شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بيان جمال مبارك... خاتمة لصراعات قديمة أم بداية لجولات جديدة؟

بيان جمال مبارك... خاتمة لصراعات قديمة أم بداية لجولات جديدة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 19 مايو 202212:36 م

فوجئ المصريون بفيديو نشره السيد جمال مبارك على موقع يوتيوب. المفاجأة جاءت من أن الرأي العام المصري لم يكن مشغولاً بمبارك وابنيه ومحاكماتهم الداخلية والخارجية، فالواقع تجاوزهم بشكل كبير، ونوعية القضايا الآنية التي تشغل المصريين تخص الغلاء والفقر، حتى أن أحداً لم يعد يحمِّل زمن مبارك وسياسات وزرائه وِزر ما تمرّ به مصر الآن من أزمات اقتصادية، كما كان يحدث في السنوات التي تلت تنحّيه عن السلطة إثر ثورة يناير 2011.

المفاجأة جعلت السؤال الأول والمنطقي والبديهي هو: لماذا حدث ذلك الآن؟ ولماذا اختار هذه الطريقة، ولم يكتب هو أو أخوه علاء "تغريدة" أو "تغريدات" يقول فيها ما يريد، خاصة أن تغريداته واشتباكاته مع الآخرين لا تنقطع؟

إشارات الفيديو

حمل الفيديو الذي يمتد على مدّة 21 دقيقة إشارات مهمة، يتضح تماماً أنها مقصودة، وأن هدفها إيصال رسالةً ما بنعومة، دون صراخ أو انفعال.

بدأ الفيديو بشاشة سوداء مكتوب عليها باللغة الإنكليزية Press statement from the family of president Mubarak on the successful conclusion of all our international judicial proceedings، ثم ترجمة عربية للجملة: "بيان صحفي من أسرة الرئيس مبارك بشأن الاختتام الناجح لجميع الإجراءات القضائية الدولية الخاصة بالأسرة"، مع ذكر تاريخ الفيديو: 17 مايو 2022.

وثُبِّتت الشاشة على العنوان وترجمته، تباعاً، لمدة 20 ثانية، قبل أن يظهر وجه جمال مبارك بادئاً بالبسملة باللغة العربية، ثم تكون المفاجأة أن "البيان" باللغة الإنكليزية، ما عدا في الدقيقتين الأخيرتين اللتين وجّه فيهما رسالة إلى أبيه في مثواه باللغة العربية.

أطلّ جمال مبارك وهو يقف، على يسار الشاشة قليلاً، بين صورتين لوالده، إحداهما مع حفيده، وتحدث دون أن يهتز، مرتدياً بذلة كحلية داكنة فوق قميص أبيض وربطة عنق كحلية بخطوط رصاصية مائلة...

تفاصيل المشهد تقول للمشاهد المتعمق منذ البداية إن الرسالة المباشرة التي سيقدّمها المتحدث بعد قليل ليست هي المقصودة وحدها، بقدر تقديم "وجه رئاسي" يدرك أصول الظهور الرسمي، ويجيد التكلم باللغة الإنكليزية بطلاقة، رجل تعلم في مدارس أجنبية وعمل في مؤسسات اقتصادية دولية كبرى، بل ومارس السلطة طوال عشر سنوات على الأقل وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يكون الرجل الأول، كما يجيد التحدث بلغة عربية بنطق سليم تماماً، دون أن ينظر في ورقة، ودون أن يتلعثم أو تخونه المفردات، أو يتوه ويخرج من موضوع إلى آخر.

جمال مبارك إذن، وعلى الأغلب، لم يكن يوجّه "البيان الصحافي" للمصريين وحدهم، والذين يعرفون أكثر مما يعرف، بل أيضاً إلى القوى المتنفذة في العالم، خصوصاً أن مصر ستفتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية بعد أقل من عامين، وهي المدة التي يحتاجها مرشح جاد كي يقدّم نفسه بالتدريج لناخبيه في الداخل، وللقوى الدولية التي لا يمكن إغفال تأثيرها وتدخُّلاتها المباشرة وغير المباشرة في الخارج.

هل يفكر جمال مبارك في الرئاسة؟

كثيرون من المنشغلين بالشأن العام في مصر يسألون أنفسهم هذا السؤال، ويسألون عن فرص جمال مبارك في النجاح إنْ فعلها، وعن اعتقاد قطاعات واسعة من المصريين أنه ربما يكون هو الحل الآن، قياساً على أن الحالة الاقتصادية والمالية للموظفين كانت أفضل في عهد مبارك الأب، وأن هؤلاء كانوا يتقبلون حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن ضرورة ربط الأحزمة ومساعدة مصر، إلخ، لكنهم لم يعودوا يتقبلونه لثلاثة أسباب: الأول أن الأحزمة ضاقت على البطون بشكل كبير حتى لم يعد لدى كثيرين مجال للحياة في أبسط صورها، والثاني أنه لا توجد أي إشارات على تحسن الأحوال، بالرغم من أن الرئيس وعد أكثر من مرة بأن تنتهي الأزمة، وأعطى تواريخ محددة، لكن الأزمة تشتد عمّا قبل باستمرار، والثالث أن الأزمة لا تطال فئات بعينها مثل ضباط الجيش والقضاة الذين تحسنت حالتهم كثيراً عما كان عليه وضعهم قبل 25 يناير 2011.

"تفاصيل المشهد تقول للمشاهد المتعمق منذ البداية إن الرسالة المباشرة التي سيقدّمها المتحدث بعد قليل ليست هي المقصودة وحدها، بقدر تقديم ‘وجه رئاسي’ يدرك أصول الظهور الرسمي، ويجيد التكلم باللغة الإنكليزية بطلاقة"

أصوات كثيرة من المثقفين والصحافيين تستبعد أن يُقْدِم مبارك على ترشيح نفسه، لأنه وعائلته يدركون اهتزاز صورتهم لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري، وهم يقللون من فرص نجاحه إنْ فعلها!

لكني أتصور أن كل الأمور واردة، وأن الانتخابات، على أي مستوى، لها ظروفها الخاصة التي لا تشبه ما قبلها وما بعدها، فهناك خبراء يمكن أن "يصنعوا" أجواء لها طبيعة خاصة، تدفع الناس باتجاه محدد هنا والآن، بقواعد اللعبة وقتها: الأموال المنفقة، وحِرَفية الدعاية، واستغلال أخطاء الآخر، والدعم الذي يمكن أن يتلقاه هذا المرشح أو ذاك من القوى الدولية والإقليمية.

مسرح الإمارات

أي متابع يدرك الدور الكبير الذي تلعبه دولة الإمارات وقادتها في صناعة المشهد السياسي الإقليمي، لهذا فإن الزيارة "شبه الرسمية" التي قام بها جمال مبارك للإمارات يوم 16 أيار/ مايو الحالي ليعزّي الشيخ محمد بن زايد في وفاة أخيه الشيخ خليفة لفتت أنظار متابعين كثيرين، خصوصاً أنه الخروج الأول العلني لمبارك منذ شباط/ فبراير 2011، وقت تنحي أبيه عن الحكم... فهل هي صدفة أن يزور الإمارات ثم ينشر الفيديو، ومن المفترض أنه كان جاهزاً بالفعل، بعد ذلك بيوم؟

هناك إشارات متباعدة عن خلاف في وجهات النظر بين القيادة المصرية والتوجه الخليجي في بعض الملفات، يُفصّح عنها أحياناً بصراحة أو بالتلميح، ولا مجال لتكرارها هنا.. لكن ما لا شك فيه أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، التي نتجت عن تداعيات وباء كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ستؤثر على بعض الدول بشكل كبير ومبالغ فيه، أكثر كثيراً من دول أخرى، ومنها مصر، أولاً لأنها تعتمد على استيراد القمح والمواد الغذائية بشكل كبير، وهذه ارتفعت أسعارها نتيجة التضخم العالمي وتوقف إمدادات روسيا وأوكرانيا، ولأن وارداتها أعلى بكثير من صادراتها، مما يجعل الميزان التجاري مختلّاً، وأخيراً لأن حجم الدين الداخلي والخارجي على مصر يمثل عبئاً كبيراً، إلى درجة أن فوائد الديوان وحدها تأكل 51% من الناتج القومي، كما ورد في ميزانية 2021. والأمور تتجه نحو الأسوأ.

فهل يستطيع الرئيس أن يعبُر هذه الأزمة بنجاح رغم كل هذه الأجواء المعاكسة؟ والأهم: هل يفيد ذلك جمال مبارك لو فكر في التقدم للرئاسة؟

الطعن في نزاهة القضاء المصري

"لا يوجد دليل واحد على أن والدي الراحل ووالدتي قد تملَّكا أصولاً خارجية من أي نوع، ولم تثبت صحة الادعاءات بأن أفراداً آخرين من الأسرة أخفوا أصولاً في الخارج، كان هناك إفصاح طوعي وشفاف عن جميع أصولنا بما يتماشى مع القوانين المعمول بها. ولم تثبت صحة كل الادعاءات بشأن النشاط المهني لي ولأخي. تبيَّنَ قضائيّاً مشروعية كافة مصادر دخلنا".

"جمال مبارك، على الأغلب، لم يكن يوجّه ‘البيان الصحافي’ للمصريين وحدهم، والذين يعرفون أكثر مما يعرف، بل أيضاً إلى القوى المتنفذة في العالم، خصوصاً أن مصر ستفتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية بعد أقل من عامين"

هذه العبارات هي ملخص فيديو الـ21 دقيقة وفحوى الرسالة التي أراد جمال مبارك إيصالها لمَن يفهمون الإنكليزية، لكنه يُرسل رسالة أعمق، وهي أن القضاء الدولي برَّأ أفراد عائلته من جميع التهم المنسوبة إليهم، بما فيها ما تضمّنه الحكم النهائي الذي أصدرته محكمة النقض المصرية يوم 9 كانون الثاني/ يناير 2016، والذي قضى بالحكم على مبارك ونجليه بالسجن ثلاث سنوات في قضية القصور الرئاسية، ورد مبالغ مالية، مما اعتُبِر إدانةً نهائيَّةً في جريمة مخلة بالشرف تمنع أي منهم من مزاولة العمل السياسي في المستقبل.

ربما لهذا، وصف جمال مبارك التهم التي وجهتها السلطات القضائية المصرية لعائلته بـ"الادعاءات والأكاذيب"، وقال إن الإجراءات القضائية التي اتخذتها العائلة ضد المجلس الأوروبي في محاكم الاتحاد الأوروبي، لم يكن الهدف منها الإفراج عن أموالهم المحبوسة فقط، بل "أن نثبت بشكل قاطع أن العقوبات كانت غير قانونية منذ البداية لارتكازها على إجراءات قانونية انتَهَكَتْ حقوقنا الأساسية"، وهذا طعن مباشر في نزاهة القضاء المصري.

وشرح جمال مبارك تفاصيل ما حدث قائلاً: "بناء على طلبات مصر، اتخذت سلطات خارجية مختلفة إجراءات احترازية، وعقوبات داخلية، وفُتحت تحقيقات مع أفراد أسرتي. كان الهدف هو التحقق مما إذا كانت المزاعم الموجهة ضدنا في مصر مبنية على أسس سليمة، أو لها أي صلة بأي أصول محتفظ بها في الخارج، وشمل ذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي التي استندت بشكل خاص وفقط إلى الإجراءات المصرية، ضدي وضد أسرتي. لذلك لم يكن أمامنا خيار آخر سوى الدفاع بقوة عن موقفنا أمام السلطات القضائية الأجنبية".

وأضاف: "اليوم، وبعد عشر سنوات من التحقيقات المستفيضة بما في ذلك العديد من طلبات المساعدة القانونية الدولية المتبادلة بين مختلف السلطات القضائية والعديد من الإجراءات القضائية في دول عديدة، فقد ثبت أن جميع الادعاءات الموجهة ضدنا كانت كاذبة تماماً".

وتابع: "مع الصلاحيات الواسعة الموكلة إليها بما في ذلك مطالبة المشتبه بهم بشرح مصادر أصولهم، لم تكتشف سلطة قضائية واحدة في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، أو في الواقع في أي ولاية قضائية أجنبية أخرى، أي انتهاك قانوني من أي نوع من قِبلي أو من قِبل أسرتي. هذه هي الحقائق التي تم التحقق منها بشكل مستقل وقضائي وبالتالي لا يمكن دحضها".

أخيراً...

قد يكون بيان جمال مبارك مقصوداً منه ما جاء فيه فقط، أي تبرئة أسرته من تهم الفساد والتربح من السلطة، وتكوين بؤرة أو جماعة فساد تعمل بالمشاركة للاستيلاء على أموال الشعب المصري، وقد يكون مقصوداً منه طموح مستقبلي. الأيام والشهور القادمة ستبين ذلك، لأن هذه الخطوة لا بد أن تتبعها خطوات أخرى لو كان في الأمر أي نظر للبعيد، لو افترضنا طبعاً أن الحكم القضائي النهائي الذي صدر في يناير 2016 لا يعطل ذلك.

لكن يبقى أن المصريين يعرفون الخلل السياسي والإداري في نظام مبارك، وهو خلل قد لا تستطيع قاعات المحاكم إمساك أدلته بشكل قاطع، ويعرفون السلطات الواسعة التي كانت ممنوحة لجمال مبارك خارج القانون، ما أنشأ، وقتها، عواراً دستوريّاً كتب عنه كثيرون، وكاد أن يحوّل مصر إلى دولة وراثية تحت ستار جمهوري!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image