يقول مثل شعبي ليبي: "عائلة وخالها ميلاد"، ومنه بدأت لعبة الكاتب الليبي محمد النعّاس في روايته الأولى "خبز على طاولة الخال ميلاد"، الصادرة عن دار مسكلياني، والحائزة جائزة البوكر العربية في دورتها الخامسة عشرة، التي أعلنت نتيجتها في الثاني والعشرين من مايو/ أيار الجاري.
يشير المثل – بسخرية- إلى الرجل الذي ينظر له باعتباره "ناقص الرجولة" كونه لا يقدم على التحكم في نساء بيته أو عائلته. يستحضر الكاتب في روايته "الخال ميلاد" صورة إنسانية تتحدى تلك الصورة الراسخة في الموروث، وتقدم بورتريه لرجل رقيق يحترم الحرية ويتحدى الصورة الخشنة الشرسة التي يفرضها المجتمع ولا يقبل سواها للرجال.
تمضي الرواية في أجواء قاتمة، وتمنح وزناً خاصة للخبز، الذي يصر ميلاد على تعلمه، فيما تغوص الرواية في عمق المجتمع الليبي في السنوات العشر الأخيرة، إذ تتردد البلاد بين أحلام متواضعة بالحرية وهجمة كاسحة تستهدف سيطرة التشدد
أمثال الناس
تمثل وحدة "المثل" موروثاً شفاهياً يحمل قيم المجتمع، وينقلها عبر الأجيال في شكل عبارات قصيرة بليغة ذات جرس يجعلها مميزة أو مستساغة لآذان المتلقين. ينطلق النعاس من إدراكه لأهمية "المثل" ودوره الاجتماعي والثقافي، ليتحداه ويطرحه للمساءلة.
بطل الرواية "الخال ميلاد" نراه يكبر متردداً بين طبيعته الرقيقة التي عززتها نشأته بين أربع شقيقات، وبين ما يفرضه عليه المجتمع من مسؤوليات وما يمنحه إياه من سلطات.
تمضd الرواية في أجواء قاتمة، وتمنح وزناً خاصة للخبز، الذي يصر ميلاد على تعلمه كبديل لعملية منح الحياة، فيما تغوص الرواية في عمق المجتمع الليبي في السنوات العشر الأخيرة، إذ تتردد بين أحلام متواضعة بالحرية وهجمة كاسحة تستهدف سيطرة التشدد.
على الرغم من الإشادة الواسعة من نقاد آخرين، وكون الرواية الفائزة هي أول رواية ليبية تتوج بتلك الجائزة، برى القليعي أنه يصعب أن تكون الرواية الأولى لكاتب على نفس المستوى من النضج والحرفة الأدبية التي يملكها منافسوه
تردد نقدي
قليلاً ما تتفق الأوساط الأدبية والنقدية على قرار اللجنة المانحة لجائزة البوكر العربية، ويعلن يعض الكتاب والنقاد رفضهم لاختيار اللجنة أو تحفظهم عليه، ومنهم الكاتب سعد القليعي، مدير إدارة الأدب بإذاعة البرنامج الثقافي المصرية، الذي قال لرصيف22 إن "فوز محمد النعاس ككاتب شاب لم يصل إلى سن 31 عاماً من عمره عن أول رواية له، ليس ظاهرة إيجابية".
وعلى الرغم من الإشادة الواسعة من نقاد آخرين، وكون الرواية الفائزة هي أول رواية ليبية تتوج بتلك الجائزة، برى القليعي أنه يصعب أن تكون الرواية الأولى لكاتب على نفس المستوى من النضج والحرفة الأدبية التي يملكها منافسوه.
ويخلص القليعي من هذا إلى أن "لجان التحكيم لا يعول عليها في تحديد أن هذا العمل له قيمة" ويعكس "خللاً في التقييم". متابعاً "من المؤكد أن محمد النعاس يمتلك موهبة كبيرة، لكن تقنية الكتابة في العمل الروائي تحتاج بجانب الموهبة خبرة كبيرة، وتلك الخبرة مهما بلغت الموهبة من الصعب أن تأتي من العمل الأول أو الثاني لأن البوكر أكبر جائزة عربية، إذ كان يتوقع أن يأخذها روائي يجمع بين الخبرة والموهبة في آن واحد".
الناقد دكتور رضا عطية، الحائز جائزة الدولة التشجيعية في مجال النقد الأدبي، يرى أن فوز رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد"، يتماشى مع ما يسميه "روح البوكر في السنوات الأخيرة بمنح الجائزة لكاتب شاب".
ويذكر الناقد المعروف في الوسط الأدبي المصري بأنه "مشاكس"، أن القائمة القصيرة للجائزة هذا العام خلت من أي عمل لافت، "أو يستحق بجدارة أن يكون عملاً كبيراً". ويخلص من هذا إلى أن "فوز رواية محمد النعاس بالنظر للأعمال المنافسة معه لا يحمل ظلماً لتلك الأعمال".
ويسجل عطية ملاحظته أن أحد الكتاب المنافسين للنعاس، حاول هذا العام أن "يحشد ألتراس" لروايته من كتاب ونقاد، أملاً في خلق حالة من الضغط على لجنة التحكيم، ويقول: "هذا أمر جديد لم نعهده، وفي نفس الوقت، هو تصرف سلبي، لا سيما أن من تم حشدهم لم يقرأوا الروايات المتنافسة، وأصبح بالتالي يُستخدم ألتراس بشكل مزيف للواقع وطبائع الأمور".
واعتبر رضا عطية أن رواية النعاس "هي الأفضل فعلاً" من بين الروايات التي تقدمت لنيل الجائزة، "خاصة أن روايته تقدم كاتباً واعداً. ولها خطوط عديدة في السرد مع عوالم ثرية تميز النعاس، واستطاع بلغته الثرية جذب لجنة التحكيم. وهذا يوضح أن الرواية المصرية في السنوات العشرين الأخيرة بها تراجع لغوي: فهي إما فقيرة أو مسرفة في استخدام تعبيرات براقة في غير موضعها، وهذا عامل مهم في التقييم ومنح العمل قيمته، وليس فقط في البناء".
ويواصل عطية ملاحظاته حول الرواية قائلاً إن محمد النعاس جمع بين الرمزية والواقع اللذين انطلق منهما في بناء عالمه "لأن بعض الكتاب وخصوصاً في مصر يلجأون إلى التغريب والاغتراب عن الواقع، تحت مظلة الغرائبية أو الواقعية السحرية التي لا منطق لها، فتأتي الرواية غير معبرة عن الواقع أو منافسة للكتابات الأصيلة لهذا النوع من الكتابة في الغرب. وهذه محاولة فاشلة لاستنساخ نوع من الكتابة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...