في منفاه الشرقي، عاش الحبيب بورقيبة واحدة من أصعب مراحل حياته، ذلك أن قاهرة الأربعينيات لم تكن سخيةً معه بما يكفي، ليجد نفسه فيها منذ أيامه الأولى، ربيع العام 1945، معزولاً ووحيداً.
مثل سمكة فقدت ماءها، أصبح ''الزعيم الوطني الكبير'' مجرد لاجئ لا يعرفه إلا قليل من الناس في مدينة كبيرة، ويعاني فوق كل ذلك من ضيق الحال المادي. فبعد مقام غير طويل عند صديق فرنسي كان يعمل مدرّساً في تونس ويدعى بيار مونيه، اسقر بورقيبة في فندق "لوكاندة مصر" المتواضع في ميدان العتبة الخضراء في وسط القاهرة. ثم طافت به الأقدار على فنادق ودور عدّة من النادي الرياضي لجمعية الشبان المسلمين في شارع رمسيس مروراً بدار الإخوان المسلمين في الحلمية وصولاً إلى فندق كونتيننتال سافوي، في ميدان الأوبرا، بعد أن تحسنت أوضاعه المالية بدفع من صديقه الفلسطيني، محمد علي الطاهر، رئيس تحرير جريدة الشورى.
بعد هذا الطواف الطويل، بدأ بورقيبة في بناء شبكة علاقات واسعة في أوساط النخب المصرية والعربية التي كانت تتخذ من القاهرة منصةً لنشاطها، وساعده في ذلك محمد علي الطاهر، الرجل ذي العلاقات المتشعبة مع النخب الثقافية والسياسية، والذي كان معجباً ببورقيبة وارتبط بصداقته الوطيدة حتى وفاته.
أخيراً، استقر الزعيم التونسي في شقة مستقلة في شارع نوال في العجوزة، وبدأ شتات القيادات الوطنية التونسية والمغاربية يتجمع في القاهرة في إطار "مكتب تحرير المغرب العربي"، وشرع بورقيبة بنشاط سياسي واسع منطلقه القاهرة، قاده إلى زيارات نحو الشرق الأقصى والولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى هامش كل ذلك، دارت بين الزعيم المنفي وفتاة مصرية قصة حب عاصفة... والأصح أنها كانت قصة حب من طرف واحد، وبرواية واحدة!
الحب على شاطئ النيل
عام 1993، نشر الصحافي المصري جميل عارف كتاباً بعنوان "أنا وبارونات الصحافة"، كتب مقدمةً له محمد حسنين هيكل. تحدث فيه عن ذكرياته في مهنة الصحافة التي بدأت منذ عام 1945. ومن بين فصول الكتاب اللافت يتحدث عارف عن قصة حب عاشها الحبيب بورقيبة في القاهرة تحت عنوان "غراميات بورقيبة على ضفاف النيل".
يقول عارف: "كان يسكن في الشقة المقابلة لشقة بورقيبة عازف كمان مغمور اسمه عبد الله، وكان الرجل يتكسب من العمل مع الفرق الليلية في الملاهي وعلى مسارح القاهرة وكان أقصى ما يتحصل عليه هذا الرجل من دخل يتراوح من 20 إلى 25 جنيهاً كل شهر. وأعجب الحبيب بورقيبة، الذي كان يعيش وحيداً في شقته، بكبرى بنات الرجل وكان اسمها عطيات. وفي صباح أحد الأيام دق المجاهد التونسي الكبير جرس باب جاره ليقول لعازف الكمان: ‘إن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى بسابع جار وأنا أول جار لكم وأعيش وحيداً في الشقة المواجهة لشقتكم’. ورحب عازف الكمان بالحبيب بورقيبة ودعاه لدخول شقته حيث أكرم وفادته وقدمه إلى أفراد أسرته أي إلى زوجته وإلى بناته الأربع. وكان حديثاً مثيراً انتهى بالاتفاق أن يدفع الحبيب بورقيبة مائة جنيه كل شهر لجاره مقابل أن تقوم بناته بتنظيف شقته في غيابه بالإضافة إلى غسيل ملابسه وكيّها وأيضاً إعداد وجبات طعامه".
ويكمل الرواية: "توطدت عرى الصداقة بين بورقيبة وجاره عازف الكمان. ومرت عدة أسابيع شوهد بعدها الزعيم التونسي الكبير وهو يشتري في كل يوم الفول المدمس والخبز، وأيضاً اللحم والخضروات حتى تقوم بنات عازف الكمان بإعداد الطعام له تنفيذاً للاتفاق بينه وبين والدهنّ. ولا يعرف كثيرون أن بورقيبة كان يكتب الشعر باللغة الفرنسية، وأنه كتب أيام إقامته في القاهرة، أكثر من مائة قصيدة شعر كان يتغزل فيها بعطيات كبرى بنات عازف الكمان، وواحدة من هذه القصائد كان مطلعها يقول ‘عطيات... عطيات يا مون آمور’ وتعني عطيات... عطيات يا حبيبتي!".
ويتابع القصة بالقول: "كان للحبيب بورقيبة في القاهرة صديق هو المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر، وكشف لي الرجل الذي لم يكن الزعيم التونسي الكبير يخفي عنه سراً من أسراره الخاصة عن الحقيقة في قصة العلاقة بين الحبيب بورقيبة وعطيات، قال لي إن بورقيبة كان فعلاً متيماً بها وأنه كان يحبها لدرجة الجنون ولكنه كان حباً من طرف واحد. ودفعني ذلك لأن أسأل المجاهد التونسي مرةً عن حقيقة علاقته بجارته عطيات. كانت صداقتي به تسمح لي بأن أوجه إليه سؤالاً مباشراً، فقلت له: ‘إن كل أصدقائك يتحدثون عن أشعار الغزل التي تكتبها باللغة الفرنسية، وتتغزل فيها بحبك لفتاة مصرية اسمها عطيات’. وأمسك الحبيب بورقيبة بيدي، ثم ضغط عليها بشدة، وهو يقول لي: ‘يا صديقي إن حبي لها يعصف بقلبي’. قلت له لماذا لا تطلب يدها من والدها حتى تتزوجها على سنة الله ورسوله. قال طلبت يدها، وللأسف اعتذرت بحجة فارق السن".
في القاهرة، دارت بين الزعيم التونسي المنفي الحبيب بورقيبة وفتاة مصرية قصة حب عاصفة... والأصح أنها كانت قصة حب من طرف واحد، وبرواية واحدة!
و"مرت الأيام ليعود الحبيب بورقيبة إلى تونس بعد أن حصلت على الاستقلال وليصبح المجاهد التونسي الكبير رئيساً للوزراء ثم رئيساً للجمهورية"، يتابع عارف القصة، "وكان أول قرار اتخذه هو استدعاء عازف الكمان المصري إلى تونس حيث منحه ترخصياً للإقامة مدى الحياة، وأكثر من ذلك عيّنه مديراً للإذاعة التونسية. رغم أنه أصيب بحالة اكتئاب استمرت لأسبوع، عندما كان في القاهرة، حين عرف أن عطيات قد وافقت على الزواج من تاجر مليونير يعمل في تجارة الحديد في القاهرة".
رواية هشة
تبدو رواية جميل عارف لقصة حب بورقيبة متماسكة وصلبة للوهلة الأولى، ولكن هشاشتها ما تلبث أن تظهر عند التدقيق في حبكتها شديدة الرومانسية والدرامية، والتي حاول من خلالها عارف أن يُظهر عمق العلاقة التي كانت تجمعه بالرئيس التونسي الأسبق، قبل أن يصبح بورقيبة رئيساً، رغم أن تراث بورقيبة نفسه في القاهرة من مذكرات ووثائق ورسائل يكشف بوضوح أن عارف لم يكن من الدائرة المقربة من الرئيس التونسي خلال فترة لجوئه في المشرق.
والفنان الذي سكن في الشقة المقابلة لشقة بورقيبة في شارع نوال في العجوزة هو سيد شطا (1897 – 1985)، الذي كان على علاقة عميقة بتونس منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومطرباً مفضلاً في قصور بايات تونس، واضطرته ظروف الحرب العالمية الثانية للبقاء في تونس ولم يعد إلى مصر إلا في نيسان/ أبريل 1946 مع زوجته ونجله حسني وبناته الثلاث وأكبرهن عطيات، التي توفيت في مصر عام 1998.
والمفارقة الكبرى أن عطيات في ذلك الوقت كانت متزوجة من تاجر تونسي يدعى حسني بنعلي الريان ولديها أبناء. وعندما نعرف أن مصدر رواية عارف الوحيد لهذه الصقة، بحسب ما ذكره هو بنفسه، هو "العم عبدون"، "بواب" العمارة التي كان بورقيبة يسكنها، ندرك مدى هشاشة القصة أكثر.
لكن في وجه آخر من وجوه هذه الرواية، تبرز شخصية جميل عارف الصحافية الخفيفة القلقة. حاولت أن أتقصى أخباره ممن عرفوه شخصياً، وفي ذلك قال لي صديقي المصري، الصحافي المتقاعد من جريدة الأهرام كارم يحيى إنه عرف جميل عارف، وكان "صحافياً متخصصاً في الشؤون العربية وحكاء من الطراز الأول ذا دم خفيف ودعابة لا تغيب، لكن يشتهر بين أهل المهنة من جيله بالتسرع والخفة في النقل وعدم التحقق من المعلومة أحياناً وفي ذلك له نوادر كثيرة".
وهذه الخفة تبدو واضحةً في تفاصيل الحكاية الغرامية. من ذلك أن عارف يؤكد على عمق علاقته ببورقيبة مشيراً في روايته إلى أنه كان من أول الناس الذين استقبلوه في القاهرة لكنه ينقل أن بورقيبة وصل إلى العاصمة المصرية عام 1947، مع أنه كان مقيماً فيها منذ نيسان/ أبريل 1945. كما أشار بلغة الواثق إلى أن الرئيس التونسي الأسبق كان قد سجل نجله الوحيد حين ولادته في باريس باسم "جان" ولكن هذا الاسم لم يعد يعجبه بعد أن حصلت تونس على استقلالها فأطلق عليه اسم "الحبيب الصغير"، وهي رواية لم يأتِ بها قبله أي مؤرخ وتكشف عن أي عارف كان يلاحق تاريخ بورقيبة من خلال الشائعات التي تدور حوله في القاهرة.
كما أن ظروف كتابة هذه الرواية وزمنها يلقي بثقله على مدى صحتها، ذلك أن جميل عارف الذي عُرف لسنوات بتحمسه لجمال عبد الناصر يبدو جلياً أنه كان سهل السقوط في تصديق خصوم بورقيبة الذين حظي بعضهم بالدعم المصري بعد الاستقلال.
ومع أن لبورقيبة عشرات الهفوات والخطايا، لا سيما سياسته الاستبدادية وسيطرته الأبوية على تونس على مدى ثلاثة عقود، إلا أن خصومه كانوا دائماً حريصين على إثارة مثالبه بنفس أخلاقوي، كتوجهاته الدينية وسلوكه الأخلاقي وعلاقاته بالنساء. وقد ظهرت لاحقاً شائعات ضده من طرف الإسلاميين فاقت قصص الغرام المصرية بأشواط في غرابتها.
ليست مجرد إشاعة
لكن رواية جميل عارف لهذه القصة لم تولد من العدم، بل تغذت على مدى طويل من شائعات كان الجناح المعارض لبورقيبة في القسم التونسي في مكتب المغرب العربي في القاهرة يثيرها حوله وحول سلوكه المالي، وهنا مربط الفرس. ذلك أن الصراع الذي اندلع في تلك الفترة بين بورقيبة ومجموعة من قيادات الحركة الوطنية التونسية حول خيارات الحركة في التعامل مع الوضع السائد داخل تونس بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تخفي وراءها سباقاً نحو الزعامة بين بورقيبة وخصومه، ساهم في دفع المجموعة المعارضة، والتي كان من بين رموزها الحبيب ثامر وحسين التريكي ويوسف الرويسي (مكتب دمشق) وغيرهم، إلى محاولة سحب الصلاحيات المالية لبورقيبة في قيادة مكتب الحزب في الخارج، بذريعة أنه كان يصرف أموال الحركة الوطنية على متعه الشخصية. وفي المقابل كان بورقيبة يتهم معارضيه بالتهم نفسها.
"كتب (الحبيب بورقيبة) أيام إقامته في القاهرة، أكثر من مائة قصيدة شعر كان يتغزل فيها بعطيات كبرى بنات عازف الكمان، وواحدة من هذه القصائد كان مطلعها يقول ‘عطيات... عطيات يا مون آمور’ وتعني عطيات... عطيات يا حبيبتي!"
ففي الفصل الذي سرد فيه جميل عارف قصة الحب المجهولة، قدّم لها بذكر دوافعه في إفشاء هذا السر، من خلال الإشارة إلى الأوضاع المالية لبورقيبة خلال فترة لجوئه، بالقول: "كنت ماراً في أحد الأيام في طريقي إلى وزارة الزراعة بالدقي، وكانت المفاجأة عندما شاهدت الرجل، فقد كان يرتدي جلباباً مغربياً يكشف عن ركبيته وينتعل في قدميه مركوباً أحمر اللون. وكان يحمل في إحدى يديه صحناً مملوءً بالفول المدمس وفي اليد الأخرى عدة أرغفة من الخبز وحزمة فجل. ولم أتمالك نفسي من الدهشة وأنا أصرخ في وجهه ‘ايه ده...يا سي الحبيب؟’ والتفت الرجل ناحيتي وهو يقول لي ‘اعمل ايه اذا كان عزام بخيل ولا يدفع لنا مصاري’. وهزتني كلمات الرجل بعنف (...) وبادرتُ بالتوجه في أشد حالات الضيف والانفعال إلى مقر الجامعة العربية القديم لأتوجه مباشرة إلى مكتب عبد الرحمن عزام (...) واقتحمت حجرة مكتب الباشا وقلت له ‘ازاي يا باشا تجيبوا زعماء العرب إلى مصر وتبهدلوهم!!’، فابتسم وهو يقول لي ‘ايه الحكاية؟’. قلت له شاهدت اليوم الحبيب بورقيبة في حالة مبهدلة، ولما سألته قال لي ‘عزام لا يقدم لي أي مساعدات’ (...) فناولني الباشا الملف الخاص بالحبيب بورقيبة، وقرأت بعيني المعونات الشهرية التي تقدمها العديد من الجهات للحبيب بورقيبة، من بينها 150 جنيهاً من شيخ الأزهر. وابتسم المرحوم عزام باشا وهو يقول لي ‘إن الحبيب بورقيبة يحصل في كل شهر على 516 جنيهاً بالإضافة إلى 30 جنيهاً تدفع إليه كمخصصات ثابتة من الأمانة العام للجامعة العربية’. وعندما بادرت بالاستئذان، استوقفني الباشا وهو يقول لي ‘إن كنت صحفي صحيح، وإن كنت عاوز ترضي ضميرك روح شوف الحبيب بورقيبة بيصرف الفلوس دي كلها فين، ولكن بشرط أن تكون تحقيقاتك لمعلوماتك الشخصية...وليس للنشر!! وغادرت مكتب الباشا لأتوجه إلى شارع نوال بالعجوزة وأجلس إلى جوار عم عبدون بواب العمارة التي كان الحبيب بورقيبة يسكن في أحد شققها"...
وهنا يبدو جلياً أن رواية جميل عارف كان دافعها الأول "التشكيك" في الذمة المالية لبورقيبة، لكنه في الوقت نفسه يورد أرقاماً مبالغاً فيها قياساً إلى ذلك الوقت، لا تخدم هذه الدوافع، ذلك أن قيمة الجنيه المصري في عام 1947 كانت تساوي 3.67 غرامات من الذهب الخالص، وتعادل 4.13 دولارات.
في هذا الجو من تقاذف تهم الفساد وسوء التصرف، ظهرت إلى دنيا الشائعات في مقاهي القاهرة التي يجلس فيها اللاجئون المغاربة من نخب ثقافية وسياسية قصة علاقة بورقيبة بفتاة مصرية والدها موسيقي. ولعل أصداء هذه الشائعات قد تسربت إلى بعض الكتب التي دوّنت سيرة بورقيبة من بينها كتاب الصافي سعيد "بورقيبة: سيرة شبه محرّمة"، حيث يروي في فصل "الركض بأكثر من سرعة في كل اتجاه" عن حياة الترف التي كان بورقيبة يعيشها صحبة خليلته في القاهرة قائلاً: "كان بورقيبة لا يعرف أي معنى للأموال. إنه ينفق كثيراً وبلا سيطرة مثلما يتكلم. وقد راح يعاشر نساء كثيرات سيئات السمعة. كان يتجول في شوارع القاهرة على متن سيارة من نوع سيتروين، ويقدم نفسه في الجلسات الخاصة على أنه مهاجر تونسي عائد من العربية السعودية. يسكن في منطقة المعادي الراقية ويواظب على قضاء عطلاته في الإسكندرية، حيث يقضي أوقاته بين رياضة الصيد وبين زورقة عائلة السيد عبد الحميد إسماعيل، وهو أحد الموظفين الكبار في البلاط الملكي، وعلى شاطئ الإسكندرية تعرف بورقيبة على ابنة الفنان سيد شطا، فأصبح لا يفارقها، بينما كانت تلك المرأة الغارقة في اللحم والابتذال كمثال على انحراف بورقيبة نحو ليالي اللهو".
ويعيد الصافي سعيد هذه المعلومات التي يثبتها في كتابه إلى رسائل القيادي في الحزب الدستوري الحبيب ثامر، دون أن يفصّل أكثر ثم يضيف مصدراً مبهما آخر بالقول: "ورد ذلك في أكثر من مصدر، انظر رسائل الباهي الأدغم، ومذكرات سليمان بن سليمان". مع أن الحبيب ثامر أصدر في ذلك الوقت كتاباً، عن منشورات مكتب المغرب العربي في القاهرة، يشيد ببورقيبة ويبايعه قائداً للحركة الوطنية التونسية واضعاً صورته إلى جانب الأمير المغربي عبد الكريم الخطابي وملك تونس، محمد المنصف باي.
وبين رواية جميل عارف الدرامية ورواية الصافي سعيد صلات بلا وصل. ذلك أن الفتاة التي يدّعي عارف أن بورقيبة أحبّها عندما كان يسكن في حي العجوزة على شاطئ النيل، هي نفسها الفتاة التي يشير إليها سعيد في روايته المنقولة حسب زعمه عن رسائل قيادات في الحركة الوطنية. مع اختلاف بين الروايتين في مكان سكن بورقيبة بين العجوزة والمعادي وكذلك في مكان اللقاء بين القاهرة والإسكندرية وفي سيرة الفتاة، التي صورها عارف بصورة مختلفة عن صورة سعيد.
هذا التآلف في الأصل والاختلاف في التفاصيل سببه الأساسي هو غموض المصدر الأصلي للقصة التي نبتت فجأة في مقاهي ومجالس المغاربة في القاهرة، في سياق حملة سياسية من خصوم بورقيبة، بعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية في كانون الأول/ ديسمبر 1946. وقد ذكر بورقيبة بنفسه في إحدى محاضراته في معهد الصحافة في سبعينيات القرن الماضي الرسالة التي وجهت إليه من طرف خصومه وفيها قرار رفع يده عن الأمور المالية للحزب معللةً بـ"أسباب يطول شرحها"، وقد ردّ بورقيبة على هذه التهم باتهمات مشابهة، من ذلك أنه اتهم خصومه بتبديد أموال الحزب على شؤونهم الخاصة في القاهرة، مع أن الطرفين، بورقيبة وخصومه، كانا يعيشان حالة فقر في القاهرة ويظهر ذلك في مذكرات عديدة نشرت لهم بعد عقود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...