنتاجها واستقطابها والحفاظ عليها، مما يساعد على رصد تقدمها ومقارنة أدائها باقتصادات أخرى، حيث يعتبر هذا المؤشر ضمن المؤشرات المعتمد عليها في قياس الدول، وكفاءة الحكومات، والعلاقة الرابطة بين الحكومة والنشاط التجاري والاستقرار السياسي واستخدام التكنولوجيا.
يصنف جواز السفر الإيراني الـ105 من بين 199 دولة، ويساوي جواز سفر دولة سريلانكا، مما جعل مواطنيها من رجال الأعمال والتجار والمشاهير والنخب وهواة السفر وغيرهم، يبجثون عن جواز سفر دولة أخری
وآخر فرصة شهدتها البلاد في موجة هجرة عكسية إلی داخل إيران من قبل مواطنيها القاطنين في أنحاء العالم، إضافة إلی الحد من الهجرة للخارج، كانت فترة ما بعد الاتفاق النووي الموقع عام 2015، حيث عمت أجواء الأمل والانفتاح الاقتصادي البلاد، ولكن سرعان ما تبدد كل شيء، لترجع موجة الهجرة من إيران، بعدما عادت العقوبات إثر خروج الرئيس الأمريکي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018 حسب مرصد إيران للهجرة.
أسباب تنامي دوافع الهجرة
اعترف رئيس المؤسسة الوطنية للموارد البشرية والتوظيف، بفشل النظام الإداري للاستفادة من كفاءات البلد، مصرحاً أن عدم ازدهار النخب في البلاد يعتبر من أوضح مشاكل بنية الهيكل الإداري.
سياسياً يصنف جواز السفر الإيراني الـ105 من بين 199 دولة، ويساوي جواز سفر دولة سريلانكا، مما جعل مواطنيها من رجال الأعمال والتجار والمشاهير والنخب وهواة السفر وغيرهم، يبجثون عن جواز سفر دولة أخری للحد من العقبات الدولية التي تحدث لهم.
عدم إتاحة الفرص لأداء دور فاعل في المجتمع، والشعور بعدم الفائدة بالنسبة للبلد، وعدم وجود رؤية واعدة في المستقبل، هي من أقوى العوامل التي تنمّي دوافع الهجرة، وتجعل الفرد يهمّ بها، وفق ما ذكره تقرير المرصد.
نزيف مستمر وإيران بين قرارين حاسمين
باقتراح من مرصد إيران للهجرة أقدمت الحكومة والبرلمان بدراسة تدشين مؤسسة وطنية للهجرة تحت إشراف رئيس الجمهورية، بغية متابعة الأمور عن كثب، وتسهيل عودة الکفاءات للبلاد، والحد من الهجرة المتصاعدة وتيرتها، وتنظيم اللاجئين والنازحين القادمين من البلدان المجاورة أيضاً.
النزيف المستمر التي تعاني منه إيران ليس بجديد وقد حذر عنه المعنيون والخبراء في العلن وبصراحة، ولكن الإقرار بفشل سياسات الحكومات المتعاقبة علی لسان رئيس المؤسسة التي من واجبها الاستفادة من هذه الكفاءات، جاء بمثابة اعتراف صريح وصادق لكنه بطييء وغير مكف. كما يبدو أن تدشين معهد للدراسات سوف يأخذ علی عاتقه جمع البيانات وتقديمها للحكومة والمجتمع، ليكون خطوة أكاديمية نحو تصحيح المسار علمياً.
تبقی إيران بين ازدياد هجرة مواطنيها وخروج مواردها البشرية نحو الخارج وافتقارها للعقول المدبرة وطاقاتها الشبابية، وبين أمل العودة إلی ما كانت عليه من أجواء مُرضية للجميع بعد الاتفاق النووي الإيراني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...