انتهى الموسم الرمضاني، وكانت اليد العليا فيه للأعمال السورية الدرامية المعاصرة، مثل "كسر عضم"، و"مع وقف التنفيذ". تراجعت أعمال البيئة الشامية بشكل ملحوظ، مع استمرار أعمال قديمة بأجزائها الجديدة، مثل "باب الحارة"، وعُرض مسلسل "شامي" من نوع مختلف، يحكي عن ملاهي الشّام وراقصاتها، بدلاً من القبضايات والمخاتير، وهو "جوقة عزيزة". ومن المؤكد أننا سنرى المزيد من الأعمال الشامية في موسم رمضان 2023، مع نفس الخطوط الدرامية، ونفس القصص الاجتماعية... ونفس الأخطاء. إليكم بعض منها:
كلمات شامية
الحالة الدمشقية لا يمكن أن تُدرس في كتاب أو تقرأ في نص، ويجب على كل من يجسّدها أن يكون ابن تلك البيئة. هناك بعض الأخطاء اللفظية التي قد تكون مرّت فوق رأس معظم المشاهدين، ولكن يجب تفاديها في المستقبل. نأخذ على سبيل المثال كلمة "غرفة" في الأعمال التي تدور أحداثها في زمن العثمانيين، والأصح هي عبارة "أوضة"، وكلمة "مفتاح" والأصح في كلمة "الساقط."، طالما أردتم تجسيد الشخصية الشامية بكل أبعادها، فيكون من الضروري الانتباه لهذه التفاصيل الصغيرة.
موضوع اللباس
في دمشق أعراف اجتماعية للباس لا يجب تجاهلها. أولاد "الأكابر" إن صح التعبير، كانوا لا يلبسون الشروال الأسود العريض، لأنه كان مخصصاً للفعالة والأعمال الزراعية فقط. أولا الذوات والتجّار كانوا يلبسون القمباز حصراً، حول خضره زنّار حرير وفوقه معطف قصير يُسمى "ساكو." لا يمكن أن يظهر أحد "عاضاوات الحارة" بالشروال.
قضية الطربوش، وقد كتبت عنها كثيراً، هي قضية مهمة في أعراف دمشق وكل المدن السورية أيام زمان. جميع الطرابيش التي تظهر في أعمال اليوم هي عبارة عن كرتون، لا علاقة لها بالطربوش الأصلي المصنوع من الجوخ النمساوي من الخارج والقشّ من الداخل. لو أراد مديرو الإنتاج اقتناءها، هناك محل واحد يبيعها اليوم في مدخل سوق مدحت باشا، عند الباب الحديد، ولكنها غالية الثمن.
وفي الأدبيات الاجتماعية، يخلع الطربوش عن رأس صاحبه عند الدخول على أي مجلس، مثله مثل القبعة الأجنبية، ويُوضع مقلوباً على الطاولة، وليس "طَبّ.". الطربوش الطبّ كان "فال مو حلو" في دمشق، مخصص للجنائز فقط، ويوضع فوق نعش المتوفي.
تراجعت أعمال البيئة الشامية بشكل ملحوظ، مع استمرار أعمال قديمة بأجزائها الجديدة، مثل باب الحارة وغيرها. ومن المؤكد أننا سنرى المزيد من الأعمال الشامية في موسم رمضان 2023، مع نفس الخطوط الدرامية، ونفس القصص الاجتماعية... ونفس الأخطاء
السلاح الأبيض
لا يظهر الخنجر بهذا الشكل الفاضح على خصر العوام، بل يتم إخفاؤه لأنه سلاح خاضع لقوانين الأسلحة في الدولة. والأهم أن الناس البسطاء كانوا لا يخرجونه إلّا في حالات الضرورة القصوى، ولا يتشاجرون به في كل دقيقة، لأن مجرد سحبه دون سبب موجب كان عبارة عن جريمة يعاقب عليها القانون.
المخافر والاعتقال
لا يوجد سجن مركزي في السراي الحكومي بساحة المرجة، فهو مقر الوالي ومركز حكم الولاية، ولا أحد يتم اعتقاله بالسراي، بل في سجن مجاور في المرجة أو في قلعة دمشق. معظم الأعمال تتحدث عن أشخاص "اعتقلوا في السراي"، ولكن لا سجن يُذكر في تلك السراي، وهي قائمة حتى اليوم في ساحة المرجة (مقر وزارة الداخلية السابق).
في دمشق أعراف اجتماعية للباس، لا يجب تجاهلها. أولاد "الأكابر"، إن صح التعبير، كانوا لا يلبسون الشروال الأسود العريض، لأنه كان مخصصاً للفعالة والأعمال الزراعية فقط
أما عن رؤساء المخافر (الكركون) فجميعهم كانوا سوريين، لكي يتمكنوا من التواصل مع الناس، وليسوا أتراكاً غرباء عن المجتمع لا يتكلمون اللغة العربية. الموظفون الأتراك كانوا في المراتب الأعلى هرمياً، مثل القائم مقام ومدراء المدارس والخزينة. ينطبق هذا الأمر على مرحلة الانتداب الفرنسي، حيث يظهر في الأعمال أن شرطة المداهمة والدرك كانوا "بيض شقر" يتكلمون مع الأهالي باللغة الفرنسية. جنود المداهمة والاعتقال كانوا من السنغال، من مستعمرات فرنسا في شمال أفريقيا، أو من السوريين، أما المواطنون الفرنسيون فكانوا متواجدين في المناصب العليا، من ضباط وخبراء ومستشارين، ولا يمكن لمواطن فرنسي أن يقتحم منزلاً بدمشق أو يقوم بملاحقة رجل في الأزقة، شاهراً سلاحه مثل أفلام "الكاوبوي" الأميركية.
الكهرباء
فانوس الكاز جميل ويُضفي جوّاً شاعرياً في أي مشهد، ولكن مكاتب دمشق الحكومية وبيوتها الثرية كانت قد أنيرت بالكهرباء كلياً عند دخول فرنسا سنة 1920. حتى في زمن العثمانيين، دخلت الكهرباء السراي منذ سنة 1907، بعد إنارة الجامع الأموي أولاً، ومن ثم معهد الطب العثماني في منطقة البرامكة. معظم الأعمال تظهر هذه المكاتب والبيوت مضاءة بالشموع ومصابيح الكاز، في مشهد جميل ولكنه غير دقيق.
الباشا
ليس كل الباشوات متسلّطين، متعسفين، ظالمين في تعاملهم مع الناس، متعديين على أرزاق السوريين. الباشا بشر، مثله مثل أي شخص آخر، كان منه العاطل ومنه الوطني والإنساني، ولكن كل الأعمال تظهره بهذا الشكل النمطي الظالم، في إهانة كبيرة لباشاوات وطنيين، مثل مستشار السلطان عبد الحميد الثاني، أحمد عزت باشا العابد، وأمير الحج، عبد الرحمن باشا اليوسف، وأول رئيس وزراء في تاريخ سورية الحديث، رضا باشا الركابي. وتندرج هذه النمطية على معظم الشخصيات التي تظهر في الأعمال الشامية: حلّاق ثرثار، تاجر جشع، شيخ متزلف، وسيدة منزل عالية الصوت، وقحة العبارات، قليلة أدب.
فانوس الكاز جميل ويضفي جوّاً شاعرياً في أي مشهد، ولكن مكاتب دمشق الحكومية وبيوتها الثرية كانت قد أنيرت بالكهرباء كلياً عند دخول فرنسا سنة 1920
لهجة النساء
أما عن لهجة النساء الشاميات، التي أصبحت جزءاً من هذه الأعمال، فسوف أختم بما جاء على لسان الفنان الدمشقي الراحل تيسير السعدي، الذي عرف دمشق جيداً في كل مراحلها (هو تولد عام 1917 وتوفي سنة 2014). يقول السعدي ملخصاً في كلامه هذا الخلل في الأعمال الشامية: "حينما كانت النسوة تجتمعن للحديث في البيوت، يقتربون من مداخل البيوت ويقفون عند الباب فقط للاستماع والتمتع بلهجتهن. عندما تتحدث المرأة الشامية يأتي حديثها (تك تك تك تك) مثل زقزقة العصافير. ثم أن حديثهن مليء ومتخم بالأمثال والاستعارة، حتى لفظة (يوه) الشهيرة عند المرأة الشامية لم تكن تلفظ بالبشاعة التي تلفظ بها اليوم، لا على العكس تماماً، كانت أشبه بقوس الكمنجا، فيها أنوثة، فيها حلاوة وحيوية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع