في 15 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن وزير الزراعة المصري، السيد القصير، اعتماد مصر للهند كدولة منشأ جديدة لاستيراد القمح، في إطار جهود الدولة لتأمين وارداتها من تلك السلعة الاستراتيجية، التي تعتمد عليها في إنتاج الخبز المدعم لنحو 60 مليون مواطن، لكن أمس السبت الموافق 14 آيار/ مايو، أعلنت الهند حظر صادرات القمح بشكل فوري، بعدما أدت موجة الحر القائظ إلى تقليص إنتاجها وارتفاع الأسعار المحلية إلى مستوى قياسي.
وقالت الحكومة الهندية إنها ستستمر في السماح بالصادرات المدعومة بخطابات اعتماد صادرة بالفعل، وإلى البلدان التي تطلب إمدادات لتلبية احتياجاتها من الأمن الغذائي. وذكر مسؤولون حكوميون إن هذا الحظر ليس دائماً ويمكن تعديل القرار مستقبلاً.
بدوره أكد وزير الزراعة المصري، السيد القصير، إن مصر مستثناة من القرار الهندي، لأنها من البلدان التي تحتاج القمح لتلبية احتياجات أمنها الغذائي.
ووفقاً لرويترز، فإن الهند المصنفة كثاني أكبر دولة منتجة للقمح على مستوى العالم، هي المورد الرئيسي للقمح في هذا الوقت من العام، وزادت صادراتها من الحبوب منذ غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وما استتبعه من فرض عقوبات دولية على روسيا جعلها تتشدد في تقييد التصدير، وقبل الحظر كانت تستهدف شحن 10 ملايين طن من القمح هذا العام إلى المشترين العالميين، الأمر الذي كان من شأنه تخفيف الضغط في أسواق الحبوب، في ظل بحث المشترين عن بدائل لإمدادات دول منطقة البحر الأسود.
ورغم عدم كونها أحد أكبر مصدري القمح على مستوى العالم، لكن من المتوقع أن يدفع الحظر الذي فرضته الهند الأسعار العالمية إلى مستويات مرتفعة جديدة؛ نظراً لضعف المعروض بالفعل، مما سيضر بشدة بالمستهكلين الفقراء في آسيا وأفريقيا بشكل خاص.
ومن المعروف أن مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح على مستوى العالم، حيث يراوح احتياجها المحلي بين 9 و12 مليون طن سنوياً، توفر نحو ثلثيهما من الاستيراد، فيما يغطي الإنتاج المحلي الثلث المتبقي. وكانت مصر تعتمد على روسيا وأوكرانيا لتوفير نحو 80% من وارداتها من القمح قبل اندلاع الحرب.
تأكيدات المسؤولين المصريين أن مصر ضمن الدول المستثناة من قرار وقف تصدير القمح الهندي لا يزال ينتظر التأكيد من الهند نفسها. والإنتاج المحلي قد يوفر بعض الأمان
وفي الشهر الماضي، اشترت مصر كميات كبيرة من القمح معظمها من فرنسا؛ لدعم الاحتياطيات المتناقصة للمرة الأولى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي تقلصت إلى مخزون يكفي 3 أشهر فقط، على خلاف مستهدف الحكومة الذي يسعى إلى تغطية 6 أشهر. لكن اضطرت الدولة الأكبر في العالم العربي من حيث عدد السكان إلى الشراء بأسعار ترتفع نحو 36% تقريباً عن آخر عملية شراء قبل الغزو في شباط/ فبراير 2022.
الحكومة تشرح الوضع
وخلال المؤتمر الصحفي العالمي لإعلان رؤية الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، اليوم الأحد، 15 مايو/ أيار، قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن تكلفة استيراد 10 ملايين طن من القمح تحتاجها مصر، ارتفعت من 2.7 إلى 4.4 مليار دولار، جراء الحرب الروسية الأوكرانية. وأشار إلى أن سعر طن القمح في مايو 2021 كان يسجل 271 دولاراً، أما حالياً فيسجل نحو 435 دولاراً.
وعن قرار حظر الهند تصدير القمح، قال رئيس الوزراء إن مصر اتجهت للهند كبديل لاحتمال تناقص كميات القمح، لكنها لم تكن من الدول التي تستورد منها مصر من قبل.
مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح على مستوى العالم، حيث يراوح احتياجها المحلي بين 9 و12 مليون طن سنوياً، توفر نحو ثلثيهما من الاستيراد
فيما قال وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصليحي، إن القرار الهندي يستثنى الاتفاقات الحكومية والتعاقدات التي أبرمت بالفعل، مؤكداً أن من بين الدول المستثناة جمهورية مصر العربية.
وأضاف أنه منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على إمدادات القمح في مصر، وافق مجلس الوزار على تعديل القواعد المنظمة لاستيراد القمح، بمنح هيئة السلع التموينية السلطة لعمل اتفاقيات مباشرة مع موردين مباشرين أو حكومات، بعدما كان الأمر يقتصر على تطبيق قانون المشتريات والمناقصات، وأنه في ضوء هذه الموافقة، أصبحت مصر تجري مناقشات مع العديد من الحكومات من بينها: الهند وأستراليا وفرنسا وكازاخستان وغيرها.
خبير اقتصادي: الدولة استبقت الأزمة بزيادة مساحة زراعة القمح وتطوير الصوامع لتقليل الهدر. لكن الطريق إلى الاكتفاء الذاتي لا يزال طويلاً ومليئاً بالمعوقات البيئية واللوجستية
وتابع: "العالم كله باصص على مصر كأكبر مستورد للقمح، إزاي مش بتستورد دلوقتي؟" معقباً بأن مصر لديها احتياطي يكفي 4 أشهر وهي الآن في موسم حصاد محلي وتستهدف الحكومة هذا العام محصول يصل إلى 5.5 مليون طن للمرة الأولى، وهذا يكفي لنهاية العام: "بس طبعاً هنحتاج نستورد من 4.5 لـ5 مليون طن إضافي للعيش البلدي، بالإضافة للقطاع الخاص اللي هيستورد حوالي 5 مليون طن متبقيين حسب معدلات الاستهلاك".
أما وزير الزراعة، السيد القصير، فقال إنه في إطار الإجراءات الاستباقية، بحثت مصر عن أسواق جديدة لتوفير القمح، وأصبح لديها الآن 22 منشأ معتمد لاستيراد القمح من بينها الهند التي تحركت إليها سريعاً. وأضاف أن هناك شحنة هندية يجري تسيلمها حالياً إلى مصر تزن 60 ألف طن، ويجري التفاوض على شحنات إضافية: "مؤكداً أن مصر مستثناة من القرار الهندي بحظر تصدير القمح".
وتابع بأن مصر تعمل على محاور متعددة لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى أكثر من 65%، من خلال محورين، أولهما التوسع الأفقي بتنفيذ مشروعات قومية لزيادة الرقعة الزرعية لتعويض النقص الناجم عن التعدي على الأراضي الزراعية والزحف العمراني، إضافة إلى مشروعات كبيرة يف شمال ووسط سيناء والريف المصري والدلتا الجديدة وتوشكى، مشيراً إلى أنه مع اكتمال هذه المشروعات بالتأكيد ستزيد الرقعة المخصصة لزراعة القمح. أما المحور الثاني، فيتمثل في التوسع الرأسي، فمصر من أعلى الدول في إنتاجية وحدة الفدان بالنسبة للقمح، بمتوسط إنتاجية 2.8 طن للفدان (19- 20 إردب) مقابل 1.5 طن في المتوسط العالمي. لكن الوزير لفت إلى أن الزيادة السكانية تؤثر فعالية هذه التحركات الرأسية والأفقية.
القمح الهندي
في تصريحات تليفزيونية مساء أمس السبت، قال رئيس الحجر الزراعي المصري، أحمد العطار، الذي كان عائداً لتوه من زيارة إلى الهند لفحص أول شحنة من القمح تستوردها القاهرة من نيودلهي، إن مصر ينطبق عليها استثناءات حظر التصدير التي حددتها الهند، حيث أبرمت معها عقوداً للتصدير بالفعل، كما أنها من الدول التي تحتاج إلى القمح لتلبية احتياجاتها من الأمن الغذائي.
ومع هذا، قال العطار إنه جرى التواصل مع السفير المصري في الهند لمعرفة تفاصيل قرار حظر التصدير وموقف مصر بالتحديد، خاصة أن القرار الصادر لم يحدد أسماءً لدول بعينها.
وطمأن رئيس الحجر الزراعي المواطنين، بأنه لن يكون هناك مشكلات في القمح تحت أي ظرف، حيث يعتمد الحجر الزراعي 22 منشأ لاستيراد القمح بينهم الهند، وإذا تعثر الاستيراد منها، فهناك موردين آخرين منهم: روسيا، فرنسا، رومانيا، صربيا، لاتيفيا، الأرجنتين، أمريكا وكازاخستان.
وعن مواصفات القمح الهندي، قال العطار إنه فوجئ بعد فحص العينات بإرسالها إلى معمل أوروبي له فرع في العاصمة الهندية ومعتمد دولياً، بأن القمح الهندي عالي الجودة وسعره أقل، مشيراً إلى أن نسبة البروتين فيه تتجاوز الـ14% وهي نسبة مرتفعة، ونسبة الرطوبة منخفضة تتراوح بين 8 و9% فقط وهذا من شأنه التوفير في الأوزان.
كما تلتزم الهند باشتراطات الحجر الزراعي المصري، فيتم جمع وحصاد القمح من مناطق خالية تماماً من الأمراض الحجرية الخطيرة، وبالفعل جاءت العينات خالية من الآفات الحجرية وأي أمراض نباتية تهدد الثروة الزراعية المصرية.
وتابع بأن الشحنة الأولى من الهند والتي تصل مصر خلال أيام، وزنها يتراوح بين 60 و63 ألف طن، وجاري التعاقد على شحنات أخرى من قبل وزارة التموين، لافتاً إلى أن سعر طن القمح الهندي 380 دولاراً، وهو أقل من الأسعار الأخرى بنحو 115 دولاراً في الطن الواحد، وبالتالي فالمركب الواحد يوفر للدولة أكثر من 100 مليون جنيه.
جهود محلية لتأمين القمح
في 21 نيسان/ أبريل الماضي، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدء حصاد موسم القمح في منطقة توشكى، جنوب مصر، في إطار خطة الدولة لتأمين محصول القمح الاستراتيجي.
وقال مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، اللواء أركان حرب وليد حسين أبو المجد، إنه تم استصلاح وزراعة 220 ألف فدان من محصول القمح في كل من توشكى والعوينات والفررافرة وعين دالة بإجمالي إنتاجية مستهدفة تصل إلى 550 ألف طن، وتتطلع الدولة خلال العام الجاري والمقبل، إلى استصلاح وزراعة 530 ألف فدان إضافية ضمن المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع توشكى، ليصبح الإجمالي 750 ألف فدان بمتوسط إنتاجية 2 مليون طن، طبقاً لأقصى مقنن مائي بالمنطقة، وفي المستقبل القريب يتم إضافة 400 ألف فدان بمنطقة الضبعة ضمن مشروع الدلتا الجديدة، ليصبح الإجمالي العام 1.2 مليون فدان بإجمالي إنتاجية مستهدفة 3 ملايين طن قمح.
بدوره قال رئيس الشركة العامة للصوامع، كمال هاشم، إن موسم حصاد القمح هذا العام 2022، بدأ مع بداية نيسان/ أبريل الماضي، ويستمر حتى نهاية آب/ أغسطس المقبل، مشيراً إلى أنه حتى الآن جرى توريد 1.7 مليون طن من القمح، من مستهدف يصل إلى 5.5 مليون طن محلي خلال العام - مقابل 3.5 مليون طن خلال موسم حصاد 2021-
وأضاف في تصريحات تليفزيونية، إن المخزون الإجمالي من القمح في الصوامع يصل إلى 3 ملايين طن، مشيراً إلى أن الدولة تقف على أرض صلبة من ناحية مخزون القمح.
ولتشجيع الفلاحين على زراعة القمح، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رفع سعر التوريد المحلي من خلال تقديم حوافز وتيسيرات تمثلت في زيادة سعر إردب القمح من 720 إلى 820 جنيهاً، إضافة إلى حافز قيمته 65 جنيهاً للإردب، لتصبح هناك زيادة قدرها 165 حنيهاً للإردب، هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
ماذا لو تراجعت الهند عن استثناء مصر؟
يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع، إن الهند لم تكن أبداً من الدول الأكثر تصديراً للقمح، وإن كانت من الدول الأكثر إنتاجاً، ودخولها سوق التصدير يرتبط بانخفاض إمدادات روسيا وأوكرانيا -اللتان كانتا تشكلان 29% من إنتاج القمح عالمياً- نتيجة الحرب.
وأضاف نافع لرصيف22، إن الهند مثلها مثل دول أخرى، رأت أن تحد من صادراتها نظراً لطبيعة الأزمة وارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض المعروض العالمي، وهذا الأمر مصر كانت متحوطة له، من خلال اعتماد أكثر من وجهة لتوريد القمح بخلاف الهند مثل: الولايات المتحدة وكندا وكازاخستان، والآن هناك نظرة لباكستان: "الفكرة كلها إننا نحصل على الكمية المطلوبة بسعر معقول والمواصفات المطلوبة".
وتابع أن الاحتياطي المصري من القمح في ضوء تعاقدات الاستيراد والإنتاج المحلي يكفي حتى كانون الثاني/ يناير 2023، وهذا أمر جيد، مشيراً إلى أن مصر تعتمد على الري المنتظم ولهذا لم تتعرض لنفس الارتباك الذي شهدته دول شمال أفريقيا التي تعتمد على المطر وأثر فيها تغير المناخ سلبياً: "موسم الحصاد في مصر يسير بوتيرة جيدة".
وقال نافع إن الإنتاج المحلي من القمح هذا العام يقارب نصف الاستهلاك وباقي الكمية المطلوبة يتم التعاقد لاستيرادها، أما عن إمكانية استبدال القمح بحبوب أخرى لإنتاج الخبز، فقال نافع إنه أمر يرجع لوزارتي الزراعة والتموين، لكن مسألة تغيير طبيعة الاستهلاك وأذواق المستهلكين تحتاج إلى وقت طويل، مشيراً إلى أن احتياطي مصر من القمح كافي ولا ينذر بأزمة.
كذلك قال عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، مجدي الوليلي، إن مصر اعتمدت الهند كمنشأ للقمح مؤخراً فقط، مشيراً إلى أن قرار الأخيرة بحظر صادرات القمح لن يؤثر على السوق المحلي في الوقت الحالي، خاصة أن موسم الحصاد يسير بوتيرة جيدة، إضافة إلى التعاقدات الأخيرة التي أبرمتها هيئة السلع التموينية لاستيراد القمح من فرنسا بسعر 490 دولاراً للطن، وإن كان هذا يعتبر أعلى سعر للشراء نظراً لتأثير الحرب الروسية الأوكرانية ونقص إمدادات منطقة البحر الأسود.
ومع هذا قال إن قرار الهند بحظر تصدير القمح، قد يزيد الضغط على الأسعار العالمية للقمح بشكل عام، منوهاً إلى أنها اتخذت هذا القرار لحماية استهلاكها المحلي، وهي دولة يصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار نسمة، وارتفعت أسعار القمح المحلي بها إلى مستوى قياسي، حيث وصلت في بعض الأسواق الفورية إلى 25 ألف روبية (320 دولاراً) للطن، وهو مستوى أعلى بكثير من الحد الأدنى لسعر الدعم الحكومي البالغ 20150 ألف وربية (260 دولاراً.
وأشار الوليلي في تصريحات لرصيف22، إلى ضرورة تعديل أسلوب استهلاك القمح محلياً حتى استقرار الأسواق العالمية، مقدماً مقترح بخلط دقيق القمح بدقيق الذرة أو الشعير؛ لتوفير كميات كبيرة من القمح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...