شاب ريفي يعمل والده صياداً بقرية تطل على البحر، يلتحق بالدارسة في جامعة الأزهر، ويشهد أول أيامه داخل المؤسسة السُنِّية العتيقة موت شيخ الأزهر بشكل مفاجئ خلال استقباله مع زملائه الجدد، فينخرط الشاب في نقاشات عن هوية خليفة الإمام، ثم يجد نفسه ضحية للاستقطاب الأمني داخل أروقة المشيخة.
هذا ملخص فيلم "ولد من الجنة" Boy From Heaven، الذي ينافس على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في دورته الخامسة والسبعين.
في هذا الفيلم، يعود المخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح للاشتباك مع قضايا الفساد والسلطة في مصر، وهو الفيلم الثاني من بين خمسة أفلام للمخرج، تدور أحداثها في مصر وعنها، بعد فيلمه الأول "حادثة النيل هيلتون
في هذا الفيلم، يعود المخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح للاشتباك مع قضايا الفساد والسلطة في مصر. وهو الفيلم الثاني من بين خمسة أفلام للمخرج، تدور أحداثها في مصر وعنها، بعد فيلمه الأول "حادثة النيل هيلتون" The Nile Hilton incident الذي استوحى فيه قصة مقتل المطربة البنانية سوزان تميم، ليطرح العلاقات الفاسدة بين السلطات ورجال الأعمال.
أما في الفيلم الجديد، فيقدم صالح نظرة داخل أهم مؤسسة دينية تعليمية في العالم الإسلامي، كما يطرح الصراع على السيطرة على تلك المؤسسة الكبرى بين المؤسسات الأمنية والدينية، من خلال فرضية موت الإمام الأكبر.
البحث عن "عصفورة"
يخلط الفيلم الذي جذب أنظار النقاد المتابعين لـ"كان"، خاصة المصريين منهم، بين النقد السياسي والاجتماعي، والتشويق البوليسي، وتدور أحداثه داخل جامعة الأزهر، ليسلط الضوء على التدخلات الأمنية لتوجيه الاختيارات ناحية اسم معين، ليحتل موقع شيخ الازهر الراحل.
يلعب آدم ابن الصياد دوراً محورياً، تنقل من خلاله الأحداث بعد تجنيده من قبل أجهزة الأمن، عقب مقتل سلفه الشاب الذي كان يعمل مخبراً "عصفورة" لصالح تلك الأجهزة، كي يساعدها في إحكام السيطرة على ما يحدث في المؤسسة. لكن ينتهي الأمر بآدم عائداً إلى قرية أبيه للعمل في مهنة الصيد.
يتطرق الفيلم أيضاً إلى قضية التجديد الديني التي شغلت حيزاً كبيراً من النقاش في مصر خلال السنوات الفائتة، وحصد شيخ الأزهر أحمد الطيب على إثرها الكثير من الانتقادات، بدعوى دفاعه عن التراث الجامد وعدم إظهار رغبة جادة في تجديد المناهج الدينية. في وقت يصدر فيه الإمام الأكبر تصريحات، يظهر منها مساندته لمواكبة الدين للعصر من دون المساس بالنصوص ذات القداسة. فالشيوخ في الفيلم يتمسكون بالتراث ويدافعون عنه، والأمن يسعى لتغيير تلك القناعات بواسطة رجالاته داخل المشيخة.
حتى كتابة هذه السطور، لم يصدر تعليق من مؤسسة الأزهر على ما تناوله الفيلم، بينما نُشرت بعض التقارير التي تنبئ عن غضب مصري داخل المهرجان من عرض الفيلم.
مخرج الفيلم سبق أن فاز فيلمه الوثائقي عن سجن غوانتانامو العسكري بجوائز في الولايات المتحدة وأوروبا.
أما أشهر أفلامه "حادثة النيل هيلتون"، إنتاج 2017، فعرض لأول مرة في قسم "سينما العالم" في مهرجان صن-دانس السينمائي، الذي منحه جائزة لجنة التحكيم الكبرى للمسابقة.
نال صالح حظه من الانتقاد أيضاً عن فيلمه "حادثة النيل هيلتون"، بسبب مناقشته فساد الشرطة قبل ثورة 25 يناير، عبر جريمة قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، وهي الجريمة التي أثارت جدلاً واسعاً على خلفية محاكمة رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى والضابط محسن السكري باتهامات التورط والتحريض على قتلها، القاتلان حصلا على عفو رئاسي لاحقاً بقرارات صدرت على التوالي خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
لذا كان من الصعب أن يصور طارق صالح أحداث فيلمه في القاهرة، ليقع اختياره على الدار البيضاء في المغرب، لإنجاز عمله الفني الذي لم يشاهد على نطاق واسع في مصر، بعد منعه من العرض في صالاتها. وهو المصير الذي قد يواجه فيلمه الأحدث “ولد من الجنة” الذي اختار المخرج تصويره في السويد وتركيا التي تزخر بالمساجد القديمة.
صرح مخرج الفيلم طارق صالح، أنه ممنوع من دخول مصر بأوامر أمنية منذ ذاع صيت فيلمه السابق "حادثة النيل هيلتون" الذي تناول فساد السلطة وأجهزة الأمن في مصر في فترة ما قبل 25 يناير
صالح ممنوع من دخول مصر بأوامر أمنية، فبحسب تصريحاته الأخيرة لم يعد إلى مصر منذ الإعلان عن فيلمه "حادثة النيل هيلتون”في 2015. إذ أمرته الأجهزة الامنية وقتذاك بمغادرة مصر، وبات شخصاً غير مرغوب فيه، لذا لم يرد تجربة كسر هذه الأوامر.
"قاسِ وضعيف فنياً"
المخرج الشاب أمير رمسيس، المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي، أحد من شاهدوا الفيلم في عرضه الأول داخل قاعات مهرجان كان، يقول لرصيف22 إن الفيلم "خرج بشكل ضعيف قياساً بمستوى حجم فكرته المحورية، وهي اختيار خليفة لمنصب مهم كشيخ الأزهر". معتبراً أن الفيلم "به شيء من القسوة"، في إشارة لقيامه على فرضية موت الرجل الأول في المؤسسة الدينية العتيقة.
ويواصل رمسيس أنه لم يحب الفيلم "لاعتماده على المباشرة المزعجة في الحوار"، مبيناً أنه كان من الواضح أن المخرج وضع وجهة نظره على ألسنة أبطاله في حوارات شديدة المباشرة.
رغم ما أثاره الفيلم من جدل عن انتقاد التدخلات الأمنية في اختيار منصب ديني كشيخ الأزهر، يرى المخرج السينمائي والمدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي أمير رمسيس، أن الفيلم لا يستحق الجدل المثار حوله
رغم ما أثاره الفيلم من جدل عن انتقاد التدخلات الأمنية في اختيار منصب ديني كشيخ الأزهر، يرى رمسيس يرى أن الفيلم لا يستحق الجدل المثار حوله.
في السياق ذاته، يستبعد الناقد المصري طارق الشناوي حصول الفيلم على إحدى جوائز الدورة الحالية لمهرجان كان السينمائي الدولي، ويعزو ذلك إلى ما يراه ضعفاً في مستواه الفني، وما وصفه بالسذاجة في البناء. منتقداً مناقشته قضية بقاء شيخ الأزهر في منصبه مدى الحياة.
صلاحيات الإمام الأكبر... لا مساس
يحصن الدستور المصري منصب شيخ الأزهر بصلاحيات كبيرة، ويضمن له استقلاليته عن السلطة، سواء على مستوى فترة احتفاظه بالمنصب أو طريقة اختياره، فتنص المادة السابعة من الدستور على أن مؤسسة الأزهر هيئة مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة توفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
الصلاحيات الحالية لشيخ الأزهر كانت إحدى مكتسبات المؤسسة الدينية من ثورة 25 يناير، فسابقاً كان يحق لرئيس الجمهورية اختيار شيخ الأزهر، لكن الطيب نجح عقب تقلده المنصب في تغيير طريقة اختياره لتكون عن طريق هيئة كبار العلماء، بعد حصول الإمام في 2012 على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أدار المرحلة الانتقالية عقب عزل حسني مبارك من الحكم.
أبزر مثال على عدم المساس بمنصب شيخ الأزهر، فشل المحاولات البرلمانية التي قادها البرلماني السابق محمد أبو حامد في 2017، بتقديمه مشروع قانون يسمح بتدخل المؤسسات المختلفة في ترشيح أعضاء هيئة كبار العلماء، وأن يكون تعيين أعضائها عن طريق الرئاسة وليس شيخ الأزهر، في خضم الأزمة بين مؤسسة الرئاسة والمشيخة حول أزمة الطلاق الشفهي.
طارق الشناوي: الفيلم تطرق إلى المحاولات الأمنية لاستمالة الشيوخ بطريقة مباشرة، لا تختلف عن تيمة أفلام حقبتي الأربعيينات والخمسينيات
إلا أن المشروع جُمد بعد انسحاب النواب الموقعين على مشروع تعديل صلاحيات الشيخ، وتقديم عدد كبير من النواب اعتذارات للشيخ على طرح الفكرة للنقاش داخل أروقة البرلمان.
يقول الناقد الفني طارق الشناوي إن الفليم تطرق إلى المحاولات الأمنية لاستمالة الشيوخ بطريقة مباشرة لا تختلف عن تيمة أفلام حقبتي الأربعيينات والخمسينيات، وهي طريقة يرى الشناوي أنها "انتهت ولم تعد موجودة في الوقت الحالي".
في مقال له عن الفيلم، يحكي الشناوي مشهداً للبطل "آدم"، الذي يستعين به أمن الدولة كعين له على ما يجرى داخل الأزهر، فيقول إن ضابطاً كان يلتقى به كثيراً في مقهى حيث يجلسان متباعدين، وهو ما أضفى جواً كلاسيكياً اعتبره الشناوي استدعاءً لسينما الخمسينيات، "التي اشتهرت فيها صورة ضابط المباحث الذي يراقب الجميع واضعاً جريدة أمام وجهه، كأنه يتخفى عن الأنظار، ولا يدري أن الجميع يتابعه".
"خلطة مهرجانات"
النافد الفني خالد محمود، عضو لجنة التحكيم مسابقة النقاد بمهرجان كان، يقول إن ما يميز الفيلم هو التعرض لقضية شائكة لم يقترب منها أحد من قبل، وهي الصراع على السيطرة على المؤسسة الدينية الأهم في العالم السني، لكنه قدم معالجة شديدة التقليدية لتلك القضية.
وذكر محمود لرصيف22 أن مثل هذه القضايا تغري المهرجانات السينمائية الكبرى، لاعتقادها بقدرة هؤلاء المخرجين على نقل قضايا مجتمعات الشرق الأوسط إلى شاشتها، وهو ما يحدث باستمرار في السنوات الأخيرة بدعم أفلام إيرانية ولبنانية وسودانية، وكذلك مصرية بداية من فيلم "اشتباك"، الذي جسد واقعة مقتل المحتجزين في عربة الترحيلات عقب عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، مروراً بفيلمي سعاد وريش، وصولاً إلى ولد من الجنة.
فيلم ريش كان حديث الساعة في مصر قبل أشهر قليلة بسبب تناوله قضية الفقر. وتعرض لحملة كبيرة من الفنانين المصريين الذين شاهدوه لأول مرة في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأخيرة، بدعوى الإساءة لسمعة مصر في المحافل الدولية.
يتابع محمود: "مثل هذه الأفلام لن تعرض في مصر بسبب تسليطها الضوء على قضايا شائكة، واشتباكها مع أحداث سياسية ترتفع فيها حدة الإدانات، فالسينما الإيرانية وضعت نفسها على خريطة المهرجانات الكبرى بسبب إدانتها سياسات السلطة الدينية التي تتحكم في حياة مواطنيها".
وبرأيه، فإن هذا النوع من الأفلام يتسم بطبيعة خاصة على مستوى القضايا التي يطرحها تعتمد في المقام الأول على "الريفيو الجيد" الذي يقدمه المخرج عن عمله -على حد قوله- وتضمين قضايا عن الاضطهاد وأوضاع الأقليات في مجتمعات مغلقة في الشرق الأوسط.
الناقد السينمائي أمير العمري: جميع الصحافيين المصريين والعرب أيضاً قاطعوا المؤتمر الذي عقده المهرجان للمخرج وطاقم عمل الفيلم
الناقد أمير العمري محرر موقع "عين على السينما" الذي شاهد الفيلم في مهرجان كان علق عليه في مقال نشره موقعه، إضافة إلى عدة تعليقات قصيرة عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، استعرض من خلالها تفاصيل الفيلم من حيث السيناريو والتصوير والأداء التمثيلي، ولفت إلى أن "جميع الصحفيين المصريين والعرب أيضاً قاطعوا المؤتمر الصحافي الذي عقده المهرجان للمخرج وطاقم عمل الفيلم" وأنه كان العربي الوحيد الذي حضر المؤتمر وسط مجموعة من الصحافيين والنقاد الأجانب.
وفي مقاله النقدي التحليلي عن الفيلم، انتقد الناقد المخضرم استسلام النقاد والصحافيين العرب لنظرية المؤامرة التي صورت لهم ان الفيلم جزء من "المؤامرة الغربية المستمرة منذ فجر التاريخ ضد مصر" ولم يستبعد أن "ينبري هؤلاء من دون مشاهدة الفيلم للهجوم عليه، واتهامه أنه ضمن خطة منظمة لتشويه صورة مصر التي لا يشوبها شائبة".
وعن العناصر الفنية للفيلم، وجد العمري أنه تميز "بالتصوير المقنع، والتكوينات المدروسة جيداً مع اختيار ممتاز لمواقع التصوير الخارجي والاهتمام بتوزيع المجاميع". وامتدح اختيار الفيلم لموضوعه "الشائك والشديد الحساسية، كونه يتعلق بالمؤسسة الاكثر رسوخاً في العالم الإسلامي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...