شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"سوق سوداء للبحث العلمي"... هكذا أصبح التعليم الأردني سلعةً رخيصةً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 مايو 202203:11 م

"المدرّس ما كان قادر يوصلّنا الفكرة بشكل كافي والمادة صعبة، وحكينا بما إنه الكل بشتريه فخلينا نشتري"؛ هذا كان تبرير خالد -اسم مستعار- عند سؤاله عن سبب شرائه بحثاً لمساق البحث العلمي في مرحلة البكالوريوس قبل تخرجه من تخصص الإذاعة والتلفزيون في جامعة اليرموك، بعد أن عرف من زملائه أن إحدى الفتيات الحاصلة على درجة الماجستير تقدّم مثل هذه الخدمة.

يُعدّ خالد واحداً من عشرات الطلاب الذين يقدمون على شراء بحوثهم في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وهذا ما تؤكده ريم -اسم مستعار- طالبة العلاقات العامة التي قامت أيضاً بشراء بحثها في فصل التخرج، قائلةً: "ما كان معي وقت أعمل البحث، غير إنه 50-60% من الطلاب بشتروا بحوثهم وما بشتغلوا بإيدهم".
في السنوات الأخيرة، شاعت "تجارة التقارير والبحوث"، بين الطلبة الجامعيين في مراحلهم الدراسية المختلفة، فما عليهم سوى توفير المبلغ المطلوب، والاتفاق مع الفرد أو المؤسسة أو المكتبة المقدمة للخدمة، لتعدّ لهم بحوثهم من ألفها إلى يائها، حاصلين بعد التسليم والمناقشة على شهاداتهم الجامعية أو درجاتهم العلمية، مودّعين بذلك الواجبات الدراسية.


بمبالغ تبدأ من 60 دولاراً للتقارير وخطط الأبحاث، وتصل إلى 1،500 دولار للبحوث كاملة، يستطيع الطالب الحصول على مراده، وقد يزيد المبلغ أو ينقص بحسب الاتفاق والتفاصيل المطلوبة، ليتم تسليم المبلغ المرصود نقداً أو عبر حساب بنكي أو حتى عن طريق إحدى المحافظ الإلكترونية كنوع من التسهيل، وهي الطريقة التي دفع بها الشاب خالد للفتاة التي قدّمت له الخدمة.

تستطيع بعملية بحث بسيطة على فيسبوك، وفي ثوانٍ معدودة أن تتصفح عروضاً متنوعةً وحصريةً لمكتبات، منها افتراضية، تُدرج عروضاً صريحةً للطلبة: "نقدّم خدمات اقتراح عناوين رسائل الماجستير، وأطروحات الدكتوراه، وكتابة الإطار النظري الخاص بالدراسة باللغتين العربية، والإنكليزية، والتحليل الإحصائي، وترجمة مشاريع التخرج لطلبة البكالوريوس، وغيرها من الخدمات الأخرى".

بمبالغ تبدأ من 60 دولاراً للتقارير وخطط الأبحاث، وتصل إلى 1،500 دولار للبحوث كاملة، يستطيع الطالب الحصول على مراده، وقد يزيد المبلغ أو ينقص بحسب الاتفاق والتفاصيل المطلوبة، ليتم تسليم المبلغ المرصود نقداً أو عبر حساب بنكي أو حتى عن طريق إحدى المحافظ الإلكترونية

كيف تنطلي الخدعة على الهيئة التدريسية؟

يروي الشاب خالد تجربته في إتمام خدعة شراء البحث مع مجموعة من زملائه: "أخذناه وأعدنا صياغته من أول وجديد وقسّمناه علينا عأساس كل واحد اشتغل جزئية من البحث ولما كانت تسأل الدكتورة كل واحد يجاوب على جزئه"، بهذه الطريقة يتدارك الكثير من الطلاب احتمال الكشف عن شرائهم البحث، وقد اتّبعت ريم الحيلة نفسها عند تسليمها البحث ومناقشته.

لكن ما حالف ريم وخالد لم يحالف طالب درجة الماجستير أمجد -اسم مستعار- في جامعة العلوم الإسلامية، حيث استطاعت أستاذة الفقه والقضاء الشرعي، سناء الحنيطي، أن تكشف في وقت مناقشته عمّا في رسالته البحثية من غشّ، بفضل خبرتها العملية: "عدد كبير من الصفحات كانت غير موثقة المصادر، وهاد شغل المكتبات، لأنه بجيبوا المعلومات وبحطوها وما بهمهم، بدهم بس يستلموا فلوس". لكن زملاءها في اللجنة لم يدركوا ذلك إلا عند تنبيهها إياهم: "كان واضح إنه الطالب ضعيف، ففتحت على بعض الصفحات وسألته إذا كان هو كاتبها، والأغلب استغرب، وحسيت إنه الطالب تلبك، ولجنة المناقشة تفاجأت".
تعتقد الأستاذة سناء الحنيطي، أن توثيق المصادر والتعديلات الجوهرية التي رُدّ أمجد لأجلها غير كافية، فهي ممن يؤمنون بحتمية إساءة الأدب ممن أمن العقوبة، مما دفعها للتحفظ ورفع الأمر إلى عميد الدراسات العليا موضحةً سبب تحفظها: "تحفّظ بسبب وجود سرقات"، لتُرفَع تالياً إلى رئيس الجامعة.

خطوط ولجان للتصدي، ولكن...

تفشّت جائحة كورونا وانتقل التعليم ليصبح من بعد، وتفشّت معه هذه التجارة أسرع من أي وقت مضى، فقد كان من الصعب تطبيق الرقابة على الطلاب بشكل دقيق ومكثف كما في التعليم الوجاهي، وهذا ما دفعهم لاستغلال مثل هذه الخدمات غير المشروعة في إتمام مهامهم الدراسية.
دفع هذا الانتشار وزارة التعليم العالي في شهر آذار/ مارس الماضي، لتفعيل خط ساخن ومتخصص للإبلاغ "عن أي جهات أو أشخاص يقومون بالإعلان والترويج لمثل هذه النشاطات، وتزويدها بأي روابط أو صور عن هذه الإعلانات حتى تتمكن الوزارة من متابعتها وتحويلها إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بخصوصها، كما دعتهم لعدم المشاركة في مثل هذه النشاطات والأعمال تجنباً لأي ملاحقة قانونية قد تضرّ بأصحابها ومستقبلهم"، عبر صفحة الوزارة على فيسبوك.

في الوقت الذي تؤكد فيه أستاذة الفقه والقضاء الشرعي، سناء الحنيطي، على أهمية ما قامت به الوزارة في التخفيف من حدة هذه التجارة، ترى من الضرورة أن توازي الرقابة الخارجية، إجراءات داخلية تردع الطلاب في الجامعات الأردنية، من خلال "الاتفاق على رد الرسائل البحثية وغيرها من الأعمال المسروقة، ولو اتفقت الجامعات كلها على هاد الإجراء ما رح يتجرأ الطالب يقدم على هيك خطوة، بس المشكلة الوضع من جامعة لجامعة بيختلف، يعني في بعض الدكاترة واللجان بتكون متشددة وبتوافقوا على الردّ، في الوقت اللي ممكن تتشكل لجنة ثانية تحكي معلش بنعطيه وقت وتتساهل مع الطالب".

يُعدّ خالد واحداً من عشرات الطلاب الذين يقدمون على شراء بحوثهم في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وهذا ما تؤكده ريم طالبة العلاقات العامة التي قامت أيضاً بشراء بحثها في فصل التخرج، قائلةً: "ما كان معي وقت أعمل البحث، غير إنه 50-60% من الطلاب بشتروا بحوثهم وما بشتغلوا بإيدهم"

صفر معرفة

قد تسوّل للطلاب أنفسُهم شراء تقارير وأبحاث لبعض المساقات الدراسية، لكن العائق يكون في انعدام السيولة المادية في كثير من الأحيان، وتحديداً أمام الطلبة الذين ينتمون إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، إلا أن هذا لن يكون عائقاً أمام بعض الطلبة الوافدين من دول الخليج أو من المنتمين إلى الطبقة الأكثر راحةً في المجتمع الأردني، كما توضح الحنيطي.

من هنا، تُشرخ حلقة المعرفة، لتغدو الأبحاث العلمية والتقارير وغيرها من الواجبات الدراسية "كلاماً مجمّعاً"، تكمل الأستاذة حديثها، وتضيف: "وتالياً الإنتاج المعرفي كله بتراجع، لأنه التعليم مش بس شهادة، بل هو كم المعرفة والتفكير اللي بذله الطالب ليحصل على الدرجة".
"ما دام انتقل الموضوع ليصير بزنس، فرح يصير في ضعف في الإنتاج المعرفي"، كما لفتت الباحثة في مركز الدراسات والبحوث روان ربيحات، التي أفادت بأن اختلاف المعايير التجارية المبنية على الربح والخسارة عن معايير الإنتاج المعرفي، ستقودنا إلى تراكم أبحاث "مع صفر معرفة"، لكون المكتبات والجهات التي تتاجر بهذه الطريقة تعمل على أبحاث فارغة معرفياً.
يتوسّع الشرخ بفقدان الأبحاث مصداقيتها عند دخولها هذا النطاق التجاري، وهو الأساس والركيزة الأساسية التي يبني عليها الباحثون، كما توضح الباحثة روان.
باستمرار هذه التجارة وشيوعها في الجامعات الأردنية، من دون اتخاذ إجراءات رادعة بحق الأطراف المشاركة، ربما سيخسر الأردن السباق المعرفي قبل أن يبدأ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard