شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لبنان يطفو فوق خزانات من المياه الجوفية... فهل يحتاج إلى السدود؟

لبنان يطفو فوق خزانات من المياه الجوفية... فهل يحتاج إلى السدود؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 1 يونيو 202212:18 م
Read in English:

Lebanon floats on groundwater reservoirs… Does it need dams?

يُعدّ ملف السدود المائية في لبنان واحداً من أكثر الملفات إثارةً للجدل في السنوات العشر الأخيرة. ففي حين يناصر البعض بناءها، يصفها آخرون بأنها من أكبر الإخفاقات، نتيجة عدم إنجاز الكثير منها بالشكل المطلوب، على الأغلب بسبب الفساد وعدم التخطيط الكافي، بالإضافة إلى الآثار البيئية "الخطيرة" الناجمة عنها. ولعل أكثر ما "ميّز" عمل وزارة الطاقة اللبنانية في السنوات العشر الأخيرة، عدا عن انعدام الكهرباء وسطوة المولدات الخاصّة وهدر المليارات على مشاريع لم تجلب إلا العتمة، هو ملف السدود الإشكالي.

وقد شهد لبنان خلال العقد الأخير بناء سدود عدة لجمع المياه وتوليد الكهرباء، رافقت ذلك حملات كبيرة من الناشطين البيئيين والخبراء لإيقاف هذه المشاريع، نجح بعضها كما حصل في مرج بسري قبل قرابة عامين، ولم تنجح أخرى كما حصل في سد المسيلحة في البترون، الذي بدأت الأعمال فيه عام 2014، وما زال الجدل بشأنه مستمراً حتى اليوم، مع الحديث عن عدم التخطيط له بالشكل الصحيح وبنائه على أرض طينية غير صالحة.

فهل كانت هذه السدود فعلاً فاشلةً، أم أن الحملات كانت تسجَّل في سياق التجاذبات السياسية في لبنان؟ وما هي البدائل؟

هل لبنان فعلاً بحاجة إلى سدود؟

وصف الفرنسيون لبنان بأنه خزّان مياه الشرق الأوسط نظراً لغناه بالمياه الجوفية المتجددة، وفي هذا السياق يؤكّد الحقوقي والناشط البيئي بول أبي راشد، أن لبنان لديه كل عام 3 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة، بفعل الشتاء وذوبان الثلوج، ويشير إلى أن نهر الأردن ينبع من لبنان وفائض المياه الجوفية يذهب إلى فلسطين والأردن، كما أن فائض مياه لبنان الجوفية يذهب إلى تركيا مروراً بسوريا عبر نهر العاصي الغزير.

يُعدّ ملف السدود المائية في لبنان واحداً من أكثر الملفات إثارةً للجدل.

من هنا نجد أن لبنان لا يستفيد من مياهه الجوفية بالشكل المطلوب، وإنما توجّه نحو السدود التي لا حاجة إليها من الأساس، وهنا يسأل أبي راشد: "هل قيّمنا المياه الجوفيّة قبل بناء السدود؟ طبعاً لا. وضعت وزارة الطاقة خطةً جديدةً للمياه حتى العام 2030، مشيرةً فيها إلى عدم وجود معلومات وقواعد بيانيّة لمعرفة حجم المياه الجوفيّة. كيف نبني سداً من دون أن نكون على بيّنة تامة من حاجتنا إليه؟ القصّة أنه كانت هناك أموال تهطل من الخارج على هذه المشاريع، وعبرها يمكن تحقيق أرباح كبيرة بشكل غير قانوني".

يتحجج من يدافع عن مشاريع السدود بأن استخدام المياه الجوفية هو استنزاف للمخزون الإستراتيجي، ضمانة الأجيال القادمة، وفي هذا السياق يؤكّد أبي راشد ضرورة التمييز بين الآبار الجوفية المتجددة وبين المخزون الإستراتيجي، فالأولى هي في الطبقات القريبة من قشرة الأرض وتتجدد كل سنة بفعل المتساقطات وذوبان الثلوج، أما الثاني فهو في أعماق الأرض وتشكّل بفعل الزمن ويصعب تعويضه، ويضيف: "عندما نتكلم عن المياه الجوفية، نقصد المتجددة وليست الإستراتيجية، والتذرّع بهذه الحجّة إنما الهدف منه ذرّ الرماد في العيون، للتغطية على مشاريع السدود".

أسباب فشل السدود

تسمح طبيعة الأرض اللبنانية الكاريستية الطبشوريّة بتسرّب كميات هائلة من المياه، وتالياً يصعب حصر المياه، ومعها تسقط الفكرة من إنشاء السدود لجمع المياه، وهذا ما أكّده عشرات الخبراء الجيولوجيّين خلال السنوات الفائتة.

لبنان غني بالثروة المائية المهولة، فلا توجد أزمة شح في المياه، ويستطيع أي لبناني أن يشتري المياه ساعة يشاء ويملأ خزاناته، وهذا دليل على وجود المياه، لكن الذي يعاني منه لبنان هو سوء إدارة قطاع المياه منذ عقود

وفي هذا السياق يشير الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي، في حديثه إلى رصيف22، إلى أن أرض لبنان غير صالحة لإنشاء السدود، وأن الهدف من تشييد معظم السدود تحقيق الأرباح لجيوب المتعهدين والمنتفعين، وذلك إلى جانب خطر تدمير المساحات الخضراء، كما حصل في سد بقعاتة كنعان الذي أدّى إلى انجرافات في التربة هدّدت البلدة، والقضاء على الأنواع الطبيعية التي تعيش في المنطقة.

ومع ظهور التشققات الكبيرة في سد بقعاتة كنعان، وفي سد المسيلحة، لجأ القيمون عليها إلى سد الثغرات بالإسمنت وطليها بمواد كيميائية مصنّعة، تتفاعل مع المياه والشمس وتؤدي إلى تلويث المياه والتربة في آن معاً، وتؤثر على المواطنين الذين يستعملون المياه. ولا بد من الإشارة إلى انخفاض مستوى بحيرة المسيلحة بنسبة متر ونصف المتر خلال أقل من شهر بحسب مراقبين، ما يؤكّد أن الشقوق عادت لتتكسر من جديد، وهنا يقول زعاطيطي: "المشي عكس الطبيعة لا يؤدي إلا إلى الفشل".

السدود مخالفة للقانون

تدخل السدود ضمن إستراتيجية وطنية لقطاع المياه، تماماً كما نتكلم عن إستراتيجية النفايات أو الكهرباء، وهذه الإستراتيجية وضعها الوزير جبران باسيل عام 2010، ووافق عليها مجلس الوزراء عام 2012، ثم صدر قانون يفرض على كل الإستراتيجيات في أي قطاع في الدولة أن تخضع للتقييم البيئي الإستراتيجي.

ويؤكّد أبي راشد أنه في العام 2015، صدر تقييم يعارض خطة باسيل، إلا أن الأخير استمر في تنفيذها وتتضمّن بناء 40 سداً في لبنان، ضارباً القانون بعرض الحائط، كما أن مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي 8633/ 2012، يفرض على كل مشروع يقوم به القطاعان العام والخاص، أن يخضع لتقييم الأثر البيئي، لكن تنفيذ سدود جنّة وبقعاتا والمسيلحة وبلعة بدأ من دون إعداد هذه الدراسة، وهي مخالفة صريحة للقانون.

يكمن الحل بالدرجة الأولى في استثمار الثروة المائية الجوفيّة المتجدّدة، لتصل إلى كل اللبنانيين.

ويتابع أبي راشد: "سألنا في وزارة البيئة عن السدود، ليتضح لنا أنه لا يوجد تقييم أثر بيئي لها، وهنا يجب إعطاء وزير البيئة الأسبق محمد المشنوق حقّه، فقد اتّخذ قرارات بإيقاف الأعمال في هذه السدود كلها، فتمرّدت وزارة الطاقة على قرار وزارة البيئة، واستمرت في الأعمال، وتحول الموضوع إلى اتهامات طائفية، وأن الطائفة السنية لا تريد الإنماء في المناطق المسيحية، وطبعاً هذا كله من أجل تمرير الصفقة".

حلول بديلة

يكمن الحل بالدرجة الأولى في استثمار الثروة المائية الجوفيّة المتجدّدة، لتصل إلى كل اللبنانيين، فهذه النعمة هي حق للمواطنين وضمانة للأجيال القادمة، ووفق الدكتور زعاطيطي فإن آبار فخر الدين ووادي جيلو في الجنوب خير مثال على أهمية هذه الثروة، إذ تغذّي هذه المحطات عشرات البلدات الجنوبية، ويضيف: "اكتشفنا أن هناك كميات مياه ممتازةً، وحُفرت عشرات الآبار في معظم البلدات التي باتت تستفيد من مياهها الجوفية المتجددة، في حين أنها كانت محرومة منها لسنوات طوال، بعد أن كانت تعتمد على جمع مياه الشرب في الشتاء، أو عبر البرك التي كانت محفورةً في البلدات وتُجمع فيها مياه الأمطار وتُستعمل للزراعة وغيرها، وكانت حينها لا تكفي أبداً".

لكن قبل الشروع في حفر الآبار لا بد من معالجة الأمور التالية:

أولاً: ينبغي إصلاح الأعطال في شبكات المياه والتي تتسبب بهدر 40 إلى 50% من كميات المياه، وفق ما أكّد أبي راشد.

ثانياً: هناك عشوائية في حفر الآبار الجوفية المنتشرة، والتي لم تقم وزارة الطاقة على مر الحكومات المتعاقبة بإحصائها وإغلاق العشوائية منها والمخالفة، والعشوائية هذه تؤثر على الأنهار والينابيع.

ثالثاً: يجب الأخذ بتوصيات الدراسات ومنها الدراسة الألمانية لنبع جعيتا، والتي وضعت حلاً لزيادة المياه لبيروت، وهنا وجدوا أن القناة من جعيتا إلى ضبية تهدر 30% من المياه المتدفّقة وتنبغي معالجتها، كما أوصت ببناء قناة ثانية لجر كمية أكبر من المياه إلى بيروت، وفق ما أكّد زعاطيطي.

رابعاً: المياه الملوّثة كثيرة، لذا تنبغي معالجتها للاستفادة منها عبر محطات التكرير، وهنا يسأل أبي راشد: "لماذا لم تستثمر وزارة الطاقة في هذه المحطات ولم تولِ الاهتمام بها وتشغّلها بالشكل اللازم، عوضاً عن صرف الأموال على السدود العشوائية؟".

وتقول بعض الآراء بإمكانية إنشاء محطّات تحلية لمياه البحر، وفي هذا السياق يشير مصدر خاص لرصيف22، إلى أن كلفة إنشاء هذه المحطات مرتفعة، وهي تستهلك طاقةً كهربائيةً كبيرةً جداً، فكل محطة تحلية بحاجة إلى محطّة لتوليد الطاقة، ويضيف المصدر أن هذا الخيار غير مجدٍ في ظل وجود الأنهار والينابيع والمياه الجوفية.

أرض لبنان غير صالحة لإنشاء السدود، والهدف من تشييد معظم السدود تحقيق الأرباح لجيوب المتعهدين والمنتفعين، وذلك إلى جانب خطر تدمير المساحات الخضراء، كما حصل في سد بقعاتة كنعان الذي أدّى إلى انجرافات في التربة هدّدت البلدة

ماذا بعد حفر الآبار الجوفيّة؟

يشير خبراء تحدث إليهم رصيف22، إلى أن استخراج المياه من الآبار الجوفية الكبيرة في لبنان، سيحقق الاكتفاء الذاتي، وقد يعطي الدول المجاورة من هذه الثروة المهولة، لكن لا بد من التطرق إلى المياه المستعملة التي تنبغي معالجتها عبر محطّات التكرير لهدفين، الأول منع التلوث عن مصادر المياه الطبيعية كالينابيع والمياه الجوفية والأنهار، والثاني الاستفادة منها في الريّ والاستخدامات المنزلية وغيرها، وفق ما أكّد زعاطيطي.

كما لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن تُعتمد أنظمة الطاقة الشمسية لاستخرج المياه من هذه الآبار وتشغيل المضخّات، عوضاً عن استعمال المشتقات النفطية المرتفعة الثمن والمضرة بالبيئة، ولكي لا تتوقّف المضخات عن العمل كما يحصل اليوم بفعل انقطاع التيار الكهربائي وشح مادّة المازوت.

يتضح من خلال هذا البحث أن لبنان غني بالثروة المائية المهولة، فلا توجد أزمة شح في المياه، ويستطيع أي لبناني أن يشتري المياه ساعة يشاء ويملأ خزاناته، وهذا دليل على وجود المياه، لكن الذي يعاني منه لبنان هو سوء إدارة قطاع المياه منذ عقود، وتلهّي وزراء الطاقة بالمشاريع التي تجلب الأموال إلى جيوب المتعهّدين ولا تجلب المياه إلى الشعب، والدخول في مشاريع السدود ذات الكلفة المرتفعة والتكلفة البيئية المخيفة، وغض الطرف عن المشاريع التي تأتي بالمياه بكلفة أدنى وضرر أقل على البيئة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image