غضب واسع يعمّ المجتمع الأردني حالياً إثر إقدام طالب جامعي على إشعار النار في نفسه داخل إحدى الجامعات الخاصة، احتجاجاً على رفض رئيسها مقابلته أو السماح له بالتسجيل في الامتحانات النهائية لفصل تخرجه بسبب أقساط مالية مستحقة عليه.
وكانت مواقع محلية قد نقلت عن شهود عيان أن الطالب أحمد الشخانبة أقدم على حرق نفسه، بعد ظهر 14 أيلول/ سبتمبر، بعدما رفض رئيس جامعة الإسراء الخاصة في العاصمة عمان مقابلته أو الموافقة على أي تسوية بشأن تأجيل دفع المستحقات المالية المترتبة عليه.
حالة الطالب "خطيرة"
صباح 15 أيلول/ سبتمبر، قال محمود زريقات مدير مستشفيات البشير التي يعالج فيها الطالب، لموقع "الرؤيا الإخباري" المحلي، إن حالة الشخانبة "سيئة"، مبرزاً أنه مصاب بـ"حروق من الدرجتين الثانية والثالثة" لأن مادة البنزين التي سكبها عليه زادت سرعة انتشار الحروق في أنحاء مختلفة من جسمه.
وأضاف أن الطالب العشريني الذي يعالج في العناية المركزة بلغت نسبة الحروق 60% من جسده إذ تغطي البطن والصدر والوجه والرأس والكتفين والظهر.
في وقت لاحق من اليوم، انتشرت أنباء عن نقل الطالب إلى مستشفى المدينة الطبية "بسبب تطور وضعه الصحي الحرج".
"عندما يتحول التعليم إلى تجارة"... طالب جامعي يشعل النار في جسده لرفض جامعته دخوله الامتحان النهائي بسبب مستحقات متأخرة، ووالده يلوم "الحيتان ورأس المال الجشع" وينتقد عدم اتصال أي مسؤول أردني به لمواساته برغم أن نجله "بين الحياة والموت"
وفي أول حديث له مع وسائل الإعلام، قال والد الطالب لموقع "خبرني" إن ابنه "بين الحياة والموت بسبب ظلم الحيتان ورأس المال الجشع وتحوّل التعليم من عمل إنساني اجتماعي أخلاقي إلى تجارة".
وأضاف: "حرمونا من الجامعات، حرمونا من التعليم، حرمونا من العمل، حرمونا من الروح الإنسانية، قتلوا المواطنة فينا، قتلونا"، مؤكداً أنه لم يتواصل أي مسؤول "ولو صغير" معه لمواساته عقب الحادث.
وختم بأن حقه "عند رئيس الجامعة" وأنه عازم على أخذ حقه منه إن لم يكن بالقانون فـ"عشائرياً".
وكان المتحدث الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الأردنية قد ذكر أن تحقيقاً في الحادثة فُتح وجرى استدعاء رئيس الجامعة وكل من كان موجوداً لدى وقوع الحادثة للاستماع إلى شهاداتهم والوقوف على الملابسات قبل إحالة القضية إلى الجهات المختصة.
الجامعة تُكذّب الطالب
في بيانها عقب الحادثة، زعمت جامعة الإسراء أن "الطالب راجع بشكلٍ مُفاجىء الجامعة مُعترضاً على ‘ظُروفهِ الأكاديمية‘، ومُطالباً بِحلها الفوري، كما أكد عدم رغبتهِ في مقابلةِ أيٍ من المَسؤولين، مُهدداً بِحرق نَفسه مُباشرة ورافضاً التواصل لاستيعاب ‘المُشكل‘ أو الوصول لتَسويات وحلول أكاديمية سَليمة، وإذ بِه يُضرم النار بِنفسه عن طريق سكب مادة سريعة الاشتعال، برُغم مُحاولةِ رَجُلِ الأمن الجامعي وأحد المُوظفين ثنيه عن فِعلته".
وذلك برغم تأكيد مصادر عدة أن الطالب "حاول مراراً مقابلة رئيس الجامعة ليوضح له ظروفه المادية الصعبة والمبلغ الزهيد المتبقي عليه، بشهادة طلاب قسمه جميعاً، لكن من دون فائدة".
من جهتها، أوضحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأردنية أنها طلبت من رئيس جامعة الإسراء تزويدها تقريراً مفصلاً يُبين حيثيات الحادثة كاملة، لافتةً إلى أنها تتابع القضية "بشكل حثيث ومستمر".
ووصفت الوزارة الحادثة بأنها "مؤشر خطير، لا بد من الوقوف عندها ودراسة الدوافع التي تقف خلفها والعمل على منع تكرار حوادث مماثلة حفاظاً على أبنائنا الطلبة".
تعقيباً على بيان الوزارة، قالت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة في الأردن (ذبحتونا): "لا يجوز أن تكون الجامعة الخاصة صاحبة التقرير، فهي أحد أطراف القضية ولا يعقل أن يطلب منها لأنها لن تقوم بإدانة نفسها. كل تقرير صادر عن لجنة شكلتها الجامعة نفسها مرفوض جملة وتفصيلاً".
الدولة متواطئة؟
ورأت "ذبحتونا" أن ما حدث "نتيجة طبيعية للسياسات الحكومية تجاه الجامعات الخاصة التي تحولت إلى شركات ربحية تتعاطى مع الطالب على قاعدة مالية صرفة بعيداً عن أي جانب أكاديمي"، و"أمر متوقع في ظل إعطاء الضوء الأخضر للجامعات الخاصة بغية الاستفراد بالطلبة وعدم تدخل وزارة التعليم العالي وتخليها عن دورها، وهذا ما جعل الطلاب فريسة للجامعات الخاصة بعدما باتوا يشعرون فيها بالظلم والقهر".
وشددت الحملة على أن "أحد أهم الأسباب في ما حصل هو قانون الجامعات الذي عُدّل على نحو يخدم رأس المال على حساب العملية التعليمية"، لافتةً إلى أن "القوانين والأنظمة لا تفرض أي نوع من الرقابة على الأمور المالية للجامعات الخاصة وعلى علاقة الجامعة مع الطالب".
وزارة التعليم العالي اعتبرت أنها "مؤشر خطير، لا بد من الوقوف عندها لمنع تكرارها". لكن الدولة متهمة بالتواطؤ لدى السكوت عن "قانون الجامعات الذي عُدّل على نحو يخدم رأس المال على حساب العملية التعليمية" وإعطاء "الضوء الأخضر للجامعات الخاصة بغية الاستفراد بالطلبة"
وتابعت: "القرارات المالية للجامعات الخاصة نافذة مباشرة ولا توجد أي جهة تصادق على القرارات المالية أو تراقبها. كما أنها تستطيع رفع الرسوم ووضع رسوم إضافية، كيفما تشاء من دون رقيب أو حسيب. فلا تقدم طلباً ولا حتى بلاغاً للوزارة في حال رفع الرسوم أو فرض غرامات على الطلاب".
وختمت: "عندما يصبح أساس العملية التعليمية هو الجانب المالي والربحي أولاً وأخيراً، لا بد أن نصل إلى هذه المرحلة".
عقب التفاعل الشعبي الواسع، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأردني، محي الدين توق، تشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على جميع الأحداث والوقائع، مصيفاً أن الوزارة "خاطبت سابقاً عدة مرات جميع الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة بشأن ضرورة مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الطلبة الجامعيون، خاصةً الذين يعملون لتأمين الرسوم المطلوبة منهم. وشددت على عدم منع أي طالب من التقدم للامتحانات النهائية، أو حرمانه من الإطلاع على علاماته نتيجة لتأخره في تسديد الرسوم".
وقفة احتجاجية وغضب
أمام مبنى الجامعة، نفّذ عدد من أبناء قبيلة بني حميدة، التي ينتمي إليها الطالب، وقفة احتجاجية صباحاً، اعتراضاً على تعامل إدارتها مع ابنها على هذا النحو المخزي.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب أردنيون كثر عن استنكارهم موقف الجامعة وطالبوا بإقالة رئيس الجامعة أحمد النصيرات ومحاكمته أيضاً. ولفتوا إلى أن موقف رئيس الجامعة مع الشخانبة ما هو إلا "سمة عامة لرؤساء الجامعات" في البلاد.
"القوانين والأنظمة لا تفرض أي نوع من الرقابة على الأمور المالية للجامعات الخاصة وعلى علاقة الجامعة مع الطالب".
وكتبت الرئيسة التنفيذية لمركز الشفافية الأردني هيلدا عجيلات عبر تويتر: "لست مع #إقالة_رئيس_جامعة_الإسراء فحسب. ولكن مع محاكمته أيضا. فالأصل أن يتقدم الطالب للامتحان ويحصل على نتيجته ثم يتسلم شهادته بعد تسديد الرسوم. هذه نتيجة خلط المال بالعلم يا بتوع المدارس!!".
واعتبر الصحافي زياد الشخانبة الحادثة "كبيرة لا تُغتفر، وموجعة حد الفزع، تضع أخلاقنا وإنسانيتا في رمال الجشع، والعقد الاجتماعي في سلة المهملات". وحث الأردنيين على التوقف عن "التغني بالتسامح" بعدما "أسقط رأس المال القيم والرحمة وهو يتعالى على طالبٍ يلملم أوراقه ليتخرّج من جامعته... مستقوياً على شابٍ يتوق إلى تحقيق حلمه".
لكن وجهة نظر أخرى طرحها مواطنون ومعلقون، بينهم هالة المجالي التي كتبت: "مش قادرة استوعب عقل هالشعب. أكثر من نصف الاردنيين كانوا يشتغلوا ويدرسوا واللي درس في البيت واللي درس في (الجامعة) الهاشمية (الحكومية) يعني كل واحد على قدو. أما تروح على (جامعة) خاصة وعلى أغلى جامعات الأردن وتحكيلي ظلموني وما معي أدفع؟ عنجد شو هاد؟". وردّ فريق آخر مقترحاً أن الشاب ربما درجاته لم تسعفه للالتحاق بكلية الهندسة في جامعة حكومية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...