وُرْيا غَفوري، كابتن فريق استقلال طهران، ناشط مدني على هيئة لاعب رياضي محترف، تخشى كلامه السلطات فتواجه تصريحاتِه ردودٌ من المرشد الإيراني علي خامنئي بنفسه. لكن محاولات الإعلام الحكومي باءت بالفشل في كتم حضوره، والحدّ من نسبة تأثيره في الشارع الإيراني. فكلما ازداد حظراً، كلما ارتفعت شعبيته بين المواطنين كبطل لا يخشى أفعال النظام.
ما إن تطلق صافرة النهاية في المستطيل الأخضر وتحتشد الكامرات ويصطف الصحفيون للقاء اللاعبين، لم يتوان الكابتن وريا غفوري بنقد سوء إدارة البلاد والوضع المعيشي متجاهلاً الرياضة وعالمها، ومهتماً بهموم البلد وآلام الشعب، وكأن الكرة تنحصر في دائرة الملاعب، لا على لقاءاته الإعلامية أو حساباته الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي التي خصصها لنشاطه المدني أكثر من فعالياته الرياضية.
وُريا غفوري
"ثمة امور عندما تحدث للمواطنين، فلم تعد كرة القدم أولويتي، بل ما يهمني هو استغلال مكانتي في سبيل أن أكون صوت الجماهير التي تبتاع التذاكر في وقت معيشي صعب، من أجل أن تشجعنا. من حق الإيرانيين أن يعيشوا سعداء". هكذا أعلن غفوري تضامنه مع الاحتجاجات الشعبية على الغلاء المعيشي والتي هزت البلد برمته.
"ثمة امور عندما تحدث للمواطنين، فلم تعد كرة القدم أولويتي، بل ما يهمني هو استغلال مكانتي في سبيل أن أكون صوت الجماهير التي تبتاع التذاكر في وقت معيشي صعب، من أجل أن تشجعنا"... وريا غفوري، بطل إيران هذه الأيام
وعلى غرار رفع الدعم الرسمي للغذاء وارتفاع الأسعار وحدوث موجة احتجاجات في المدن الإيرانية قبل أسبوع، والتي واجهتها الحكومة بصرامة، نشرت وسائل إعلام محلية مقطع فيديو لللاعب غفوري متحدثاً فيه عن سوء أحوال الشعب واللامبالاة لدى المسؤوليين تجاه عسر حال المواطنين، مما تسبب بارتياح شعبي وغضب حكومي منه.
التغريد خارج السرب
يتفاخر وريا غفوري الذي يبلغ من العمر 34 عاماً بهويته الكردية، هو المنحدر من مدينة سَنَنْدج، مركز محافظة كُردستان الواقعة غربي إيران والمجاورة لكردستان العراق. ويلعب مدافعاً في فريق استقلال منذ سنوات، أحد الفريقين المهمين والرئيسيين في إيران، ولونه الأزرق، والذي يعدّ منافساً لفريق برسبوليس (الأحمر).
لم يخش وريا الإفصاح عن مخالفته لسياسات طهران الداخلية والخارجية؛ تفرد عن باقي الرياضيين الشباب وحتى المخضرمين منهم برفع صوته في كل أزمة تعصف بالبلاد ليقف مدافعاً عن الشعب وكأنه في ميدان كرة القدم.
بعد تصريحاته الأخيرة سارعت القناة الثالثة الحكومية بحذف صورة غفوري من بين صور لاعبي الفريق التي تظهر على شاشة استديو برنامجها الرياضي الذي خُصص للفوز المبكر لفريق استقلال بكأس الدوري الممتاز لكرة القدم، في حين أن غفوري هو كابتن الفريق وأحد أبرز لاعبيه.
التلفزيون الإيراني ينشر صورة غفوري بضغط جماهيري
ووسط تفاعل شعبي واسع مع تصريحات اللاعب، وجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي نقداً لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، واعتبروا أن حذف صور غفوري عمل غير مقبول، وطالبوا المعنيين بالاعتذار.
مدرب فريق استقلال فرهاد مجيدي، دافع عن كابتن فريقه واعتبر تصرفات التلفزيون الإيراني بحذف صورته عملاً غير لائق وغير مهني، وتساءل: كيف تسمحون لأنفسكم بمثل هذه التصرفات؟ وفي حلقة جديدة من البرنامج الرياضي عادت صورة غفوري خلف شاشات الاستديو نتيجة للانتقادات والضغوط التي واجهتها القناة الحكومية.
بعد تصريحاته الأخيرة سارعت القناة الثالثة الحكومية بحذف صورة غفوري من بين صور لاعبي الفريق التي تظهر على شاشة استديو برنامجها الرياضي الذي خُصص للفوز المبكر لفريق استقلال بكأس الدوري الممتاز لكرة القدم، في حين أن غفوري هو كابتن الفريق وأحد أبرز لاعبيه
وفي ظل دعم غير مسبوق أطلقه عشرات المؤثرين والمؤثرات على منصات التواصل دعماً لتصريحات غفوري ضد السلطات، حمل منشور أسطورة كرة القدم الإيراني علي دائي، ترحيباً من جماهير كلا الفريقين اللدودين استقلال وبرسبوليس طهران، حيث نشر صورة غفوري على حسابه في إنستغرام وعلّق، "إسكات الناقد هو حذف المشكلة، وليس حلها. يعيش الشعب في أسوء وضع معيشي ويجب أن تكون حلول جذرية لمشاكل الناس بدل الكبح".
مخالفات متحفظة
لم ينته إقبال الإيرانيين على نشاط اللاعب المدني واعتباره بطلاً شجاعاً لا يهاب التخويف وتزوير الحقيقة دون مخالفة مهما كان صداها متحفظاً، حيث نشر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات ضد تصرفات الرجل، وكتب أحدهم: "هذا وريا غفوري، خبير شؤون الصواريخ والاتفاق النووي وسوريا والتلغرام والدولار والسياسة الداخلية والخارجية والقانون وأحكام العنف والشؤون الدينية"، في إشارة منه إلى قائمة الانتقادات التي تطال السلطات من قبل اللاعب.
المسؤولون أم الشعب... من يدفع الثمن دفاعاً عن فلسطين ولبنان؟
ومن أبرز تصريحات غفوري التي تسببت باستدعائه لإدارة الأمن في الاتحاد الإيراني لكرة القدم عام 2018، كان رده على تصريح وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف آنذاك، إذ صرح: "نحن فخورون بأن نتحمل الضغوط أمام دفاعنا عن فلسطين ولبنان"، فرد غفوري عبر حسابه على إنستغرام: "الذي يعيش تحت الضغط من أجل الدفاع عن الشعوب المظلومة في فلسطين واليمن ولبنان، لستم أنتم بل الشعب الإيراني".
المرشد الأعلى علي خامنئي لم يمر من هذا التصريح الذي طال المسؤولين جميعاً مرور الكرام بل ردّ بغضب: "بعض الأفراد يستفيدون من أمن البلاد. إنهم منشغلون بعملهم ورياضتهم وينكرون الجميل، لا ننسى كيف يُكسب الأمن". هذا ما تفوه به خامنئي، والذي كان نقداً غير مباشر للاعب، بعد رد الأخير على تصريحات ظريف.
خارج معسكر المنتخب الوطني... أسباب رياضية أم سياسية؟
لم يتهاون غفوري في الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إبداء موقفه من الأزمات خلال السنوات الأخيرة التي بزغ نجمه فيها في الرياضة. ومنذ عام 2019 لم يُدع اللاعب إلى معسكر المنتخب الوطني، رغم أنه لاعب جيد يقود أحد أبرز الفرق في الدوري الممتاز. وتأتي شكوك من بعض الناشطين المدنيين والرياضيين أن الأمر يعود إلى أسباب غير رياضية، ومنع السلطات الأمنية من انضمامه إلى قائمة المنتخب الإيراني بسبب تصريحاته ومذهبه السنّي.
"الذي يعيش تحت الضغط من أجل الدفاع عن الشعوب المظلومة في فلسطين واليمن ولبنان، لستم أنتم بل الشعب الإيراني"
وفي لقاء صحفي سابق، لم يكتم اللاعب رغبته في دخول دهاليز السياسة، حيث قال: "إن كانت -السياسة- تتبع قوانين صحيحة كالرياضة، فمن المؤكد أنني سأدخل عالم السياسة من الآن"، هكذا شرح غفوري لوكالة إيلنا الإيرانية.
موقف جريء ووجود احتمالية حرمانه من الكرة
تعالت الأصوات في الملاعب تصدح باسمه "ورياي با غيرت، حرف تو حرف ملت"، ما يعني بالعربية: "وُريا المغوار، كلامك كلام الشعب". واعتبرت الجماهير الرياضية وغير الرياضية موقفه الأخير، موقفاً إنسانياً وجريئاً جاء مسانداً للشعب الذي يرضخ لوضع اقتصادي صعب، كما ثمن الناشطون تسخير اللاعب مكانته الاجتماعية لإيصال صوت المضطهدين، خلافاً لبقية المشاهير في الفن والرياضة.
أبرز المعطيات التي قدمتها الصحفية هدية كيميائي، عن سبب دعم الجماهير للاعب، أن الشعب يشعر بوجود عنصر يتفهم معاناته، غير مبال في مواجهة الظلم، بل يقف إلى جانبه (أي الشعب).
ونبّه بعض المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي إلى احتمالية تضييق الخناق على اللاعب، أو حرمانه من ممارسة كرة القدم، أو حصره في دائرة ضيقة من حيث النشاط الرياضي أو المدني، حيث غرد أحد الناشطين: "لربما سيحذف غفوري كما حُذف تَختي (بطل المصارعة في عهد نظام الشاه) وحِجازي (لاعب فريق استقلال في العقود الماضية)، ولكن سيبقى اسمه خالداً إلى جانب الشعب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...