شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
فايز قزق جوكر الدراما السورية في رمضان 2022

فايز قزق جوكر الدراما السورية في رمضان 2022

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 30 أبريل 202210:00 ص

نعرف أن الفنان الحقيقي قادر على تغير جلده مع كل دور يقوم بتجسيده، فيكسوه جلداً ولحماً لدرجة يتماهى فيها معه، لكننا لم نلتفت يوماً لقدرته على تغيير ذلك الجلد مرات عده خلال موسم درامي واحد، بل وأن ينجح في كل مرة، ويحقق حضوراً مدوياً كالذي حققه الفنان السوري فايز قزق، في موسم رمضان 2022.

جهد مسبق في المسرح

منذ فترة نشرت بحثاً حول تأثير مدرسة ستانسلافسكي على إعداد الممثل في سوريا، لم يكن الدافع وراء كتابة هذا البحث المشاركة فقط في ملتقى القاهرة للمسرح الجامعي، بل أردت من خلاله أن ألفت نظر الشباب الموهوبين والراغبين بممارسة مهنة التمثيل إلى أن هذه المهنة لا تكتفي بالموهبة، ولا حتى ببعض الورش السريعة الخادعة، بل إنها مهنة صعبة، تحتاج لثقل الموهبة من خلال الدراسة الأكاديمية والممارسة العملية الطويلة.

أثناء البحث، كان فايز قزق، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية والأستاذ الذي تخرجت على يديه، سواء داخل سوريا أو حتى خارجها،  عشرات بل ربما مئات من نجوم الدراما اللامعين اليوم، نصب عيني كنموذج للفنان الذي ثقله المسرح من خلال إعداد الممثل، سواء عندما كان طالباً أو بعد أن أصبح أستاذاً، فهو وحش المسرح، الذي قدم كممثل أدواراً عظيمة على خشبته، وخاصة مع المخرج العراقي جواد الأسدي، أذكر منها "الاغتصاب"، "حمام  بغدادي" و"تقاسيم على العنبر رقم 6" وغيرها، كما سبق له وأن لعب دور البطولة في "رسائل شفهية" مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فترة التسعينيات، ونال ذلك الفيلم شهرة واسعة، وخاصة أنه شارك في العشرات من المهرجانات السينمائية وشاهده الجمهور العربي.

نعرف أن الفنان الحقيقي قادر على تغير جلده مع كل دور يقوم بتجسيده، لكننا لم نلتفت يوماً لقدرة فنان على تغيير ذلك الجلد مرات عده خلال موسم درامي واحد، بل وأن ينجح في كل مرة ويحقق حضوراً مدوياً كالذي حققه الفنان السوري فايز قزق في موسم رمضان 2022

ورغم أن اسمه  كان قد لمع داخل وخارج سوريا، كممثل مسرحي، وربما سينمائي وأكاديمي بالدرجة الأولى، خصوصاً لدى المهتمين بفن السينما والمسرح، إلا أن شعبيته وجماهيريته لم تكتمل ولم تتحقق بالشكل الذي يستحقه، لأن صناع الدراما لم يلتفتوا لهذا العبقري بشكل جاد، ولم يسندوا له يوماً أدوار البطولة، ربما لأنه ليس وسيما بالقدر الكافي لتأدية دور الدونجوان، أو ربما لأنه فنان وصف بأنه من النوع  السهل الممتنع، أو ربما، وهو السبب المرجح برأيي، أن قزق لم يكن يوماً ضمن أي فرقة شللية، سواء قبل أحداث 2011 أو ما بعدها، لذلك لم يرشح اسمه لأي دور بطولة.

وكان قد سبق لي وأن كنت واحدة من طلابه في سنوات دراستي الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحية، وخاصة في المواد التي كانت تجمعنا نحن طلاب النقد بطلاب التمثيل، كمادة المختبر المسرحي، ولطالما استغربت منه هذا الدأب على متابعة مهنته كمدرس في المعهد حتى اليوم، مع ما يتطلبه ذلك من جهد ووقت، في مقابل مادي لا يكفي ثمن وقود تنقلاته من وإلى المعهد.

لكن فايز قزق، على ما يبدو، كان مقتنعاً تماماً أن هذه المهنة لا تقتصر على الأخذ، بل إنها قادرة أن تعطي أيضاً بقدر ما تأخذ، فهي الحافز الحقيقي لبقائه حتى الآن، رجلاً منتصب القامة، حاضر الذهن، جهور الصوت.

ثلاثة أعمال جديدة لرمضان

في هذا العام، وربما بمحض الصدفة، شارك الفنان فايز قزق بثلاثة أعمال درامية في موسم رمضان. المشاركة الأولى ضمن لوحات المسلسل الكوميدي "بقعة ضوء"، وهو عمل كوميدي اجتماعي وصل هذه العام لجزئه 15، قام بكتابة لوحاته مجموعه كبيرة من الكتاب والكاتبات، بينما أخرجه كل من ورد حيدر، عمرو علي ومجيد الخطيب، بالإضافة إلى علي المؤذن ورامي ديوب.

في "بقعة ضوء" يقدم فايز قزق أكثر من شخصية، من خلال لوحات درامية لا يتجاوز زمنها 25 دقيقة، وهو حين يفعل ذلك يستجيب لإرادة مخرجين شبان في عمر أبنائه، وهذا إن دل على شيء فهو موهبته وتواضعه وتقديره لكل مجتهد مهما كان عمره أو حتى سنوات خبرته.

موسم دراما رمضان 2022 أكد على أن فايز قزق هو جوكر الدراما السورية، والورقة الرابحة التي يمكن وضعها في أي خانة والمراهنة عليها، ومسلسل "كسر عضم" رسم خارطة طريق جديدة في حياة هذا الفنان الموهوب، سيلتفت لها لاحقا صنّاع الدراما السورية

أما العمل الثاني الذي يشارك فيه ولكن كضيف شرف، فهو مسلسل "مع وقف التنفيذ"، من تأليف  علي وجيه و يامن الحجلي، وإخراج سيف سبيعي. في هذا العمل، يؤدي فايز قزق دور رجل سوري من منطقة الفرات (دير الزور)، وهو رجل متنفّذ وسلطوي، كما أنه بغيض إلى حد كبير، ومدينة دير الزور المتاخمة للحدود العراقية يتحدث سكانها اللهجة العراقية، وهي لهجة بعيدة جدا عن لهجة باقي المحافظات السورية، وتحتاج للإتقان، وهو أمر قد يعيق الممثل عن توصيل إحساسه، لكن فايز قزق استطاع اتقانها والإمساك بالشخصية بحذافيرها، دون أن يجعلنا كمشاهدين نتوه أو نخلط بينها وبين شخصيته الثالثة، التي يلعب فيها دور البطولة المطلقة، في مسلسل "كسر عضم".

ويأتي مسلسل "كسر عضم" الذي يشارك فيه قزق هذه السنة، ليكرّسه ويضعه على قائمة نجوم الصف الأول في الدراما التلفزيونية، بعد أن كان كذلك على المسرح. إنه هنا البطل الذي ستدور حوله ومن خلاله معظم أحداث العمل (الذي كتبه علي الصالح في أول تجربة له، بينما تخرجه رشا شربتجي وتنتجه شركة كلاكيت) وهو نوع من الأعمال الدرامية التي تحاول أن تدخل في عمق الواقع السوري، من خلال محاكاة بعض من مفاصله، وخاصة الفاسدة منها، وهي التجربة الثانية للمخرجة مع هكذا نوع من الأعمال، بعد تجربتها الناجحة مع فؤاد حميرة في مسلسل "ذئاب في غابة الغزلان".

ويبدو أن القدر السعيد الذي حالفه هذا العام، كان من خلال إسناد هذا الدور له، فلقد نشرت بعض وسائل الإعلام العديد من التعليقات والأخبار التي تشير إلى أن الدور لم يكن مجهّزاً له، لكن قدره أن يسند له، ليحظى بفرصة بطولة مطلقة تليق به وبموهبته ومكانته كفنان من طراز خاص، وليحظى أيضاً للمرة الأولى بجماهيرية وشعبيه كبيرة، ليس فقط في سوريا، بل لدى كل الجماهير العربية التي شاهدت العمل.

فايز قزق في "كسر عضم"

يقدم فايز قزق في مسلسل "كسر عضم" شخصية أبو ريان، وهو رجل متنفذ، له صولاته وجولاته، حقق ثروة كبيرة عن طريق الفساد وأعمال النصب والرشاوي، لكن جبروته وحنكته، وحتى لصوصيته، ستنهار وتنكسر عند وفاة ابنه البكر ريان، الذي يلعب دوره الفنان سامر إسماعيل. إنه عينه اليمنى، كما قال له.

ورغم كل النجاح الذي حققه في الأعمال الثلاثة المشاركة في رمضان لهذا العام، لكن دقائق معدودة ضمن مشهد الموت والانكسار للأب المثكل بوفاة ابنه، ستكرّس نجومية فايز قزق، وستثبت للملأ كيف استطاع هذا الفنان أن يجسد تلك اللحظات الإنسانية العصيبة، عبر إيماءات وتعبيرات جسدية، وكأن هذه المشهد قد اختصر سنوات من مسيرة وجهد هذا الفنان، ووضعها دفعه واحدة أمام الشاشة، لتتعاطف معه كل الجماهير، على الرغم من أنه رجل مكروه، فاسد ومؤذ، تسبّب طيلة العمل بكوارث بنى عليها ثروته وجنون عظمته.

في النهاية،  لا بد لنا من القول إن موسم دراما رمضان لهذا العام قد أكد على أن فايز قزق هو جوكر الدراما السورية، والورقة الرابحة التي يمكن وضعها في أي خانة والمراهنة عليها، وأن مسلسل "كسر عضم" قد رسم خارطة طريق جديدة في حياة هذا الفنان الموهوب، سيلتفت لها لاحقا صنّاع الدراما السورية، وحتى العربية، وسيعطونها ما تستحقه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image